الفصل الرابع والثلاثون ( الجزءالثالث )

3.4K 172 11
                                    

في صباح اليوم التالي ..
فتحت عينيها وهي تشعر بضعف عام في معظم انحاء جسدها والحرارة تغزو جسدها حتى بدت ملابسها تخنقها بشدة ..
لحظات واستوعبت وجوده جانبها وجسده يحاوط جسدها فإلتفت تنظر إليه بعدم تصديق لتجده ينام بعمق وذراعيه تحاوطان جسدها المتعب ...
" يا إلهي ..!!"
تمتمت بخفوت وهي تشعر بمشاعر مختلطة بين السعادة لوجودها بين أحضانه وبين ضيقها من إصراره على الإقتراب منها وتحسين علاقتهما بينما هي تنأى بنفسها بكل الطرق عنه وتحاول حماية قلبها المولع به من الإنجراف خلفه ..!!
هو يصر على إقحامها في ظلماته التي تعرف جيدا إنها إذا ما دخلتها لن تخرج منها إلا وهي محطمة القلب ..
تعلم إنها أدركت هذا متأخرا مثلما تعلم إنها خذلته لكن الله وحده يعلم كم تتألم وتتعذب داخلها لأجله ولأجل الحزن الذي يظهر عليه بصمت كونها تبعد نفسها عنه ..
تتمنى لو تعود كما كانت .. تتمنى لو تحتويه وتمنحه الحب والحنان وكل شيء لكن ما حدث جعلها تدرك مكانتها الحقيقية ..
ربما لو كان هناك آملا في أن ترتقي مكانتها يوما عنده وتصبح حبيبة بدلا من دواء لجروحه لكانت بقيت على وعدها معه لكنها تعلم جيدا إن مكانتها ثابتة ولن تتزحزح مثلما تعلم جيدا إن المريض سيشفى يوما و حينها لن يحتاج الى الدواء وعليها أن تكون جاهزة بقوة لليوم الذي سينتهي مفعولها عنده ..!!
أغمضت عينيها مرغمة وهي تقرب وجهه بين أحضانه تستغل نومه العميق فتحظى بلحظات قصيرة بين أحضانه ..
شعور رائع تملكها وهي بين ذراعيه وكم تمنت لو كانت الحياة تسير كما تريد وكان هو يحبها كما تعشقه هي ..!!
ابتعدت عنه قليلا تتأمل وجهه الوسيم فتشعر بعشق جارف يغزو قلبها ..
أرادت أن تلمس وجهه بشدة لكنها تذكرت إنها حرمت على نفسها قربه فقبضت على أناملها بقوة تمنعها من التقرب منه وهي تتأمله وقد تحول العشق الجارف لألم شديد يجثم فوق صدرها فأغمضت عينيها تكتم دموعها التي تعبر عن مدى عجزها وضعفها وقلة حيلتها .!!
لحظات واعتدلت في جلستها وهي تأخذ نفسا عميقا قبل أن تقرر النهوض بعيدا عنه .. وضعت قدميها فوق الأرض وهمت بالنهوض من مكانها ..
لكن ما إن وضعت قدميها فوق الأرض حتى شعرت بعدم قدرتها على الوقوف وخلل في توازنها فإستندت على الحائط مغمضة عينيها بتعب قبل أن تستعيد توازنها فتسير بخطوات بطيئة متجهة نحو باب الغرفة ...
فتحت الباب ببطأ كي لا يستيقظ وسارت خارج الغرفة تحاول أن تسيطر على مشاعرها التي ثارت بسببه فعادت تبث البرود لقلبها وروحها وهي تتجاهل كل مشاعرها المؤلمة وأفكارها المعذبة ..
اتجهت نحو المطبخ وقد أدركت لتوها كم تشعر بالعطش ففتحت الثلاجة وأخرجت المياه التي وجدتها باردة قليلا فزفرت أنفاسها بضيق مفكرة إنها من الأفضل ألا تتناول شيئا باردا ..
اتجهت نحو الأقداح المرصوصة على الخزانة وجذبت قدحا ثم حملت احدى قناني المياه الموضوعة خارج الثلاجة وصبت المياه قبل أن تتناول القدح دفعة واحدة كي تروي عطشها الشديد في تلك اللحظة ..
كانت تشعر بالتعرق الشديد بعدما أصابتها الحمى فوضعت القدح جانبا وهي تستند بكفيها فوق الطاولة تأخذ نفسا عميقا عندما سمعت صوت يسألها بقلق واضح :-
" هل أنتِ بخير يا حياة ..؟!"
تجمدت مكانها وأول ما فكرت به إنه كان يشعر بما فعلته قبل لحظات وإندفاعها المتهور داخل أحضانه ..
عضت على شفتيها بقوة ثم استدارت نحوه تتأمل ملامحه تكتشف من خلالها اذا ما كان مستيقظها حينها او شعر بها أم كان نائما تماما ولم يشعر بها كما تظن ..
لم تجد سوى الخوف الصادق على ملامحه فشعرت بالقليل من الراحة مفكرة إنه من المستحيل أن يكون قد شعر بها ..!!
سمعته يسأل مجددا بقلق أكبر :-
" حياة ..؟!! هل انت بخير ..؟! هل تشعرين بألم.."
قاطعته تجيبه وقد انتبهت إنها تجاهلت سؤاله الأول وإنخطرت في أفكارها بلا وعي منها :-
" الحمد لله .. انا بخير .. يعني اليوم أشعر إني أفضل ..."
تقدم نحوها يضع كفه فوق جبينها بعفوية فإرتجف جسدها لا إراديا من لمسته بينما تنهد هو براحة قائلا :-
" لقد إنخفضت الحرارة تماما ... الحمد لله .."
" الحمد لله .."
تمتمت بها بخفوت قبل أن تضيف وهي تنظر إليه بحذر :-
" انا بحاجة الى حمام دافئ .. "
هز رأسه بتفهم ثم قال :-
" خذي حماما دافئا بينما أعد الفطور لك ..."
" حسنا .."
قالتها بطاعة وهي تخرج من المطبخ عائدة الى غرفتها تاركة إياه يتابع رحيلها بصمت قبل أن يأخذ نفسا عميقا ثم يتجه ليعد الفطور لها ..
دخلت حياة الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة ثم سارعت تخلع الجزء العلوي من بيجامتها وهي تتجه نحو الحمام حيث فتحت المياه الدافئة واستعدت لأخذ حمام طويل تزيل به تعب البارحة الطويل ..
خرجت بعد مدة وهي ترتدي بيجامة ثقيلة قليلا وتجفف شعرها بالمنشفة ..
وقفت أمام المرآة وجذبت المشط تسرح شعرها القصير قبل أن ترفعه كاملا على شكل كعكة ...
تأملت وجهها الذي بدأ يستعيد الحياة مجددا عندما قررت الخروج من الغرفة لتناول شيئا ..
خرجت من غرفتها واتجهت الى المطبخ لتجد مائدة معدة بشكل رائع تحتوي الكثير من أصناف الطعام الملائمة لوجبة الفطور لتتطلع إليها منبهرة قبل أن تسمع صوته يأتي من خلفها وهو يردد :-
" إنتيهت من حمامك إذا .. هيا اجلسي وتناولي طعامك .. انتِ لم تتناولِ شيئا منذ صباح البارحة .."
التفتت له تنظر له بصمت دون رد عندما أضاف وهو يحمل ابريق الشاي ويصب الشاي لها في كوبها :-
" تناولي الطعام كي تتناولي بعده دوائك ..."
هزت رأسها بصمت وهي تجلس على الكرسي فوضع كوب الشاي أمامها ..
حملت الكوب ترتشف منه القليل قبل أن تحمل قطعة من الجبن وتتناولها بينما جلس هو مقابلا لها يتناول طعامه بدوره ..
تقابلت نظراتهما للحظة فأخفضت بصرها أرضا بينما ابتسم هو بهدوء وعاد يتناول طعامه لتفعل هي المثل وقد شعرت بمدى جوعها فقررت أن تستمتع بهذه الوجبة اللذيذة ..
انتهت من تناول فطورها لتهمس وهي تحمل كوبها بعدما نهضت من مكانها :-
" الحمد لله .."
" توقفي .."
قالها وهو ينهض من مكانه لتنظر إليه بإستغراب فيجذب الكوب من يدها :-
" اذهبي انت وارتاحي في غرفتك وانا سأنظف الطاولة .."
" انا بخير يا نديم .. دعني أنظف الطاولة .."
قالتها بجدية ليرد بقوة :-
" أبدا ، انتِ ستذهبين وترتاحين ولن تفعلي أي شيء .."
قالت بجدية :-
" ولكنني حقا بخير .. يعني أصبحت جيدة الحمد لله .."
وجدت الرفض واضحا في عينيه فهتفت بتأني :-
" دعني أساعدك على الأقل .."
ضحك بخفة مرددا :-
" لماذا تتحدثين وكأنني سأنظف الشقة كلها .. اذهبي يا حياة ولا تعاندي .. انت بحاجة الى الراحة أكثر من أي شيء ..."
زفرت أنفاسها بتعب ثم هزت رأسها مرغمة بعدما وجدت الإصرار واضحا عليه لتتجه بإستسلام مجددا نحو غرفتها حيث جلست فوق سريرها ووضعت الغطاء الثقيل فوقها تتدثر به جيدا ..
بعد حوالي ربع ساعة كانت تتحدث مع والدتها عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فودعت والدتها بسرعة قبل أن تهتف بجدية :-
" تفضل .."
فتح الباب ودلف الى الداخل وهو يحمل أدويتها معه وقنينة المياه ..
هتف وهو يضع قنينة المياه على الطاولة جانبها :-
" دوائك يا حياة .."
فتح احدى العلب وأخرج منها حبة الدواء لتأخذها منه وتتناولها ثم عاد وأعطاها الأخرى والثالثة أخيرا ..
انتهت من شرب قدح المياه فوضعته على الطاولة جانبها وهي تردد بإمتنان :-
" شكرا .."
رد بجدية :-
" لا شكر على واجب .."
أضاف وهو يتسائل :-
" كنت تتحدثين مع والدتك ، أليس كذلك ..؟!"
اومأت برأسها فعاد يسألها :-
" كيف حالها ..؟!
ردت بهدوء :-
" الحمد لله بخير .."
هتف بجدية :-
" عندما تتصل بك مجددا أرسلي لها تحيتي ولكلا من حنين والسيد أشرف .."
هم بالتحرك خارج المكان ليسمعها تردد بخفوت :-
" هي ترسل لك تحياتها أساسا .."
التفتت نحوها ومنحها إبتسامة هادئة قائلا بخفة :-
" أشكرها كثيرا .. المرة القادمة دعيني أتحدث معها وأحييها بنفسي .."
" ليس ضروري .. سأخبرها بتحيتك .."
قالتها فجأة قبل أن تنظر الى جمود وجهه فتضيف بتردد :-
" أقصد يعني لا داعي أن تشغل نفسك و .."
قاطعها ببرود مقصود :-
" والدتك هي حماتي وواجب علي أن أتحدث وأسأل أحوالها بسبب صلة القرابة التي تجمعنا .. "
أضاف عن قصد :-
" ولا تقلقي هذا لا يعني إنك مجبرة على فعل نفس الشيء مع والدتي .. انا أدرك إنك لا تعتبريني زوجا لك وبالتالي والدتي لا تعد حماتك .."
اندفع بعدها خارج المكان لتتطلع إلى آثره بإحباط وهي تفكر إنه فهمها بشكل خاطئ فهي حقا تحدثت بعفوية وهي تفكر إنه ليس من الداعي أن يكلف نفسه ..
لعنت غبائها فلم يكن عليها قول هذا وهي تدرك حساسية الوضع بينهما ..
ماذا حدث إذا تحدث مع والدتها يعني ..؟! واقعيا هو زوجها وهناك عقد زواج يجمعهما ويسكنان في نفس الشقة ..؟!
ظلت تؤنب نفسها لفترة من الزمن حتى نهضت أخيرا من مكانها تعزم العقد على التحدث معه ..
خرجت من غرفتها وسارت تبحث عنه في ارجاء الشقة لتجده يقف في الشرفة ينظر الى الخارج وفي يده كوبا لا تعلم محتواه ..
" نديم اريد التحدث معك .."
قالتها فجأة وهي تتقدم نحوه داخل الشرفة وتقف امامه ليستدير نحوها ويسألها بتعجب :-
" ماذا حدث يا حياة ..؟!"
هتفت وهي تشبك كفيها :-
" أردت أن أشكرك على إهتمامك بي البارحة واليوم ايضا .. "
ابتسم دون رد فأضافت وهي تنظر إلى عينيه بإمتنان صادق :-
" صحيح لم أكن واعية تماما لكن من الواضح إنك إعتنيت بي طوال الليل وسهرت جانبي .. أشكرك حقا .."
" لم أفعل أي شيء يستحق الشكر .. انت زوجتي ومن الطبيعي أن يكون أول من يهتم بك عندما تمرضين .."
ابتسمت بحرج وهي تومأ برأسها قبل أن يهتف فجأة :-
" ادخلي الى الداخل فورا يا حياة .."
نظرت له ببلاهة ليجذبها من ذراعها ويدفعها الى الداخل فتهتف بغضب من تصرفه :-
" ماذا تفعل يا نديم ..؟! هل جننت ..؟!"
رد بعصبية خفيفة :-
" تقفين في الشرفة والهواء البارد يلفحك بقوة وانت ما زلت مريضة وكذلك شعرك ما زال مبللا بالتأكيد .."
تفهمت غضبه بينما أضاف بعفوية :-
" هل انت غبية يا حياة ..؟!"
احتقنت ملامحها بقوة لتهتف من بين أسنانها :-
" لا أسمح لك .. انا لست غبية .."
أضافت وملامحها تشتعل غضبا :-
" أساسا أنا المخطئة لإنني تقدمت نحوك وشكرتك .. لم يكن علي فعل ذلك .."
ضربت الأرض بقدميها قبل أن تندفع متحركة خارج صالة الجلوس لتتوقف وهي تسمعه ينادي عليها فتلتفت نحوها تسأله وهي تحيط خصرها بذراعيها :-
" نعم ..!!"
منحها إبتسامة أبرزت وسامته وقد بدت عينيه الزرقاوين لامعتين بقوة :-
" تصبحين جميلة للغاية عندما تغضبين ..!!"
احتقنت ملامحها مجددا لكن هذه المرة بخجل واضح فإندفعت بسرعة خارج المكان لتعلو ضحكاتها بسعادة تمكنت منه .. كانت سعادة حقيقة شعر بها لأول مرة منذ وقت طويل ..
.............................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now