الفصل التاسع والثلاثون

3.7K 169 21
                                    

توقفت مكانها تنظر له برهبة واضحة بينما تقدم هو بسرعة نحوها يتسائل بقلق :-
" هل انت بخير ..؟!"
أكمل وهو يتفحص كفها بعناية :-
" لم أقصد إفزاعك .."
رفع عينيه ينظر الى وجهها الباهت يتسائل مجددا بنفس القلق :-
" حياة ..!! هل تسمعينني ..؟!"
نظرت له وقد أفاقت من تلك الرهبة التي تملكتها لتومأ برأسها وهي تجيب بهمس :-
" انا بخير .. لا تقلق .."
قال بجدية :-
" عودي الى الغرفة وسوف أنظف الزجاج ..."
قالت بسرعة :-
" كلا ، انا سأفعل .."
أكملت وهي تنتبه لطريقتها المثيرة للريبة فتبتسم بلطف :-
" عد الى الغرفة وإنتظرني .. سأنظف الارضية وأعد القهوة لكلينا .."
هتف بدهشة  :-
" قهوة الآن ..؟! "
برمت شفتيها تردد :-
" الوقت متأخر أليس كذلك ..؟!"
أكملت وهي تبتسم له بخفة :-
" سأعد مشروب الكاكاو بالحليب .. تحبه أليس كذلك ...؟!"
رد مبتسما بصدق :-
" كل شيء من صنع يديك يكون رائعا وأحبه دون شك .."
لمعت عيناها بقوة وهي تردد بإبتسامة أبرزت غمازتيها :-
" إذهب هيا وإنتظرني .."
رد بجدية :-
" سأفعل شيئا واحدا وأغادر ..."
نظرت له بتساؤل لتتفاجئ به ينحني نحوها طابعا قبلة خفيفة فوق شفتيها يتبعها بأخرى فوق موضع غمازتها اليمنى ليردد وهو يغمز لها :-
" هذه تصبيرة فقط .. سأنتظرك .. لا تتأخري.."
إحتقنت ملامحها وهي تهز رأسها دون رد ليبتسم وهو يغادر المكان لتنظر الى آثره بشرود إستمر للحظات قبل أن تنخفض بجسدها نحو الأرض تلتقط حبة الدواء بأناملها تنظر إليها بحذر ...
تشعر إنها تخونه بما تفعله وكم يؤذيها هذا الشعور ..
كانت قد إتخذت قرارها مسبقا عندما قررت أن تستمر في زيجتها منه ونفذت الأمر دون تردد حيث سارعت تشتري حبوب منع الحمل وتتناولها بإنتظام لكن لا تعرف لماذا فجأة بات يتملكها شعور غريب من تأنيب الضمير ..
بالطبع لإنها تصرفت دون إخباره .. دون أن تستشيره ..
لا تعلم لماذا لم تخبره وهي تشعر داخلها إنه لن يعارض كما إنها ترى من منظورها الشخصي وتفكيرها العقلاني إن تصرفها صحيح جدا ...
هل يمكن أن ينزعج من تناولها تلك الحبوب ..؟!
هزت رأسها نفيا بسرعة وهي تردد داخلها :-
( بالطبع لا ، ما زال الأمر مبكرا جدا على الإنجاب .. هو بالتأكيد يدرك ذلك أيضا ...)
نظرت الى الحبة بحيرة استمرت لثواني قبل أن تحسم أمرها وهي تتناول الحبة تتبعها بالماء ...
أحذت نفسا عميقا ثم إتجهت تخرج الحليب ومسحوق الكاكاو من مكانه لتعد مشروب الكاكاو بالحليب الدافئ لكليهما ...
بعد مدة قصيرة حملت الكوبين وتوجهت الى غرفتهما لتدلف إليها فتجده مستغرقا في نومه ...
وضعت الكوبين على الطاولة بسرعة وتقدمت نحوه حيث جلست جانبه تتأمل ملامحه الهادئة عندما مدت كفها تلمس لحيته برقة وملامحها مليئة بالحب ..
الحب فقط لا غير كان يسيطر عليها في تلك اللحظة ...
أبعدت أناملها عن لحيته وهي تبتسم بنفس الحب عندما عادت تلمسها مجددا لتشهق بفزع وهي تراه يسحبها من كفها لتسقط على صدره فتتسائل بجزع :-
" ألم تكن نائما ..؟!"
قال وهو يقرص مقدمة أنفها :-
" هل صدقت إنني نمت حقا ..؟! كيف أنام وأتركك هكذا يا حياة ..؟؟ لن تتخلصي مني بسهولة .."
همست مشاغبة  :-
" أنت تتقن التمثيل يا نديم .. ظننتك نائما حقا .. يا لك من ممثل شاطر ..."
" انت لم تر شيئا بعد .. مواهبي متعددة .."
قالها وهو يغمز لها بشقاوة تراها لأول مرة على ملامح وجهه لتضحك وهي تهتف :-
" أحب أن أرى جميع مواهبك ..."
قلب جسدها يحاصره من الأعلى مرددا بعبث :-
" سترين جميع مواهبي .. أعدك بذلك ..."
أكمل وهو يلتقط فمها بقبلة عميقة إستجابت لها على الفور تبعها بقبلات متفرقة فوق وجهها ثم عنقها أشعلت لهيب الرغبة فيه وفيها فذابت بين ذراعيه كالعادة تمنحه الحب والعاطفة بسخاء مبالغ ...
تتفاعل معه بشوق لا يقل عن شوقه ...
تندمج معه وكأنها خلقت له منذ الأزل ...
وهو بدوره يكتمل بها .. يتناغم معها بشكل لم يستوعبه .. يرغبها بجنون .. يعشق تلك اللحظات التي يقضيها وهي بين ذراعيه أو هو بين ذراعيها .. لا يهم .. ما يهم إن معها وبين أحضانها ينسى كل شيء .. الماضي والحاضر وحتى المستقبل .. لا يفهم كيف تمنحه هذا الشعور المميز .. الهدوء والرغبة المشتعلة في آن واحد ..
معها يتوحد كليا وبها يجد ضالته ...
هي إمرأة أجادت إختراق عتمته حتى بات لا يرضيه شيئا أكثر من وجودها بين ذراعيه وبات إمتلاكها أساس سعادته ..
همست بصوتها المبحوح وهو يضمها داخل أحضانه طابعا قبلة طويلة فوق جبينها :-
" أحبك ..."
فيعاود طبع قبلة أخرى مغمضا عينيه مستمتعا بوجودها هكذا بين ذراعيه ..
........................................................................
كانت ممددة بين ذراعيه تستند بوجهها فوق صدره العاري تنظر أمامها بشرود تام فيسألها وأنامله تسير فوق وجهها :-
" بم تفكرين ..؟!"
ردت بصدق :-
" لم أستوعب بعد ما يحدث وكيف أصبحنا هنا ووصلنا الى هذه المرحلة .."
ابتسم مرددا بثقة :-
" كنت أعلم إننا سنصل الى هنا وقريبا وحدث ذلك بالفعل .."
رفعت عيناها نحوه تتأمله عن قرب .. ملامحه الرجولية الوسيمة بجاذبيتها المدمرة .. عيناه الخضراوين وبشرته السمراء .. لحيته الخفيفة وملامحه التي تجمع بين الوسامة والحدة ... كل شيء به جذاب بشكل مرهق ...
وكل مرة تنظر إليه تتأكد إنها تعشقه بكل كيانها ..
تعشقه بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
" ثقتك هذه تخيفني ... "
رددتها بعفوية ليبتسم وهو يرد بثقة :-
" ثقتي دائما كانت في محلها .. انا أعلم جيدا ما أريده وأسعى لنيله دون تردد ... انتِ ما أريده يا شيرين ولإنني سعيت بقوة لنيلك لم يكن لدي شك إننا سنصل لهذه اللحظة ..."
همست بخفوت :-
" بقدر ما يسعدني كلامك عن تمسكك بي ورغبتك هذه بقدر ما يخفيني .."
" مم يخيفك كلامي ...؟!"
سألها عاقدا حاحبيه بدهشة لترد بجدية :-
" رغم كل شيء .. دائما هناك داخلي خوف ...خوف منك وعليك .. خوف يلاحقني دائما يا عمار .. "
رفع جسده قليلا معتدلا في جلسته مرددا بتساؤل :-
" مالذي يخيفك بالضبط يا شيرين ..؟!"
إعتدلت هي الأخرى في جلستها فظهر قميص نومها الخفيف لترد :-
" أخاف منك يا عمار .. أخاف من تجبرك وتسلطك .. قوتك التي لا تتوقف عن إستخدامها .. خططك الدائمة .. أخاف من كل هذا وأخشى عليك في نفس الوقت .. أخاف عليك من شيطانك يا عمار .. شيطانك الذي يتحكم بك بكل قوته فتستجيب له ببساطة .."
اقترب نحوها يحتضن وجهها بين كفيه مرددا :-
" لا تخافي علي يا شيرين .. انا قوي بما فيه الكفاية لحمايتك وحماية نفسي .."
همست برقة :-
" أنا أحبك يا عمار .. أمنيتي الوحيدة أن أحيا معك بسلام .."
رقت ملامحه وهو يجذبها داخل أحضانه :-
" وعدتك إنك ستحصلين على كل الحب والسعادة معي .."
همست بتوسل :-
" لا تخذلني يا عمار .. انا وثقت بك .. سلمتك نفسي وقلبي وكل شيء .. حاربت الجميع لأجلك .. لا تخذلني من فضلك .."
طبع قبلة قوية فوق شعرها مرددا :-
" أعدك يا شيرين ..."
أكمل وهو يشعر بدموعها تبلل صدره :-
" فقط توقفي عن البكاء ... لا أحب رؤية دموعك .."
أبعدها عن صدره يمسح دموعها بلطف يردد :-
" لا أريد رؤية دموعك مهما حدث .."
همست بصوت إجش :-
" اسفة ولكنني حاولت ألا أفعل .. لم أستطع منع دموعي من التساقط .."
عاد يجذبها نحو صدره يردد بقوة :-
" إبكي يا شيرين .. أفرغي كافة دموعك لكن هنا .. فوق صدري ..."
تساقطت دموعها الحارة مجددا فيشدد من إحتضانها بقوة وحماية تملكت منه ناحيتها ..
ظلا على هذه الوضعية حتى إبتعدت عنه تنظر الى وجهه تهتف بصدق :-
" انت تعلم إنني أحبك كثيرا .."
هز رأسه يقول بدوره :-
" وأنا أحبك .."
ابتسمت من بين دموعها تردد :-
" أريد أن أعيش معك ما تمنيته طويلا .. ما عجزت عن الحصول عليه مسبقا .. أريد أن أنسى الماضي وتنسى أنت أيضا ماضيك ..."
قاطعها يتسائل وإصبعه يسير فوق وجنتها :-
" دوما ما تتحدثين عن ماضيك بطريقة غريبة .. أخبريني يا شيرين .. ماذا كان يحمل ماضيك ...؟! ماذا فعل بك زوجك السابق ...؟!!"
نظرت له برهبة ليرد :-
" أعلم إن هناك الكثير حدث في الماضي ... أعلم ذلك .. لهذا يهمني أن أعرف .. إفتحي قلبك وتحدثي يا شيرين ... "
إبتعدت عنه كليا تمسح دموعها بأطراف أناملها وهي تقول :-
" هناك الكثير يا عمار .."
" وانا مستعد لسماعه .."
قالها بإهتمام لترفع عينيها الحمراوين تههف بعدم تصديق :-
" سوف تستمع لقصتي مع رجل غيرك ..؟!"
رد بقوة ظهرت في عينيه :-
" ذلك الرجل خرج من حياتك ... انا الرجل الوحيد في حياتك بعد الآن ولا أحد سواي ..."
ردت بجدية :-
" لقد خرج بالفعل ومنذ سنوات .. هل تعلم الشيء الوحيد الذي لم أندم عليه يوما إنني أخرجته من حياتي ..؟! كان أفضل قرار إتخذته في حياتي يا عمار .."
" مالذي فعله ذلك الحقيرر..؟!"
سألها بملامح شديدة الغضب لتهمس بوجع :-
" الكثير يا عمار .. الكثير مما لا أريد تذكره حتى..."
أكملت والدموع تترقرق داخل عينيها مجددا :-
" لقد حطمني نفسيا .. دمرني يا عمار... "
أكملت بضعف والدموع الحارقة عادت تتساقط فوق وجنتيها :-
" هناك شيء واحد يمكنني إخبارك عنه ..."
نظر لها بإهتمام لتهمس باكية :-
" انا فقدت ابني بسببه .. فقدته مرتين .."
همس مصدوما :-
" كيف يعني ..؟! هل سبق وأنجبتي منه ..؟!"
هزت رأسها نفيا وهي تردد :-
" حملت .. حملت مرتين .. وفي المرتين خسرت حملي .. بسببه .. ولداي ماتا داخل رحمي بسببه .. لم أستطع تخطي هذا الأمر حتى اليوم ... كنت أرغب بهما بشدة رغم كرهي لوالدهما .. غريب أليس كذلك ..؟!"
نظر لها بإنصات لتكمل بحرقة :-
" كنت أريد أن أصبح أما ... كنت أريد تجربة شعور الأمومة ... في المرة الثانية بلغ حملي خمسة أشهر .. شعرت به يا عمار .. نما وكبر داخلي ... قلت سأنجبه وأفرح به .. سأصبح أما أخيرا .. لكنه مات .. تركني وذهب عند أخيه .."
إنخرطت في بكاء مؤلم فجذبها يعانقها بلهفة وهو لا يصدق ما يسمعه ...
" اهدئي .. انا هنا معك .. لا تقلقي ..."
ظل يكررها بإستمرار حتى توقفت أخيرا عن بكائها لتبتعد عنه وهي تمسح وجهها مرددة :-
" آسفة .. لقد أفسدت أول ليلة لنا سويا .."
ابتسم مرددا :-
" ليس مهما .. فقط كوني بخير ..."
قبضت على كفه تهمس بصدق :-
" سأكون بخير طالما أنت هنا بجانبي ..."
ابتسم وهو يمرر أنامله داخل خصلات شعرها ليقول :-
" هل تعلمين شيئا ..؟!"
نظرت له بتساؤل ليضيف :-
" أرغب كثيرا أن أكون أبا .. أن أنجب طفلا .. طفلا منك انت يا شيرين .. انت دونا عن غيرك ..."
" عمار .."
همستها بعينين دامعتين ليكمل :-
" انت الوحيدة التي رأيت بها الأم التي أتمناها لأطفالي .. أريد أن ننجب الكثير من الأطفال .. أن نكون عائلة كبيرة ..."
أكمل وهو يحيط وجهها بكفيه :-
" ألا تريدين أنت ايضا ذلك ..؟!"
ردت بعينين دامعتين :-
" أريد كثيرا ولكنني أخاف .."
قال وهو يحرك أنامله فوق وجنتيها :-
" أخبرتك ألا تخافي وانت معي .."
أضاف بجدية لا تخلو من اللهفة للحصول على طفل منها هي تحديدا :-
" لننجب طفلا يا شيرين ... "
ابتسمت مرغمة لينحني نحوها مقبلا شفتيها برغبة شديدة فتستجيب له وقد تمنت بدورها أن تحقق رغبته والتي تكون رغبتها هي أيضا ..
عاد يحتضنها بين ذراعيه بعد مدة مرددا بقوة :-
" أريد فتاة .. فتاة جميلة للغاية بعينين خضراوين وشعر بني طويل .. وأريد صبي .. صبي قوي وشجاع يحمل إسمي ... "
ضحكت رغما عنها تردد :-
" وماذا تريد بعد يا عمار بك ..؟!"
رد بعزم :-
" أريد الكثير من الصبيان والبنات يا شيرين .. لن أكتفي بطفلين او ثلاثة ... لن أكتفي سوى بعدد كبير من الأطفال ... "
همست تتسائل بفضول :-
" هل تريد أن يكون طفلنا الأول صبيا أم فتاة ..؟!"
رد بسرعة ودون تفكير :-
" فتاة .. وسأسميها ديانا ..."

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن