الفصل الحادي والثلاثون ( الجزء الثالث )

3.5K 180 21
                                    

الفصل الحادي والثلاثون ( الجزء الثالث )
هتف عابد مشيرا الى راغب الذي يجلس معه في مكتبه :-
" تصرف أخيك كان مفاجئا .. انا قلق على الفتاة .. إنها بالكاد تتعافى من صدمتها .."
رد راغب بجدية :-
" لا تقلق ، انا سأتابع الأمر بنفسي وأحذره غدا من أي تصرف غير محسوب ..!!"
" كيف ستتابع الأمر يعني ..؟! هل ستضع كاميرات مراقبة في جناحهما ..؟!"
سأله عابد بحنق ليرد راغب بنفس الهدوء :-
" أبي ، انا أعرف كيف أتصرف معه .."
قاطعه عابد بغيظ :-
" منذ سنوات تقول نفس الشيء .. لم يتغير شيء حتى الآن .. ما زالت إبنة ذلك ال.."
توقف عن كلماته للحظات قبل أن يضيف بغضب :-
" ما زالت تلك الفتاة في حياته .. تزوجها عرفيا .. ماذا سأنتظر ..؟! يأتي لي بحفيد منها أيضا .."
ضحك راغب مرغما ثم قال :-
" صدقني نهايتها اقتربت .. سأنتهي من تقى بأقرب وقت .. "
أردف بتعقل :-
" افهمني يا أبي .. انا أستطيع بإشارة واحدة أن أخفيها من حياته الى الأبد .. ولكن ليس هذا ما أريده .. انا أريد أن أتخلص منها لكن بإختياره هو  .. أريده أن يتركها بنفسه .."
" وكيف سيحدث هذا ..؟! ومتى سيحدث ..؟!"
سأله والده بنفاذ صبر ليرد راغب بثقة :-
" كيف سيحدث فهذه اتركها لي اما متى سيحدث ففي أقرب وقت بإذن الله .."
هتف عابد بجدية :-
" المهم ، جيلان أريدها بعيدة عن هذه الأمور تماما ... لا أريدها أن تتأثر بأي شكل ... "
" وهذا ما أريده أنا أيضا وسأحافظ عليه .."
قالها راغب بجدية ليضيف عابد :-
" وأخوك هذا إنهي أمره في أقرب وقت .. لم يعد لدي قدرة لتحمل تصرفاته هذه .. أريده أن يتعقل ويستوعب مكانته وينتقي تصرفاته ويحافظ على منظره الإجتماعي ومنظرنا معه .."
" أخبرتك أن تتركه لي ..أنا سأعرف كيف أروضه وأعيد تقويمه بعدما أنتهي من تقى .."
نهض عابد من مكانه رابتا على كتفه مرددا :-
" انا أثق بك كثيرا يا راغب وسأعتمد عليك تماما في أمر مهند .."
وضع راغب كفه على يد والده هاتفا بقوة وعزيمة :-
" لا تقلق ، توكل على الله واترك أمره لي .."
خرج بعدها عابد ليتنهد راغب بصمت قبل أن يقرر النهوض والذهاب الى جناحه ..
أثناء مروره في الممر المتجه لجناحه دلف الى غرفة طفليه فوجدهما نائمين ..
اقترب منهما يتأمل الكبير الذي يشبهه كثيرا في كل شيء حتى في شخصيته التي تبدو واثقة وقورة رغم صغر سنوات عمره بينما الأصغر والذي يحمل الكثير من ملامح والدته مع إختلاف الشخصية تماما فهو مشاغب للغاية لا يشبهها في هدوئها ونعومتها أبدا ..
حرك كفه فوق شعر الأكبر ثم الأصغر وهو يبتسم بحنو قبل أن يخرج من الغرفة بخفة متجها الى جناحه ..
وقف أمام باب الجناح للحظات يأخذ نفسه مفكرا بما يريده الليلة ...
لقد بات ينتظر الوقت المناسب حتى يقترب من زوجته ،..!!
كم يبدو الأمر مسلي بل مضحك جدا ..
دلف الى داخل الجناح ليجدها تجلس أمام المرآة تسرح شعرها البني الطويل ويبدو إنها خرجت من الحمام لتوها ..
فك أزرار قميصه العلوية فقط قبل أن يتقدم نحوها لتتوقف عما تفعله تتأمله وهو يقترب نحوها يقف خلفها متأملها ملامحها الناعمة الجميلة على طبيعتها ...
مرر أنامله داخل شعرها المبلل ليرتجف جسدها قليلا ..
"اريدك يا همسة .."
عادت تلك الجملة مجددا تطرق عقلها بقوة ..
هو يريدها .. هكذا فقط .. وتلك الجملة التي يستخدمها كل مرة يرغبها بها .. ورغم إنه قليلا ما صار يقترب منها لدرجة إنها لا تتذكر متى آخر مرة لمسها فيها إلا إنها تشعر بثقل يجثم على صدرها من مجرد التفكير بما يريده ...
في كل مرة تظن إنه مل فعليا منها ولن يطلبها بعد الآن ليأتي ويفاجئها مجددا برغبته في وصالها ..
لا تفهم سبب تصرفه هذا ولا سبب رغبته في قربها رغم جمودها الواضح وعدم قدرتها على التفاعل مع رجل مثله بكل رجولته وجموحه ..
ورغم كل هذا كانت تعلم إنها سوف تستسلم .. ستمنحه جسدها كالعادة لينال منها ما يريده او بالأحرى ما ستمنحه هي من تفاعل بسيط يشبه الفتات .. تفاعل لا يروي أبدا ورغم هذا ما زال يريدها ..
هل يفعل هذا بدافع الواجب ..؟! هل يلمسها من حين لآخر كي لا تشعر إنه ينبذها فعليا ..؟!
آه لو يعلم إنها لا تريد قربه وتتمنى أن يبتعد عنها الى الابد ولا يلمسها مجددا ولكنها لا تقوى على قولها حتى ..
سوف تستسلم له كما يحدث كالعادة ويأخذ هو ما يريد بينما يزداد الفراغ داخل روحها اتساعا بعد كل مرة يحدث بها هذا ..!!
بعد لحظات كان بين ذراعيه تشعر برغبته الجامحة بها فتقابله ببرودها المعتاد ..
ينال منها نشوة لحظية لا ترويه ورغم هذا يصر على الإقتراب بين الحين والآخر لسبب لا يدركه هو نفسه ..
الأمر لا يتعلق بالشوق رغم إنه يشتاق لها دوما ولو سار وراء أشواقه لما تركها ليلة واحدة دون أن يمارس الحب معها لكنه يسيطر على نفسه ومشاعره وأشواقه ورغباته الطبيعية كرجل فقط لأجلها ولأجل ذلك النفور الذي يشعر به منها كل مرة ومع هذا يصر أن يلمسها من حين لآخر وكأنه يريد أن يثبت لها من خلال ذلك إنها ملكه حتى النهاية ..
انتهى أخيرا وإبتعد عنها يلتقط أنفاسه بينما سارعت هي تجذب اللحاف تغطي به جسدها قبل أن تجذب قميص نومها المحتشم وترتديه محاولا ألا تستدير نحوه حيث يراقب هو ظهرها المكشوف بنظراته ..
اتجهت نحو الحمام تستحم بسرعة لكنها في الواقع وقفت خلف الباب تأخذ أنفاسها عدة مرات تحاول السيطرة على مشاعرها المكبوتة ودموعها المترقرقة داخل عينيها ..
خرجت بعد مدة من الحمام بشعرها المبلل مرتدية تفس قميص النوم بعدما جففت جسدها في الداخل ..
تأملته وهو يجلس على السرير مرتديا بنطاله وقميصه المفتوح بالكامل كاشفا عن صدره العريض ليرفع وجهه ما إن خرجت فيهمس بصوت متصلب :-
" الى متى يا همسة ..؟!"
سألته بصوت مضطرب :-
" ماذا تقصد ..؟! "
ردد بغضب مكتوم :-
" تدركين جيدا عما أتحدث .. همسة انا تعبت .. تعبت حقا .."
بدت نظرته مثقلة بالهموم لتدمع عيناها لا إراديا وهي تردد :-
" وانا تعبت أكثر .. انا تعبت اكثر منك يا راغب .. "
انتفض من مكانه مرددا بغضب ظهر على ملامح وجهه وفي نبرة صوته :-
" انت من تفعلين هذا بنا .. تؤذين نفسك وتؤذيني معكِ ... انتِ من تصرين على هدم علاقتنا .."
ضحكت من بين دموعها المحتبسة داخل عينيها تردد بسخرية :-
" علاقتنا ..؟! أية علاقة بالضبط ..؟! أنت تتوهم أشياء ليست موجودة .. نحن لا توجد بيننا أي علاقة .. أمام الناس والعائلة نحن زوجان ولكن في الواقع نحن أبعد إثنين عن بعضيهما .."
تقدم نحوها أكثر يسألها بحنق :-
" ومن السبب في هذا التباعد ..؟! "
ردت بألم :-
" انا السبب .. أليس كذلك ..؟! انا السبب في كل شيء .. انا دائما يا راغب ..."
" هذه الحقيقة ولا يمكنك إنكارها .."
قالها بقوة لترد وهي تمسح وجهها بتعب :-
" حسنا إذا كان هذا يريحك قليلا فسأعترف إنني السبب وأحمل نفسي المسؤولية كاملة .."
" وماذا عني ..؟! الى متى سأتحمل هذا الوضع ..؟!"
سألها بجدية لترد بتشنج :-
" لا أعلم .. انت اتخذ قرارك بنفسك .. الوضع هذا لا يناسبك .. إفعل ما تريده وما يجعلك ترتاح في حياتك .."
" اسمها حياتنا يا همسة .. ليست حياتي لوحدي ..."
قالها بعصبية لترد. بضعف :-
" لم تكن يوما هناك حياة بيننا .. لا داعي أن تكذب وتخلق بيننا ما ليس له وجود أساسا .."
" هذا رأيك إذا ..؟!"
سألها متحفزا لتهز رأسها دون رد فيردد بقوة ونظرات جامدة :-
" تذكري دائما إنني حاولت وأنتِ لم تحاولي مرة واحدة حتى وبالتالي فلا تلوموني على ما هو قادم يا همسة لإنني بالفعل بعد حديثنا هذا سأفكر براحتي قبل كل شيء .."
اندفع خارج الغرفة بعصبية صافقا الباب خلفه بقوة لتجلس على السرير ودموعها تتساقط على وجنتيها بضعف وخذلان ..
.............................................................
هبطت درجات السلم بفستانها الأسود المطعم ببعض الورود الصغيرة ذو حمالات رفيعة يبرز عنقها الأبيض الطويل والجزء العلوي من نحرها بينما يصل طوله قليلا فوق كاحليها ..
شعرها الأشقر مصفف بعناية ومكياجها ناعما رقيقا يليق بوجهها المليح كالعادة ..
بدت شديدة الأناقة رغم بساطة ما ترتديه ..
تأملتها مريم التي شعرت بها تهبط السلم حيث خرجت من صالة الجلوس تراقبها وهي تسير بخطواتها نحو الخارج فتوقفت ليلى تبتسم لها مرددة :-
" مريم ، لم أستطع رؤيتك اليوم .."
" لإنكِ كنتِ في الخارج منذ الصباح ولديك موعد الآن أيضا .."
أضاف تسألها بإهتمام :-
" هل هو عشاء عمل أم دعوة مهمة لتكوني بكل هذه الأناقة ..؟!"
ضحكت ليلى تسألها بشغب :-
" تتحدثين وكإنكِ ترينني أرتدي شيئا أنيقا للمرة الأولى .."
رددت مريم بعبوس :-
" بالطبع لا ، انتِ دائما ما كنتِ ملكة الأناقة ..!"
ابتسمت ليلى مرددة :-
" شكرا على هذا الإطراء .."
همت بالخروج لكنها توقفت على صوت مريم تسأل بسرعة وفضول :-
" توقفي ، لم تخبريني بعد .. أين ستذهبين ومع من ..؟!"
ردت ليلى وهي تستدير نحوها :-
" سأتناول العشاء مع زاهر .."
بهتت ملامح مريم للحظات قبل أن تتسائل بإستغراب :-
" مع زاهر ..؟! زاهر خاصتنا ..؟! ابن خالنا ..؟!"
هزت ليلى رأسها مرددة بجدية :-
" نعم زاهر ابن خالي .. هل هناك مشكلة ما ..؟!"
" وما سبب هذه المقابلة او بالأحرى الدعوة كونه بالتأكيد من بادر لدعوتك ..؟!"
ردت ليلى وهي تهز كتفيها ببساطة :-
" لا أعلم .. هو اتصل بي ودعاني على العشاء ثم ارسل لي اسم المطعم الراقي جدا فبالطبع كان يجب أن أظهر بإطلالة تناسب المكان .."
كتمت مريم إبتسامتها بصعوبة تقول بجدية مصطنعة :-
" من ناحية سينايب فهو سوف يناسب كثيرا بل سيخطف الأنظار .. تفضلي يا أختاه فلا يصح أن تتأخري على ابن خالنا العزيز .."
ودعتها ليلى وخرجت لتضحك مريم مرددة بعدم تصديق :
" زاهر مع ليلى ..؟! هل هذه أحلام العصر ..؟!"
اما ليلى فركبت السيارة في الخلف حيث يقود السائق الخاص بالعائلة السيارة ..
أخذت تقلب في هاتفها أثناء الطريق عندما رن هاتفها بإسم عمار فزفرت أنفاسها بغضب قبل أن تجيب بحدة خفيفة :
" نعم ، ماذا تريد ..؟!"
سألها :-
" هل مزقتِ الشيك حقا ..؟!"
ردت ببرود :-
" نعم مزقته .. هل تظن إنني سأقبل بتعويض سخيف كهذا .. انا لا أريد أي شيء منك .. أساسا لو كان بيدي لمنحتك مبلغا زهيدا شكرانا وعرفانا على تخليصي منك أخيرا .."
" أنتِ مجنونة .. هذا المبلغ كان سوف يساعدك كثيرا .."
ردت بتهكم :-
" المبلغ الذي قدمته لي إزاء خدماتي ومساعدتي لك في إنتقامك اللعين .... شكرا لا أريده .."
أضافت بلهجة مزردءة :-
" ثانيا ما بالك مهتم بوضعي المادي الى هذه الدرجة ..؟!"
رد ببرود :-
" ربما لإنكِ تدينين لي بمبالغ هائلة .."
كتمت غضبها بصعوبة مرددة من بين أسنانها :-
" سأسدده قريبا .."
ضحك مرغما مرددا بتهكم :-
" واضح واضح .."
" ماذا تريد يا عمار ..؟!"
سألته بصوت حانق ليرد ببساطة :-
" أريد سلامتك يا لولا .."
أغلقت الهاتف في وجهه بعنف وهي تسبه وتلعنه داخلها ..
أخذت نفسا عميقا تحاول السيطرة على غضبها قبل الوصول الى المطعم ..
بعد حوالي عشر دقائق هبطت من السيارة وتقدمت الى الداخل لتجد زاهر يجلس على الطاولة التي حجزها مسبقا لهما ...
نهض من مكانه ما إن رآها مبتسما لها فبادلته إبتسامته بخفة وهي تتقدم نحوه لتمد يدها نحوه تحييه فيقبض على كفها يرفعها نحوه طابعا قبلة بطيئة على كفها فشعرت بالتوتر يغزوها لا إراديا لكنها فسرت الأمر وكأنها تصرفاته المعتاد عليها ولا يقصد منها شيئا رغم إنها تدرك جيدا عكس ذلك ..
جلست أمامه بعدما سحب لها الكرسي وجلس هو بدوره في مقعده ..
أشار الى النادل وهو يسألها :-
" هل تتناولين الطعام الآن أم تفضلين مشروبا في البداية ..؟!"
ردت بجدية :-
" دعنا نتناول مشروبا في البداية فأنا لا أشعر بالجوع حاليا .."
سألها بعدما وقف النادل أمامهما :-
" ماذا تحبين أن تشربي ..؟!"
أجابت :-
" عصير برتقال ..."
" وأنا مثلها .."
قالها زاهر مشيرا الى النادل الذي دون طلباتهما ثم ابتعد عنهما لتبتسم له بالقليل من الحرج فيسألها زاهر بإهتمام :-
" كيف حالك إذا ..؟!"
ردت بجدية :-
" بخير الحمد لله .."
ابتسم ثم قال :-
" بالطبع إستغربتِ دعوتي لكِ .."
هزت رأسها تجيب بجدية :-
" في الحقيقة نعم ، بالتأكيد هناك شيء ما وراء هذه الدعوة .."
قال بدوره بنفس الجدية :-
" لن أكذب أبدا .. هناك الكثير فعلا ولكن لا يوجد شيء محدد في هذه اللحظة .. غايتي من دعوة الليلة هو التقارب لا أكثر .."
" ماذا تعني بالتقارب ..؟!"
سألته بتردد ليرد بهدوء :-
" التقارب بيننا يا ليلى .. أنا أسعى جديا للتقرب منكِ .."
" لماذا ..؟!"
سألته بتوتر خفي ليرد بصدق :-
" لماذا برأيك ..؟! مالذي يدفع رجلا مثلي للتقرب من إمرأة مثلك ..؟!"
" انت لا تعني ذلك بالطبع .."
قالتها بعدم تصديق ليتسائل مستنكرا دهشتها :-
" لماذا ..؟! مالذي يجعلك تعتقدين ذلك ..؟!"
أجابت بعدم إستيعاب :-
" لإنك زاهر .. ابن خالي .. قريبي الذي أعرفه منذ سنوات ..."
قاطعها بجدية :-
" ولإنني أحبكِ منذ سنوات ..."
تجمدت ملامحها تماما تحاول أن تستوعب ما يقوله ...
هو يحبها ..!!
زاهر ابن خالها الذي تعرفه جيدا منذ الطفولة ..!!
رغم معيشه في الخارج منذ الطفولة كانت تلتقيه بإستمرار أثناء الزيارات المتبادلة بينهما ..
لم تلحظ يوما شيئا خاصا منه نحوها .. لم تلحظ أي مشاعر من ناحيته ولا إهتمام خاص ..
توقفت عن أفكارها تسمعه يتحدث بجدية :-
" انا شخص صريح يا ليلى ولن أكذب عليكِ أبدا .. سأتحدث بوضوح .. انا أحبك منذ سنوات .. ربما منذ أن كنتِ في الثانوية .. كنت أنتظر الوقت المناسب حتى أخبرك بحقيقة مشاعري نحوكِ وهو نفس الوقت الذي سأخطبك به رسميا لكنني اكتشفت ما يجمعك بنديم وإنك تحبينه وهو كذلك .. حينها قررت كتم مشاعري داخلي وتجاهل الأمر فأنا لست ذلك الرجل الذي يفرض نفسه على إمرأة تعشق غيره .. تفهمت الأمر وتصرفت بطبيعية رغم إنني كنت أحترق كثيرا عندما أراكما سويا خاصة في الفترة الأولى من إكتشافي لعلاقتكما .."
أضاف وهو يأخذ نفسا طويلا :-
" لكن مع مرور الوقت اعتدت الأمر وتقبلته وقررت التعامل بطبيعية معه .. أخفيت مشاعري داخلي ولم أسمح لأي شخص أن يعلم ما أشعره ناحيتك ولا حتى انتِ فمشاعري تخصني وحدي وانا وحدي المسؤول عنها .."
تأمل ملامح وجهها التي تتابعه بذهول ليضيف بجدية :-
" حتى عندما علمت بما حدث مع نديم تعاطفت معه كثيرا وشعرت بالحزن لأجلكما .. صدقيني لا أذكر هذا كي أدعي المثالية أمامك لكن رغم عشقي الجارف لك لم أشعر نحوه بالحقد يوما .. عندما تزوجتِ من عمار شعرت بصدمة كبيرة .. كأن هناك شيء ما سقط فوق رأسي .. كنت أدرك جيدا إنكِ تزوجته تحت ضغط وهناك أسباب عديدة أجبرتك على ذلك .. فكرت أن أتواصل معك وأعرض المساعدة لكنني تراجعت لإنني لم أكن أعلم ماذا ستكون ردك فعلكِ حينها .."
" زاهر .."
همستها بخفوت ليسترسل في حديثه :-
" وعندما خرج نديم من السجن وعلمت بإنفصالك مؤقتا من زوجك توقعت إنكما ستعودان سويا ... ولكن عندما علمت بأمر زواج نديم من أخرى وإنفصالك عن زوجك وإن كان بشكل غير رسمي حتى الآن شعرت إن هذه فرصتي .. أعلم إنك لم تتزوجي عمار الخولي بإرادتك وأعلم إنك تحبين نديم ولكن ما كان يوقفني عن الإعتراف بمشاعري هو إحتمالية عودتكما وبما إنه تزوج وسار في طريق جديد بعيدا عنك شعرت إن هذه فرصتي لأخبرك بمشاعري التي أخفيتها داخلي لسنوات .."
أنهى كلامه أخيرا فلاحظ شحوب وجهها وهي التي رددت بنبرة ضعيفة خافتة :-
" انا حقا لا أعرف ماذا أقول .. انت حقا صدمتني .. انا حتى لم أستوعب بعد .."
قاطعها برفق :-
" أعلم إن الأمر ليس هينا وبالتالي لا ألومك على ما تشعرين به في هذه اللحظة لكن كوني واثقة إنني بالفعل أحبكِ وأريدكِ ... لقد تجاهلت مشاعري لسنوات وكتمت حبك داخلي لسنوات طويلة ولكن الآن لن أفعل ذلك مجددا .. هذه المرة سأحارب لأجلك يا ليلى فلم يعد هناك ما يمنعني عن ذلك .."
" انت.."
توقفت تأخذ نفسها ثم قالت وهي تنهض من مكانها مرددة :-
" انا أحتاج أن أغادر المطعم فورا ... لا يمكنني البقاء بعد كل هذا الكلام .. أحتاج أن أستوعب ما سمعته .. أحتاج أن أنفرد بنفسي .. أحتاجه كثيرا .."
" ليلى توقفي .."
قالها وهو ينهض من مكانه قبل أن يهتف بجدية وتفهم لصدمتها :-
" أتفهم ذلك جيدا .. لكن اسمحي لي أن أعيدك الى المنزل .. "
تذكرت أمر السائق الذي كان سيعود إليها بعدما تتصل به فلم تجد حلا سوى موافقته فهزت رأسها موافقة وسارت أمامه بينما أخرج هو عدة وريقات مالية وضعها الطاولة وتبعها ..
ركبت سيارته جانبه بصمت متبادل بينهما وقد قرر أن يمنحها مساحتها لتستوعب ما سمعته بينما أخذت هي تراجع كلماته داخلها وإعترافه الصادق بمدى حبه لها ..
في تلك اللحظة شعرت بألم حاد في قلبها وهي التي تشعر إن قلبها لم يتقبل فعليا إعترافه حتى وكأن هناك حاجز تشكل بين قلبها وبين أي شيء يتعلق بالحب وتلك العواطف ..!!
...................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now