الفصل الحادي والخمسون ( الجزء الثاني )

2.2K 149 17
                                    

في صباح اليوم التالي ..
هبطت درجات السلم بخطوات سريعة قليلا جعلته يلتفت نحوها وهو الذي كان يتجه نحو غرفة الطعام بعدما أعد لنفسه قهوة بديلة عن طعام الفطور ليهتف بصدمة لا إرادية :-
" ماذا تفعلين يا حياة ...؟!"
اتسعت ابتسامتها وهي تتقدم نحوه مرددة بمرح :-
" صباح الخير ..."
ثم قبلته من وجنتيه ليخبرها بجدية بعدها :-
" هل نسيت إنك تحملين طفلا داخلك يا حياة ...؟! كيف تتحركين بهذه السرعة ..؟!"
نطقت بسرعة وعفوية :-
" لم أنتبه حقا ... كنت أريد اللحاق بك قبل مغادرتك ..."
أحاطها بذراعيه وهو يتقدم معها الى غرفة الطعام بينما يسألها :-
" ولماذا تريدين اللحاق بي ...؟!"
أجابته بجدية :-
" بسبب بعض المحاضرات التي أحتاج أن تشرحها لي ..."
سحب لها الكرسي لتجلس عليه بينما اتجه هو ليجلس على الكرسي الرئيسي للمائدة يخبرها بجدية :-
" أخبرتك إنني سأشرح لك ما تريدين ... هل ستذهبين اليوم الى الجامعة ..؟!"
هزت رأسها بينما حمل هو كوب الحليب ووضعه أمامها لتبتسم وهي تشكره قبل أن تجيب على سؤاله :-
" نعم ، مي تنتظرني هناك ... "
أكملت بتردد :-
" هل يمكنني أن أطلب منك شيء ...؟!"
رفع حاجبه مرددا بدهشة :-
" هل تستأذنين حقا يا حياة ...؟!"
ارتشفت قليل من الحليب ثم وضعته امامها مجددا قبل أن تخبره :-
" مي صديقتي .... تعاني من نفس المواد التي أعاني منها و ..."
أكمل نيابه عنها :-
" أنت تريدين أن أشرح لها معك ، أليس كذلك ..؟؟"
هزت رأسها بصمت لا يخلو من الإحراج ليهتف وهو يبتسم بصدق :-
" وما المشكلة في ذلك ..؟! "
هتفت بسعادة :-
" كنت أعلم إنك لن ترفض ..."
أكملت بعدها :-
" في الحقيقة أنا و مي سندرس كافة المواد سويا ... في السنوات السابقة كنا نقضي بضعة أيام عندي والعكس عندها ما عدا المبيت طبعا حيث نقضي اليوم كله فالدراسة ..."
هتف بجدية :-
" هذا منزلك يا حياة ولا داعي أن أخبرك بهذا وأتمنى حقا ألا تكوني تتحدثين بدافع الاستئذان ..."
همست بصدق :-
" الأمر ليس كذلك ولكن وددت أن تعرف ذلك ... يعني انا سوف أنشغل معها طوال الأسابيع القادمة وحتى نهاية الامتحانات وهذا يعني إنني لن أتواجد حولك أغلب اليوم و ..."
قاطعها بسرعة :-
" لا يهم يا حياة .. المهم أن تجتازي امتحاناتك على خير وبالشكل الذي تتمينه ..."
أضاف بعدها :-
" ولكن أنا أفضل ألا تذهبي أنت الى منزل مي وتقضي هي جميع الأيام هنا معك لإنك حامل وربما لن ترتاحي كثيرا خارج المنزل خاصة إنك سوف تقضين اليوم اكمله معها للدراسة ..."
قالت موافقة إياه :-
" معك حق .... سأخبر مي أن ندرس هنا يوميا ولا داعي لتقسيم الأيام بيننا ..."
" هذا رائع .."
قالها وهو يسحب كوبه ويرتشف منه القهوة لتسأله بضيق :-
" لماذا لا تتناول طعامك ..؟!"
رد بجدية :-
"لا أشعر بالشهية لتناول اي شيء ..."
أكمل يتسائل :-
" هل تريدين أن أخذك الى الجامعة في طريقي ..؟!"
سألته بإهتمام :-
"هل سوف تلتقي بوسام اليوم ...؟! أنت لم تخبرني عما يحدث هذه الفترة بشأن عملكما سويا ..."
تمتم بأختصار رغبة في عدم الخوض في هذا الحديث :-
" كل شيء سوف يسير على ما يرام ..."
تأملته لوهلة قبل أن تقول وهي تهم بتناول الحليب مجددا :-
" لا بأس يا نديم ..لن أجبرك على قول ما لا تريده ولكن عدني أن تنتبه على نفسك ..."
ابتسم دون رد ليجد الخادمة تتقدم منهما وتسألهما إذا ما كانا يريدان شيئا آخر ليسألها نديم بدوره :-
" هل غادرت غالية اليوم مبكرا ..؟!"
أجابته الخادمة :-
" غالية هانم لم تنزل من غرفتها حتى الآن ..."
هتف نديم بدهشة :-
" لم تنزل حتى الآن ..."
أشار الى الخادمة :-
" حسنا إذهبي أنت فنحن لا نحتاج شيئا بعد ..."
غادرت الخادمة بينما هتف نديم بحيرة :-
" من الغريب ألا تنزل غالية من غرفتها حتى الآن ... هي في العادة لا تتأخر عن موعد العمل ..."
قالت حياة بجدية :-
" ربما لن تذهب الى العمل اليوم ..."
نهض نديم من مكانه مرددا :-
" سأذهب لأراها ... تناولي فطورك جيدا ريثما أراها وأطمئن عليها كي أوصلك الى الجامعة بعدها .."
ثم تحرك متجها الى الطابق العلوي حيث غرفة شقيقته ...
طرق على لباب مرتين ولم يسمع ردا فشعر بالقلق لا إراديا عليها فسارع يفتح الباب ويدخل الى الغرفة ليجدها تجلس على سريرها وبيدها هاتفها تتأمل صورة والدتها بينما آثار البكاء تظهر على وجهها بوضوح ...
جلس جانبها يقبض على الهاتف ويغلقه قبل أن يجذبها نحو صدره بصمت وهي تقبلت ذلك بكل رحابة ....
كان يعلم إنها تبكي باستمرار لوحدها خاصة في الليل مثلما يعلم إنها تتعمد إخفاء حزنها عنه هو تحديدا ...!!
لحظات قليلة وابتعدت عنه حيث مسحت وجهها يكفيها وهي تخبره :-
" أنا بخير ... لا تقلق ..."
هتف بجدية وكفه تربت على ظهرها :-
" لا تخفي حزنك عني يا غالية ... لا تنسي إننا نتشارك هذا الحزن سويا ... نتشارك حقيقة خسارتنا لها سويا فهي والدتنا ..."
تراكمت الدموع داخل عينيها وهي تخبره :-
" متى سينتهي ألمي يا نديم ...؟! ماما رحلت وتركت داخلي وجعا لا ينضب ..."
استرسلت والدموع عادت تأخذ مسارها فوق وجنتيها :-
" من جهة ألمي على فقدانها ومن جهة حقيقية ما جرى قبل رحيلها وما تصرفته معها ..."
تنهد وقال :-
" وأنا أيضا تصرفت معها بشكل سيء .... ولكننا كنا مجبرين يا غالية ... الحقيقة كانت صادمة .. صادمة جدا ..."
هتفت بصدق :-
" وهذه مشكلة أخرى .. انا لا يمكنني التصديق إنها فعلت كل هذا ..."
توقفت لوهلة ثم اكملت بحسرة :-
" انا لم أتقبل حقيقة إنها تزوجت والدي رغما عنه وتسبب بدمار عائلته فكيف سأتقبل حقيقة إنها تسببت بموت ديانا ...؟! حقيقة ماما صدمتني .. لا يمكنني تحمل حقيقة إنها تسببت بكل هذا الأذى للمرأة المسكينة ..."
مسح على وجهه مرددا بتعب :-
" للأسف هذه الحقيقة يا غالية ولا مفر منها ..."
حاوط كتفيها بذراعيه مرددا :-
" حاولي أن تتناسي يا غالية ... نعم الحقيقة كانت صادمة لكن ما حدث قد حدث ... نحن لا ذنب لنا في كل هذا ... تذكري هذا جيدا ..."
هزت رأسها بصمت دون رد ليتنهد مجددا قبل أن يسألها :-
" صحيح ... هل تلتقين بسيادة المقدم ..؟!"
تمتمت بخفوت :-
" هل تعرف ..؟!"
هتف ببساطة :-
" الأمر لا يحتاج الى ذكاء يا غالية ..."
أكمل بتروي :-
" انا أجلت الحديث في هذا الموضوع عن قصد.. الوضع عموما ووضعك أنت تحديدا لم يكن ليسمح بفتح موضوع كهذا ولكن ..."
تنهد وقال :-
" أريد أن أفهم علام تنويان ... صحيح أنا أثق بك كثيرا ولكنك شقيقتي الوحيدة التي رغم كل شيء ، رغم قوتها وذكائها لا يمكنني منع نفسي من القلق عليها ..."
ابتسمت مرددة بضعف :-
" لا تقلق يا نديم ... انا قوية بما يكفي لمواجهة أي شيء من الممكن أن يحدث ..."
أضافت تخبره:-
" فادي يحبني وانا كذلك لكن الموضوع معقد قليلا ..."
" بل كثيرا ..."
قالها بجدية وهو يضيف :-
" أنت كنت خطيبة شقيقه .:."
هتفت بجدية :-
" حسنا أنت معك حق ولكن أنا وفراس لم يكن بيننا أكثر من إعجاب عندما تمت تلك الخطبة ... يعني لم تنشأ أية مشاعر حقيقية بيننا و ..."
قاطعها نديم بتعقل :-
" ما تقولينه يعتمد على شخصية فادي نفسه ومدى قدرته على تقبل وجود رابط كان يجمعكِ بشقيقه ... البعض مثلا لا يهتم طالما تلك العلاقة انتهت حتى لو تطورت تلك العلاقة الى زواج وما شابه وهذا نتيجة تفكيره ونظرته لهذه الحالة والبعض لا يقبل بذلك حتى لو كان ما يجمع بينهما سابقا مجرد إعجاب لحظي دون إرتباط حتى ..."
تنهدت وهي تقول :-
" لا أعلم يا نديم ... أنت معك حق ولكن إذا كان يحبني بحق سيتنازل قليلا و .."
سألها بحذر :-
" وماذا ..؟! لماذا توقفتِ ..؟!"
" أبدا ... لم أجد ما أقوله ... سأترك كل شيء لوقته ..."
قالتها بخفوت قبل أن تضيف وهي تبتسم له :-
" وأنت كما أخبرتك .. لا تقلقي بشأني ... فأنا قادرة على مواجهة كافة الظروف ..."
ابتسم لها بمحبة وهو يعانقها بخفة بينما أغمضت هي عينيها داخل أحضانه تجاهد مع نفسها لكبح دموع عادت تتراكم داخل مقلتيها ..
........................................
انتهت من تجهيز نفسها إستعدادا لمغادرة المنزل فاليوم موعدها مع طبيبتها لفحصها والاطمئنان على حالة جنينها ...
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول وهي تضع بعض الأشياء داخل حقيبتها قبل أن تغلقها لتجد وليد يتقدم نحوها متسائلا :-
" صباح الخير .."
تمتمت وهي تحمل حقيبتها :-
" صباح النور .."
" هل يمكننا التحدث قليلا ..؟!"
سألها بجدية لتهز رأسها بصمت عندما جلس على الكرسي المقابل السرير وأشار الى الكرسي الآخر لتجلس عليه فجلست جانبه وهي تسأله بدورها :-
" ماذا هناك يا وليد ..؟!"
هتف بجدية :-
" هناك أنت يا شيرين ..."
أكمل متجاهلا وجوم ملامحها :-
" ألم تتخذِ قرارك بعد ...؟! أعتقد إنني تغاضيت لمدة طويلة عما يحدث .. تفهمت صمتك ورغبتك بعدم الخوض في هذا الموضوع ... أردت إلتزام الصمت تنتظرين منه أن يخطو هو الخطوة الاولى ويطلقك رسميا دون أن أجدد سببا مقنعا لما تفعلينه لكني قررت التزام الصمت وعدم التدخل .. هل تعلمين لماذا ..؟!"
نظرت له بتوتر ليضيف بصدق :-
" لإنني أخشى أن أتدخل ثم أندم فيما بعد لإنني حتى هذه اللحظة لا أضمن تصرفك القادم ولست مقتنعا بما قلتيه عن رغبتك الجدية بالانفصال عنه ..."
قالت بسرعة :-
" انا بالفعل أريد الانفصال .."
سأل بنفاذ صبر :-
" ماذا تنتظرين إذا ...؟! ولادتك خلال ثلاثة أشهر ... أتيت هنا في بداية حملك والآن انت أكملتِ منتصفه بينما ما زلت تراوحين مكانك رافضة إتخاذ موقف حقيقي مكتفية ببقائك هنا ويمين الطلاق الذي ألقاه عليه وحضرته لم يتحرك خطوة هو الآخر ولم نرَ حتى الآن وجهه ولا حتى سمعنا صوته ... "
قالت بخفوت :-
" وليد افهمني ... الأمر ليس سهلا .. انا أحمل طفله ..."
زفر أنفاسه ثم قال :-
" لاحظي إنك من أردت الإنفصال عنه نهائيا يا شيرين ... أتيت هنا وقلت بكل وضوح إنه طلقكِ وإنك بدورك لا نية عندك للعودة اليه ..."
أكمل بجدية :-
" إلا إذا كنت تنتظرين خطوة منه ... او لأكن أكثر دقة تتأملين أن يحدث شيئا ويغيره ... هل ما زلت تريدين العودة إليه ..؟!"
هتفت بثبات :-
" نعم ، لكن بشرط أن يتغير ... "
أضافت برجاء :-
" انت يجب ان تفهمني يا وليد .. عمار والد طفلي القادم ... مهما حدث سيبقى هو كذلك ..  نعم انا قلت إنني لن اعود اليه وكنت أعنيها حقا ولكن رغما عني ما زال هناك أمل صغير داخلي أن يتغير خاصة عندما يرى طفله ... "
" وأين هو عمار بك ...؟! هو حتى لا يعرف أي شيء عن طفله ... "
قالها بغضب مكتوم لتهتف بثقة :-
" رغم كل شيء عليك ان تعلم إن عمار لا يتخلى عن طفله .. انا لا أبرر له ولكن بالطبع هناك سبب يجعله لا يتصل بي نهائيا وأنا أحمل طفله ..."
سألها بجدية :-
" هل تعلمين شيئا لا أعلمه ..؟!"
أزاحت خصلة من شعرها خلف أذنها وأجابت :-
" أعتقد إنه يتواصل مع طبيبتي ويطمئن منها على صحة الولد ..."
سألها مجددا عن قصد :-
" أنت لا تلتقين به او تتواصلين معه سرا ، أليس كذلك ..؟!"
أجابت بسرعة وصدق :-
" أبدًا والله ... "
تنهد ثم قال :-
" حسنا يا شيرين ... عليك أن تفهمي شيئا واحدا فقط ... عمار لن يتغير مهما حدث .. لذا من فضلك توقفي عن تأمل شيء كهذا ..."
نهض بعدها وغادر الغرفة تاركا إياها شاردة في كلماته التي تدرك بكل أسف صدقها ..
رفعت عينيها نحو الأعلى تدعو الله داخلها أن يهديه ويبعد عنه شيطانه ..
هي رغما عنها ما زالت تأمل أن يتغير .... تتأمل أن يغيره قدوم طفله .... تتأمل كثيرا وكم تخشى أن تخيب كل آمالها..!
نهضت بعدها وهي تحمل حقيبتها حيث تحركت تغادر المنزل ومنه الى طبيبتها ...
وصلت الى الطبيبة التي قامت بالفحوصات المعتادة وطمأنتها على صحة الطفل ...
غادرت عيادة الطبيبة بعدها وقررت أن تسير قليلا في الشارع المليء بالمحلات الراقية وكذلك المطاعم والمقاهي ...
سارت قليلا في الشارع تنظر الى المحلات دون أن تدخل إليها وعقلها رغما عنه شاردا فيه ...
جلست بعد قليل عند محل لبيع المثلجات حيث طلبت قدحا من المثلجات بطعم الحليب والشوكولاتة ....
كانت تجلس بعدها على طاولة صغيرة موضوعة في الساحة الخارجية للمحل تتناول المثلجات بتلذذ غافلة عن عينيه اللتين تراقبانها بتمهل ...
يتأمل ملامحها التي ازدادت جمالا بل هي كلها باتت أجمل خاصة ببطنها البارزة والتي تمنحها هيئة رائعة ..
لم يكن يعلم إن الحمل يليق بها الى هذا الحد ...
كان يتابعها شهريا دون أن تعلم ويتواصل مع طبيبتها سرا حيث ترسل له تقريرا شاملا عن حالة طفله مع صور السونار خاصته بل وفيديو يحمل تسجيلا صوتيا لدقات قلبه ...
لقد علم إنه صبي ووفرح رغم رغبته الشديدة في الحصول على فتاة يمنحها اسم والدته ...
عاد يتأملها مجددا وهي تتناول المثلجات بتلذذ وقد بدت في جلستها تلك وبطنها البارزة مع فستانها القصير لطيفة للغاية .. لطيفة وجذابة بشكل مزعج ...
وأخيرا قرر التقدم نحوها فهو اكتفى من المتابعة سرا ..
كانت منهمكة بتناول مثلجاتها عندما وجدت ظلا يتكون امامها فرفعت عينيها بسرعة لتنصدم من وجوده أمامها رغم إنها توقعت قدومه في أي لحظة لرؤيتها والأهم إنها توقعت إنه يراقبها بالفعل ..
" عمار ..."
تمتمت بها بدهشة بينما سحب هو الكرسي المقابل لها وجلس عليه يخبرها بتجهم :-
" أليس الجو باردا على تناول المثلجات ...؟!"
ابتلعت دهشتها سريعا وهي تجذب منديلا تمسح به فمها بينما تجاهد للسيطرة على اضطرابها الشديد من رؤيتها له بعد كل هذه المدة ..
تمتمت أخيرا محاولة اخفاء توترها بل وشوقها اللعين له :-
" ماذا تفعل هنا ...؟!"
أكملت بتهكم مقصود :-
" وأخيرا تذكرت إنك لديك ابن لا تعلم عنه شيئا وإن كان ما زال جنينا .."
هتف ببروده المستفز :-
" أنا أتابع وضع ابني شهريا من طبيبته يا شيرين ... لا أحتاج الى توصية بهذا الأمر تحديدا وانت تعلمين ذلك ..."
هتفت بسخط :-
" نعم فأنت لا يمكن أن تهمل متابعة طفلك مهما حدث ومهما بلغت مشاغلك ...."
" هذا صحيح ..."
قالها بحزم وهو يضيف بصلابة :-
" إنه طفلي .. طفلي الذي لن أنشغل عنه مهما حدث ..."
هتفت عن قصد :-
" ليتك إذا تتوقف عن أفعالك لأجله وتستوعب إن طفلك مسكين لا ذنب له أن يدفع ثمن أخطاء والده ..."
هتف بحدة خافتة :-
" ألن تتوقفي عن طريقتك هذه ..؟! ما زلت تتحدثين بنفس الطريقة بعد مرور عدة أشهر ...."
" ولن أتوقف حتى تدرك مقدار سوء ما تفعله ... "
قالتها بتحدي بدا جديدا عليها ليبتسم ساخرا مرددا :-
" متى سوف تتغيرين يا شيرين ..؟! لا أفهم حقا لماذا تصرين على التفكير بهذه الطريقة الغير منطقية ...؟! أخبرتك إنني قادر على حماية الجميع و ..."
قاطعته :-
" وماذا عن جيلان ..؟! لماذا فشلت في حمايتها إذا ..؟!"
تجمدت ملامحه كليا وهو يتذكر أخته التي لم يرها منذ ذلك اليوم الذي أخبرها بحملها لترفض بعدها رؤيته وهي تخبره بوضوح إنها طردته من حياتها دون رجعة ...
راقبت جمود ملامحه فهمست بثبات :-
" لا تمتلك جوابا ... ألا يوجد لديك شعور ولو بنسبة واحد بالمئة إن ما يحدث مع شقيقتك نتيجة أفعالك المؤذية بل جرائمك في حق من حولك ...؟! ألا تفكر لوهلة إنه ربما ما يحدث نوع من العقاب على جرائمك يا عمار ...؟!"
توقفت عن حديثها تتأمل ملامحه التي ما زالت جامدة كليا وعينيه المشتعلين بلهيب حارق مهيب لتقرر المغادرة فورا وتركه لضميره الذي تتمنى أن تحرك به كلماتها ولو شيئا بسيطا ...
.....................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now