الفصل السادس والأربعون ( الجزء الاول )

2.6K 178 15
                                    

الفصل السادس والأربعون
( الجزء الاول )
" أنت مراوغ ..."
قالتها ليلى بصدق جعله يبتسم بجاذبية وهو يوافقها :-
" جدا .. وذكي جدا .. وعندما أريد شيئا أناله دائما ..."
لمح الحدة في عينيها فأكمل وأنظاره تتجه نحو الكأس الموضوع أمامه والمملوء بالماء :-
" أنا لا أخسر أبدا ... هذا طبعي ... عندما أريد شيئا ستجديني أحارب بكل قوتي لإمتلاكه ولن أتنازل عنه .."
قاطعته من بين أسنانه :-
" أنا لست شيئا يمكنك إمتلاكه يا كنان بك ..."
رد بسلاسة :-
" الزواج ملكية يا ليلى .. ملكية مشتركة ..."
توقف قليلا يتأمل ملامحها المعترضة ليضيف بهيمنة تليق به :-
" رغبتي بك كزوجة لا تقلل من شأنك .. ولا حتى من شأني ... زواجي منك سيجعلك ملكي .. "
إسترسل مانعا إعتراضا على وشك أن يصدر منها :-
" لإنك ستكونين زوجتي .. ملكي ... وأنا أيضا سأكون زوجك .. ملكك .. أليس هذا مفهوم الزواج ...؟! هو حق ملكية غير مشروط من قبل الطرفين ..."
نطقت أخيرا :-
" كلمة ملكية لا تعجبني ولا تلائم مفهوم الزواج .."
قال برزانة :-
" أحب سماع وجهة نظرك إذا ..؟!"
ردت بحيادية :-
" يمكننا إستبدال هذه الكلمة بكلمة أخرى .. لائقة أكثر ومناسبة تماما .. الزواج ليس حق ملكية كما تدعي .. الزواج هو إرتباط .. إرتباط إثنين من المفترض أن يقضيان ما تبقى من عمرها سويا ... الزواج هو قرار مشترك بين إثنين سوف يتشاركان كل ما هو أساسي في حياتهما القادمة .. إثنان سوف يبنيان مستقبلا لهما ولأولادهما أساسه الحب والمودة والرحمة ..."
تنهد قائلا :-
" وهذا ما أريد مشاركته معك ..."
تأملت الصدق في عينيه ...
كانت تشعر بصدق نواياه ...
كانت تشعر بصدق ما يتفوه به ..
ورغم شعورها ذاك ذكرت نفسها ألا تتعجل ..
ألا تثق بحديثه فورا ..
ألا تبني آمالا معه ...
ربما هو كاذب .. أو ربما صادقا لفترة ما ...
يجب ألا تنسى أن ما سيربطها به مستقبلا اذا وافقت على طلبه حياة كاملة ...
وفي هذه الحياة لن يكون هناك ضمانات ..
كاذب من يقول إن هناك شخص ما مضمون في حياتك ..
لا أحد مؤهل للثقة ..
لا كنان ولا غيره ..
قالت بنبرة بدت ثقيلة :-
" حقا لا أفهم سبب إصرارك هذا ... مالذي يجعلك تكرر عرض الزواج مجددا بعد رفضي السابق ...؟!"
قاطعها بثبات :-
" رفضك مسبقا غير محسوب بالنسبة لي .. ثانيا ما الغريب في ذلك ..؟!"
أجابت بمنطقة :-
" تمسكك بي .. إصرارك على الزواج مني ..أليس هذا غريبا ...؟! "
أكملت تبتسم بتهكم خفيف :-
" برأيي يجب أن يكون وراء هذا الإصرار دافع يستحق وحقا أنا لا أستطيع تخمين الدافع خلف إصرارك .."
رد ببساطة :-
" أنتِ.. أنتِ هو الدافع يا ليلى .. لا أفهم حقا لماذا لا تصدقين ..؟!!"
ردت بنفس البساطة :-
" لإنك لا تمنحيني سببا منطقيا .. متى أصبحت مرغوبة بالنسبة لك ..؟! لأكن أكثر دقة ... لماذا أنا تحديدا من تريد الزواج منها ..؟!"
أضافت وهي تنظر إليه بقوة :-
" رجل مثلك .. يمتلك كل شيء .. لن يتمسك بأي إمرأة ويصر على الإرتباط بها إلا إذا كان يحبها وأنت لا تحبني فلماذا تريديني بينما هناك الكثير من النساء غيري حولك ...؟!"
سألها :-
" هل وجود الحب شرط في إختيار شريك حياتنا ..؟! "
ردت بجدية :-
" قد يكون الحب ليس شرطا لإختيار الزوجة لكن هو سببا حقيقيا يجعل الرجل يلاحق من هواها قلبه ويصر على نيلها ... "
سأل بخفة :-
" ومن أخبرك إني لا أحبك ..؟!"
ردت دون أدنى تأثربكلامه  :-
" لو كنت تحبني ما كنت لتخفي هذا .. أنت لست من النوع الذي يخشى إعترافا بالحب ..."
ابتسم بجانبية قائلا :-
" أصبحتِ تعرفينني جيدا يا ليلى ..."
مطت شفتيها تردد :-
" ليس كثيرا .. لكنني إكتشفت البعض من صفاتك ..."
قال بثقة :-
" وسوف تكتشفين المزيد بعدما نتزوج..."
ضحكت بإستخفاف تردد :-
" ما هذه الثقة ..؟!"
قال بنفس الثقة المغيظة :-
" سترين بنفسك إن ثقتي في محلها .."
ظهر التجهم على ملامحها بوضوح عندما نطقت أخيرا بملل :-
" أنا سئمت من هذه المراوغات .."
قال بحرية :-
" أين المراوغة يا ليلى ..؟! بالنسبة لي فأنا صريح وواضح لكن أنت من تتعمدين اللف والدوران كي تصلين الى نفس النقطة ... كي تهربين من هذا العرض مجددا .."
احتدت ملامحها وهي تردد :-
" انا لا ألف ولا أدور يا كنان .. هذا ليس طبعي .. كما إنني لا أهرب ..."
قال بسرعة حاسمة :-
" إذا تزوجيني .."
نظرت له ببلاهة ليضيف بثقة ممزوجة بهيمنة أسرتها للحظات :-
" تزوجيني يا ليلى .. أعدك كل شيء سيكون كما تريدين .. سأحقق لك ما تتمنين ... ستكونين ملكة متوجة معي ... وافقي يا ليلى ولن تندمي أبدا ...صدقيني .. "
نطقت أخيرا وهي تحرر عقلها من آسر نظراته ونبرته القوية وكلماته :-
" لا تتحدث عن وعود مبالغ فيها بهذه الثقة .. "
قاطعها بجدية :-
" انا لا أنطق حرفا واحد لست واثقا منه ولو مثقال ذرة ..."
عادت تتأمله بصمت ..
حديثه وهيبته وثقته بنفسه كلها مرهبة لها ..
تلك الوعود التي يطلقها على مسامعها تحرك شيئا ما فيها رغم عدم رضاها عنها ..
هي لا تقتنع بجميع ما يقوله رغم إنجذابها الفعلي نحو كلماته ...
كلماته التي تبدو صادقة للغاية بقدر ثقته بنفسه ورغم هذا ترفض تصديقها ....
كانت سوف تسأله سؤالا محددا ...
لماذا يفعل كل هذا لأجلها ..؟!
لمَ هي دونا عن البقية ..؟
مالذي وجده بها ..؟!
لكنها بالطبع لن تفعل .. لن تسأله سؤال كهذا يقلل منها ومن نظرتها لنفسها ...
تحدثت أخيرا وعيناها بدتا تحملان مشاعرا مختلطة لا نهاية لها :-
" وإذا تراجعت عن وعودك ...؟! وإذا فشلت في تحقيق ما قلته قبل قليل ..؟!"
أجابها دون يرمش بعينيه للحظة :-
" لن يحدث ..."
عادت تسأله مجددا بهدوء :-
"  وماذا عن علاقاتك النسائية ...؟!"
رد ببساطة :-
" كان لدي علاقات نسائية ... لن أنكر هذا .. لكن جميعها كانت عابرة .. وإنتهت منذ بضعة سنوات ..."
قاطعته ببرود :-
" سمعت إنك زير نساء وترافق أجمل النساء بإستمرار ..."
ضحك مرغما وهو يقول :-
" الصحافة تبالغ قليلا ... حتى قبل ثلاثة أعوام كانت لدي علاقات لكنني قطعتها جميعها منذ ثلاثة اعوام او ربما أكثر بقليل ... "
" لماذا ..؟!"
سألته بإهتمام بارد ليجيب بجدية :-
" حدثت الكثير من الأمور ، أهمها إنني مللت ... أعتقد إن علاقاتي السابقة كانت فورة شباب طبيعية وإنني عندما وصلت الى مرحلة النضوج المفترضة لم تعد تلك العلاقات تستهويني .."
أكمل يخبرها بصراحة مطلقة :-
" مثلي مثل أي شاب .. تعرفت على العديد من الفتيات خاصة في بداية شبابي ... لكن بعد مرور عدة سنوات وتحديدا عندما بدأت أنضج وأنشغل بعملي أكثر بدأت علاقاتي تقل تدريجيا حتى قطعتها تماما .... "
عادت تسأله بعدم إقتناع :-
" هل تعني إنك لم ترتبط بإمرأة منذ ثلاثة اعوام ..؟!"
رد بجدية :-
" بالضبط ... ولكن مع ملحوظة إنني تعرفت مرتين على فتاتين كان هناك مخطط للزواج منهما ... تعارف عادي ولم يطل كثيرا ..."
" لماذا ..؟!"
قالتها بسرعة ثم لاحظت إنها تسأل بكثرة فهتفت بحرج خفي :-
" إعذرني ولكن من حقي أن أعرف كل شيء عنك ..."
قال ووهو يبتسم بخفة :-
" حقك طبعا .. اما جوابي فسيكون إنني لم أحد فيهن المرأة التي أريد الإستقرار معها .. انا يا ليلى كنت أخطط للزواج منذ أن قطعت علاقاتي العابرة جميعها .. أردت الإستقرار وتكوين عائلة والأهم على حصول على وريث لي خاصة بعد نجاحي المبهر في مجال الأعمال منذ تنحي والدي عن إدارة شركات العائلة .. وبالتالي بحثت عن زوجة وكانت هاتين الفتاتين مرشحتين ولكنني لم أشعر بأن أيا منهما تنفع لتكون زوجتي وشريكتي الى الابد .."
" ولكنك شعرت بهذا معي ..؟!"
سألته وهي ترفع حاجبها ليرد وهو يبتسم :-
" بالطبع وإلا ما كنا لنجلس هنا ونتحدث ..."
" ومالذي يختلف بي عنهن لتشعر إنني هي الزوجة المناسبة لك ...؟!"
رد بجدية :-
" الكثير من الأشياء ... شخصيتك ... قوتك ... ذكائك .. إخلاصك والأهم إنني منذ أول مرة وقعت عيناي عليكِ فيها شعرت بشيء قوي يجذبني نحوك .. ربما لن تصدقيني لكن هذه هي الحقيقة .. منذ أن رأيتك لأول مرة وأنا إنجذبت إليك بقوة وبعدها لم أستطع منع نفسي من التعرف عليك فسارعت أراقصك دون تردد ... أنا إنجذبت كليا لك ووجدت نفسي لا أرى سواكِ زوجة لي وأما لأولادي .."
عاد التوتر يغزوها بفعل كلماته لكنها تجاهلته عن عمد وهي تقول :-
" وماذا عن زواجي السابق ..؟! ألا يضايقك كوني مطلقة ...؟! ألا يزعجك كونك لست الرجل الأول في حياتي ...؟!"
كانت تتعمد التحدث بهذه الطريقة ..
ربما هي تختبره .. تختبر مدى قناعته بها ...
رد وقد أظلمت عيناه للحظات :-
" زواجك كان ماضي وانتهى .. كونك مطلقة فهذا لا يعنيني بشيء ولا يؤثر علي بتاتا .. لست رجعيا يا ليلى كما إنني أعرف بزيجتك السابقة قبل أن أراقصك في تلك الليلة حتى يعني قبل أن أقرر الزواج منك ...."
صمتت مجددا وقد وجدت نفسها عاجزة عن قول شيء ما ..
هو يحاصرها من جميع النواحي ...
لا يترك لها مجالا للرفض ....
لكنها لن تنهزم ..
ستحاول مجددا ...
قالت بتهور تدركه لكنها مصرة على القدوم فيه :-
" وماذا عن حقيقة كوني لا أحبك والأهم إنني مغرمة برجل آخر ..؟!"
جمود كامل سيطرة عليه ..
وجهه أصبح جامدا بكل إنش فيه ...
نظراته أصبحت قاسية ....
بالكاد تحركت شفتاه وهو يقول بجمود أجفلها لا إراديا :-
" إياك أن تذكري هذه السيرة مجددا أمامي .."
قاطعته مصرة على التمادي :-
" هذا واقع حال .."
ثم شهقت وهي تجد كفه تقبض على كفها تسألها وعيناه تنظران في عمق عينيها العسليتين بقوة :-
" مشاعرك ستنهيها بنفسك طالما سترتبطين برجل آخر واجب عليك إحترامه والإخلاص له ..."
شعرت بجفاف فمها عندما إلتقت عيناها بعينيه بينما كفه تمسك كفها بتملك وإحكام ..
ورغم طريقته وبرودته لكنها لم تشعر بالنفور من لمسته تلك ...
ربما يبدو الأمر غريبا ...
نطقت وهي تبلل شفتيها بحركة أثارت غليانه :-
" وماذا لو لم أستطع فعل ذلك ..؟!"
رد بقوة وهو يشدد من قبضه على كفها يتجاهل شفتيها المغريتين :-
" ستفعلين .. طالما أنا معك ستفعلين ... بوجودي سوف تنسين أي رجل آخر عداي .. انا لن أسمح لأي رجل أيا كان أن يجذب ولو القليل من تفكيرك أما قلبك فإتركيه لي وصدقيني سأحرره من كل هذه المشاعر الغبية حتى تنسين أي شخص قبلي كما لن يكون هناك أي شخص بعدي ..."
سحبت كفها من كفه وهي ترمقه بنظرات قلقة ليضيف عن قصد :-
" إلا إذا كنت لا تريدين النسيان .. تريدين العيش على أطلال الماضي .. فحينها سيكون الأمر مختلفا .."
هل هذا صحيح ..؟!
هل هي لا تريد النسيان ..؟!
بالطبع لا ..
هي تريد التخطي منذ أشهر ..
منذ أن تزوج نديم بأخرى ...
ربما لم تتخذ خطوة فعلية بسبب إنشغالها بأمور أخرى لكنها قررت نسيانه وعزمت على التنفيذ ...
هي لا تريد أن تعيش على اطلال هذا الحب ...
لا تريد ذلك ..
يبدو إنه قرأ أفكارها فقال بتروي :-
" قولي موافقة يا ليلى وأعدك إنك ستبدئين حياة جديدة معي .. حياة مختلفة كليا ... سوف تنسين الماضي بكل ما فيه ... كل شيء سينتهي فمعي ستكون هناك بداية جديدة لكل شيء .. بداية مختلفة ومثالية .."
شحبت ملامحها وعقلها عاجز عن التصديق ..
هل يمكنه فعل هذا ..؟!
هل يمكنه جعلها تتخطى الماضي ..؟! بل وتبدأ من جديد ..؟!
هل يمكن أن تتجسد النجاة في رجل ..؟!
هل تتخلى عن مبادئها السابقة ..؟!
هل تتجاهل وجهة نظرها المعتادة ..؟!
هل تجازف بنفسها مجددا ..؟!
هل تخضع لسطوة رجل مجددا ...؟!
هل تقامر على حياتها ومستقبلها ..؟!
هل تخوض تجربة نجاحها غير مضمون والمبرر الوحيد لخوضها إن قلبها سيكون خارج المعادلة ...؟!
وماذا عن البقية ..؟!
هل آمان قلبها كافي لتتجاهل كل شيء غيره وتدخل في علاقة جديدة لا تدرك معالمها جيدا ...؟!
وأمام كل هذه التساؤلات وجدت نفسها تنطق بخفوت متردد :-
" موافقة ..."
.........................................
كانت هايدي تقف أمام صلاح بتحفز وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تنتظر خروج شريف الذي ما زال في الداخل عند شقيقتها يفحصها بعد إفاقتها من غيبوبتها القصيرة كي يطمئن عليها....
أخذت تنظر هايدي له بنظرات حارقة تجاهلها صلاح الذي كان يقف قبالها مستندا على الحائط خلفه ينتظر خروج شقيقه هو الآخر ..
بالكاد كانت هايدي تسيطر على أعصابها كي لا تنفلت أمام هذا الأرعن فتبطش به وتفتعل فضيحة جميعهم في غنى عنها ...
خرج شريف تتبعه الطبيبة النسائية التي تابعت حالة شقيقتها وطفليها معه وأخدت تتحدث معه بصوت منخفض قليلا قبل أن تمنحه إبتسامة رسمية لا تخلو من الود كونها زميلة قديمة له وغادرت المكان لتتجه هايدي نحو شريف تسأله بلهفة :-
" هل يمكنني رؤيتها ..؟!"
أجاب شريف وهو ينظر الى شقيقه الصامت لا إراديا والذي بقي واقفا مكانه :-
" بالطبع .. لكن يجب أن نتحدث أولا بينما يتم نقلها الى غرفة أخرى مناسبة أكثر لها بعد إفاقتها وإستقرار حالتها عموما .."
تبعته هايدي وكذلك صلاح مرغما حيث جلس كلا منهما امام مكتب شريف الذي نطق بجدية :-
" حالة نانسي من الناحية الجسدية مستقرة ..."
زفرت هايدي أنفاسها بإرتياح ثم ما لبثت أن سألته :-
" والطفلان ..؟! هل هما بخير ..؟!"
نظر صلاح لشقيقه بترقب فبادله شقيقه نظرة حازمة وهو يقول :-
" نعم ، وضعهما بخير عموما .."
تمتمت هايدي بالحمد بخفوت بينما احتقن وجه صلاح بعدم رضا فلم يكن هذا ما يريد سماعه ...
قال شريف متجاهلا ملامح شقيقه التي أظهرت بوضوح ما يعتمل داخله :-
" ولكن ما زال هناك شيء هام .. بل عدة أشياء في الحقيقة .."
سألته هايدي بقلق عاد ينبعث داخلها :-
" أشياء ماذا ..؟!"
أجاب شريف :-
" مبدئيا حالة نانسي النفسية تبدو غير واضحة ..."
سألته هايدي مجددا بإرتباك :-
" كيف يعني ..؟!"
شرح شريف لها :-
" حسنا لم يمر سوى فترة زمنية قصيرة جدا على إستيقاظها ورغم إنها جسديا بخير إلا إنها لم تمنحنا أي ردود تبرهن لنا إستقرار حالتها النفسية ولو قليلا.. هذا شيء متوقع لما مرت به لذا نحن سننتظر مرور بضعة أيام نراقبها خلالها ونهتم بها حتى نعلم إلى أي مدى بلغ ضررها النفسي وكم من ستحتاج من علاج ...."
قالت هايدي بصدق :-
" المهم إنها بخير ... انا معها ولن أتركها حتى تتشافى كليا ... جسديا ونفسيا .."
أكملت وهي ترمق صلاح :-
" لن أتركها أبدا ولن أسمح لأي شخص مهما كان بإيذائها .."
قال شريف مضيفا :-
" هناك شيء آخر ... الحمل تقدم كثيرا .. تبقى حوالي أربعة شهور على ولادة نانسي ... علينا أن نتصرف .."
نطق صلاح أخيرا :-
" كيف يعني نتصرف ..؟!"
رد شريف بعقلانية :-
" يعني ماذا سنفعل ..؟! كيف ستنجب الطفلين وماذا سنقول للجميع ..؟!"
ظهر التوتر على ملامح هايدي وهي تسأل بإضطراب :-
" ماذا سنفعل إذا ..؟!"
رمق شريف صلاح بطرف عينيه وقال بجدية :-
" أنا رتبت كل شيء ...."
" كيف ..؟!"
سأله صلاح ليجيب شريف :-
" جهزت شقه لكما ... ستبقيان بها حتى تنجب نانسي طفليها على خير... "
أشار الى هايدي :-
" هايدي ... ستخبرين والدتك بحمل نانسي وإنها ستبقى بضعة أشهر في الخارج وتحديدا في تركيا حيث بدأ صلاح العمل في فرع شركة صديق له هناك ..."
أضاف مشيرا لصلاح هذه المرة :-
" نفس الشيء سأقوله أنا لوالدتي يا صلاح ..."
أكمل بتحذير :-
" وإياك ثم إياك أن يلمحك أحدهم حتى تننهي الأشهر المحددة على خير ثم تظهران من جديد ومعكما الطفلين وقد مرت أشهر على ولادتهما ..."
قال صلاح بعدم تصديق :-
" سأبقى مسجونا لشهور طويلة في تلك الشقة ..."
هدرت هايدي :-
" وهل يمكنك أن تفعل غير هذا ..؟!"
قال صلاح من بين أسنانه :-
" لا يمكنني تحمل هذا الوضع يا شريف .."
هتف شريف بتروي :-
" اصمت يا صلاح ... هذه الطريقة الوحيدة لحفظ سمعتك أنت وزوجتك وطفليك القادمين أمام العائلة والجميع ...."
سألت هايدي بقلق :-
" ولكن ماذا لو شك أحدهم ..؟! يعني الطفلان سيكبران بإذن الله و .."
قال شريف بجدية :-
" نانسي حاليا قاربت على إنهاء الشهر الخامس من الحمل .. زواجهما مر عليه حوالي شهرين .. ستقولين إنها حامل في شهر ونصف .. يعني حملت بعد الزواج فورا وسوف نبلغهم إنها أنجبت مبكرا أي في الشهر السابع .. ومن المفترض أن تنجب نانسي بعد أربعة أشهر ولكننا سننقل خبر الإنجاب بعد الولادة بشهرين أي سيكون هناك فرق شهرين وهذا لن يظهر عندما تعود نانسي مع الطفلين وقد تجاوزا الستة أشهر بإذن الله .."
قال صلاح :-
" هذا يعني إننا سنقضي ما لا يقل عن عشرة شهور بعيدا عن العالم .."
صاحت هايدي بنفاذ صبر :
" هذا كل ما يهمك ... ألا يهمك وضع طفليك حتى ..؟!"
قال بعصبية مكتومة :-
" طفلاي اللذان فرضتهما شقيقتك علي .."
اتسعت عينا هايدي بعدم تصديق لمدى حقارته ولا مبالاته بينما صاح شريف عليه بتنبيه ليقول صلاح بلا مبالاة :-
" أنا لم أقل شيئا خاطئا ... كما إنك لا تتوقع مني أن أبقى حبيس الشقة لعشرة شهور وربما أكثر .."
قال شريف :-
" لا حل آخر لدينا يا صلاح ... لا يجب أن يراك أحدهم فينفضح سرنا .. ألا يكفي إنني حرصت أن أبعد جميع من يعرفنا في المشفى عن نانسي ولن أترك معها سوى اشخاص محدودين أعرفهم جيدا وأثق بأمانتهم ... هذا غير قلقي من رؤية أحدهم لك خلال الفترة السابقة التي لا أعلم أين قضيتها .."
هتف صلاح ساخرا :-
" يا لها من خطة رائعة ... أبقى سجينا مع نانسي لشهور ... أي عقل يقبل بشيء كهذا ..؟!"
انتفضت هايدي من مكانها تصيح به :-
" إنظر .. سأفقد ما تبقى من صبر لدي حقا .. أنت لا تمتلك ولو القليل من الضمير .. كم إنك شخص جاحد عديم الرحمة .. شقيقتي كانت ستفارق الحياة ولولا رحمة الله عليها ما كانت لتعيش ..."
نهض صلاح مرددا ببرود :-
" وها قد عاشت .. الحمد لله على سلامتها .. ولكن هذا لا يعني أن أبقى حبيسا جوارها ..."
قاطعته وهي تكاد تضربه بأول شيء تراه أمامها :-
" هذه مسؤوليتك ..  الأمر يتعلق بسمعتك أيضا وسمعة طفليك .."
تقدم نحوها يردد بأعصاب على وشك الإنفلات :-
" سأقولها مجددا .. هذان الطفلان مفروضان علي من قبل شقيقتك ..."
هتفت هايدي بتحدي :-
" إسمعني يا صلاح .. إياك أن تفكر في ليّ ذراعي ... قسما بربي إذا لم تتوقف عن حماقاتك وتحترم نفسك وتلتزم بما قرره شقيقك فسيكون لدي تصرف مختلف معك ... "
أكملت وهي ترفع إصبعها في وجهه بتهديد :-
" الى هنا ويكفي .. هذه المرة سأقف بنفسي في وجهك ... ولن أتوانى عن تأديبك بالشكل الذي يناسبك .. لن يستطيع أحدهم منعي من ذلك ولن أضع إعتبار لأي شخص حتى الطفلين ... والله سأجرك الى المحاكم وأجعلك عبرة لكل شاب دنيء عديم الأخلاق ..."
" إفعلي ما تشائين .. إذا كنتِ تعتقدين إنني سأخاف تهديداتك فأنت مخطئة .. والدليل إنني سأخرج من هنا حالا ... ولن أبالي بأي كلام سمعته منك وسأنتظر منك ما ستفعلينه معي .."
كانت يتحدث بتهكم ولا مبالاة ليصيح شريف به :-
" لا تجن يا صلاح .."
لكن صلاح غير مباليا بالفعل وهو يرفع كفيه أمام شقيقه مرددا :-
" أنا ذاهب يا شقيقي العزيز .. جميع مخططاتك تركتها لك .. نانسي والطفلان كذلك .. تولى أنت مسؤوليتهما إذا أردت أما أنا فلا علاقة لي بكل هذا الهراء .. وليريني كلاكما ما يمكنه فعله وكيف يمكنكما إجباري على ما لا أريده ..."
ثم تحرك خارج وهو يرمق كلاهما بنظرات مستهينة لينظر شريف له بخيبة قبل أن يتوجه بأنظاره نحو هايدي لترمقه بنظرات متعالية تخفي خلفها شيئا ما لا يدركه سواها وهي تخبر نفسها بتحدي :-
" سنرى يا صلاح ... أنت من بدأت وعليك أن تتحمل ما سيصيبك بسببي .. أنت لم تعرفني جيدا بعد ولكن ستعرفني قريبا .. قريبا جدا يا صلاح .."
............................................................
أوقف سيف سيارته داخل قصر عائلته ليشير الى جيلان أن تهبط ..
هبطت جيلان من سيارته بآلية لتتفاجئ بهول ضخامة القصر حولها والذي ذكرها لا إراديا بقصر عائلتها فنطقت بلا وعي :-
" هذا منزلك أقصد قصرك ..؟!"
رد بجدية :-
" نعم ، إنه قصر عائلتي .."
نطقت بعدم إستيعاب :-
" أنت ثري جدا .."
هتف بدهشة :-
" عفوا ...!!"
تمتمت معتذرة :-
" آسفة ... لقد تذكرت شيئا عندما رأيت قصر عائلتك ..."
هز رأسه بتفهم ثم قال بجدية :-
" سندخل الى القصر .. لا يوجد سوى والدي ووالدتي غالبا في هذا الوقت ... سأتحدث معهما بشأنك .."
أكمل بتنبيه :-
" تجاهلي أي كلام ستسمعينه من والدتي في بادى الأمر ... حسنا ..؟!"
نظرت له بقلق ليمنحها نظرة مطمأنة فهزت رأسها بصمت وأخذت تتبعه عندما فتحت الخادمة لهما الباب في دهشة من قدوم الإبن الأصغر في هذا الوقت على غير العادة ليحييها سيف بلهجة إنكليزية طليقة قبل أن يشير الى جيلان أن تدخل فترمقها الخادمة بنظرات متفحصة للحظات قبل أن تنتبه على سؤال سيف عن والديه فتجيبه عن مكان وجودهما وسط عدم إدراك جيلان لما يدور حولها فهي ما زالت لم تستيقظ بعد من صدمتها بكل ما يحدث معها ...
أشار سيف الى جيلان :-
" إذهبي مع إيما الى الداخل وإنتظريني هناك .."
هزت رأسها بطاعة وهي تتحرك مع الخادمة التي حدثتها بكلمات إنجليزية لم تفهم نصفها بسبب عدم تركيزها بينما تحرك سيف حيث تجلس والدته مع والده يرتشفان الشاي الأخضر في هذا الوقت من المساء في الشرفة الخارجية لصالة الجلوس المطلة على الحديقة الخارجية ...
" مساء الخير .."
قالها وهو يتقدم نحوهما لتضع شريفة كوب الشاي خاصتها على الطاولة وهي تردد بتعجب :-
" سيف ... مالذي أتى بك في هذا الوقت ..؟! هل حدث شيء ما ..؟! تحدث .."
قال سيف محاولا تهدئتا :-
" اهدئي يا شريفة هانم .. أتيتت لرؤيتكما لأجل شيء ما لكنه غير مقلق .. اطمئني ..."
تنفست شريفة الصعداء بينما ابتسم كمال والده وهو يشير الى الكرسي جانبه :-
" تعال وإجلس جانبي يا ولد فأنا إشتقت إليك .."
ابتسم سيف برزانة وهو يسحب كرسي له ويجلس عليه مرددا :-
" لقد كنت هنا منذ أربعة أيام ... هل إشتقت إلي في هذه الفترة القصيرة يا بابا ..؟!"
ابتسم والده له بحنو بينما قالت شريفة بحزم :-
" تتحدث وكأنها أربعة ساعات يا سيف .."
منحها سيف إبتسامةخفيفة سرعان ما إختفت وهو يردد :-
" دعوني أدخل في الموضوع ..."
أضاف وهو يتأمل نظرات الإهتمام في عيني والده والحذر في عيني والدته :-
" هناك فتاة ... مسكينة وجدتها بالصدفة ..."
رفعت شريفة حاجبها تردد بعدم فهم :-
" عفوا .. ماذا تقول أنت ..؟!"
قال سيف بجدية :-
" فقط إسمعيني أولا .. الفتاة مسكينة وقاصر .. لا مأوى لديها .. تحتاج الى مساعدة .. الى مكان تبقى فيه ... لقد أتيت بها الى هنا لإنه .."
سرعان ما توقف وهو يسمع شهقة والدته التي تبعتها بإنتفاضة من مكانها تهدر به :-
" هل جننت يا سيف ...؟! أين أتيت بها ..؟! "
أشارت الى زوجها تضيف :-
" هل سمعت ما يقوله ولدك يا كمال ..؟! فتاة قاصر هنا في قصري .. فتاة الله وحده يعلم مالذي أودى بها الى هذه الحال ..؟!"
نهض سيف من مكانه يقول :-
" يا ماما ... الفتاة مسكينة .. لقد وجدتها بالصدفة وانا من أصريت على عدم تركها لوحدها ... ولإنه لا يمكنني أخذها الى شقتي كوني عازب فلم يكن لدي حل سوى أن آتي بها الى هنا ..."
قال كمال بجدية :-
" اهدئي يا شريفة ودعينا نفهم اولا وضع الفتاة .."
قال سيف بتروي :-
" يا ماما الفتاة صغيرة وبريئة ... لم أكن أستطع أن أتركها في الشارع ..
سألته والدته بحنق :-
" وأين عائلتها ..؟!"
رد سيف بجدية :-
" هذا ما سأعرفه منها لكن عندما تستعد هي للحديث .."
أضاف بتردد :-
" هي متعبة للغاية وتحتاج الى الراحة خاصة إنها حامل .."
صاحت شريفة بصوت مرتفع :-
" ماذا ..؟! وحامل أيضا ..؟!"
ثم تقدمت نحوه تسأله بملامح متشنجة :-
" سيف يا ولد .. أنت لن تعبث في هذا السن بالتأكيدد.."
قاطعها كمال بحنق :-
" ما هذا الكلام يا شريفة ..؟! ابنك ليس من هذا النوع وأنت تعرفين ذلك جيدا ..."
أضاف ينظر الى ولده :-
" بني سيف ... من تلك الفتاة ..؟! وما حكايتها بالضبط ..؟!"
رد سيف بصدق :-
" يا بابا .. كل ما أعلمه إنها فتاة إسمها جيلان ... في السابعة عشر من عمرها .. متزوجة وتحمل طفلا وعلى ما يبدو إنها هاربة من زوجها ..."
جحظت عينا شريفة وهي تقول بحزم :-
" هذه الفتاة لا يمكن أن تبقى لحظة واحدة هنا .. ستغادر القصر حالا .. هل سمعت يا سيف ..؟!"
قال سيف برجاء :-
" ماما من فضلك .. الفتاة صغيرة ومسكينة ... بالله عليك تفهمي الموقف .."
لكن شريفة كانت مصرة وهي تضيف بإصرار :-
" هذا جنون يا سيف .. فتاة لا نعرف عنها شيئا هنا في القصر والأسوء إنها هاربة من زوجها وتحمل طفلا أيضا .."
قال كمال بجدية :-
" خذ الفتاة الى جناح الضيوف يا سيف ..."
ابتسم سيف لوالده عندما صاحت شريفة في زوجة :-
" مالذي تقوله يا كمال ..؟! انا لا أقبل بهذا .."
قال كمال بدوره بصلابة :-
" وأنا لن أسمح لنفسي أن أترك فتاة صغيرة وحيدة في الخارج في هذا الوقت من الليل .. ستبيت هنا الليلة وصباحا سنتحدث معها ونفهم منها ما يحدث .."
قالت شريفة برفض :-
" من فضلك يا كمال .."
لكن كمال بدا أكثر صرامة وهو يردد:-
" قلت كلمتي وإنتهى يا شريفة ... هل كلمتي باتت غير مسموعة في قصري ..؟!"
منحته شريفة نظرات نارية وهي تتحرك خارج المكان تتمتم بينها وبين نفسها ببعض الكلمات الحانقة بينما أشار سيف لوالده يشكره قبل أن يذهب الى جيلان التي كانت تجلس في احدى الغرف الجانبية وإيما تقف جانبها عندما أخبرها وهو يتقدم نحوها :-
" هيا يا جيلان .. سآخذك الى جناح الضيوف لترتاحي ...."
أكمل يحدث إيما يطلب منها أن تجهز الطعام لجيلان التي سارت أمامه حيث الطابق الثاني لتدخل الى جناح ضخم ذو تصميم وأثاث شديدين الفخامة والرقي فتسمع سيف يخبرها :-
" إرتاحي قليلا حتى تأتي إيما بالطعام لك ..."
أكمل بجدية :-
" سأطلب من إحدى الخادمات أن تجلب لك بيجامة ترتديها بدلا من ملابسك هذه .."
قالت جيلان بحرج :-
" لا داعي أن تتعب نفسك .."
قال بصدق :-
" لا يوجد تعب .."
أكمل بعدها :-
" شقيقتي الكبرى تأتي هنا وتبيت بين الحين والأخرى لذا فهي لديها ملابس دائمية هنا .. صحيح حجم الملابس سيكون كبيرا عليك نوعا ما لكن لا بأس .."
هتفت جيلان بتردد :-
" ربما سترفض أن أرتدي ملابسها .."
قال سيف مبتسما بتحفظ:-
" علياء لا تبالي بأشياء كهذه على الإطلاق .."
أضاف وهو يتجه نحو للخارح :-
" سأتركك الآن وستأتي إيما بعد قليل ومعها الطعام والملابس ..."
ثم تحرك خارج لتبقى جيلان لوحدها في الجناح الفخم تتأمله بصمت وقد ذكرها المكان لا إراديا بقصر عائلتها بسبب ضخامته ورقي تصميمه ...
إستدارت الى الخلف تتأمل إنعكاس صورتها بالمرآة للحظات عندما انتبهت أخيرا الى ذلك البروز الضئيل في بطنها ليرتجف جسدها كليا دون إرادة منها ...
لحظات وركضت حيث الحمام لتقف أمام المغسلة تغسل وجهها عدة مرات بالماء والصابون قبل أن تغادر الحمام بعدما جففت وجهها لتجد إيما أمامها تبتسم لها وقد وضعت لها صينية الطعام على الطاولة بينما هناك بيجامة أنيقة موضوعة على السرير ..
سألتها إيما إذا ما كانت تريد شيئا ما فهزت جيلان رأسها بنفي لتغادر إيما المكان فتبقى جيلان لوحدها عندما عادت رغما عنها تتأمل بروز بطنها بالمرآة ...
مدت كف يدها المرتجفة فوق بطنها لتشعر بنبضات قلبها ترتفع بذعر ...
هناك داخل بطنها يوجد طفل ..
تذكرت هذا فشعرت بالنفور يسيطر عليها ...
نفور يصحبه خوف شديد ..،
خوف من مجهول ينتظرها بوجود هذا الطفل ..
مجهول لا تريد أن تعيشه ..
هي لا تريد هذا الطفل .. لا تريده ..
تحركت بخيبة نحو الكرسي المجاور للطاولة وجلست عليه تفكر إنه لا أمل لها بالخلاص من هذا الوضع ..
هذا الوضع الذي تمقته ..
ملأت الدموع عينيها عندما سقطت نظراتها لا إراديا فوق تلك السكين الموضوعة جانب الشوكة والملعقة بترتيب ....
إرتجفت ملامح وجهها وهي تنظر الى السكينة بتردد وبدأ عقلها يصور لها ما ينتظرها ..
ستجعل السكين تدخل في بطنها فيموت الطفل وتنتهي منه ..
هكذا صور لها عقلها ما سيحدث ...
فكرت إنها ستتألم .. ستتألم كثيرا لكن لا بأس ..
سيذهب الألم بعد فترة ... بعدما يتم مداواتها ...
مهما بلغ مقدار الألم فلن يوازي ألم إنجابها لطفل لا تريده في هذا العمر ..
فجأة شعرت بأن حل المشكلة أصبح بسيطا ..
سارعت تحمل السكينة ...
ورغما عنها إرتشعت أنامل ما إن لامست سطح السكينة الباردة لكنها ضغطت على نفسها وهي تتقدم بالسكينة نحو بطنها حتى لامس سطح السكينة المدبب قماش قميصها الرقيق فشعرت به ..
أغمضت عينيها بتأهب تكتم دموعا على وشك التساقط بينما عزمت أمرها على إختراق بطنها بالسكين ولكن قبل أن تفعل ما أرادته سمعت صوت طرقات على الباب فسقطت السكين من يدها بعدما أجفلها الصوت لتسارع برفعها ووضعها بعشوائية على الطاولة قبل أن تسمح للطارق بالدخول فوجدت سيف يدلف وهو يسألها بإهتمام :-
" هل كل شيء بخير ..؟!"
هزت رأسها بصمت وهي تكتم دموعها عندما أشار نحو الطعام :-
"إذا تناولي طعامك ..."
أطاعته وهي تجلس على الكرسي مجددا ..
أخذت تتأمل الطعام بصمت قطعه وهو يسألها :-
" إذا ، ألن تتحدثي ...؟!"
رفعت عينيها نحوه فظهر الخوف والتردد واضحا فيهما ليضيف بجدية :-
" تحدثي يا جيلان .. ربما يمكنني مساعدتك .."
هزت رأسها نفيا وهي ترد على الفور :-
" لا أحد يمكنه مساعدتي .. "
زفر أنفاسه ببطأ قبل أن يتسائل مجددا :-
" هل هربت من زوجك يا جيلان ..؟!"
ظهر الفزع على ملامحها ما إن نطق كلمة " زوجك " فحاول تهدئتها وهو يخبرها :-
" أنا يمكنني مساعدتك يا جيلان .. انا ضابط في الشرطة .. يمكنني مساعدتك بل وإنقاذك ممن تسببوا بالأذى لك ..."
أضاف وعينيه تنحدران نحو بطنها :-
" والد الطفل هو زوجك ، أليس كذلك ..؟!"
إسترسل :-
" كم عمرك يا جيلان ..؟!"
نطقت بتردد :-
" سبعة عشر عاما .."
تغضن جبينه برفض رغم إدراكه مسبقا إنها ما زالت قاصرا :-
" هذه جريمة .. كيف يزوجونك في عمر كهذا ..؟! كيف قبل والدك بهذا ..؟!"
هتفت بسرعة :-
" والدي متوفيا ..."
ثم قضمت شفتيها بسرعة ليرفع حاجبه يسألها محاولا معرفة المزيد من المعلومات منها :-
" إذا من زوجك منه ..؟! هل والدتك ...؟!"
رددت بأسى :-
" والدتي متوفية أيضا .."
نظر لها بشفقة قبل أن ينهض من مكانه ويتجه يجلس جانبها لتبتعد لا إراديا فيقبض على كفها برفق يخبرها :-
" لا تخافي يا جيلان .. صدقيني انا لن أؤذيك أبدا ... على العكس فأنا أريد مساعدتك .."
أكمل وهو ينظر الى عينيها بإصرار :-
" تحدثي ياجيلان .. أخبريني مالذي حدث معك وجعلك تهريين .. أخبريني عن زوجك وكيف تزوجت به .. تحدثي وأعدك إنني سأساعدك ..."
نطقت وهي تلعق شفتيها بتوتر :-
" سأتحدث لكن بشرط .."
نظر لها بترقب لتضيف بتردد :-
" عدني ألا تعيدني إليهم مهما حدث ... "
صمت للحظات ثم قال :-
" أعدك ..."
نطقت بعد لحظات :-
" قصتي طويلة .. لكن ما يجب أن تعرفه إنني .."
توقفت للحظة بتردد لحظي سرعان ما أزاحته وهي تقرر التحدث ..
إخباره بما حدث .. لم يعد هناك مجال للإخفاء .. لم يعد هناك ما تخشى منه وما ستخسره ... مالذي سيحدث أسوء بعد ..؟!
"انا تعرضت للإغتصاب ولهذا زوجوني الى ابن عمي رغم رفضي لذلك.."
جمدت ملامح سيف وهو يومأ برأسه كي تكمل فأضافت وهي تعض شفتيها :-
" ثم حدث بيننا شيء وحملت منه ... لقد علمت بحملي متأخرا لإنهم أخفوا عني الأمر خاصة إن إبن عمي طلقني منذ مدة .. "
أضافت بعدها :-
" انا لا أريد هذا الطفل ولا أريد عائلتي لإنهم خدعوني وإستغلوني كلا بطريقته .. لذا هربت منهم ولن أعود إليهم مهما حدث ... "
كانت تتحدث بجدية واضحة على ملامحها ..
جدية لا تقبل مزاجا ...
تأملها بصمت مفكرا في حل لهذه المعضلة فالفتاة تبدو صادقة في حديثها والأهم إنها تبدو مصرة على قرارها في عدم العودة الى عائلتها فما الحل ..؟!
.........................................
كانت تقف في المطبخ تعد طعاما شهيا ....
تبتسم بسعادة باتت تعيشها منذ اللحظة التي تلا على مسامعها ذلك الإعتراف ...
إعتراف تمنته لشهور طويلة ونالته أخيرا ...
إعتراف نالته من الرجل الذي أحبته .. صاحب الخفقة الأولى ... أول حب في حياتها والأخير..
كل شيء تغير بعد ذلك الاعتراف ..
هي تغيرت وكذلك هو .. وكأن هناك حاجز ما بينهما تم تجاوزه ... وكأن هناك شفرة ما تخصهما واحدة باتت معروفة لكليهما ..
هي أصبحت منطلقة .. سعيدة وكأنها تلمس النجوم بين كفيها ...
وهو أيضا تغير .. لقد بدا مرتاحا أكثر من أي وقت .. بدا وكأنه تحرر من شيء ما كان يثقل كاهله ...
سمعت صوت الباب يفتح فتركت ما في يدها وركضت بفرحة نحوه ليتلقاها بين أحضانه يعانقها بلهفة مماثلة وهو يحملها بقامتها ذات الطول المتوسط فتضحك وهي تهمس له بشوق لم تعد تتردد وهي تصرح به :-
" إشتقت لك ..."
شدد من عناقها وهو يهمس لها بتلك الكلمة التي بات يستخدمها لمناداتها بدلا من إسمها منفردا :-
" حياتي ..."
باتت حياته ...
هكذا أخبرها وهو يؤكد إن ياء الملكية تلك لن تفارق إسمها بعد الآن ....
يريد أن يثبت ملكيته لها بهذه الطريقة وهو لا يدري إنه إمتلكها منذ أول نظرة ألقتها على صورته ...
إمتلك كل إنش فيها دون رحمة ...
أبعد وجهه قليلا عنها يقبل طرف أنفها ثم شفتيها لتبادله قبلته بحب قبل أن تتذكر أمر الطعام فصاحت بتذكر :-
" الطعام يا نديم ..."
ثم تحررت من بين ذراعيه وركضت بسرعة نحو المطبخ حيث سارعت تقلب الطعام يتبعها هو مرددا بتسلية :-
" هل أطلب طعام من الخارج بدلا من تناول طعام محروق ...؟!"
رمقته بنظرات محذرة ليكتم إبتسامته بصعوبة فتخبره بحزم :-
" ساعدني في تجهيز المائدة..."
قال مبتسما بخفة :-
" أمرا وطاعة يا حياتي ..."
كتمت إبتسامتها وهي تبدأ بصب الطعام وهو يساعدها كما طلبت بتجهيز المائدة عندما جلسا يتناولان الطعام وهما يتبادلان الأحاديث العامة حيث تثرثرهي له عن يومها في الجامعة فيستمع هو لها بإهتمام وتستمع هي كذلك ...
انتهيا من تناول الطعام فجلس هو في صالة الجلوس بعدما ساعدها في تنظيف المائدة تاركا إياها تعد الشاي لهما ..
تقدمت له بعد قليل وهي تحمل كوبي الشاي في يدها ليلتقط خاصته منها ويشكرها قبل أن تجلس هي جانبه فيحيط كتفيها بذراعيه ويتناول كلاهما الشاي بصمت ..
كان جوا عائليا محببا لحياة ورغم إنها عاشت هذه الأجواء مسبقا لكن هذه اليومين شعورها مختلف ..
فهذه الزيجة توجت بالحب المشترك بينهما إضافة الى طفلهما القادم ...
نعم هي حامل .. لقد علمت ذلك في نفس اليوم الذي نالت فيها إعتراف بالحب منه وكأن ذلك الطفل الذي تكون داخلها كان تميمة حظها ....
ارتشفت من الشاي خاصتها عندما سمعته يهمس لها :-
" إشتقت لك ..."
ضحكت برقة وقد باتت تفهم ما يريده عندما ينطق هذه الكلمتين بتلك النبرة الخاصة .. نبرة مختلفة مليئة بالشوق الذي لا ينضب ..
وضعت الشاي على الطاولة ليجذبها نحوه يقبلها بشغف بادلته إياه حينما حملها بين ذراعيه يتجه بها نحو غرفتهما يمنحها العشق والشغف ..
بعد مدة من الزمن كانت تتوسد صدره لتسمعه يهمس وهو يعبث بخصلاتها القصيرة:-
" ما رأيك أن نخرج ..؟!"
رفعت وجهها تخبره بدهشة :-
" الساعة تعدت الثانية عشر صباحا يا نديم ..."
رد بعدم اهتمام :-
" وأين المشكلة ...؟!"
أكمل وهو يغمز لها :-
" نتجول في الخارج قليلا ..."
ابتسمت برقة وهي تهز رأسها موافقة قبل أن ينهضان بحماس لتأخذ حماما سريعا يتبعها هو ثم يرتديان ملابسهما ويخرجان ...
.................................................................
كانت تجلس بجانبه في سيارته الجديدة تنظر إليه بنظرات خلسة قبل أن تتجه بأنظارها مجددا بإتجاه النافذة تتطلع الى الشوارع الشبه مظلمة والهادئة نوعا ما في هذا الوقت من المساء حيث تجاوزت الساعة الواحدة صباحا ورغم هذا خرجا سويا كما أراد هو ..!!
وجدته يصف سيارته أمام أحد المقاهي الراقية عندما إستدار نحوها يسألها بإهتمام :-
" هل نهبط من السيارة ..؟!"
هزت رأسها موافقة عندما هبط كلاهما من السيارة فوجدت يده تعانق كف يدها بتملك باتت تشعر به في كافة تصرفاته الأخيرة عندما سارت جانبه حيث دخلا الى المقهى وإختارا إحدى الطاولات التي تقع بعيدا قليلا بجانب نافذة واسعة تطل على الحديقة الخارجية والتي تضيئها إنارة خافتة تمنح المكان في الخارج جوا حميميا مميزا ...
" هل أعجبك المكان ..؟!"
سألها مهتما عندما اومأت برأسها وهي تجيب بصدق :-
" إنه رائع ..!!"
إبتسم بهدوء عندما أشار الى النادل الذي تقدم نحوهما يسألهما :-
" ماذا تحبان أن تتناولان ...؟!"
نظر إليها بتساؤل لتجيب بجدية :-
" شراب الحليب بالشوكولاتة من فضلك .."
قال نديم بدوره :-
" وأنا أريد قهوة معتدلة الحلاوة .."
ثم سألها مجددا :-
" ماذا تريدين أن تتناولي الى جانب المشروب ..؟!"
ردت بهدوء :-
" لا شيء .. لا أشعر بالجوع ..."
" هذا فقط ..!!"
قالها نديم الى النادل الذي إبتسم بلباقة وهو يغادر عندما هتف منتبها:-
" أصبحت لا تتناولين القهوة أبدا كعادتك ...!!"
إبتسمت مرددة بحذر :-
"  أحاول التقليل منها فهي ليست صحية ..."
" معك حق .."
حل الصمت المطبق بينهما ... جاء النادل ووضع المشروبات أمام كليهما وكلاهما يلتزمان الصمت حتى بدئا بتناول المشروبات ...
رددت حياة وهي تضع كوبها فوق الطاولة مجددا :-
" سأقول شيئا ولكن لا تتضايق مني .."
قال بصدق :-
" انا لا يمكن أن أتضايق منك يا حياة وحتى إن فعلت فإنني لا أتضايق منك سوى قليلا ثم سرعان ما يتبخر ضيقي فورا ببساطة مغيظة ...!!"
مطت شفتيها تردد :-
" مغيظة ..." 
ابتسم مرردا بجدية :-
" نعم مغيظة .. عندما لا أستطيع مخاصمتك ليوم واحد حتى بينما أنتِ تخاصمينني لأيام بكل برود فهذا يجعل الأمر مغيظا بالنسبة لي .."
قالت بسرعة تدافع عن نفسها :-
" انا لم أخاصمك لعدة أيام إلا مرة أو مرتين ..."
هز كتفيه مرددا ببساطة :-
" لإنني أسارع لمصالحتك في كل مرة نتخاصم فيها أما أنتِ .."
توقف للحظة ثم قال بنظرة خرجت مؤنبة رغما عنه :-
" لا تحاولين مصالحتي أبدا ولا تهتمين أبدا عندما نتخاصم .."
قالت بسرعة :-
" يتهيأ لك .. انا طوال فترة خصامنا أحترق غضبا وحزنا ... ربما لا أظهر هذا لك متعمدة لكنني أصبح أتعس شخص على وجه الأرض عندما نتخاصم ..."
ابتسم يسألها بمشاكسة :-
" حقا ..؟!"
منحته إبتسامة واسعة أبرزت غمازتيها عندما حملت كوبها ترتشف مشروبها الدافئ بتلذذ ...
سمعته يسألها :
" ماذا كنت ستقولين منذ قليل ..؟!"
" نعم تذكرت .."
أضافت :-
" لقد قابلت ليلى  .."
نظر لها بإنصات لتضيف بحذر :-
" إنها لطيفة جدا ..."
هز رأسه مرددا بحذر :-
" نعم .. هي كذلك بالفعل .."
ابتسمت له وهي تقول :-
" لماذا تغيرت ملامح وجهك ... ؟! "
تنهد وهو يقول :-
" أخشى قول شيء قد تفسرينه بشكل خاطئ ..."
أضاف بجدية :-
" ولكن لدي فضول لأعرف كيف ومتى إلتقيتما ...؟!"
ردت بجدية :-
" إلتقينا وتحدثنا قليلا .. كان حديثا عاديا .."
أرادت أن تخبره عما فعلته ليلى وإنها كانت سببا لكشف نوايا عمار لكنها ترددت فهي لا تدرك إذا ما كانت ليلى تتقبل معرفة نديم بالأمر أم لا ...!!
إسترسلت تبتسم له بخفة :-
" انا لن أنزعج عندما تتحدث عن ليلى يا نديم ..."
أكملت تحجم غيرتها بقوة :-
" مهما حدث تبقى هي ابنة خالتك وخطيبتك سابقا وبينكما عشرة طويلة ... هذا غير ما فعلته معك والذي لا يقدر بثمن .."
عاد التجهم يغزوه عندما تطرقت الى هذه النقطة فإبتسم مجددا وهو يوافقها حديثها بصمت ...
أكمل ثرثرته معها حتى مرت أكثر من ساعة على جلوسهما فقررا مغادرة المكان والتوجه الى البحر حيث جلسا على إحدى المصطبات أمامه كما إعتادا أن يفعلا ..
كل شيء كان مثاليا فشعرت إنه الوقت المناسب لتخبره عن حملها ...
ورغم إنها كانت تنوي تجهيز مفاجأة خاصة لإخباره لكن فجأة وجدت داخلها رغبة قوية تلح عليها أن تخبره الآن بهذا الخبر المميز لكليهما بل يكاد يكون أسعد خبر سمعته طوال حياتها ...
" بم تفكرين ..؟!"
أفاقت من أفكارها على سؤاله فردت بإبتسامة خافتة :-
" لا شيء ... "
" لا تكذبي .. أعلم إنك تفكرين بشيء ما .. شيء مهم أيضا ..."
رفعت حاجبها تردد بعدم تصديق :-
" في الفترة الأخيرة أصبحت أشعر إنك تقرأ مشاعري و ..."
قاطعها وهو يركز نظراته عليها :
" أنا لا أقرأ مشاعرك يا حياة .. انا فقط أشعر بك وأفهم عليكِ من نظرة أو تقطيبة بسيطة ... "
نظرت له بدهشة ليضيف وهو يجذب كف يدها يقبض عليه بكفه :-
" ألم تدركِ بعد إنني أصبحت أحفظك كخطوط يدي فأشعر بك عندما تحزنين أو تقلقين ..؟! أفهمك من لمعة عينيك عندما تفرحين ومن إختفاء بريقهما المتوهج عندما تحزنين ومن تقطيبتك الواضحة عندما تحتارين ..."
شعرت بمشاعرها تتوهج كليا ومعدتها تتقلص داخلها رغما عنها فترمي بجسدها داخل أحضانه بعشق يتملكها دون رحمة ليحاوط جسدها بذراعيه مقربا وجهه من شعرها يتنفس عطرها الدافئ بينما تغمض عينيها بإستسلام وكفي يديها يمتدان نحو بطنها حيث تمكث تلك القطعة الصغيرة التي تخصه داخل رحمها فتشعر برغبة شديدة أن تخبره في هذه اللحظة تحديدا بوجود طفله القادم هنا ..!!
همس لها بصدق من بين أعماقه :-
" أحبك يا حياة ..."
إرتعشق جسدها كليا عندما تمتمت أخيرا بخفوت :-
" انا حامل ...."
شعرت بتخشب جسده الذي يحتضنها بينما سيطر الصمت عليه كليا لتهمس بتردد :-
" نديم ..."
نطق أخيرا بجسد مرتجف :-
" أنت حقا حامل ...؟!"
اومأت برأسها بعدما إبتعدت من بين أحضانه تخبره وهي تبتسم له برقة وحب :-
" نعم حامل ..."
ثم وضعت كفها فوق بطنها تضيف بنفس الإبتسامة السعيدة :-
" أحمل طفلنا يا نديم ..."
تأمل نديم بطنها ولم يستطع تفسير شعوره في تلك اللحظة ...
السعادة التي شعر بها لا مثيل لها ..
سعادة لا تقدر بثمن ...
في داخل رحم حياة كانت هناك قطعة منه تنمو داخله ..
قطعة تمثل حياة جديدة قادمة إليه .. حياة تخصه وحده وتنتمي إليه ...
في بادئ الأمر دخلت حياة الى حياته ومنحته حياة جديدة بوجودها معه واليوم هناك حياة أخرى تنمو داخل حياته الأولى في رحمها ...
حياة قادمة ينتظرها بلهفة رجل يجرب شعور كالذي ينتظره لأول مرة ...
منحها نظرات أبلغ من أية كلمات فهي حياته التي أحييته بعد سنوات وداخلها توجد حياة جديدة ستشرق شمسها قريبا وتنير حياته كما أنارت شمس والدتها حياته مسبقا ...
يتبع

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now