الفصل السادس والأربعون ( الجزء الأخير )

3.1K 177 27
                                    

سارت جانبه متجهة حيث سيارته بعدما أخبرتها والدتها أن ترافقه وهو يغادر ...
عائلته غادرت بدورها وهاهو سيغادر بعدما تحدث قليلا مع والدها على إنفراد بناء على طلب الأخير ..
وقفت أمامه قرب سيارته تسأله بحذر :-
" ماذا أراد بابا منك ..؟!"
رد وهو يبتسم بهدوء :-
" أوصاني عليك ...."
نظرت له بدهشة ونطقت بعفوية :-
" ما زال الوقت مبكرا على شيء كهذا ... عادة ما يفعل الأبناء ذلك يوم الزفاف ..."
ابتسم مرددا :-
" سيكرر وصاياه يوم الزفاف أيضا ..."
تنهدت وقالت :-
" مالذي قاله بالضبط ..؟! غير الوصايا مثلا ..."
قال بجدية :-
" حسنا هي لم تكن وصايا بالمعنى الحرفي ... هو فقط أراد أن يطمئن عليك ... يعني تحدث معي بشأن الخطبة وأمور كهذه ..."
لاحظ تجهم ملامحها بعدم رضا ليضيف بتروي :-
" هو يخشى عليك قليلا .."
التوى ثغرها مرددة بسخرية تخفي بها آلمها :-
" لا ألومه ... بات يخشى عليّ كثيرا بعد تجربتي السابقة ... أرى ذلك في عينيه حتى لو لم ينطقها ... يخشى أن أختار الرجل الخطأ مجددا ..."
أضافت بملامح مظلمة :-
" وكأنه لم ينتشِ بذلك الإختيار ... ويفرح به ..."
هتف يتسائل بملامح قوية :-
" أنت تعلمين إن التجربة هذه المرة ستكون مختلفة تماما أليس كذلك ..؟!"
ردت بصراحة :-
" انا لا أعلم أي شيء .. سأترك نفسي للتيار وأخوض التجربة وسأتقبل نتائجها أيا كانت .. "
" ألا تخافين من الفشل مجددا ..؟!"
سألها بضيق خفي لترد وهي تبتسم ببساطة :-
" لن يفرق معي .. لقد وضعت الفشل قبل النجاح أمامي .. لذا أنا مستعدة لنتائج هذا الإرتباط أيا كانت .."
دقق النظر على ملامحها بصمت فشعرت بتوتر من نظراته التي بدت تسبر أغوارها ليسألها بنبرة مقتضبة :-
" ومالذي يجعلك تفعلين هذا ..؟؟ مالذي يجبرك على القبول بالزواج من رجل لست واثقة به ...؟! "
ردت بنفس البساطة :-
" لإنني أريد الإستقرار وتكوين عائلة ... أريد الإستمرار في حياتي التي لا يجب أن تتوقف .. ولإنني أدرك جيدا إن أي شخص مهما بلغت معرفتي به لا يمكنني الوثوق به كليا وإنه في هذه الحياة لا يوجد ضمانات فلم أجد فرقا يجعلني أنتظر حتى أجد رجلا يمكنني الوثوق به لإن أي رجل سيدخل حياتي قد يغدر بي في آية لحظة ..."
لم يعجبه حديثها ... كانت تساويه مع غيره من الرجال ...
لا ينكر إن صراحتها تثير الإعجاب ...
واقعيا هو لا يطيق المجاملات ويحب الصراحة دائما في جميع المواقف ولكن حديثها بهذه الطريقة أثار ضيقه ...
خاصة وهي بدت جادة في كل كلمة تخرج من فمها ...
بل إن ملامح وجهها ونظرات عينيها وحركة جسدها كانت تنطق بكل ما يتفوه به لسانها ..
وفي تلك اللحظة فهم شيء آخر .. شيئا مهما ..
أدرك كم هي مجروحة ... فاقدة للثقة ... مطعونة بخنجر الغدر ....
يعلم إن تجربتها السابقة تركت آثرا قاسيا داخلها ...
الأمر لا يقتصر على نديم وحبها الضائع له فقط ..
هناك تجربة زواجها السابقة من ذلك المنحط والذي من المؤكد تركت آثارا مؤلمة للغاية داخله ..
الله وحده يعلم ما عانته من ذلك الذي تزوجها فقط كي ينتقم من أخيه ويذله وهي كانت قربانا لهذا الإنتقام ..
بالتأكيد آذاها بشدة طوال السنوات السابقة ...
هذا غير زواج والدها على والدتها سرا وإنجابه لصبي من زوجته الثانية ...
لم يفت عليه حديثها الساخر عن والدها الذي على ما يبدو كان مشجعا على زواجها من عمار ..
تسائل عن طبيعة علاقتها به حاليا ...
هل علاقتهما جيدة ..؟!
هل تتعامل معه كالمعتاد أم إن زواجه من أخرى ترك آثرا عليها وجعل علاقتها به تختلف ..؟!
سمعها تهمس بحرج :-
" أنا أعتذر إذا ما كان كلامي غير محبب ولكنني أفضل أن أكون صريحة تماما معك ..."
نطق بجمود :-
" لا عليك ..."
أكمل وملامحه تتحرر قليلا من جمودها :-
" أتفهمك .. أتفهمك كثيرا يا ليلى ..."
كادت أن تخبره إنه لا يفعل ولن يستطيع أن يفعل ...
هو لن يفهمها إطلاقا .. لن يفهم ما مرت به بالضبط ...
كم المعاناة التي مرت بها وما نتج عنها ...
لكنها لم تنطقها .. فضلت الصمت والإكتفاء بإيماءة صامتة فهي لا تملك الرغبة حاليا للخوض في جدال مزعج بالنسبة لها ...
سمعته يسألها :-
" هل لديك شيئا ما مساء الغد ..؟!"
ردت بجدية :-
" كلا ، لماذا تسأل ..؟!"
رد وهو يبتسم :-
" أريد دعوتك على العشاء.."
أكمل متسائلا :-
" هل لديك مانع ..؟!"
حركت رأسها نفيا وهي تجيب بخفوت :-
" كلا ، ليس هناك مانع .."
ابتسم قبل أن يعاود سؤالها :-
" بالمناسبة ، إختاري يوما قريبا نذهب فيه لإنتقاء خاتمي الخطبة ..."
" حسنا .."
قالتها بنفس الخفوت قبل أن تضيف :-
" يمكننا الإتفاق غدا على موعد معين يناسب كلينا ..."
هز رأسه مرددا بجدية :-
" إتفقنا ..."
أضاف وهو ينظر نحو سيارته :-
" لأغادر الآن ..."
منحته إبتسامة هادئة وهي تقول :-
" مع السلامة ..."
بادلها إبتسامتها قبل أن ينحني نحوها ويطبع قبلة خفيفة فوق وجنتها لترتبك كليا فيشعر هو بإرتباكها ليبتسم  بمكر خفي وهو يودعها مجددا ويغادر المكان لتبقى هي تتأمله وهو يغادر حتى تحركت بجسدها عائدة الى داخل منزلها ..
.................................................
دلفت ليلى الى الداخل لتجد والديها ينتظرانها في الداخل بينما قد غادرت شقيقتها الى غرفتها في الطابق العلوي ...
تقدمت نحوهما لتهتف فاتن بجدية :-
" والدته لم تعجبني ... تبدو متعجرفة للغاية ... لا أحب هذه النوعية من الناس ..."
نطقت ليلى بجدية :-
" وأنا كذلك ..."
قال أحمد :-
" أنت أيضا أخطئت يا ليلى ..."
تغضن جبين ليلى وهي تتسائل :-
" فيمَ أخطأت يا بابا ..؟!"
رد أحمد بهدوء :-
" ما كان عليك أن تطلبي منزلا قريبا من هنا .. "
" لماذا ..؟! أنا أريد أن أبقى قريبة منكما دائما و ..."
قاطعها أحمد بتروي :-
" لا يوجد منطق كهذا يا ليلى ... أنت عندما تتزوجين سيكون لك حياتك الخاصة ... من غير المعقول أن تتحدثي عن مسؤولياتك إتجاهنا أو بالأحرى إتجاه أخويك وهما لديهما أب وأم أيضا .."
قالت ليلى بتهكم :-
" وأين هي والدتهما يا بابا ..؟! سهام سترمي الطفل الآخر ما إن تلده مقابل بقية الأموال التي ستأخذها وتعاود حياتهما كليا كما أردت ..."
تجهمت ملامح أحمد فشعرت ليلى إنها تحدثت بقليل من القسوة لتقول بسرعة وخفوت :-
" انا لا أقصد .."
قاطعها أحمد محاولا إخفاء تجهمه :-
" أنت معك حق يا ليلى.. ولكن هذا لا يعني أن تتحملي أنت المسؤولية ... أنا والدهما وسأتحمل مسؤوليتهما كاملة ..."
قالت ليلى بتعقل :-
" أنا لم أقل إنني سأتولى تربيتهما يا بابا كما إنني لم أرد البقاء قربكم لأجلهما فقط ... الفكرة إنني الكبيرة وإعتدت منذ فترة أن أتواجد في كل ما يخص العائلة .. أنت نفسك طلبت مني هذا ... وأنا أعرف جيدا إنك ما زلت تحتاجني خاصة هذه الفترة وحتى ماما ومريم ... انا لا أريد ترككم تماما ولكنني في نفس الوقت لن أبقى طوال الوقت معكم ... انا فقط فكرت أن أتواجد قربكم ليس إلا حتى إذا ما إحتجتموني تجدوني عندكم فورا ..."
قالت والدتها أخيرا بعدما كانت تسمعها بصمت :-
" لست مضطرة لفعل ذلك .. بل لا يجب أن تفعلي أساسا .."
سألتها ليلى بصدمة :-
" هل أنت أيضا غير موافقة على حديثي ...؟!"
هزت فاتن رأسها وقالت :-
" نعم يا ليلى .. طلبك لم يعجبني والذي لم يعجبني أكثر إنك تحدثت به أمام الجميع وقلت بالحرف الواحد إنك تريد منزلا بجانب منزلنا وكأنك تتعمدين إيصال هذه الفكرة لهم ..."
سألتها فاتن وهي تنظر إليها بترقب :-
" هل كنت تتعمدين قول هذا أمامهم يا ليلى ..؟!"
قالت ليلى بنفي غير مقنع :-
" بالطبع كلا ..."
منحتها والدتها نظرة تدل على عدم تصديقها لتشيح ليلى وجهها بعيدا فتضيف والدتها بنفس الهدوء :-
" أيا كانت غايتك من قول هذا فعليك أن تعلمي إن تصرفك كان خاطئا ..."
نظرت ليلى لها بإستنكار لتومأ فاتن برأسها وهي تسترسل :-
" نعم يا ليلى ... صحيح إن والدته لم تعجبني إطلاقا بعجرفتها الواضحة ولكن واقعيا أي أم كانت سترفض ما تطلبينه أيا كانت طريقة الرفض هذه .. قليل جدا من تقبل شيئا كهذا ... لا يوجد منطق يقول أن تشترط العروس البقاء قرب عائلتها خاصة إذا كان والديها بخير ولديها أخوة غيرها يعني ليست الوحيدة ووالديها في حالة تجعلهما يحتاجانها بجانبهما .."
هتفت ليلى تدافع عن نفسها :-
" من قال إنني سأبقى جانبكما دائما ..؟؟ انا فقط أردت الإقامة قريبا منكما كي ..."
" هل تصدقين ما تقولينه ..؟!"
سألتها فاتن بحزم وهي تضيف :-
" ما الفرق إذا سكنت في نفس منطقتنا او في منطقة تبعد ثلث ساعة عنا ..؟؟ لماذا تتحدثين وكأنك ستعيشين في بلد آخر ..؟!"
أضافت فاتن بثبات :-
" إذا كان حديثك هذا متعمدا كنوع من الإختبار فعليك أن تعلمي إنه لا المكان والزمان كانا مناسبين ولا حتى الطريقة ..."
سيطر العبوس على ملامح لتتقدم فاتن نحوها فتربت على جانب وجهها وهي تخبرها بصدق :-
" من واجبي أن أنصحك يا ليلى وأوجهك عندما تحتاجين هذا .. لا تحزني بسبب حديثي فأنا أريد مصلحتك دائما ...."
ابتسمت ليلى دون مرح قبل أن تشير لها ولوالدها :-
" سأصعد الى غرفتي ... عن إذنكما ..."
ثم صعدت بالفعل الى غرفتها وفتحت الباب لتتفاجئ بمريم تجلس على سريرها بملامح حانقة ...
نهضت مريم من مكانها تردد بينما ليلى تغلق الباب خلفها :-
" والدته لا تطاق .. حرباء بمعنى الكلمة ..."
لم تجب ليلى وهي تتجه نحو المرآة حيث بدأت في خلع أقراطها لتضيف مريم وهي تتقدم نحوها :-
"كيف ستتحملينها ...؟! حقا لا تطاق .."
أكملت بحذر :-
" ومن الواضح إنها ليست راضية عن هذه الزيجة ..."
إستدارت ليلى نحوها بعدما نزعت أقراطها الماسية لتقول بهدوء :-
" غالبا كذلك ..."
سألتها مريم :-
" وماذا ستفعلين ..؟! هل ستتزوجينه دون رضا والدته ..؟!"
تجهمت ملامح ليلى وهي تقول :-
" هي أتت بنفسها اليوم ... أتت لخطبتي ... وهذا لا يعني إنني سأتزوج دون رضاها ... ربما هي لا تريدني فعليا ولكنها أتت ..."
قاطعتها مريم :-
" ومالذي يجبرك على الزواج من رجل والدته لا تريدك ...؟!"
قالت ليلى بضيق :-
" هي لم تقل ذلك .. إفهميني يا مريم ... لو لم تأتِ اليوم فما كنت لأقبل بهذه الزيجة لكنها أتت .. أتت برضاها أو رغما عنها ليس مهما .. ما يهم إنها أتت ... كخطوة أولى لا حجة لدي لرفضه بسببها لإنها واقعيا كانت موجودة وبالتالي هي بقدومها أعلنت موافقتها على الزيجة أما ما سيحدث في الأيام القادمة وما ستفعله هو ما سيحدد القادم .. على أساس تصرفاتها القادمة سأقرر إذا ما تستمر هذه الزيجة أم تنتهي أفضل ..."
ظهر عدم الرضا على وجه مريم فتجاهلت ليلى ذلك وهي تتجه نحو خزانة ملابسها تخرج قميص نوم لها عندما سمعت طرقات على باب الغرفة لتسمح للطارق بالدخول وهي تبحث عن قميص مناسب لها ..
إستدارت ليلى بعدما إنتقت أحد قمصان نومها لتجد والدتها تلج الى الداخل لتهتف بتعجب وهي تطالع مريم :-
" ماذا تفعلين هنا يا مريم ..؟!"
هتفت مريم تجيب :-
" كنت أنتظر ليلى للتحدث معها قليلا ... "
أضافت بجدية :-
" وأخبرها إن حماتها تلك تبدو صعبة للغاية .."
قالت ليلى بحذر :-
" لم تصبح حماتي بعد ... "
هتفت مريم بحنق :-
" من الأفضل ألا تتزوجي من رجل لدية أم حرباء مثلها ..؟!"
نهرتها فاتن :-
" إنتقي ألفاظك وأنت تتحدثين عمن يكبرونك سنا بأعوام .."
أكملت فاتن بجدية :-
" كما إنك سمعت كلام شقيقتك .. هي لم تصبح حماتها بعد وربما لن تصبح ... لماذا العجلة في الحكم على ما هو قادم ..؟! ربما لن تكون هناك خطبة من الأساس ..."
دعت مريم في سرها ألا تتم هذه الخطبة بينما قالت فاتن لليلى :-
" حبيبتي ... لا تشغلي نفسك بكل هذا الآن ... توكلي على الله وهو سيقدم لكِ كل الخير بإذنه تعالى ..."
ابتسمت ليلى تردد :-
" بإذن الله .. هذا ما سأفعله أساسا ..."
أكملت تسأل والدتها :-
" هل هناك شيء ما دفعك للمجيء الى غرفتي..؟!"
قالت فاتن بجدية :-
" أتيت فقط لرؤيتك والإطمئنان عليك قبل النوم وكي أخبرك ألا تشغلي بالك بأي شيء ..."
" انا بخير .."
قالتها ليلى وهي تبتسم برقة عندما سمعت صوت رنين هاتفها فإتجهت تحمله من فوق الفراش بعدما وضعته عليه لتمد مريم رأسها كي تعرف هوية المتصل عندما هتفت ليلى وهي تنظر الى والدتها :-
" إنه كنان ..."
" حسنا أجيبي عليه .. ربما يريد إخبارك بشيء ما .."
ثم أشارت الى مريم :-
" هيا يا مريم ..."
سألتها مريم بعدم فهم :-
" إلى أين ..؟!"
قالت والدتها بتنبيه :-
" كنان يتصل بليلى .. لنغادر نحن ..."
سألت مريم بحيرة :-
" لماذا سنغادر ..؟! غادري أنت فأنا أريد البقاء معها قليلا ..."
نظرت فاتن لها بعدم تصديق قبل أن تقول :-
" لا تكوني غبية يا مريم .. مالذي ستفعلينه معها الآن ..؟! الفتاة ستتحدث مع الرجل الذي بمثابة خطيبها لذا يجب أن تغادري حالا وتتركيها على راحتها ..."
إحتقنت ملامح مريم بجمود بينما كتمت ليلى ضحكتها عندما تمتمت مريم مرغمة :-
" حسنا ، سأغادر .."
ثم خرجت من الغرفة على مضض تاركة ليلى تضحك بخفة على شقيقتها وحنقها الغير مبرر ..
...............................................................
كانت تجلس فوق الكنبة بملامح متألمة بعد تلك المواجهة الصعبة التي جمعتهما ..
كل شيء عاد من حيث بدأ ...
لقد عادا الى نقطة الصفر مجددا ...
وهي التي ظنت إنها تستطيع أن تفعل شيئا وتحرره من قيود الماضي ...
تأملت أن يسمعها هذه المرة ويستوعب حديثها بعدما حدث مع جيلان ....
تأملت أن يفيق من غفلته ويفهم إنه يدمر نفسه ومن حوله بتصرفاته وبما فعله مسبقا وما زال يفعله ...
تلألأت الدموع داخل عينيها الخضراوين وهي تتذكر ما حدث بعدما نطقت كلماتها ...
" عندما تسعى لإصلاح أخطائك في حق جميع من حولك وأولهم أخيك ... نديم يا عمار .. نعم سيكون صعبا لكن حياتك وحياة طفلك القادم وحتى جيلان تستحق التضحية ...لا بأس في بعض التضحية مقابل حياة سوية هانئة مع أحب الناس لقلبك .. جيلان وطفلك القادم ..."
نظراته القاتمة وجمود ملامحه الذي إستمر للحظات قليلة بعدما أنهت حديثها جعلها تتوجس منه حذرا وهي تترقب ردة فعله المتوقعة ولم يخب ظنها عندما نطق وهو ما زال محتفظا بجمود ملامحه وقتامة عينيه :-
" هل جننتِ يا شيرين ...؟! هل تستوعبين ما تقولينه ...؟! "
حاولت أن تحافظ على ثباتها وهي تردد :-
" أعي جيدا ما أقوله يا عمار ... ما أقوله هذا لأجلك ولأجل جميع من حولك .. لأجل جيلان و .."
صاح بها بقوة يقاطع حديثها :-
" إصمتي ... توقفي عن هذا الهراء ... لا شأن لجيلان بكل هذا ..."
أضاف وهو ينهض من مكانه بعصبية بعدما تخلى عن جموده :-
" توقفي عن تفكيرك الأحمق المعتاد ..."
نهضت من مكانها بدورها تخبره بقوة وإصرار :-
" تفكيري ليس أحمقا يا عمار .. أنا أقول الحقيقة .. الحقيقة التي مهما حاولت إنكارها فهي موجودة لا مجال للهرب منها ..."
صاح بنرفزة :-
" أي حقيقة يا هذه ..؟! عم تتحدثين أنت ..؟! لقد جننت تماما ...."
أجابت بنفس الثبات وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بعزيمة :-
" حقيقة إن جميع ما يحدث معك هو نتاج أفعالك الخاطئة والمؤذية لغيرك .. حتى ما أصاب جيلان كان بسببك ... عليك أن تعلم إن جميع ما  تمر به هو عقاب من الله الذي لن يرضى بظلمك مهما حدث .. "
أكملت وهي تتقدم نحوه وتنظر له تحدي:-
" لا تحاول إنكار ما أقوله .. إعترف إن جميع ما يحدث معك هو نتيجة ما فعلته بأخيك وغيره .. إعترف إن جيلان وما حدث معها كان جزءا من عقاب الله لك .. إنه العدل يا عمار ..."
كانت عيناه تنظران لها بشكل مخيف ...
بدتا كحفرتين من الجمر المشتعل ...
نطق وكل جزء منه يأبي الإعتراف بحديثها أو تصديقه :-
" توقفي عن حديثك هذا يا شيرين ... إذا كنت تحاولين إحياء ضميري بهذه الكلمات فلن تفلحي ... "
" أنت تعترف إن ضميرك ميت إذا ..؟!"
نطقتها بلا وعي ليصرخ بصوت جهوري جعل بدنها يرتجف ذعرا مع نظرة عينيه القاتلتين :-
" نعم .. "
أضاف بجبروت مهيب :-
" ضميري ميت ... ضميري ميت يا شيرين ... هل يرضيك هذا الآن ..؟!"
صاحت بدورها وقد شعرت بكلماته تلك تنهي جميع صبرها :-
" كلا لا يرضيني ولا يرضي أحد ... أنت تدمر نفسك وجميع من حولك ... إرحم نفسك وإرحم من حولك ... توقف عن الإنكار ... "
أضافت برجاء وعينيها ملأتهما الدموع :-
" متى سوف تستيقظ من غفلتك تلك يا عمار ..؟! جبروتك هذا لا نهاية له .. طغيانك يا عمار سينقلب عليك فالنهاية .."
أكملت بملامح محتقنة :-
" أنت دمرت حياة أخيك وليلى وغيرهم .. دمرتهم جميعا دون ذنب وما زلت ترفض الإعتراف بذنبك في حقهم جميعا ..."
" ذنبي في حقهم ..؟!"
نطقها بتهكم وهو يضيف :-
" وماذا عن ذنب صباح في حق والدتي ..؟! وعن ذنبهم في حقي ..؟! صباح ووالدي وجدتي وغيرهم .."
إسترسل :-
" ماذا عن رحيل والدتي في منتصف شبابها بتلك الطريقة الشنيعة ..؟! ماذا عن معاناتها لسنين بسببهم ..؟! ماذا عني وأنا أتجرع مرارة فقدانها منذ طفولتي مرة بسبب والدي ومرة بسبب الموت ..؟!"
إندفع يقبض على ذراعها يهزها وهو يصرخ بها :-
" ماذا عن حقي أنا ..؟! هل أتنازل عنه ..؟! وإذا فعلت فهل سأتنازل عن حق والدتي أيضا ..؟! أنا تجبرت نعم ... وظلمت نعم .. ولكن جميع ما فعلته لم يكن سوى دين .. دين واجب عليهم أن يدفعوه .. كان يجب أن أخذ حقي وحق والدتي منهم . هل فهمت .. ؟! هل فهمت يا شيرين ..؟! أجيبي .."
كان يصيح بأعلى صوته وهو مستمر في هزها بينما دموع شيرين تتساقط فوق وجنتها بحرارة لتصيح به أخيرا :-
" توقف .."
ثم حررت ذراعها من قبضته بعنف وهي تضيف :-
" وهل تعتقد إنك إسترجعت حقك وحق والدتك بهذه الطريقة ..؟! بالظلم والطغيان .. بتلفيق تهمة لأخيك دمرت مستقبله كاملا .. بتدمير حياة ليلى التي لا علاقة لها بجميع ما تقوله أساسا ..."
أضافت وهي تبتسم بألم:-
" أنت تعتقد إنك بما فعلته نلت حقك وحق والدتك .. وماذا تعتقد أيضا ..؟!"
نطق بجمود :-
" لا يهمني جميع ما تقولينه .. المهم إنني أخذت حق والدتي ممن ظلمها أيا كانت الوسيلة .. لقد إنتقمت منهم جميعا كما وعدت والدتي ... أخذت حقها الذي عجزت هي عن أخذه في حياتها .. جعلتها ترتاح في قبرها بعدما عاشت لسنوات تتعذب في دنياها ..."
" يكفي يا عمار ... يكفي بالله عليك .."
صاحت به شيرين بألم باكي وهي تضيف :-
" هل تعتقد إن والدتك تشعر بالراحة الآن بعدما فعلته ..؟! هل ستشعر والدتك بالراحة وأنت أخذت حقها منهم بهذه الطريقة ..؟! هل ستشعر بالراحة وهي تعلم إنك بما فعلته أصبحت ظالما لا تختلف عنهم بشيء ..؟؟ هل ستشعر بالراحة وهي تراك على هذه الحالة المرعبة ...؟! وماذا عن جيلان ..؟! هل تعتقد إن والدتك سعيدة بما فعلته وما نتج عنه ..؟! هل والدتك سعيدة بما حدث مع إبنتها التي تركتها أمانة عندك ..؟!"
صاح بها :-
" توقفي ..."
صرخت بدورها :-
" بل توقف أنت .."
أكملت بأنفاس لاهثة :-
" توقف بالله عليك .. مرة واحدة فقط إستوعب ما تفعله .. إستوعب مدى الضرر الذي ستلحقه بنفسك ومن حولك بسبب تصرفاتك التي ما زلت متمسكا بها .."
أردفت بتوسل :-
" إذا لا يهمك نفسك وما سيصيبك ففكر بجيلان وطفلك ... فكر بنا يا عمار .. لا ذنب لجيلان كي تدفع ثمن جرائمك ... انا لن أسمح لك بتدميرها وتدمير طفلنا القادم .. توقف بالله عليك .. راجع نفسك وتصرفاتك .. إذا لم يكن لأجلك فليكن لأجل جيلان ولأجلي أنا وطفلك ..."
هتف بقوة تسبب القهر :-
" انا أستطيع حمايتكم جميعا وحماية نفسي أيضا .."
" أنت تتوهم .. إذا كنت تعتقد إنك ستنفذ سالما بنفسك وبنا دون أضرار بعد كل ما فعلته فأنت موهوم ... أخيك لن يتركك وشأنك ... لا بد إنه يسعى لنيل حقه منك ..."
" ليفعل ما يشاء ... لا يهمني .."
نطقها بلا مبالاة  لتصيح به بأعصاب منهارة :-
" لكنه يهمني .. يهمني أنا يا عمار .. لست مستعدة أن أخسر طفلي بسببك .. لن أقبل أن يدفع طفلي ثمن أفعالك .. وجيلان كذلك ... "
أضافت بتعب :-
" أنت ستصبح أب بعد أشهر قليلة .. إذا لم تفكر بطفلك ولا بأختك بعد كل هذا فيؤسفني أن أقول إنني لا يمكنني البقاء على هذا الوضع لإنك .."
صمتت تبتلع ريقها وهي تضيف بحسرة :-
" لإنك ستثبت لي حينها إنك لا تملك ضميرا ولا إحساس ولا خوف من الله ومن لا يخاف ربه لا يمكنني أن أعيش معه .. من لا يخاف ربه أتوقع منه أي شيء مهما بلغت بشاعته ..."
عاد الجمود يكسو ملامحه وهو يردد :-
" ومالذي يجبرك على البقاء معي إذا ..؟!"
نظرت له بوهن ليضيف وهو يردد بغضب مكتوم :-
" مالذي يجبرك على البقاء مع رجل مثلي يا شيرين ...؟! "
أضاف بسخرية :-
" شيرين المثالية .. البريئة التي تزوجت وحشا مثلي تعرف جميع أفعاله ... تزوجته رغما عن أنف الجميع .. رغما عن أهلها ورفضهم لهذه الزيجة .. بل وحملت منه أيضا وفجأة تذكرت مدى قذارة أفعاله فقررت أنه وحش مؤذي معدوم الضمير ولا بد أن يعود الى وعيه ..."
همست بملامح موجوعة :-
" لا بأس يا عمار .. لن ألومك على ما تقوله ولا على معايرتك لي لإنني أستحق .. أستحق سماع هذا الكلام بعدما تحديت الجميع لأجلك وأنت لا تستحق .. انا الحمقاء الغبية التي أحبتك بشدة وظنت إنها سوف تستطيع إصلاحك يوما ما وإنتشالك من ظلامك لكنني وبكل شجاعة أعترف إني فشلت .. وإنني أستحق أن أعيش ما أعيشه الآن وأسمع ما سمعته على لسانك .."
مسحت دموعها بقوة وهي تكمل بثبات رغم الألم :-
" ولكن جميع هذا سينتهي وحالا ... طلقني يا عمار .. طلقني لإنني لا يمكنني الإستمرار مع رجل مثلك ..."
تطلع لها بنفس الجمود وهو يسألها :-
" هل أنت متأكدة من قرارك ..؟!"
ردت بثبات مبهر مقارنة بما يعتمل داخلها من مشاعر :-
"طلقني لإنك أبشع شخص رأيته في حياتي .. طلقني لإنني أفضل الموت حالا على الإستمرار مع رجل مثلك ..."
نطق ببرود :-
" لا داعي أن تتعبي نفسك أكثر .. سأطلقك وحالا .."
صمت لوهلة ثم قال :-
" أنت طالق ..."
نطقها ثم ما لبث أن إندفع بكل قوته خارج المكان متجاهلا تلك المعزة التي شعر بها داخل قلبه ...
كان عليه الإعتراف إنه خسر لأول مرة منذ أعوام ..
تذوق طعم الخسارة مجددا ...
نعم هو يعترف إنه خسر حتى لو تمت هذه الخسارة بكامل إرادته ..
...........................................................
تقف بجانب النافذة الضخمة تتطلع الى الخارج بصمت بينما تضع يديها فوق بطنها ذات البروز الضئيل ...
كانت شاردة تماما في عالم آخر عندما سمعت صوت طرقات على باب الغرفة جعلتها تستيقظ من شرودها لتهتف بصوت عالي قليلا كي يسمعه الطارق :-
" تفضل .."
دلف سيف الى الداخل مرددا :-
" مساء الخير .."
" مساء النور .."
تمتمت بها بخفوت عندما سار أمامها ثم وقف على مسافة منها يخبرها :-
" والدتي أخبرتني إنها تحدثت معك صباحا ...."
أومأت برأسها وهي تتذكر حديث والدته .. تلك المرأة التي بدت لها مخيفة بنظراتها القاسية والتي أخذت تتفحصها لثواني شعرت بها تعريها تماما ..
لهجتها وهي تلقي عليها التحية بإقتضاب ..
كانت تمتلك ملامح قاسية نوعا ما لم تنجح تجاعيد وجهها في إخفاء صلابتها ...
تذكرت حديثها المقتضب وهي تخبرها بنبرة شديدة آمرة :-
" أخبرني سيف إنك ستبقين هنا لبضعة أيام وأنا إضطررت الى الموافقة .. ستبقين في القصر حتى يجد سيف حلا لوضعك هذا ... طوال فترة بقائك هنا ستلتزمين بأوامري ... لا خروج لك من هذا الجناح إلا للضرورة القصوى فأنا لا أريد أن يراكي أي أحد من أبنائي أو أقاربي وأصدقائي .. طعامك سيصلك الى هنا والخادمات سيجلبون لك ما تريدين ... أريدك أن تلتزمي الجناح  طوال فترة وجودك هنا وأتمنى ألا نتعرض لأي أزعاج بسببك ..."
أنهت كلماتها وهي ترمق جيلان بنظرة صارمة جعلتها ترتجف كليا لتغادر الجناح دون أن تنتظر جوابها وكأنها تدرك جيدا إنها ستلتزم بحديثها كله بالحرف الواحد ...
أجابت بخفوت :-
" نعم ، لقد أتت صباحا وتحدثت معي ..."
سألها بإهتمام :-
" هل ضايقتك ...؟! ماما صعبة قليلا ... "
ردت بتردد :-
" أبدا .."
سألها مستشعرا كذبها :-
" ماذا قالت لك إذا ..؟!"
حركت أناملها تزيح من خلالها خصلة من شعرها خلف أذنها وهي تجيب بصوت متقطع قليلا :-
" طلبت مني أن ألتزم البقاء في الجناح حتى مغادرتي القصر .. هذا ما قالته ..."
تنهد وهو يشير الى السرير جانبه يخبرها :-
" تعالي وإجلسي هنا يا جيلان ..."
اتجهت نحوه بتردد وجلست على السرير ليجلس هو على مسافة بعيدة عنها مرددا بحذر :-
" نحن يجب أن نتحدث يا جيلان .. يجب أن نقرر ما سنفعله..."
توترت ملامحها وهي تتسائل :-
" ماذا سنفعل ..؟!"
حاولت طمأنتها مرددا :-
" لا تقلقي .. أنا لن أتراجع عن وعدي لك ... لكن يجب أن تفهمي إن ما تفعلينه ليس حلا .. أنت حامل يا جيلان ... "
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تتمتم ببراءة عفوية :-
" لكنني لا أريده .. لا أريد هذا الطفل .. هل يمكنك تخليصي منه ..؟!"
تنهد قائلا :-
" غير ممكن يا جيلان ... ما تقولينه جريمة .. "
هطلت دموعها فوق وجنتيها ليزفر أنفاسه مرددا :-
" توقفي عن البكاء من فضلك .."
أضاف يحاول إقناعها:-
" أنت حامل يا جيلان .. يجب أن تتقبلي هذا الأمر وتتعاملين معه .."
" لكنني صغيرة .."
قالتها وهي تنظر له بعينيها الحمراوين بعدما توقفت عن البكاء لتضيف بخفوت :-
" ماذا سأفعل به ..؟! "
إسترسلت بعفوية آلمته :-
" أنا لدي إمتحانات وزارية بعد أشهر قليلة ... سأدخل الجامعة بعدها .. كيف يمكنني فعل هذا وأنا حامل وسأنحب طفلا أكون أنا أمه ..."
هتف بهدوء :-
" هناك الكثيرات ممن يتزوجن في عمرك وينجبن أطفالا ورغم هذا يدرسن وينجحن ويدخلن الجامعة ...."
نطقت وهي تبرم شفتيها :-
" لكنني لا أريد أن أكون مثلهن .. لماذا لا أكون كالبقية .. ؟! "
قال ببطأ :-
" لإن هذا قدرك يا جيلان وأنت عليك قبوله والتعايش معه .."
نظرت له ببؤس فقال وهو يبتسم لها :-
" صدقيني يا جيلان ... لا حل أمامك سوى القبول بالأمر الواقع .. لقد أراد الله حدوث هذا .. "
تنهد مجددا وهو يضيف :-
" عليك أن تعلمي إن كل شيء له نهاية .. أي مشكلة مهما بلغ حجمها سيأتي يوم وتنتهي ... عدا الموت ... طالما هناك روح داخلك فأنت تستطيعين تجاوز جميع ما حدث وما سيحدث ... صدقيني يا جيلان ... لقد أراد الله أن تصبحي أما في عمرك هذا ... تقبلي أمره ولا تعتقدي إن حياتك ستنتهي عندما تصبحين أما في سنك هذا ... حياتك سوف تستمر وأنت سوف تستطيعين العيش وتحقيق أحلامك طالما تمتلكين الرغبة في ذلك أيا كانت الظروف .. كما أخبرتك لا شيء يصعب على المرء تجاوزه وحله عدا الموت ..."
أخفضت وجهها نحو الأرض بسكون ليتأملها للحظات ثم يقول :-
" أتمنى أن يقنعك حديثي وصدقيني أنا أقول ما هو في مصلحتك ... هذا الطفل أصبح أمر واقع في حياتك .. لذا عليك تقبل هذا والتعايش معه ... والأفضل أن تخططي لمستقبلك منذ الآن بوجود هذا الطفل وتنظمي وقتك أيضا حتى تستطيعي أن تنهي دراستك بتفوق بدلا من البقاء على هذه الحال ... تبكين وتتأسفين على حالك فقط ..."
أنهى كلماته بإبتسامة مشجعه ثم نهض من مكانه مرددا :-
" سأتركك تفكرين في كلامي جيدا .. وتذكري إنني معك في كل الأحوال ولن أخلف وعدي لك ... ولكن أرجو أن تفكري في كلامي جيدا يا جيلان .."
تحرك مغادرا الجناح تاركا جيلان تنظر أمامها بحيرة وتشتت ..
هي تعلم إن ما يقوله للأسف صحيح ...
هي باتت مقيدة بهذا الطفل الموجود داخلها ..
شائت أم أبت فهي من تحمل هذا الطفل وهي من ستنجبه ..!
هي أمه حتى لو حدث هذا رغما عنها ...
ولكن ماذا تفعل ..؟! هي لا تستطيع تقبل هذا ..
كيف تتقبل وجود طفل في حياتها ..؟! حياتها التي لم تبدأ فعليا بعد ..!!
وإذا قررت تقبله فهل سوف تستطيع رعايته ..؟؟
هل سوف تستطيع النجاح في حياتها والعناية به في نفس الوقت ..؟؟
هل تستطيع هي أن تكون أما لطفل صغير ..؟!
شعرت برهبة شديدة من مجرد تخيل الفكرة ..
هي أم لطفل صغير.. طفل ستهتم به وترعاه .. طفل ستكون هي المسؤولة عنه .. ستكون أمه ..
أدمعت عيناها مجددا وهي ترى نفسها أضعف من أن تتحمل مسؤولية كهذه ..؟!
هي ما زالت صغيرة وضعيفة ..
كيف يمكنها أن تربي طفلا وتعتني به ..؟!
هل تستطيع أن تفعل هذا فعلا ..؟!
هل ستنجح في هذا ..؟!
ظلت تطرح على نفسها هذه الأسئلة مرارا دون أن تجد جوابا شافيا عليها ..!!
.............................................................
كانت نانسي مستسلمة للممرضة التي تعتني بها تتناول منها أدويتها بصمت بينما تقف هايدي جانبا تتأمل شقيقتها الهادئة تماما منذ إستيقاظها من غيبوبتها القصيرة حيث تلتزم الصمت والهدوء ولا تتحدث إطلاقا بينما تكتفي بإجابات مختصرة على الأسئلة الموجهة لها ...
" الحمد لله على سلامتك مجددا .. ستخرجين من هنا خلال ثلاثة أو أربعة أيام بإذن الله .."
قالتها الممرضة وهي تبتسم لها بإشراق لتغمغم نانسي بخفوت :-
" شكرا ..."
اتجهت هايدي نحو شقيقتها وهي تشكر الممرضة التي إستأذنت وخرجت لتجلس هايدي على الكرسي المجاور لسرير شقيقتها تسألها بإهتمام بالغ :-
" كيف تشعرين الآن..؟! هل هناك شيء ما يؤلمك أو يضايقك ..؟!"
إبتلعت نانسي ريقها ثم هزت رأسها نفيا وهي تجيب بنفس الخفوت :-
" كلا ..."
ثم تأملت شقيقتها بنظرات رغم صمتها تحمل الكثير فسألتها هايدي بقلق :-
" هل هناك شيء ما يا نانسي ..؟! لماذا تنظرين إلي هكذا ..؟!"
أخفضت نانسي عينيها نحو الأسفل لتقبض هايدي على كفها تسألها مجددا :-
" لماذا لا تنظرين إلي ..؟! ماذا يحدث معك ..؟! تحدثي ..."
صمتت هايدي للحظات قبل أن تسأل مجددا بصبر :-
" أرجوك تحدثي يا نانسي .. لا تبقي على صمتك هذا .."
وفجأة وجدت العبرات تغزو وجنتي نانسي تدريجيا حتى رفعت نانسي كفها فوق شفتيها تحاول كتم شهقاتها عندما همست هايدي إسمها بتردد مصحوب بالألم قبل أن تقبض على كفها تؤازرها مرددة :-
" لماذا تبكين يا نانسي ..؟! ماذا حدث ..."
بدأ صوت شهقاتها يظهر بعدما فقدت نانسي السيطرة على نفسها ...
أخفضت كفها بعيدا عن فمها وأطلقت العنان للمزيد من دموعها التي يصاحبها صوت شهقاتها التي أخذت ترتفع تدريجيا ومعها تهبط أنفاسها وترتفع ...!!
بقيت هايدي تتأملها بعينين داميتين تاركة المجال لها لتفرغ أوجاعها خلال هذه الدموع عندما همست بعد مدة محاولة التخفيف عنها :-
" حسنا ، توقفي عن البكاء ... أنت ما زلت في مرحلة التشافي ... لا تفعلي هذا من فضلك ..."
أخذت نانسي تمسح دموعها بصمت محاولة عدم البكاء مجددا لتسألها هايدي :-
" هل تشعرين إنك أفضل الآن ..؟!"
عادت نانسي تنظر لها بنفس الوجع لتسألها هايدي مجددا بحيرة :-
" أشعر إنك تريدين قول شيء ما لكنكِ لا تجيدين فعل ذلك ... "
نطقت نانسي بتردد :-
" هايدي أنا ..."
نظرت هايدي لها بترقب لتضيف نانسي بعينين عادت العبرات تملأهما ونبرة مشحونة :-
" آسفة ... "
تأملت هايدي الندم الظاهر في عيني شقيقتها التي إسترسلت :-
" آسفة حقا ... "
" علام تعتذرين يا نانسي ..؟! أنا لا أفهم حقا .."
قالتها هايدي بحيرة لتنطق نانسي بنبرة مرتجفة ما زالت تحمل آثار بكائها :-
" آسفة على ما تسببت به لك من متاعب .. آسفة لإنني وضعتك في هذا الموقف المحرج ... آسفة لإنني فعلت هذا بك ... آسفة جدا ..."
" نانسي .."
قالتها هايدي محاولا إيقافها لكن نانسي إستمرت في حديثها وهي تضيف بينما تحاول السيطرة على دموعها التي عادت تريد الإنهمار مجددا:-
" ليتني مت في هذا الحادث .. كنت سأوفر عليك الكثير .. انت لا ذنب لك لتتحملي كل هذا ... لا ذنب لك أن تتحملي نتائج أفعالي الطائشة .."
شهقت باكية وهي تضيف :-
" صدقيني انا لم أفكر بشيء سوى الموت ... ظننت إنني سأموت مع الطفلين ما إن ألقي نفسي أمام السيارة .. لو كنت أدرك إنني سأعيش ما كنت لأفعلها وأحملك هذه المشقة ... "
هتفت هايدي بعدم تصديق :-
" مالذي تقولينه يا نانسي ..؟! هل أنت حمقاء ..؟؟ انا كدت أموت من رعبي عليك .. أخذت أدعي الله ليلا ونهارا كي ينقذك ويعيدك إلي سالمة ... انت لا تتصورين ما كنت أشعر به يوميا وأنا أراك فاقدة للوعي وحالتك خطرة ... كنت أموت في اليوم ألف مرة بسبب خوفي من خسارتك .."
إحتقنت عيناها بالدموع وهي تضيف :-
" أنت شقيقتي الوحيدة يا نانسي .. انا أتحمل أي شيء عدا خسارتك ... لا يمكنني تحمل خسارتك أبدا ... لم أكن أستطيع العيش بدونك يا نانسي .. والله كنت سأموت من قهري عليك ..."
تساقطت عبرات نانسي من جديد لتخفض هايدي جسدها نحوها وتعانقها فتستجيب نانسي لعناقها بترحاب عندما قالت هايدي تؤنبها :-
" إياك أن تتفوهي بهذه الحماقات مجددا ..."
هزت نانسي رأسها وهي ما زالت تبكي بين أحضان شقيقتها عندما إبتعدت هايدي بعد لحظات عنها تبتسم لها بدعم لتسألها نانسي بصوت مبحوح :-
" الطفلان .. سيتألمان بسببي .. هما سيدفعان ثمن أخطائي .."
قاطعتها هايدي بسرعة وهي تضع يدها فوق فمها :-
" لا تقولي هذا يا نانسي .. لقد كتب الله لهما الحياة ... من نحن لنعترض على وجودهما ..؟!"
أكملت وهي تقبض على كفها تخبرها بدعم :-
" انا معك وأعدك إن الطفلين سيولدان بخير وسيعيشان أفضل حياة ولن يتألمان أبدًا بإذن الله ..."
ابتسمت نانسي من بين دموعها لتهمس لها هايدي بفرحة :-
" هل تعلمين إنهما صبي وبنت ..."
ابتسمت نانسي لا إراديا مرددة :-
" حقا ..؟!"
هزت هايدي رأسها وهي تضحك بسعادة بينما تشاكسها قائلة :-
" أنا إخترت اسم الفتاة .. سأسميها هايدي وأنت لن تمانعي طبعا ..."
ابتسمت نانسي مرددة :-
" وهل يجرؤ أحد على ممانعة قرارك يا هايدي ..؟!"
عادت هايدي تعانقها بحب وهي تتنهد بقليل من الراحة وقد نجحت في التخفيف من حالة أختها المزرية ..!
......................................................
كانت تجلس داخل أحضانه تتابع أحد الأفلام العربية القديمة بتركيز بينما هو يعبث في هاتفه يبحث عن هدية مناسبة لشقيقته فعيدميلادها يوم غد ...
سأل حياة وهو يضع شاشة الهاتف أمام عينيها :-
" ما رأيك بهذه الأقراط ..؟!"
سحبت الشاشة تنظر إليها للحظات قبل أن تجيب :-
" رائعة .."
تسائل مجددا :-
" نشتريها إذا ..؟!"
" برأيي إنها جميلة جدا وستعجبها .. خاصة إنها تشبه ذوق غالية كثيرا .."
قالتها بجدية ليوافقها :-
" وأنا أيضا وجدتها تشبه ذوق غالية في المجوهرات ..."
أضاف بعدها :-
" إذا سنذهب غدا الى المحل ونشتريها ..."
" جيد .."
قالتها وهي تبتسم ثم تعود الى داخل احضانه تتابع الفيلم مجددا ليسألها وهو يعبث في هاتفه مجددا :-
" هل ممتع الفيلم لهذه الدرجة كي تندمجي معه هكذا ..؟!"
سألتها بدورها :-
" ألا تحب الأفلام ..؟!"
أجاب بحيادية :-
" لا أحبها ولا أكرها .. "
شرد بعدها وشعرت هي بشروده فنادت عليه لينتبه لها ..
سألته بإهتمام :-
" فيم شردت ..؟!"
رد بخفوت :-
" تذكرت أيام السجن .."
تغضن جبينها وهي تسأله :-
" لماذا ..؟!"
كانت المرة الأولى التي يتطرق فيها للحديث عن تلك الفكرة التي كان واضحا لها كم يتجنب ذكرها عمدا وهي بدورها لم تفكر في التطرق لها أبدا ..
رد بجدية :-
" أنا لا أتوقف عن تذكرها أساسا .. أتذكرها دائما ... "
إبتعدت من بين أحضانه تعتدل في جلستها وهي تسأله بجدية :-
" لماذا تفعل بنفسك هذا يا نديم ..؟! لماذا تصر على تعذيب نفسك بهذه الذكريات ..؟!"
ابتسم مرددا بقهر خفي :-
" هذه الذكريات ستبقى جزءا لا يمكن نسيانه من حياتي .. هذه الذكريات صنعت مني شخصا جديدا ... صنعت نديم الذي ترينه اليوم .. نديم الموصوم بتهمة التجارة بالممنوعات ... نديم الجاني في نظر الجميع ... "
قالت بجدية :-
" يجب أن تنسى يا نديم ... يجب أن تفكر في المستقبل ..."
قال بهدوء :-
" النسيان مستحيل .. لكنني سأتجاوز وسأفكر في مستقبلي عندما أستعيد حقي .. "
نظرت له بصمت ليضيف بإقرار :-
" عندما أثبت برائتي يا حياة ..."
نطقت بتروي :-
" أنا معك يا حبيبي بكل الأحوال .. ولكن كيف ستفعل هذا ..؟! أشعر إنك تخطط لشيء ما من نبرة صوتك وطريقة حديثك ..."
تأملها بصمت للحظات قبل أن يقول بخفوت :-
" فقط عليك أن تعلمي إن جميع ما سأفعله هو لأجلك ولأجل طفلنا القادم .. أريد أن يأتي طفلي وهو فخور بوالده الذي إستطاع إثبات برائته رغم مرور عدة سنوات .. لا أريده أن يعيش خجلا من ماضي والده الذي يعتبر مجرم سابقا في نظر القانون والمجتمع .."
" ما هذا الكلام يا نديم ..؟! ابنك سيفتخر بك دائما وأبدا لإنك والده .. والده الذي يحبه ويرعاه دائما وأبدا ..."
أخذ نفسا عميقا ثم نطق بتردد :-
" سأطلب منك شيئا .."
نظرت له بتأهب ليضيف بحذر :-
" إذا لم أستطع إثبات برائتي أبعديه عن هنا .. لا أريده أن يبقى في هذه البلاد ويحيا معانيا بسبب سمعة والده المدنسة ... "
توقف للحظة يتأمل الخوف والرفض في عينيها ليضيف برجاء :-
" وأخبريه إنني بريء وإنني أحبه وآسف كثيرا لإنني كنت أنانيا وأنجبته رغم إدراكي لصعوبة ما سيعيشه بسبب ماضي لا ذنب له فيه ...."
" مالذي تقوله يا نديم ..؟! مالذي أفهمه من هذا الكلام ..؟! هل ما فهمته صحيح ..؟؟ أنت اتحدث وكأنك ..."
توقفت الكلمة داخل حلقها ترفض الخروج ليقول وهو يحتضن وجهها بين كفيه :-
" لا تقلقي يا حياة .. بإذن الله كل شيء سيكون بخير ولكن .."
أخذ نفسا عميقا ثم أضاف :-
" الحذر واجب والقادم مجهول .. انا فقط أريدك أن تعديني أن تفعلي ما طلبته منك ..."
قبضت على كفه المحيطة بوجهها :-
" نديم نحن نريدك ... انا وطفلك نريدك ولا نريد شيئا غيرك .. فليذهب كل هذا الى الجحيم .. فليذهب الناس جميعا والمجتمع .. لا يهم أي شيء عداك .. المهم أنت ولا شيء غيرك .."
نطق بأنفاس متألمة :-
" يؤسفني أن أخبرك إن ما تقولينه ليس صحيحا .. كلانا يعرف إن الحياة في مجتمعنا هذا ستكون صعبة وإن تهمتي السابقة وسنوات سجني ستظل وصمة عار تلاحقني وتلاحق ذريتي .. الحياة ليست وردية يا حياة .. الحياة قاسية وانا لست مستعدا لأن أجعل طفلي يعاني بسببي حتى لو لم أكن مذنبا بالفعل .."
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" لذا أنا سأفعل المستحيل كي أثبت برائتي .. ليس لأجلي بل لأجله وأجلك أنت أيضا .. طفلنا يستحق التضحية بكل شيء لأجله يا حياة .. وأنا مستعد أن أضحي بكل شيء في سبيل نيل برائتي .."
ملأت الدموع عينيها والخوف قلبها وقد شعر هو بذلك ليحتضنها موردا :-
" لا تبكي من فضلك .. توقفي عن البكاء .. إذا لم يكن لأجلي فلأجل طفلنا ..."
قالت عن قصد وهي تمسح دموعها :-
" بل سأفعل لأجلك ..."
أضافت بجدية وهي تلمس لحيته بأناملها :-
" لا تتركني يا نديم .. انت أصبحت كل حياتي .. بالله عليك لا تتركني .. بدونك سأعود وحيدة ..."
جذبها نحو صدره يعانقها مرددا :-
" سأحاول بكل قوتي ألا أتركك يا حياتي ..."
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تضم نفسها أكثر داخل أحضانه بينما يشدد هو من عناقها وعقله يشرد لا إراديا مفكرا بما هو قادم ..
.............................................................
في صباح اليوم التالي ..
خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها بالمنشفة ..
لقد بقيت مستيقظة طوال الليل تفكر فيما يحدث معها تتذكر ما حدث وما زال يحدث بسبب شخص واحد ...
شخص لم يكتف بتدمير حياة شقيقتها فجاء دورها لتنال هي الأخرى من أذيته ولكنه لا يعلم إنها ليست كشقيقتها بل هي ليست كالبقية ...
هي مختلفة تماما عنهم جميعا ..
هي ليست مسالمة كشقيقتها او متخاذلة كإبن خالتها ...
هي مريم القرية .. مريم التي لن تتنازل حتى تأخذ حقها كاملا من عمار ..
عمار الذي بسببه فقدت حبيبها وتدمرت حياتها ..
سيدفع عمار الخولي ثمن جميع أخطائه على يدها ..
على يدها هي ستكون نهايته ...
رمت منشفتها على السرير بإهمال ثم أخذت تتأمل تلك الصور الموضوعة والجهاز الصغير الذي يحمل بعض تسجيلات صوتية جمعتها به وبذلك الآخر الذي يحاصر شقيقتها بكل قوته ويريد نيلها ...
اتجهت نحو خزانة ملابسها حيث غيرت ملابسها سريعا ورفعت شعرها عاليا بعدما سرحته بسرعة لتغادر الفيلا مبكرا مستغلة إن الجميع ما زال نائما بعد ..
قادت سيارتها متجهة الى شركات آل نعمان وكما توقعت فهو لم يصل بعد ..
هي أتت مبكرا أكثر من اللازم ..
جلست على الجانب تنتظر قدومه بعدما طلبت من السكرتيرة أن تجلب لها القهوة ..
تأملت الشركة التي ما زالت فارغة بإستثتاء وجود الحرس وسكرتيرة كنان وقلة من الموظفين الذين يتطلب عملهم القدوم مبكرا ..
مرت اكثر من ساعة وكنان لم يصل فأخذت تتأفف بصمت وهي تتسائل عما كان سيحصل لو تأخرت في مغادرة المنزل قليلا ..!
وأخيرا وصل كنان فنهضت تستقبله ليتأملها ببرود وهو يخبرها أن تتبعه ويخبر السكرتيرة ألا تقاطع وجودها معه ..!!
فتح لها الباب لتدخل فدلفت الى المكتب يتبعها هو مرددا بعدما أغلق الباب خلفه :-
" كنت أنتظر مجيئك .."
إستدارت نحوه تتأمله بعينين مشتعلتين ليهتف بنفس البرود المغيظ :-
" كيف حالك يا مريم ..؟!"
" إبتعد عن ليلى ..!!"
قالتها بشراسة ليبتسم مرددا ببرود مغيظ :-
" لن أفعل ..."
أضاف وعيناه تنظران إليها بقوة وثقة جعلتها ترغب في تهشيم وجهه الجذاب :-
" انا وليلى سنتزوج ... "
قاطعته بحدة :-
" سأخبرها كل شيء .. ستعرف الحقيقة ..."
قاطعها وهو يهز كتفيه بلا مبالاة :-
" إفعلي ما تشائين ... أخبريها عن كل شيء .."
نظرت له بغل ولعنت نفسها مرارا فلو سيطرت على لسانها ولم تخبره بأمر خطبة ليلى من زاهر ما كان ليفعل كل هذا ويقتحم حياة شقيقتها بهذه السرعة ..
هي من أيقظته من سباته بعدما قالت ما قالته ..
هي من تسببت بهذه الفوضى بسبب تسرعها المعتاد ..
همست بقوة مصطنعة :-
" ليلى لن تقبل بك إذا علمت بخطتنا .."
قاطعها وهو يبتسم بخبث :-
" خطة ..؟! آية خطة ...؟!"
اتسعت عيناها بعدم فهم ليضيف بسرعة مدعيا التذكر :-
" آه تذكرت .. تقصدين إتفاقنا انا وانتِ وخطتنا للتخلص من عمار ..."
هزت رأسها بحذر ليبتسم ملأ فمه وهو يهتف :-
" آسف يا مريم ولكنني نسيت إخبارك بالأمور المستجدة .. من الآن فصاعدا أنت خارج هذه الخطة ... لن تكوني جزءا من إنتقامي المنتظر ... "
صاحت بعدم تصديق :-
" ماذا تقول انت ..؟!"
أجاب بهدوء مقيت :-
" كما سمعتِ .. انت بعد الآن خارج هذه اللعبة ... وعمار سأعرف جيدا كيف أنال حقي منه بدونك .. انت لستِ طرفا في هذه القضية بعد الآن ..."
هتفت وهي تلوي فمها متهكمة :-
" هل تفعل ذلك لأجل ليلى ..؟! "
رد بصدق :-
" بالطبع .. أساسا لا يوجد سبب غير هذا ..."
حملقت به للحظات قبل أن تهتف به بجمود :-
" هل تعتقد إنها ستقبل بك إذا علمت بما يدور بيننا ..؟! عفوا بما كان يدور ..؟!"
" لا أعلم .."
أجابها بهدوء ثم أضاف :-
" لكن ما أعلمه إن قلبها سيتحطم كليا إذا علمت ما كان يجري بين شقيقتها وطليقها وما كانت تخطط له شقيقتها دون علمها ..."
صاحت به :-
" أنت تعلم إنني كنت مجبرة على هذا مثلما كنت مجبرة على التعامل معك ..."
ردد بإستهزاء :-
" حقا مجبرة ..؟! أنت معي أو بدوني كنت تسعين للتلاعب به والنيل منه .. كلانا يعرف هذا يا مريم .."
هدرت به بقسوة :-
" انا لا يهمني جميع ما قلته .. سأخبرها بكل شيء .. فلتعلم حقيقة الرجل الذي سترتبط به ..."
همت بالتحرك ليتحدث بنفس الهدوء :-
" أخبريها يا مريم لكن كوني على ثقة إنك ستؤلميها كثيرا وهي لا تستحق .. واقعيا فالإتفاق الذي بيننا إنتهى قبل أن يبدأ ... من الآن فصاعدا لا دخل لك بهذا الأمر .. "
أضاف بصدق :-
" بعيدا عن كل شيء يجب أن تعلمي إنني جاد في علاقتي بليلى .. أنا أريدها فعلا وقولا وسوف أسعى لإسعادها وتعويضها عما فات .. صدقيني يا مريم لن تجدي أحدًا سيرعاها ويعتني بها ويسعدها مثلي ..."
ضغطت مريم شفتيها بقوة وهي تستمع الى حديثه ووعوده ...
تعلم إن قلب شقيقتها سيتحطم مجددا اذا ما علمت بما كانت تفعله وما جمعها مع كنان والأسوء إنها أخفت هذا عنها ...
ستفقد شقيقتها ثقتها بها تماما وستتعرض للخذلان مجددا ..!!
خذلان الله وحده يعلم كيف سيكون آثره عليها هذه المرة ..
أخذت نفسا عميقا وإستدارت نحوه تتأمل ملامحه الجادة بجمود لثواني قبل أن تهمس :-
" هل تعدني أن تعتني بها حقا ولا تخذلها كما فعل الذي قبلك ..؟!"
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" أعدك يا مريم .. أقسم لك إنني سأفعل ..."
نطقت بقوة :-
" إذا آذيتها فستجدني أمامك .. أنت تعرفني جيدا .. وتعرف إنني مجنونة ولا أرى أمامي عندما أغضب وآلم شقيقتي أكثر شيء يغضبني يا كنان ..."
ابتسم متأملًا عصبيتها وكلماتها التي جعلتها تبدو كطفلة حانقة شرسة فقال يشاكسها قليلا :-
" أعلم يا مريم هانم .. لا أحد يستطيع الصمود أمام غضبك أساسا .."
شمخت برأسها مرددة بغرور :-
" من الجيد إنك تعلم هذا .."
ثم منحته نظرة محذرة وهي تغادر مكتبه تاركة إياه يتابعها وهي تغادر وإبتسامة هادئة مرتسمة على شفتيه ..
........................................................
خرجت الى غرفتها بعد حمام طويل مارست خلاله طقوسها المفضلة من العناية ببشرتها واستخدام مستحضرات الإستحمام التي إعتادت على إستخدامها بإستمرار ثم مارست الشيء المفضل لديها وهو الإسترخاء في البانيو لمدة طويلة بعدما ملأته بالماء الدافئ المخلوط بالصابون ذو  رائحة مميزة تفضلها عادة ...
وقفت أمام المرآة وهي تجفف شعرها بالمنشفة قبل أن تسحب مرطب الجسد الذي يلي الإستحمام وتبدأ بوضعه فوق جسدها ...
إنتهت مما تفعله كليا وإرتدت بيجامة مريحة لتتجه نحو السرير مقررة النوم قليلا قبل سهرة المساء التي ستقضيها مع صديقتها ....
وضعت رأسها على المخدة بينما تعبث بهاتفها عندما عادت مجددا تفتح حسابه وتطالعه بتردد حائرة إذا ما تبعث له طلب صداقة أم تتجاهل الأمر ولا تفعل ذلك ..؟!
تأملت شاشة الهاتف بتفكير إمتد لحوالي ثلاثة دقائق قبل أن تحسم أمرها وتضغط على إضافة صديق وترسل له طلب الصداقة الذي ترددت به كثيرا ...
لا تعلم لماذا تتصرف بحذر قليلا معه رغم كونها تدرك جيدا إن طلب الصداقة لا يعني شيئا معينا وإنه أمر طبيعي فحسابها الشخصي مليء بالأصدقاء ما بين الأقارب والمعارف وأصدقاء الجامعة والمدرسة والكثير غيرهم فهي لا تمانع من إضافة أي شخص طالما تجمعها به معرفة أيا كانت نوعها لذا فالأمر لا يبدو غريبا ..
بلى ، الأمر مختلفا هذه المرة فعادة ليست هي من ترسل طلب الصداقة بل المقابل من يفعل وهي تكتفي بقبول الطلب ..
إنها المرة الأولى التي تبادر بها لفعل شيء كهذا ..
شعرت بعدم الرضا يسيطر عليها فأرادت أن تلغي الطلب لكنها نهرت نفسها بقوة فليس من صفاتها التراجع عن شيء سبق وفعلته حتى لو كان ليس صحيحا ...
سيطر العبوس عليها لا إراديا وهي تلقي هاتفها بعيدا بلا مبالاة وتجذب الغطاء فوق جسدها مقررة النوم بدلا من الإستمرار في التفكير بهذا الأمر ...
إستيقظت بعد حوالي ثلاث ساعات وهي تشعر بالإنتعاش لتنهض من فوق سريرها وتتجه نحو الخزانة تبحث عن ثوبا مناسبا لها ترتديه فهي ستذهب للقاء احدى صديقاتها المقربات والتي عادت للسفر منذ يومين فقط ..
أخذت تجهز نفسها لأجل السهرة حيث إرتدت فستانا بسيطا لكنه أنيقا ثم أعدت شعرها وتركته منسدلا بحرية على جانبي وجهها ...
وضعت مكياجها وعطرها وأنهت جميع المطلوب عندما حملت حقيبتها لتهم بالمغادرة لتتذكر أمر طلب الصداقة الذي أرسلته منذ ساعات فسارعت تفتح هاتفها ثم حسابها بفضول شديد لتشعر بالخيبة وهي ترى الطلب ما زال معلقا ..
مطت شفتيها بعدم رضا وهي تغلق الهاتف وتضعه داخل حقيبتها عندما تحركت خارج غرفتها وهبطت نحو الطابق السفلي لتتفاجئ بصالة الجلوس والممر الجانبي لها مظلما تماما والفيلا خالية من الجميع ولا حركة فيها ..
إبتسمت بخفة وقد فهمت المفاجئة المعدة ببساطة فاليوم عيدميلادها والأمر لا يحتاج الى ذكاء ..
دلفت الى الصالة وضغطت على زر الخاص بالضوء لتشتعل أضواء الصالة يصاحبها صوت صياح من جميع الموجودين ...
ضحكت بسعادة وهي تجري مسرعة نحو صديقتها تعانقها غير مصدقة :-
" حتى أنت متفقة معهم .."
ضمتها صديقتها مرددة :-
" بالطبع..."
أكملت وهي تبتعد قليلا عنها وتشير الى نديم :-
" لقد إتفقت مع نديم على مفاجئتك .."
سارعت تعانق شقيقها الذي همس لها بحب :-
" كل عام وأنت بألف خير غاليتي ..."
شددت من عناقه وهي تهمس له :-
" وأنت بألف خير يا حبيبي .. حفظك الله لي .."
ثم اتجهت تعانق حياة وهي تخبرها :-
" ميلادي هذا العام أجمل بوجودك ...."
تمتمت حياة وهي تحتضنها :-
" كل عام وأنت بخير يا غالية ..."
اتجهت بعدها تحيي الموجودين أولهم والدتها ثم البقية حيث حضر كلا من نادر ونرمين أبناء عمها وكذلك بعضا من صديقاتها المقربات والمعارف المقربين جدا ...
عادت تتجه نحو صديقتها تخبرها بسعادة :-
" اشتقت لك كثيرا .."
أضافت وهي تشير نحو حياة :-
" بالتأكيد تعرفت على حياة ..."
ابتسمت نيفين وهي تقول :-
" لقد تعرفت عليها منذ البارحة بل كنت في شقتها هي وشقيقك نخطط للمفاجأة .."
" فعلتم كل هذا بدوني .."
قالتها ببؤس مصطنع ليهتف نادر بخفة :-
" ربما لإنهم يريدون مفاجئتك .."
سألته هو وشقيقته بعفوية :-
" لماذا لم تأت أروى معكما ..؟!"
ردت نرمين :-
" لديها عمل ... تعرفين طبيعة عملها .."
ثم توقفت عن بقية حديثها عندما تفاجئت بأروى تدخل ومعها شريف فهي طلبت منه أن ترافقه الى حفل الميلاد الذي دعاها نديم إليه مسبقا ولكنها رفضت الذهاب مع أشقاؤها متعللة بأعمالها بينما السبب الحقيقي هو عدم حبها لغالية والذي تدركه شقيقتها الصغرى نرمين جيدا ولكنها تراجعت عن قرارها عندما علمت بذهاب شريف وقررت أن تحضر رغم ضيقها الشديد من إهتمامه بحضور عيدميلاد غالية ..
إستقبلتهما غالية بفرحة شديدة ورحب نديم بهما وكذلك صباح عندما أشارت نيفين بحماس :-
" هيا لنطفئ الشمع ..."
ثم إتجهت غالية وخلفها الجميع نحو الطاولة الموضوع عليها كعكة العيد ميلاد وغيرها من الأشياء الخاصة بالإحتفال ..
..................................................
أطفأت غالية شموع كعكتها فأخذ الجميع يصفق لها متمنين السعادة إليها عندما سارت تعانق والدتها اولا وشقيقها بعدها ثم حياة ثم عانقت نيفين وكذلك نادر بأخوية والبقية تدريجيا عندما وصلت الى شريف الذي قال لها بعينين لامعتين :-
" كل عام وانت بخير .."
قبضت على كفه ترد تحيته وهي تجيب بإبتسامة رزينة:-
" وأنت بخير يا شريف .."
ثم سارعت تحيي البقية غير منتبهة لعيني أروى الحارقتين خلفها ..
أخذت بعدها الهدايا وشكرتهم جميعا عندما إنسحبت بعض لحظات خارجا تعدل زينتها ثم عادت لتبدأ في إلتقاط الصور مع الجميع في هاتفها ...
أثناء إلتقاطها بعض الصور وصلها إشعار بقبوله طلب الصداقة فإبتعدت عن إحدى صديقتها معتذرة وهي تفتح حسابها بسرعة تتأمل الإشعار قبل أن تغلقه بعد لحظات وتعود لإكمال ما تفعله ...
مرت أكثر من نصف ساعة عندما عادت تفتح هاتفها ونشرت صورة لها مع الكعكة ملحقة بعبارة " happy Birthday to me"
ثم نشرت الصورة وأخذت تنتظر وما هي إلا دقيقتين حتى وجدته يرسل رسالة لها مضمونة :-
" كل عام وأنت بخير .."
ابتسمت بخفة وهي تجيب عليه :-
" وأنت بألف خير يا سيادة المقدم ..."
سألها بإهتمام :-
" على ما يبدو إنك تحتفلين بميلادك مع العائلة .."
ردت :-
" نعم مع العائلة والأصدقاء .."
قال بمكر :-
" ومع هذا تستخدمين الفيس بوك وتجيبين على الرسائل والمباركات .."
سبته بسرها وهي ترسل له :-
" فتحته منذ دقائق لأنشر بعضا من صوري ..."
أضافت اكتب :-
" وأنت ، هل تجد وقتا لإستخدام الفيس بوك وسط عملك أم إنك مجاز اليوم ..؟!"
رد فورا :-
" عدت من عملي قبل عدة ساعات وغدا إجازة بالفعل .."
" جيد .."
كتبتها بإختصار لتجده يكتب :-
" أصبحت في الثامنة والعشرين إذا ..."
كتبت بدورها :-
" نعم اليوم أكملت عامي الثامن والعشرين .."
أضافت تسأله :-
" هل فاجئك عمري ..؟؟"
كتب قاصدا :-
" في الحقيقة ظننتك أكبر ... "
عادت تسبه مجددا وهي تكتب له :-
" ربما بسبب قوة شخصيتي ... "
" وما علاقة هذا بعمرك ..؟!"
ردت عن قصد :-
" عادة الناس يظننوني أكبر من عمري بسبب شخصيتي القوية القيادية .. تستطيع القول عندما يجدون نفسهم صغارا أمامي يعتقدون إنني كبيرة عليهم .."
" ربما .."
كتبها باقتضاب لتسأله :-
" وأنت كم عمرك ..؟!"
رد بإيجاز :-
" ٢٩ ..."
كتبت :-
" غريب ... ظننتك أصغر .."
أرسل لها :-
" 🙂...."
ضحكت بخفة قبل أن تكتب :-
" يجب أن أذهب الآن .. أصدقائي ينتظرونني .."
ثم إنتبهت الى تلك الصورة التي نشرتها لها احدى صديقاتها تجمعها بمجموعة من أصدقائها من الفتيات والشباب ايضا فإبتسمت بخبث وهي تغلق الهاتف دون إنتظار جوابه بينما انتبه هو الى الصورة التي أشارت بها صديقتها إليها فغلت الدماء داخل عروقه وهو يراها تتوسط فتاتين يقف جانبهما أربع شباب وثلاث فتيات آخريات وقد كتبت صديقتها فوق الصورة :-
" مع أصدقاء العمر .."
تأمل الأربع شباب الوسيمين بملامح متجهمة قبل أن يغلق الهاتف مرددا من بين أسنانه :-
" شباب يا غالية .. لديك أصدقاء شباب ..."
أردف بوعيد :-
" لنرى إذا ما سيبقى لديك صديق واحد بعد إرتباطنا .. سألغي أي مذكر عداي أنا وشقيقك من حياتك يا هانم .. "
وهو كان يعني ما يقوله حقا فغيرته مخيفة وهي تستحق غيرته هذه وأكثر ..
.........................
كانا يجلسان خارجا في الحديقة سويا مبتعدين عن الضوضاء في الداخل عندما سألها نديم  :-
"غدا موعدنا عند الطبيبة .. أليس كذلك ..؟!"
أومأت برأسها وهي تجيبه :-
" نعم ، في الساعة الخامسة عصرا .."
هز رأسه بتفهم لتقول :-
" لم أتخيل أن تكون سعيدا الى هذا الحد بخبر حملي ..!!"
ابتسم مرددا بصدق :-
" لا يمكنك أن تستوعبي مقدار سعادتي ..."
ابتسمت وهي تضع رأسها فوق كتفه لتسأله بخفة :-

" تريد فتاة أم صبي ...؟!"
صمت للحظات مدعيا فيها التفكير قبل أن يجيب بجدية :-
" فتاة .. أريدها فتاة ..."
لاحت على شفتيه إبتسامة خفيفة وهو يضيف :-
" أحب الفتيات كثيرا ..."
ثم تنحنح بحذر :-
" أتحدث عن الفتيات الصغيرات بالطبع .."
ابتسمت برقة ثم سألته وتلك السعادة في عينيه منذ معرفته بخبر حملها تمنحها شعورا رائعا للغاية :-
" ماذا سوف تسميها ..؟!"
ابتسم وقال :-
" لماذا لا تسميها أنت ..؟!"
عقدت حاجبيها بتفكير :-
" ماذا سأسميها ..؟!"
أكملت بتأهب :-
" أسامي الفتيات جميلة عادة .. إنه أمر محير للغاية ..."
قال يشاركها التفكير :-
" هل نختار إسما غريبا غير مطروقا أم .."
قاطعته :-
" ليس مهم مدى غرابة الإسم أو ندرة وجوده .. ما يهمني معناه ... "
عقد حاجبيه مرددا :-
" معناه ... !!"
ابتسم بخفة وأضاف :-
" لنختر إسما قريب معناه من إسمك ...."
قالت بسرعة :-
" دنيا ... "
هز رأسه نفيا ثم بدا التفكير العميق عليه قبل أن يهمس :-
" ملاك ... رحمة .... عشق أو ..."
توقف لوهلة ثم قال :-
" أو ربما ملاذ ..."
نطقت بتعجب :-
" ملاذ ... "
ابتسم قائلا :-
" نعم ملاذ ... إنه أكثر إسم معبر عنك بالنسبة لي ... أنت الملاذ الدافئ الذي لا أكتفي منه ..."
" انا محظوظة بك جدا يا نديم ... أنا لم أكن أدرك إنني محظوظة بهذه الدرجة من قبل .."
قالتها وهي تتأمله بعشق جارف ليهتف وهو يقبض على كفها :-
" بل أنا المحظوظ بك ... منذ دخولك حياتي وكل شيء تغير .. لولا دخولك حياتي كنت سأبقى غارقا في ظلامي .. أنت وحدك من منحتني أملا في المستقبل وجعلتني أتوق لأحيا من جديد .. أحيا معك الى الأبد .."
ابتسمت له بحب عندما تقدمت غالية نحويهما تردد بمرح :-
" أيها العاشقين .. هيا لتتناولا العشاء .."
أكملت وهي تشاكس حياة بعدما وضعت كفها فوق بطنها :-
" لا أريد لحبيبة عمتها أن تشعر بالجوع من فضلكما .."
ضحكت حياة مرددة :-
" أنت أيضا تريدينها فتاة .."
رفعت غالية ذقنها مرددة :-
" أنا متأكدة إنها فتاة .."
نهضت حياة من مكانها وكذلك نديم الذي وقف بين كلتيهما يعانقهما مرددا :-
" أجمل وأغلى فتاتين تقفان جواري ... كم أنا محظوظ بكما ..."
ضحكنا كلتاهما ليتوجه بهما نديم الى الداخل حيث نهض البقية متجهين نحو الطاولة الطعام وبدأ الجميع يتناول الطعام وسط ضحكات الجميع ومشاغبات ومرح لا ينتهي ..
فجأة تلاشت ضحكة غالية وهي تنظر الى باب الصالة وترى آخر شخص توقعت قدومه في يوم كهذا ...
نظرت حياة الى البوابة لتتجمد ملامحها هي الأخرى بينما إختفت ضحكة نديم وهو يرى غريمه وأخيه في ذات الوقت يقف قباله بملامح غير طبيعية يتأمله بطريقة غريبة لم يفهمها ..
طريقة جعلت الجميع ينظروا إليه بترقب وتوجس ..
انتهى الفصل ..

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now