الفصل السادس عشر

4.1K 187 13
                                    

الفصل السادس عشر
خرجت حياة من الغرفة التي تمكث فيها والدتها بملامح يظهر عليها التعب الشديد ...
لقد قضت الليلة السابقة في المشفى مع حنين بجانب والدتها التي تم نقلها الى المشفى بعد إصابتها بجلطة مفاجئة ...
يوم كامل حتى إستقرت حالتها وتم إخراجها من غرفة العناية المشددة ليتنفس الجميع الصعداء قليلا ...
بقيت حياة بجانب حنين ووالدتها التي كانت تبحث عنها بوضوح رغم ضعفها الشديد  وعدم مقدرتها على الحديث حتى حيث كانت تتحرك بأنظارها بحثا عنها وما إن تراها حتى تظهر الراحة بوضوح على ملامحها وكأنها تخشى رحيلها ..
ورغم بقائها في المشفى عن طيب خاطر الا إن هناك داخلها شعورا من الذنب يسيطر عليها فهي تشعر إن ما أصاب والدتها كان بسببها في المرتبة الاولى بعد أن رفضت قربها بشكل صريح وقاسي ...
جلست حياة على احد الكراسي الموضوعة في الممر الطويل في المشفى عاقدة ذراعيها أمام صدرها تفكر في وضع والدتها وفي الخطوة التي يجب أن تتخذها  في الأيام القادمة ..
شعرت بظل يتكون أمامها فرفعت وجهها قليلا لترى زوج والدتها يبتسم لها بهدوء ..
ذلك الرجل الذي قابلته لأول مرة البارحة وقد تأملها بلطف محاولا طمأنتها ..
رجلا يمتلك وجها لطيفا واسلوبا دافئا محببا ..
سألها متأملا ملامحها المرهقة :-
" حنين بقيت في الداخل ، أليس كذلك ..؟!"
أومأت برأسها دون أن تجيب ليضيف :-
" تبدين مرهقة كثيرا .. ما رأيك أن تشاركيني شراب كوبا من القهوة في الأسفل عند كافيتريا المشفى ..؟!"
لم تستطع أن ترفض خاصة وإنها بالفعل تحتاج الى تناول القهوة الآن أكثر من أي وقت ...
نهضت من مكانها تسير جانبه بصمت حتى وصلا الى الكافيتريا في الطابق الأرضي ليطلب منها الجلوس على أن يذهب هو ويجلب القهوة لكليهما ..
جلست بتعب على الكرسي وهي تتنهد بصوت مسموع والأرهاق يسيطر عليها كليا ...
جاء زوج والدتها بعد مدة وهو يحمل صينية يوجد بها كوبين من القهوة ومعهما شطيرة شهية ...
وضع احد الكوبين أمامها وكذلك الشطيرة وهو يهتف بها :-
" تناوليها فأنتِ لم تأكلِ شيئا بعد فطور الصباح  .. "
ردت بجدية :-
" وحنين كذلك رفضت أن تأكل أي شيء .."
رد بهدوء :-
" سنأخذ لها طعاما هي الأخرى .. "
هزت حياة رأسها بتفهم ثم بدأت تشرب من قهوتها وتتناول لقيمات صغيرة من شطيرتها ..
انتهت أخيرا لتشكره قائلة :-
" أشكرك على الوجبة اللذيذة ..."
منحها إبتسامة دافئة وهو يرد :-
" لا داعي للشكر .. انتِ بمثابة ابنتي يا حياة .. "
توترت ملامحها لا إراديا مما قاله فأضاف وهو ما زال متحفظا بإبتسامته الودودة :-
" هل تسمحين لي بالتحدث معك قليلا يا حياة ..؟!"
أومأت برأسها تجيبه :-
" بالطبع تفضل .."
تنهد ببطأ ثم قال :-
" سأتحدث بصراحة .. ألا تنوين مسامحة والدتك بعدما أصابها ..؟! أنتِ رأيتِ بأم عينك وضعها وما كان سيحل بها لولا رحمة الله .. كنا سنخسرها لا سامح الله .. "
قاطعته بتردد :-
" أنت تعتبرني جزءا من مسؤولية ما حدث .. صحيح ..؟!"
قاطعها بصدق :-
" أبدا والله .. ما حدث هو قضاء وقدر ... صحيح والدتك كانت حزينة للغاية طوال الفترة السابقة بسبب رفضك لها لكن ما حدث هو قدر مكتوب لا بد منه .. انا لا أحملك مسؤولية ما حدث ولا ألومك على رفضك لكن دعيني أخبرك بما يجب علي إخبارك به ..."
صمتت تنتبه لحديثه حيث إسترسل بجدية :-
" والدتك تحبك كثيرا يا حياة .. تحبك لدرجة لا تتصورينها .. ربما هي اخطأت .. أخطأت خطئا جسيما ولكن من منا معصوم من الخطأ يا ابنتي .. والدتك عانت كثيرا في بعدك عنها .. سنين طويلة كانت تعاني بدونك .. أنا وحدي من كان يشهد على معاناتها .. لم تكتمل لها يوما فرحة بسبب عدم وجودك جانبها .. لم تشعر يوما بطعم السعادة الحقيقية في غيابك .. حسنا سأخبرك شيئا لا يعلمه سواي ..."
أنصتت له حياة بإهتمام ليأخذ نفسه ثم يقول :-
" بعد سنوات قليلة من زواجنا وبعدما يأست من قبولك العيش معها طلبت الطلاق .. أرادت أن تتركني وتترك ابنتها ظنا منها إنك ستقبلين العيش معها حينها .. هل تصدقين ذلك ..؟! كانت مصرة على قرارها حتى عندما هددتها بأخذ حنين منها .. فضلتك علينا يا حياة ولولا إن حنين مرضت وقتها ما كانت لتتراجع ..."
سألته حياة بدهشة :-
" بم مرضت حنين ..؟!"
أجاب بملامح ظهر عليها الحزن :-
" أنت لا تعلمين ذلك بالطبع ... حنين تعاني من داء السكري المزمن .."
" معقول ..!!"
هتفت بها حياة بعدم تصديق ليومأ برأسه وهو يقول مؤكدا :-
" نعم تعاني منه منذ الطفولة .."
هتفت حياة بدهشة وألم :-
" كيف لم أنتبه ..؟!"
ابتسم بألم مرددا :-
" حنين حريصة ألا تجعل أي أحد يشعر بمرضها .. "
أدمعت عينا حياة لا إراديا فهمس محاولا طمأنتها :-
" لا تقلقي .. حالتها مستقرة فهي ملتزمة بمواعيد الدواء وفي النظام الغذائي المعد لها .."
هزت حياة رأسها وحاولت السيطرة على ألمها لتسمعه يتنهد بقوة ثم يقول :-
" ما أردت إيصاله لك إن والدك اخطأت في بادئ الأمر لكنها كانت مستعدة لفعل أي شيء في سبيل تصحيح خطأها .. هي أرادت التضحية بي وبإبنتها الأخرى لأجلك .. ألا يكفي هذا لتسامحيها يا حياة ..؟! ألا يكفي وضعها البارحة وهي تصارع الحياة لتغفري لها خطأها في حقك ..؟! الأم لا تعوض يا حياة .. تذكري هذا وتذكري أيضا إن وصال والدتك هو واجب عليك وفرض من الله إن لم تلتزمِ به سيكون عقابه وخيما .. فعقوق الوالدين من الكبائر يا حياة .. لا تنسي ذلك يا ابنتي .."
خفق قلب حياة بقوة ولأول مرة تنتبه على هذه النقطة التي غابت عنها دائما ..
عقوق الوالدين ..!! هل ستصبح هي عاقة مع والدتها وتتحمل إثما كهذا فقط لإنها ترفض الصفح عنها ...؟!
لقد أمر الله الأبناء برعاية والديهم ووصالهم وإحترامهم وحبهم رغم كل شيء ومهما بدر منهم وهاهي تقاطع والدتها وترفض وصالها لأعوام فكيف ستكون عقوبتها عند الله ..؟!
أجفلت لا إراديا من مجرد التخيل فتغضنت ملامحها بقوة بينما سمعت زوج والدتها يقول وهو يبتسم مجددا :-
" ما رأيك أن نأخذ الشطائر والعصائر ونصعد الى حنين ..؟!"
بادلته إبتسامته تنفض تلك الأفكار عنها و تقول :-
" هيا بنا .. "
نهض الاثنان من مكانهما واتجها الى مكان بيع الأطعمة والمشروبات حيث سيشتريان بعض الشطائر والمشروبات ويأخذانها معهما للأعلى ..
........................................................................
وقفت حياة تنظر الى حنين التي تعدل وضعية والدتها التي ملت من تمددها على السرير وأرادت أن تجلس قليلا على سريرها بدلا من بقائها على وضعيتها تلك..
اعتدلت أحلام أخيرا في جلستها فمنحت حنين إبتسامة ضعيفة وشكرتها بخفوت ثم عادت تنظر الى حياة التي تتأملها بملامح ساكنة وصمت لا ينتهي ...
كانت قد أخذت وقتا طويلا تفكر به .. تفكر فيما ستفعله مع والدتها بعدما تستعيد صحتها .. كيف ستتصرف معها وهل ستعود لوضعها السابق وتجافيها مجددا ..؟!
لقد ترك حديث زوج والدتها داخلها آثرا عميقا ومع خوفها من عقوق والدتها الذي ادركت عقوبته جيدا تشتتت أفكارها كليا ولم تعرف ماذا تفعل ...
وجدت نفسها ترغب بالصفح عن والدتها وللحظة شعرت إن غفرانها لما فعلته في الماضي سيكون لأجلها هي أولا قبل الجميع فهي عانت لسنوات طويلة مما فعلته والدتها وعانت من الكره الذي تحمله داخلها نحوها ..
أصعب شعور هو ان تكره من يفترض أن تحبه أكثر من الجميع ...
فكيف لها أن تكره والدتها التي كانت يجب أن تكون أحب شخص على قلبها ..؟!
هي الآن تريد أن تسامحها ليس لأجلها هي فقط بل لأجل نفسها ..
تريد التحرر من قيد الكراهية الذي قيدت نفسها به ..
تريد أن تمنح قلبها الراحة فهي من تربت على يد والدها الذي علمها معنى الطيبة والمراعاة .. معنى المحبة والغفران ...
هي التي تتعامل مع الجميع بطيبة وتمنح كل من تعرفه  المحبة الخالصة .. هي التي لا تعرف معنى القسوة ولا تستطيع كره أي شخص مهما كان فكيف تمنح كل هذه القسوة والكراهية لوالدتها ..؟!
كيف تنسى إن محبة والدتها ورعايتها هي واجب وفرض عليها من الله عز وجل ..؟!
كيف تنسى عقوبة عقوق الوالدين ..؟!
كيف نسيت كل هذا وكيف عاقبت والدتها لسنين دون أن تراعيها وتراعي نفسها هي ايضا ..؟!
فكرت كثيرا وكثيرا حتى أخذت قرارها الذي شعرت بعده براحة لا مثيل لها ...
سمعت حنين تخبر والدتها إنها ستخرج لتتحدث مع الطبيب عن موعد خروجها ففهمت إن أختها الصغرى تريد أن تترك لها المجال لتتحدث مع والدتها وشكرتها في دخلها على هذا التصرف ..
منحت والدتها إبتسامة مرتبكة وهي تتجه نحوها وتجلس على الكرسي المجاور لها تسألها :-
" كيف أصبحت الآن ..؟!"
منحتها والدتها إبتسامة خفيفة وأجابت :-
" أفضل قليلا وسوف أصبح أفضل بكثير لو بقيت جانبي ..."
هتفت حياة بجدية :-
" الطبيب قال إنها جلطة خفيفة وعليكِ أن تنتبهي أكثر المرات القادمة كي لا تتكرر بشكل أصعب من هذه المرة .."
بدت إن والدتها غير مهتمة بما تقوله فإهتمامها ينصب عليها فقط وعلى وجودها جانبها وكأنها غير مصدقة إن إبنتها تجلس أمامها وتتحدث معها ..
تحدثت أحلام بنبرتها الضعيفة التي تدل على مدى تعبها :-
" حنين أخبرتني إنك بقيت طوال الليلة السابقة هنا .."
أومأت حنين برأسها تجيبها :-
" نعم فعلت .. "
ثم مازحتها :-
" ألم تكوني ترغبي ببقائي ..؟!"
لكن والدتها لم تهتم لمزحتها وهي تسألها بلهفة ممزوجة برجاء شديد :-
" هل سامحتني يا حياة ..؟! هل سامحتني يا ابنتي ..؟!"
هزت حياة رأسها دون رد لتأخذ والدتها نفسا عميقا يدل على مدى ما كانت تحمله داخله من ألم وعذاب جراء ابتعاد ابنتها عنها ..
نظرت الى حياة تهمس بتوسل مؤلم :-
" اقتربي قليلا مني .. أريد إحتضانك ..."
ردت حياة بصوت محتقن :-
" أخاف أن أولمك وأنت ما زلت متعبة .."
قاطعتها والدتها بسرعة وتوسل :-
" ما يؤلمني حقا هو ابتعادك عني .. تعالي لأحضاني يا حياة فقد كنت أريد هذا لسنوات طويلة ..."
تقدمت حياة نحوها بتردد تميل بجسدها قليلا لتجذبها والدتها نحوها تحتضنها بكل ما تملك من قوة تستشنق رائحتها التي إشتاقت لها بشدة ..
أغمضت حياة عينيها تمنع دموعا حارقة ترقرقت داخلهما بينما شعرت بإرتجاف جسد والدتها الذي كان ساكنا منذ لحظات فأدركت إن والدتها تبكي ..
لم تتحمل حياة الموقف ولا حقيقة وجودها بين أحضان والدتها التي حرمت منها لسنوات منذ أن كانت طفلة صغيرة لا تفقه شيئا فهطلت دموعها على وجنتيها وأخذت تبكي رغما عنها ...
شددت والدتها من إحتضانها تهتف رغم مرضها وتعبها :-
" لقد إنتظرت هذه اللحظة لسنوات طويلة حتى ظننت إنها لن تأتي أبدا ... "
ثم أخذت نفسا عميقا وهمست بسعادة ظهرت في نبرتها الخافتة  :-
" الحمد لله الذي أعادك لأحضاني بعد كل هذه السنوات يا حبيبتي ... الحمد لله .. أشكرك يا الله .. "
حاولت حياة أن تبتعد عنها قليلا كي لا تؤثر عليها فهي ما زالت في عز مرضها لكن والدتها أبت أن تتركها ..
همست حياة لها وهي تبتعد بجسدها قليلا عن أحضانها :-
" أنتِ ما زلتِ مريضة .. لا يجب أن تتعبي مهما حدث .."
تأملت والدتها وجهها الباكي فهمست وهي تحتضنه بين كفيها :-
" انا بأفضل حال بعدما حدث ... لا أحتاج لأي شيء آخر بعد الآن .."
ابتسمت حياة بخفة بينما عادت والدتها تحتضنها بعدم تصديق وهي تأخذ نفسها عدة مرات وتردد بينها وبين نفسها :-
" الحمد لله ... الحمد لله .."
........................................................................
خرجت حياة من عند والدتها بعد حديث قصير جمعهما حيث تركتها ترتاح قليلا وربما تنام لتجد حنين تجلس على احد الكراسي بملامح مجهدة ...
اقترب منها وقد تذكرت وضعها الصحي فسألتها بقلق :-
" حنين .. هل انت بخير ..؟!"
رفعت حنين وجهها نحوها تبتسم لها بخفة وهي تجيبها :-
" انا بخير لا تقلقي .. "
أضافت تسألها وهي تنهض من مكانها :-
" هل تصالحتما أخيرا ..؟! طمأنيني وقولي نعم بالله عليك .."
ابتسمت حياة وأومأت برأسها لتقفز حنين من مكانها وهي تبتسم بسعادة وتحتضن حياة بقوة حتى كادت حياة أن تقع أرضا من دهشة ما حدث ..
ابتعدت عنها حنين تصيح بعدم تصديق :-
" انا سعيدة للغاية .. سعيدة لدرجة لا تتخيلنها .."
ابتسمت حياة ولم ترد بينما قبضت حنين على يدها وجذبتها تجلس بجانبها وأخذت تثرثر معها ..
بعد مدة قليلة رأت حياة زوج والدتها يتقدم منهما ومعه شاب طويل ووسيم يشبهه قليلا ..
نهضت حنين من مكانها تهمس لا اراديا :-
" نضال ..."
تقدم الرجلان نحويهما عندما مال نضال نحو حنين يحتضنها بخفة بعدما حياها لتبادله حنين إحتضانه بتردد ..
تحدث نضال قائلا بلباقة :-
" انا حزين لما حدث لوالدتك .. الحمد لله على سلامتها .."
أجابته حنين يإبتسامة حزينة :-
" شكرا يا نضال .."
أشار والده الى حياة معرفا عنها :-
" هذه حياة .. ابنة أحلام .. "
ثم أشار الى حياة معرفا عن ابنه :-
" وهذا نضال يا حياة .. ابني الكبير .."
ابتسمت حياة بخفة تحييه :-
" اهلا بك .."
مد نضال يده نحوها يتأملها بتمعن وهو يرد تحيتها :-
" اهلا حياة .. تشرفت بمعرفتك ..."
وضعت حياة كفها في كفه ثم سحبته وهي تبتسم برقة جعلته يتأمل إبتسامتها الدافئة بملامح متحفزة قليلا قبل أن يمنحها إبتسامة رسمية ..
سمع والده يخبره اذا ما يريد رؤية زوجته فأومأ برأسه يسير معه الى الداخل تتبعه حنين بينما رفضت حياة الدخول متعللة إنها ستجلس قليلا هنا للراحة ...
جلست حياة على الكرسي مجددا تعبث في هاتفها عندما وجدت نضال يخرج بعد لحظات وللغرابة وجدته يقترب منها ويجلس جانبها يسألها :-
" إنها المرة الأولى التي أراك فيها مع إنني كنت أسمع عنكِ أحيانا من والدتك وهي تتحدث عنك .. هل تصالحتما أخيرا ..؟!"
فوجئت حياة من معرفته بمشكلتها مع والدتها بل وجرائته في حديثه فوجدته يبتسم بخفة وهو يقول وقد أدرك ما تفكر به :-
" لا تستغربي حديثي .. لقد كنت مقيما مع والدي في منزله لسنوات .. لذا أعرف الكثير عن والدتك كوني كنت مقيما دائما معها هي الأخرى .."
أضاف وهو يتأملها بتمهل :-
" أنت لا تشبهين والدتك أبدا .. تختلفين عنها كليا ..أظن إن إختلافك عنها لا يقتصر على الشكل فقط بل الشخصية أيضا ..."
همت حياة بالرد لكن قاطعها صوت تعرفه جيدا ينادي عليها وهو يتقدم نحوها لتنهض من مكانها بسرعة تستقبله بإبتسامة أضائت وجهها :-
" نديم .. "
" كيف حالك ..؟!"
سألها بعدما ألقى نظرة عابرة على نضال الذي كان يجلس جانبها ثم عاد يمنح كامل انتباهه لها ليجدها تبتسم بسعادة لوجوده وهي تجيبه :-
" انا بخير ... "
" وماذا عن والدتك ..؟! كيف أصبحت الآن ..؟!"
أجابته بجدية :-
" هي أفضل بكثير .. لقد حدثت الكثير من الأشياء التي أود إخبارك عنها ..."
قال بسرعة وهو الآخر يتوق للتحدث معها :-
" دعينا نخرج قليلا من هنا نذهب الى احد المطاعم ، نتناول الطعام ونتحدث قليلا ..."
في هذه الاثناء خرجت حنين من عند والدتها فإقتربت نحو نديم ترحب به بسعادة ...
رد نديم تحيتها بإبتسامته المعهودة قبل أن تشير حنين بعفوية الى نضال تسأل نديم :-
" هل تعرفت على أخي يا نديم ..؟!"
أشارت حنين الى نضال تهتف :-
" نضال أخي الكبير ..."
ثم أشارت الى نديم :-
" وهذا نديم .. صديق حياة .."
لكن نديم قاطعها بنبرة مقصودة :-
" خطيب حياة يا حنين .. لقد خطبتها ووافقت ولم يتبقَ سوى إعلان الخطبة ..."
هتفت حنين معتذرة :-
" اسفة .. ظننت إنكما لا ترغبان بإعلان ذلك قبل إرتداء الخواتم ..."
ابتسمت حياة بحرج بينما رد نديم محتفظا بإبتسامته متجاهلا نضال الذي ظل جالسا مكانه يرمقه بنظرات باردة :-
" لا عليكِ ..."
هم أن يشير لحياة بأن يذهبا لكن قاطعهم وصول زوجة عم حنين ومعها ابنتها نانسي التي فوجئت بوجود نديم هناك فسارعت ترحب به بعدم تصديق وسعادة انتبه لها الجميع ..
ارتبك نديم كليا عندما رأها خاصة بوجود حياة فرد تحيتها بجفاء مقصود قبل أن يقبض على يد حياة ويهتف بهم جميعا :-
" حسنا نحن سنخرج الآن ونعود فيما بعد .. "
ثم سارع يسير مع حياة مبتعدا عنهم تتابعه نانسي بأنظار غير مصدقة قبل أن تسأل حنين بغضب مكتوم :-
" من تلك الفتاة يا حنين ..؟! هل تعرفينها ..؟! "
ردت حنين بجدية :-
" إنها حياة .. أختي الكبري .."
قاطعتها نانسي تسألها بدهشة :-
" وماذا تفعل أختك مع نديم ..؟!"
ردت حنين ببساطة :-
" إنها خطيبته .. لقد خطبها وهي وافقت .."
تجمدت ملامح نانسي لثواني بينما أخذت والدتها تصيح عليها تطلب منها التحرك الى الداخل بعدما انتهت من الحديث مع نضال وتبادل التحية ..
التفتت نانسي نحو والدتها بملامح متجهمة لتهمس والدتها لها :-
" لم تحيي نضال يا نانسي ..."
هتفت نانسي من بين أسنانها :-
" اهلا نضال .."
رد نضال بنفور شديد منها :-
" اهلا نانسي .."
ثم أخبر أخته إنه ذاهب بينما سارت نانسي مع والدتها الى داخل الغرفة لرؤية زوجة عمها بينما عقلها مشغول تماما بما سمعته من حنين ..
..........................................................................
في قصر الهاشمي ...
كان راغب يجلس في مكتبه منتظرا قدوم أخيه بفارغ الصبر ليتحدث معه بموضوع زيجته من جيلان ...
سمع طرقات على باب غرفته يتبعها دخول مهند بملامحه المتجهمة حيث اتجه نحوه وجلس على الكرسي أمامه بإهمال متسائلا بضيق صريح  :-
" خير يا باشا .. ما سبب طلبك رؤيتي بعد كل ما حدث ..؟!"
هتف راغب بجدية :-
" هناك آداب للتحية يا مهند أم معاشرتك لإبنة تاجر المخدرات أنستك تلك الآداب ..؟!"
رد مهند معترضا :-
" لا تجلب سيرتها الآن كما إنك لم تترك مجالا لأي شيئا بيننا بأفعالك السوداء ..."
سأله راغب وهو يعود بجسده الى الخلف مسترخيا في جلسته :-
" وماذا فعلت انا ..؟!"
هتف مهند بملامح حاقدة :-
" قطعت جميع الطرق في وجهي .. جمدت كافة أرصدتي في البنوك ولولا إن تلك الشقة بإسمي لكنت طردتني منها دون شك ..."
صاح راغب بصوت قوي ثابت :-
" أنت من أجبرتني على هذا بتصرفاتك الهوجاء يا مهند ... "
صاح مهند بدوره :-
" ماذا فعلت أنا ..؟! كل هذا لإنني أحببت تقى وأردت الزواج منها ..؟! "
ضرب راغب بقبضتي يديه على المكتب مرددا بعصبية :-
" ابنة تاجر المخدرات يا مهند .. تريد الزواج من ابنة تاجر المخدرات ... هل هذا ما تريده ..؟! تريد أن تدمر سمعتنا بسبب مشاعرك التافهة الغبية .. "
قاطعه بحدة وتحذير :-
" مشاعري ليست غبية يا راغب .. انا أحبها ولا يوجد مخلوق على هذه الأرض يستطيع منعي عنها .."
ضغط راغب على أعصابه كي لا ينفعل في وجهه الآن فهو يخطط بشكل مختلف والغضب لن يفيده إطلاقا في مخططه ...
سمع أخيه يتنهد بصعوبة ثم يسأله :-
" على العموم هذا ليس موضوعنا .. أنت لم تجلبني الى هنا للتحدث بهذا الموضوع بالتأكيد ... لماذا طلبت رؤيتي يا راغب ..؟!"
ابتسم راغب بخفة وقال :-
" هذا بالضبط ما أريده .. نتحدث عما أريده منك وطلبتك لأجله .."
نظر مهند إليه بترقب بينما هتف راغب بجدية :-
" أريدك في موضوع هام .. شيء ستقوم به وفي المقابل سأحقق لك ما أردته طويلا ..."
سأله مهند بتوجس :-
" ماذا تقصد بما أردته طويلا ..؟!"
رد راغب بفتور :-
" تهاجر خارج البلاد مع حبيبة قلبك ... أليس هذا ما تريده وتخطط له منذ مدة ..؟!"
اومأ مهند برأسه رغم عدم تصديقه لوجود شيء يجعل راغب يساعده في تحقيق ما يريد ..
نهض راغب من مكانه وسار نحوه حتى وقف أمامه وقال بصوت جاد :-
" اسمعني يا مهند ... انا بعد كل ما حدث تأكدت من كونك لن تتخلى عن تلك الفتاة مهما حدث ونحن بالمقابل لن نتقبل وجودها بيننا ... لذا أفضل حل أمامنا هو أن تهاجر الى الخارج وتعيش معها هناك بعيدا عن الجميع لوحدكما وهذا سيخفف من وطأة الوضع علينا فلا أحد سيعلم بزيجتكما سوى افراد العائلة المقربين كونكما ستعيشان بعيدا وحتى لو قررتما العودة بعد سنوات ربما سينسى الناس حينها موضوع والدها وسمعة عائلتها القذرة .."
تجاهل مهند حديثه الأخير وسأله بجدية :-
" وما المطلوب مقابل هذا ..؟؟ ماذا تريد مني أن أفعل كي تهيء لي الفرصة الكاملة للسفر والإستقرار خارج البلاد ..؟!"
ابتسم راغب ملأ فمه ثم قال :-
" تتزوج .."
انتفض مهند من مكانه يصيح بعدم تصديق :-
" ماذا تقول انت ..؟! أتزوج ..؟!"
اومأ راغب برأسه ثم قال مؤكدا حديثه :-
" تتزوج جيلان ابنة عمك لمدة عامين كاملين .. عامين فقط وتطلقها بعدها ثم تأخذ حبيبتك المصون وتسافر بعيدا وأنا سأمنحك حينها كل الدعم المادي لتحقق ذاتك في الخارج وتعيش حياة محترمة ..."
" هل جننت يا راغب ..؟! انا اريد الزواج من تقى وأنت تريد تزويجي من جيلان ..؟! ثانيا جيلان ما زالت قاصرة .. كيف ستزوجني منها ..؟!"
رد راغب ببساطة :-
" ستتزوجها بعقد شيخ حتى تبلغ عامها الثامن عشر لنوثق العقد في المحكمة .."
سأله مهند بعدم استيعاب :-
" ولم كل هذا ..؟! ما الغاية من زواجي من جيلان ..؟! "
أضاف بنفس الإستغراب :-
" ثانيا جيلان تلك أليست تحت وصاية أخيها ..؟! كيف سيقبل أن يزوجني إياها ..؟! مالذي يحدث بالضبط انا لا أفهم ..؟!"
تنهد راغب ثم قال محاولا تبسيط الموضوع له :-
" الموضوع أشبه بإتفاقية حدثت بيننا يا مهند .. نحن نريد أن نستعيد ملكية شركة عمك التي أورثها لجيلان وسنحصل عليها مقابل زواجك منها ...الأمر أشبه بصفقة .. أنت تتزوج جيلان لمدة عامين وفي المقابل نحن نحصل على ملكية الشركة وحق وصاية الفتاة حتى تنتهي المدة وبعدها كل شخص منكما يذهب في حال سبيله ..."
هتف مهند بعدم اقتناع :-
" هناك حلقة مفقودة في الموضوع ... مالذي يجعل أخيها يوافق على هذا ..؟! ما غايته من تزويج أخته لي ...؟!"
أضاف يتسائل :-
" ولماذا أنا بالذات من يتزوجها ..؟! ألم تجد غيري ..؟!"
سأله راغب بحدة :-
" من مثلا ..؟!"
هتف مهند بتهكم :-
" أنت مثلا .."
" هل نسيت إنني متزوج ..؟!"
قالها راغب بإستنكار ليردد مهند بسخافة :-
" وضعك لا يختلف كثيرا عن وضع العزاب .."
رمقه راغب بنظرات نارية لم يبالِ مهند بها وهو يضيف :-
" ليتزوجها أحدا من أخوانك او ابناء عمومك ..."
قال راغب بنفاذ صبر :-
" انا اخترتك انت ولا داعي لأذكرك كم ستستفيد من هذه الزيجة وإنها الطريقة الوحيدة التي ستحقق من خلالها غايتك ..."
" ولكن عامين كثير .. عامان حتى أستطيع الزواج من تقى والسفر خارجا .."
ضحك راغب بخفة ثم قال بتهكم :-
" تتحدث وكأنكما لستما متزوجان عرفيا منذ عامين مسبقين ..."
سأله مهند مصعوقا :-
" كيف علمت ..؟!"
عاد راغب يضحك مجددا ثم أشار لنفسه قائلا :-
" انا راغب الهاشمي يا مهند .. لا شيء يخفى عني .."
ابتسم مهند بسخرية مرددا :-
" طبعا .. انت راغب الهاشمي .. كيف تناسيت هذا للحظة واحدة ..؟!"
هتف راغب أخيرا بنفاذ صبر :-
" المهم أخبرني ... ماذا قررت ..؟! هل موافق على الزواج من ابنة عمك ..؟!"
صمت مهند قليلا قبل أن يقول بعد لحظات :-
" امنحني وقتا أفكر به قبل أن أمنحك الجواب النهائي .."
......................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now