الفصل الثلاثون

3.3K 184 26
                                    

الفصل الثلاثون
في صباح اليوم التالي ..
كانت تسير داخل غرفتها التي خصصتها والدتها لها في منزلها .. متوترة لأقصى حد ومشاعرها متخبطة كليا ..
من المفترض أن تستعد لأخذ حمامها قبل أن تخرج وترتدي ملابسها ثم تغادر حيث منزل نديم فهناك ينتظرنها أخصائيات التجميل حيث سيتم تجهيزها كاملا هناك بعدما رأى الجميع إن هذا أفضل من ذهابها الى مركز التجميل نفسه ..!!
دخلت حنين الى الغرفة لتجدها في تلك الوضعية الغريبة فتقدمت نحوها تخبرها :-
" ألم تدخلي الى الحمام بعد ..؟! "
ردت حياة وقد توقفت أخيرا عن حركتها المضطربة تواجه أختها :-
" سأفعل ... "
شعرت حنين بتغير ما في أختها التي كانت تتصرف بشكل طبيعي صباحا عندما استيقظت وتناولت القليل من الطعام اثناء وجبة الفطور أما الآن فبدت مضطربة ، متوترة بل وجزعة بشكل واضح ..
تقدمت نحوها وقبضت على كفيها تهمس بجدية :-
" ما بالك يا حياة ..؟؟ لا داعي لكل هذا التوتر .. إنها ليلة زفافك ومن المفترض أن تكوني سعيدة .."
" انا لست بخير يا حنين .."
قالتها بصدق وهي تتماسك بكفي أختها بدورها وقد رأت حنين دمعات رقيقة تظهر داخل مقلتيها ..
هتفت حنين تتسائل بعدم تصديق :-
" لماذا تقولين هذا ..؟! مالذي حدث يا حياة ...؟! هل حدث شيء ما لا أعرفه ..؟! أنتِ تبدين مضطربة للغاية .."
قاطعتها حياة وهي تمسح عينيها بأطراف أناملها تمنع دموعها من التساقط :-
" لا أعلم .. انا فقط أشعر إنني لست بخير .. هناك شعور لا أفهم ماهيته لكنني لست مرتاحة أبدا ولست سعيدة .."
تجمدت حنين مما سمعته على لسان أختها في اليوم الذي ستتزوج به من الرجل الذي تحبه ..!!
همت بالتحدث وقول شيء رغم عجزها عن صياغة اي شيء مناسب في خضم أوضاع كهذه لكنها قبل أن تتحدث كانت مي تقتحم الغرفة وهي تهتف بسعادة :-
" عروسنا الجميلة، ماذا تفعل ...؟!"
ثم انتبهت لملامح حياة الحزينة وملامح حنين المرتبكة لتشعر بقلبها يهوى أسفل قدميها من فكرة أن يكون نديم تراجع عن قراره ..!!
تقدمت نحويهما تسأل بسرعة والقلق يسيطر على ملامحها :-
" ماذا حدث ..؟! ما بالكما تقفان هكذا ..؟! "
ثم أشارت الى حياة تسألها بإهتمام :-
" حياة ، هل انتِ بخير ..؟!"
لم تجبها حياة بل اتجهت نحو السرير تجلس عليه واضعة وجهها بين كفيها تقاوم دموعها التي تهدد بالهطول ...
تضاعف قلق مي التي تقدمت تسأل حنين بعصبية :-
" تحدثي يا حنين .. مالذي حدث ..؟!"
أجابتها حنين بصوت مضطرب :-
" لا أعلم .. هي تقول إنها ليست بخير وإنها ليست سعيدة ومضطربة وأشياء كثيرة .."
سألتها مي هامسة :-
" هل تحدثت مع عريسها ..؟!"
ردت حنين بسرعة ونفس الهمس :-
" كلا ، لقد كانت جيدة صباحا وتناولت فطورها معنا ... سبقتني الى هنا قبل قليل لتأخذ حماما طويلا قبل أن نذهب الى الفيلا وعندما دخلت الى الغرفة وجدتها على هذا الوضع .."
رفعت حياة وجهها وقد سمعت ما قالته حنين رغم إنخفاض صوتها فقالت ببحة :-
" لا يوجد شيء .. انا فقط أشعر بعدم الراحة .. بعدم السعادة .. انا خائفة بل مذعورة .. هكذا فقط وبدون سبب محدد ..."
تقدمت مي نحوها وانحنت أمامها كالقرفصاء تقبض على كفيها تخبرها بجدية :-
" هذا الشعور طبيعي جدا وتمر به أي عروس خاصة إذا لم يكن هناك سبب محدد او شيء ما حدث جعلها تشعر هكذا .."
ردت حياة بملامح مختنقة :-
" لم يحدث أي شيء صدقيني .. انا كنت على ما يرام .. دخلت الى غرفتي وإستعديت لأخذ حمامي ولكن فجأة داهمني شعور غير مفهوم لكنه قلق ومضطرب .. شعور لا أفهم سببه ولا ماهيته بالضبط لكنني غير مرتاحة أبدا وخائفة جدا من هذه الليلة ..."
" أنت خائفة من الليلة عموما أم مما سيحدث بعد انتهاء الزفاف ..؟!"
سألتها مي بعملية لترد حياة بسرعة :-
" بالطبع لا أقصد ذلك الأمر ولم أفكر به أساسا .. أنا أتحدث بشكل عام .. أشعر إن هذا اليوم سيكون تعيسا .. او أشعر إنني لست بخير او ربما قراري كان خاطئا .. لا أعرف ما هو شعوري بالضبط ولكن أيا كان فأنا لست بخير .."
قالت مي بجدية وقد بدأت تتفهم مخاوفها :-
" حبيبتي اليوم زفافك .. هذه المشاعر طبيعية لأي عروس ... من الطبيعي أن تخافي وتتوتري وتقلقي وكل شيء .. هذا طبيعي جدا .. اليوم زفافك .. لا تنسي هذا .. حاولي السيطرة على مشاعرك هذه من فضلك .. حاولي أن تشغلي نفسك بتحضير حاجياتك والعناية بنفسك لأجل الليلة وتذكر إن كل ما يحدث بإرادة الله وإرادة الله فوق أي شيء والله لن يخذلك أبدا لإنك فتاة جيدة وطيبة ولا تستحقين سوى كل خير .."
هزت حياة رأسها موافقة وهي تمسح وجهها بكفيها لتأخذ بعدها نفسا عميقا فتخبرها مي بجدية :-
" هيا انهضي واذهبي الى الداخل لتأخذي حماما طويلا دافئا ومنعشا .."
قالت حنين بدورها :-
" لقد جهزت الخادمة الحمام لك منذ قليل .. ادخلي هيا وخذي وقتك كاملا ونحن سننتظرك هنا .."
هزت حياة رأسها موافقة ثم نهضت من مكانها وهي تأخذ نفسا طويلا قبل أن تتجه نحو الحمام ..
دلفت الى الداخل وأغلقت الباب خلفها لتستند على الباب تتأمل الحمام الذي أعدته الخادمة بعناية وجعلته يليق بعروس في يوم زفافها ..
سارت نحو الداخل وجلست لا إراديا على حافة حوض الإستحمام حيث أغمضت عينيها للحظات تتخيل أحداث ليست جيدة ستحدث الليلة فعاد شعور عدم الراحة يغزوها مجددا ..
فتحت عينيها بسرعة تنهر نفسها على أفكارها السوداوية هذه مقررة أن تزيح تلك الأفكار من عقلها ولا تنجرف وراء مشاعرها الغير مبررة ..
نهضت من مكانها تتأمل المكان مجددا قبل أن تهم بخلع ملابسها إستعدادا لأخذ حمام طويل ومنعش يبدد مشاعرها تلك ..!!
...............................................................
في الخارج ..
سألت مي بأهتمام :-
" هل حدث شيء ما يا حنين ..؟! البارحة مساءا او اليوم صباحا ..؟!"
ردت حنين بسرعة :-
" لم يحدث شيء أقسم لك .. انا كنت معها منذ الليلة الماضية وكانت عادية جدا .."
قالت مي تؤيدها :-
" وانا تحدثت معها في حوالي الساعة الحادية عشر وكانت طبيعية جدا حتى مازحتها وطلبت منها ألا تتوتر فنهرتني ومازحتني أيضا ..."
صمتت مي بتفكير بينما سألتها حنين بإهتمام وهي تلاحظ تغضن ملامحها :-
" هل تفكرين بشيء محدد يا مي ..؟!"
ردت مي بجدية :-
" لا أعلم .. ربما تكون حالة طبيعية أصابتها فجأة دون سبب محدد كما تقول وربما هناك شيء تخفيه عننا .."
سألتها حنين بقلق :-
" شيء مثل ماذا ..؟!"
ردت مي بجدية :-
" لا أعلم ، ربما جائها اتصال او رسالة عندما كانت لوحدها هنا قبل مجيئك .."
" هل يعقل ذلك ..؟!"
هتفت حنين بعدم استيعاب لتجد مي تسأل بسرعة :-
" أين هاتفها ..؟!"
" لا أعلم ولكنه هنا .."
قالتها حنين وهي تبحث عنه بعينيها عندما استدارت لتجده على طاولة التجميل فأشارت إليه تخبر مي عن مكانه ..
تقدمت مي نحو الهاتف وحملته تنظر إليه بتردد لتسألها حنين بجدية :-
" ماذا ستفعلين ..؟! ألن تفتحيه وتنظري فيه ..؟!"
قالت مي بتردد :-
" أشعر إن ذلك لا يجوز رغم إن دوافعي ليست سيئة فأنا أبحث عن سبب تقلب مشاعرها فجأة .. "
نظرت تسأل حنين :-
" هل أفتش الهاتف ربما أجد مكالمة او رسالة أم سيكون عيبا ..؟!"
هزت حنين كتفيها بعدم معرفة وهي تقول :-
" لا أعلم حقا لكن نيتك طيبة .."
صححت لها مي :-
" نيتنا نحن الإثنتين يا حنين .."
عارضتها حنين :-
" انا لست صاحبة الفكرة ..."
قاطعتها مي بحنق :-
" انظري سأفتحه .. اساسا حياة لا تهتم حتى إنها لا تضع رقما سريا على هاتفها بل وتسمح لي بإستعماله عندما نكون سويا دون إستئذان .."
أضافت بتردد:-
" نيتي طيبة فعلا وانا فقط سأبحث عن اي مكالمة او رسالة .. يعني لن أفتشه بالمعنى الحرفي ..."
فتحت الهاتف ثم دخلت الى قائمة المكالمات تبحث عن مكالمة من رقم غريب فلم تجد أي شيء مريب ..
اتجهت نحو الرسائل العادية فلم تجد سوى رسائل من أشخاص معروفين تجاوزتها ودخلت الى بقية حسابات مواقع التواصل تنظر بسرعة فقط علها تجد رسالة من شخص غريب لكنها لم تجد شيئا ..
أغلقت الهاتف ووضعته مكانه تردد :-
" لا يوجد شيء غريب .. لا مكالمة ولا رسالة ولا اي شيء .."
" ربما حذفت المكالمة او الرسالة.."
قالتها حنين بمنطقية لتهتف مي بجدية :-
" لا أظن ذلك .. يبدو إنه إضطراب إعتيادي وخوف من خطوة مهمة كهذه .."
هزت حنين رأسها موافقة ثم قالت :-
" سأخرج ملابس لها كي ترتديها عندما نذهب الى منزل خطيبها ..."
بينما وقفت مي تبحث عن سبب تصرفات حياة تحاول استنتاج شيء من تصرفاتها ..
بعد مدة خرجت حياة من الحمام وهي ترتدي روب الإستحمام وتلف شعرها بالمنشفة ..
اتجهت نحو المرأة تنزع المنشفة عن شعرها القصير وتبدأ بتجفيفه ..
حملت المشط تسرح شعرها عندما وقفت مي جانبها تسألها بإهتمام :-
" هل أصبحتِ أفضل الآن ..؟!"
ردت حياة وهي تتنهد بصوت مسموع :-
" نعم أفضل .. الحمد لله .."
ابتسمت مي بدعم بينما قالت حنين بجدية :-
" لقد جهزت لك البنطال والتيشرت .. ارتديهما عندما نذهب الى هناك .."
شكرتها حياة بينما قالت مي تشير إلى حنين :-
" وانتِ إذهبي وخذي حماما سريعا وبدلي ملابسك .. أليس من المفترض أن تأتي معنا ..؟!"
" نعم سآتي بالطبع .."
قالتها حنين وهي تهم بالخروج عندما التفتت تشير لحياة :-
" ضعي من هذه المستحضرات والكريمات .."
ثم خرجت بسرعة متجهة نحو غرفتها عندما قالت مي :-
" لا تضعي شيئا .. العاملات هناك سيضعن لك ما تحتاجينه .."
هزت حياة رأسها موافقة بعدما انتهت من تصفيف شعرها لتتجه نحو الملابس التي وضعتها لها حنين فوق السرير تجذبها وتتجه نحو الحمام لترتديها ..
بعد مدة خرجن الفتيات الثلاثة من غرفة حياة تستعدن لمغادرة المكان حيث فيلا عائلة نديم ..
وجدن أحلام في الأسفل والتي هتفت وهي تتأمل حياة بحنو :-
" اختك وصديقتك معكِ .. انا أيضا سآتي مبكرا .."
ابتسمت لها حياة دون رد لتجذبها والدتها وتعانقها بقوة قبل أن تبتعد عنها وهي تربت على وجهها بدعم ..
غادرن الفتيات الثلاثة بعدها تتأملهن أحلام وهي تدعو ربها أن تكون هذه الزيجة لصالح ابنتها كما تتمنى ..!!
....................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now