الفصل الثامن

5.7K 257 13
                                    

الفصل الثامن
أوقفت سيارتها أمام مقر شركته وهبطت منها تتجه بملامح مشدودة الى داخل الشركة ...
كانت تسير بخطوات سريعة مندفعة وكأنها لا ترى أحد أمامها سواه بكل خبثه ودنائته حيث ضغطت على زر المصعد ووقفت جانبه تنتظر نزوله عندما فُتِحت الباب ودلفت الى الداخل وضغطت على الزر المخصص للطابق الأخير ...
كانت متجهمة الملامح تعقد ذراعيها أمام صدرها وعقلها يفكر بالعديد من الأشياء التي يمكنها أن تفعلها ولكن هناك شيء واحد مصرة عليه وستنفذه حالا ...
اندفعت خارج المصعد ما إن فُتِحت بابه وإتجهت بخطوات متسارعة حيث مكتبه بعدما سألت أحدى الموظفات المارة بجانبها عن مكان مكتبه ..
وصلت الى حيث دلتها الموظفة لتجد سكرتيرته تجلس في مكتبها تمارس عملها عندما إنتفضت من مكانها تصيح عليها وهي تجري خلفها تخبرها أن تتوقف لكنها لم تهتم وهي تندفع الى داخل المكتب بكل قوتها فينتفض عمار من مكانه غير مستوعبا بعد ما يحدث فهاهي مريم تقف أمامه منتصبة الجسد بملامح شامخة يملؤها الحقد والتوعد وعيناها المتطرفتان تخبرانه بكم الرغبة داخلها في الإنقضاض عليه وإفتراسه ...
نطقت أخيرا بصوت حازم متحفز :-
" أريد الحديث معك ..."
أشار عمار بعينيه للسكرتيرة يخبرها أن تنصرف فأومأت برأسها متفهمة وتحركت خارج المكتب حيث أغلقت الباب جيدا ليهتف عمار بصوت خرج جادا قويا :-
" تفضلي ..."
تقدمت نحوه بخطوات ثابتة ووقفت أمامه لا فاصل بينهما سوى مكتبه تخبره بعينين تتطلعان إليه بكل تبجج وثقة ممكنة :-
" هي كلمة واحدة فقط سأقولها ، طلق ليلى وإتركها تعيش حياتها بحرية ..."
ملامحه كساها الجمود للحظات فقط عيناه من تتفرسان النظر في ملامحها التي لا يعشق سواها ...
وبالرغم من جموده المهيب كانت تقابله بثبات مثير للإعجاب ونظراتها تخبره بكل صراحة إنها لن تتراجع عما تريده ولو كلفها الأمر الكثير ...
" هل هي من طلبت ذلك ...؟! "
سألها بهدوء ونبرة خرجت عادية لا تحمل شيئا معينا وعاد يتسائل قبل أن يمنحها فرصة الرد :-
" هل أوكلتكِ للتحدث معي بشأن هذا نيابة عنها ..؟!"
قالت بجدية :-
" هي لا تستطيع قول ذلك .. لا تستطيع طلب الطلاق لسبب أنت تعرفه حق المعرفة ..."
صمت لوهلة يفكر في حقيقة إنها باتت تعلم كل شيء .. بالطبع ليلى هي من أخبرتها وبدوره لم يكن مستغربا فكان يتوقع أن يأتي اليوم وتعلم مريم من أختها حقيقة الأمر .. حقيقة تهديده لها كي تتزوجه لكنه راوغ كالعادة وهو يستفهم من جديد مدعيا الحيرة :-
" وما هو السبب الذي يمنعها عن ذلك ..؟!"
ضمت شفتيها للحظة ثم عادت ترسم على ثغرها إبتسامة متهكمة وهي تردد بملامح تتقد شرا :-
" تراوغ كالعادة ... حسنا لأتحدث أنا إذا بصراحتي المعتادة وأخبرك بما تدعي عدم معرفته رغم إنك تعرفه جيدا ..."
أضافت بصوت هادئ لكن قوي وملامحها كساها الكره الشديد بسبب ما تعرضت له شقيقتها من إبتزاز على يديه :-
" أنت هددت ليلى يا عمار... هددتها بحياة نديم مما جعلها مجبرة على الزواج بك ... تزوجتك وعاشت تعيسة لسنوات معك فقط كي تنقذ نديم من براثن إجرامك ..."
أردفت بنبرة مليئة بالبغض حيث لم تستطع منع نفسها من قول هذا :-
" كم إنكَ رجل نذل وحقير كي تستغل مشاعرها وحبها الشديد لأخيك ..."
وهنا لم يستطع عمار التحكم في غضبه فضرب بكفيه على سطح المكتب بقوة جعلتها تجفل لا إراديا ليندفع بعدها نحوها بسرعة مخيفة قابضا على ذراعها يهدر بها وهو يهزها بعنف :-
" إياك يا مريم .. إياكِ أن تتجاوزي حدودكِ وتنعتيني بصفات كهذه مهما حدث ... "
ومريم بالطبع إزداد غضبها منه أضعافا فجرت ذراعها من قبضته الشديدة بعنف وأخذت تصيح به بصوت منفعل ساخط :-
" بل سأفعل .. سأفعل لإنك تستحق ... الذي يستغل فتاة لا حول لها ولا قوة في إنتقامه يستحق هذا وأكثر ..."
وجدت ملامحه تشتد بطريقة مخيفة وعيناه بدتا على وشك الفتك بها بينما جسده يميل نحوها بنية الإنقضاض الحتمي عليها ..
في تلك اللحظة بدأ الذعر يتسرب إليها وقد إستوعبت أخيرا حقيقة وجودها أمام شيطان حقير لا يرحم فظهر الإرتباك جليا على ملامحها وهي تتراجع الى الخلف بخطوات بدت لا إرادية ولا وعي منها لكنه إنقض عليها بالفعل محيطا جسدها بذراعيه جاذبا إياها نحوه مقربا وجهه من وجهها المرتعب مرددا بحدة ونبرة مخيفة :-
" من أنتِ كي تتحدثي هكذا ..؟! من أين أتتك الجرأة كي تتحدثي معي بهذه الطريقة ..؟! "
حاولت السيطرة على خوفها من هذا القرب المقيت فأجابت بصوت خرج ثابتا وعينين واثقتين :-
" انا مريم ... مريم سليمان ... لا أخشى أحدا ولا يهمني أحدا .. أفعل ما يحلو وأعبر عما يوجد داخلي دون خوف او تردد ... انا مريم يا عمار .. مريم التي لن تترك شقيقتها الوحيدة فريسة لك ... لن تسمح لك بإستغلالها أكثر .. مريم التي ستحرر ليلى منك ومن قيدك يا عمار ..."
وبالرغم من شدة غضبه وضيقه من طريقة حديثها معه وما تلفظت به إلا إن إعجابه بقوتها وشراستها كان يزداد  أضعافا وعشقه الثابت لها بدأ يشتد بشكل مخيف ...
هي لا تدرك ما تفعله وما يشعر به الآن وفي هذه اللحظة حيث يحاصرها بين ذراعيه ووجهها الجميل قريب للغاية من وجههه ...
تأملت مريم نظراته الجامدة المسلطة على وجهها بقوة وعناد فطري فسمعته يقول وتلك النظرة الجامدة في عينيه تحولت الى أخرى شغوف أجفلتها :-
" لو تعلمين مدى إعجابي بكِ وبقوتك هذه يا مريم ... أنتِ ..."
صمت قليلا وهو يفترسها بنفس النظرة الشغوفة الخالصة ليزداد رعبها من تلك النظرات التي تمنحها أفكارا مرعبة لا تتمنى تصديقها بينما يسترسل بصوت إنتقل شغف النظرات له على ما يبدو :-
" أنتِ قوية وجذابة بشكل يعجز الكلام عن وصفة وتعجز القلوب عن تغاضيه..."
وفي لمح البصر وما إن قال ما في جبعته وانتهى منه إختفت النظرات الشغوفة وحل محلها الجمود من جديد ليسأل بصوت جليدي :-
" والآن ... هل إنتهيت أم هناك المزيد ...؟!"
حاولت مريم أن تستعيد ثباتها وتسيطر على ذلك الإضطراب الذي سيطر على كل إنش من جسدها بعدما حدث فهتفت بصوت خرج مرتجفا بشكل لا إراديا عنها :-
" طلق ليلى ..."
رد عليها بحزم قاطع :
" لن أفعل ..."
قاطعته بقوة وتصميم :-
" بل ستفعل ..."
سألها بملامح هازئة :-
" وكيف ستجبريني على ذلك ..؟!"
صاحت بنفاذ صبر منه ومن إسلوبه المليء بالإستفزاز :-
" طلقها يا عمار .. طلقها من فضلك .. "
هز رأسه نفيا دون رد وهناك إبتسامة مغيظة مرتسمة على شفتيه ..
" من تظن نفسك كي تتحكم في مصيرها هكذا ..؟!"
سألته بأعصاب مشدودة على وشك الإنفجار الحتمي لتجده يجيب وهو يطالعها بنظرات مستلذة بتلك الفتنة التي تسيطر على ملامحها الغاضبة :-
" هي من إختارت ذلك فلا تلوميني أنا يا مريم ..."
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقبض بكفها على المزهرية الموضوعة على المكتب جانبها تضغط عليها بقوة وداخلها تتمنى أن تحطم بها رأسه ...
نظر إلى كفها التي تعتصر المزهرية وقال بتهكم بارد :-
" خففي من عصبيتك يا مريم كي لا تصابي بالجلطة لا سامح الله ..."
وفي لمح البصر كان ترمي المزهرية على الأرض فتتحطم الى أشلاء بينما تصرخ هي به :-
" إخرس ... لا أرغب بسماع صوتك البغيض ... أنت ..."
أضافت بصوت مرتجف من فرط عصبيتها :-
" ستطلق ليلى يا عمار .. ستطلقها .. هل فهمت ..؟!"
قالت كلماتها الأخيرة وهي تشير بإصبعها ناحيته لتسمعه يسأل ببرود مستفز :-
" وإذا لم أفعل ..؟!"
تقدمت نحوه أكثر حتى بات التلامس بينهما وشيكا فتحدثت بصوت هادئ قوي وعينيها المشتعلتين تحاصران عينيه الراغبتين :-
" سأفضحك ... سأخبر نديم بكل شيء ..."
ورده كان باردا لا مباليا :-
" أخبريه ... لكن عليكِ إستشارة ليلى أولا فلا أظن إنها ستوافقك على هذا ..."
" سأخبره يا عمار ... سأخبره بكل شيء وكيف أجبرت ليلى على زواجها منك وحينها سيأخذ هو حقها منك كاملا ..."
نطقت جملتها الأخيرة بملامح شامتة فوجدته يهتف بسخرية :-
" أخبريه يا مريم لكن ضعي في رأسك إن تصرفك هذا سيزيد الطين بله .. حينها ستدمرين ليلى أكثر وتتسبين في موت نديم لإني سأنفذ تهديدي وقتها ..."
هتفت ببرود يماثل بروده :-
" لا يهمني نديم ولا تهمني أنت وما ستفعله ... ما يهمني هو شقيقتي ... شقيقتي فقط .. أما أنت وأخاك فلتذهبا أنتما الإثنان الى الجحيم .."
أنهت كلماتها ومنحته نظرة متوعدة أخيرة ثم إنطلقت خارج المكان بسرعة وهي تتوعد في داخلها لذلك الحقير ...
......................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now