مرحلة

36 10 4
                                    

أيامٌ بلا كتابة أو حتى محاولة لنسج حروف في هيئة كلمات، أتأمل شجرة خفيفة الورق، لكنه وردي اللون والأغصان إحتل أطرافها بياضٌ لم أعرف هل هو انعكاسٌ للضوء أم أن الأغصان تشكوا عمرًا طال بها، فلم تعد قادرة على أن تثمر، ولم يكتب لها الله أن تسقط.

منذ فترة وأنا أتسائل عن سبب تسمية مراحل التعليم الأساسية بهذه الأسماء الثلاثة، فإذا إفترضنا أن الإبتدائي جاء من أن الطفل يبدأ مراحله التعليمية، والإعدادية هي مرحلة إعدادية وتجهيزية للطالب لحياته القادمة، ودعنا من المرحلة الثانوية الأن لأني تكاسلت في البحث عن معناها.

لكني توقفت عند المرحلة الإعدادية قليلًا، نحن نعلم أن في تلك المرحلة يرتدي الطلاب وشاح السماجة بإقتدار، فلا تعرف السبب وراء ثقل دم كل هؤلاء الأطفال.

لكن من خبرتي الكبيرة كمخضرم أفسر هذا الأمر بكون الأطفال في تلك المرحلة لا يكونون مستوين على برٍ بعينه، تكون الأهداف والأفكار في عقولهم كثيرة ومتداخلة، يومٌ يكونون يريدون الشهرة والمال، ويومٌ هدفهم الطب ويوم للهندسة، ويوم للتمثيل وأحيانًا تحدث الفلتات ويتطلع البعض ليصير كاتبًا، ناهيك عن عشقهم لكرة القدم، ولسببٍ ما يريد الكل أن يلعب في مركز الهجوم.

أيضُا في تلك المرحلة ينجذبون إلى أي شخص يرون أنه ناجح أو مشهور،يريدون أن يبرزوا مهاراتهم الغير موجودة كليًا، فتجد البعض يحاول الغناء لكنه يفشل، والبعض يحاول أن يصبح خفيف الظل لكنه يفشل فشلًا ذريعًا عندما يسمعه من يكبره تحديدًا، يعترضون لغرض الإعتراض، يشعرون أن في الحزن والبؤس ميزة فيصبح الجميع مكتئب وهولم يبلغ السادسة عشر، يدخلون في علاقات عاطفية مع أبناء وبنات دفعاتهم، وتلك العلاقات ليس لها غرض سوى تشويه قلب بريء مازال يتم تجهيزه لما هو أصعب.

يحاولون إثبات قوة شخصياتهم لكنهم يغفلون عن كون شخصياتهم غير متكونة في الأصل، أحاديث طويلة عن الجنس وكلام لا يفقهونه، الحديث عن مدى كون الفشل الدراسي شيء محبب للنفس، رغم أن أقل درجة يحصلون عليها تكون ناقصة درجتان عن الدرجة النهائية كأقصى حد للفشل.

عزيزي أنا لا أسخر من تلك المرحلة أو أنعت أصحابها بالأطفال لغرض إستفزازي، فأنا أيضًا مررت بتلك المرحلة وشعرت بتلك السماجة منذ أول يوم، وهذا هو المطلوب، ليس عليك أن تكره أي مرحلة، عليك فقط أن تستمتع بها وتتعلم منها، تُقوم أخطائك سريعًا لكي لا تسقط في نفس الأفخاخ التي لا تراها الأن.

عزيزي الذي لايزال في مرحلة صغيرة أريد أن أخبرك أن أجمل شيء في الحياة هو شعورك بنفسك وأنت تنضج، أنت تشعر بأفكارك تتشكل وتتغير،أفعالك تأخذ هيئة لم تعهدها في نفسك، تعرف في نفسك ماهيتك، هل أنت حليم أم سريع الغضب، تعلم ما تريد في هذه الحياة، تتبع منهاجًا معينًا، طرقًا تسلكها وأنت من إخترت، تشعر بهذا البناء يقوى يومًا بعد يوم ويثبت، لكن حذاري أن يثبت هذا البناء على الطريق الخطأ.

لكن النضج له ضريبة، الوعي ضريبة في حد ذاته، أنت تدرك أن الحياة ليست بهذا الهدوء والجمال، يمكن أن تعلم أن والديك ليسا على وفاق، وأنك لا تشبه عائلتك، يمكن أن تكون لا تحبهم، أو العكس المر، ستعرف أن الجنة طريقها صعب، والنار طريقها مغري، والأصدقاء لا يدومون، والخيانة مباحة، تتفاجئ بقوانين لم تكن تعلم أنك ستواجهها، تدخل ساقية الحياة بقدميك لتدور معها في حال أسوأ من حال حمار الساقية.

مع سعادتك بنضجك وانتظارك لكل يوم تكبر فيه، تفقد العديد، لأنك لست وحدك من يكبر، ومع كل يوم يمر هناك أشخاص يصلون إلى نهاية حياتهم بدون سابق إنذار، والمرض يدق الباب ولا يمهلك فرصة أن تفتح له  بإرادتك.

لكن الحياة بها سعادة، بها أفراح وابتسامات، بها لحظات لا تنسى، وبها ما يستحق أن يعاش.

فالنصيحة الأهم ألا تأسر نفسك، وتحرك، الأن.

كل مر سيمر يا عزيزي كما سيمر الحلو، لأن كل شيء يمر، بما فيه نحن.

فلا تمضي وقتك حزينًا لأن شاربك ولحيتك لم يكتملوا، خذ الصور بحرية لكي تتذكر نفسك في كل مراحلك، وأنتِ لا تنتظري أن تغيري شكلك لما تريدين.

فمهما بدلتم وعدلتم، أنتم ستظلون نفس الأرواح، التي إن أصلحتموها وخففتوا عنها ثقل الحياة، ستعيشون في راحة لا مثيل لها.

تحرك وأخطئ وتعلم واسقط وقم واضرب واشعر باللذة والألم.

هذا ما يجعلك إنسانًا.

لا تقضي عمرك تنتظر، افعل ما يمكنك فعله الأن، والزمان سيأتي بما يخبئ في جميع الأحوال، فلا تنتظره، ولا تخف منه، رب الخير لا يأتي إلا بالخير، فكل شيء خير.

خواطر اكثر سطحية و سخافةWhere stories live. Discover now