الفصل الثاني والعشرون ( الجزء الثاني )

3.5K 162 14
                                    

الفصل الثاني والعشرون
( الجزء الثاني )
في صباح اليوم التالي .
وقفت غالية أمام باب غرفة والدتها ترفع يدها ثم تخفضها بسرعة لتعاود الكرة مجددا ...
تريد أن تتحدث مع والدتها وتعتذر منها رغم شعور الألم الذي يسيطر عليها كلما تتذكر صفعتها لها لكنها تدرك جيدا مقدار خطأها وكم تجاوزت حدودها معها ..
تحلت بالقوة أخيرا وهي تطرق على الباب بخفة قبل أن تدلف الى الداخل تتأمل الغرفة المظلمة على غير العادة ويبدو إن والدتها ما زالت نائمة وستائر الغرفة مغلقة ..
" ماما .."
همست بها بصوت منخفض متردد وهي تتقدم بخطوات مترددة الى الداخل عندما عادت تهمس بنفس التردد :-
" هل ما زلت نائمة ..؟!"
صمت ثقيل كل ما أتاها فظنت إنها بالفعل نائمة لذا قررت التحرك خارج كي لا توقظها لكن الصمت سرعان ما انتهى وصدح صوت والدتها أخيرا :-
" انا مستيقظة يا غالية ..."
تنحنت غالية بحرج عندما شعرت بوالدتها تتحرك من فوق السرير وتتجه نحو الستائر حيث أزاحتها جانبا ليسطع ضوء الشمس مضيئا ارجاء الغرفة بالكامل ..
تأملت غالية والدتها وهي تستدير نحوها تتأملها بصمت عندما همست أخيرا تتسائل :-
" ألن تذهبي الى الشركة ..؟! ملابسك تدل على عدم نيتك بالخروج من هنا ..."
أومأت غالية برأسها وقالت بجدية :-
" سأبقى هنا اليوم .. لا مزاج لدي للعمل .."
أضافت بصوت متحشرج :-
" انا جئت فقط لأعتذر منك .."
قاطعتها والدتها بإبتسامة لم تبدُ ساخرة أبدا بل بدت لغالية إبتسامة مريرة محطمة ونبرتها كانت واهية :-
" لا تعتذري يا غالية فأنتِ لم تخطئي فيما قلتيه ... "
لكن غالية أصرت على إعتذارها حيث قالت بإصرار :-
" بل أخطأت يا ماما .. انا لا يحق لي التحدث بتلك الطريقة معك .. مهما حدث فأنت والدتي ولا يحق لي تجاوز حدودي معك ولا محاسبتك على أي شيء .."
اتجهت صباح نحو الكرسي الموضوع في ركن الغرفة حيث جلست عليه بملامح واهنة وقالت بنبرة مماثلة بوهنها :-
" منذ سنوات وأنا أدركت خطأي .. يومها ظننت إن نتيجة هذا الخطأ تكمن في تعاستي فقط  لكن الواقع كان مختلف ..  ظننت إن الأمر يقتصر علي فقط وإنني وحدي من سأدفع ثمن خطأي ولكن الواقع كان مختلفا و أنا دفعت ثمن هذا الخطأ غاليا .. "
" لماذا تتحدثين هكذا ..؟! انا لا أفهم معنى ما تقولينه .. ماذا تعنين بتعاستك ..؟! هل كنتِ تعيسة مع والدي ..؟! ألم تتزوجينه لإنك تحبيه ..؟! ألم تكونا مغرمين ببعضيكما ..؟! "
بدات نظرات والدتها بائسة للغاية وكأن ما تقوله ينثر الملح فوق جراحها فهتفت بإصرار :-
" لماذا أشعر إن هناك الكثير لا أعلمه ..؟! لماذا ..؟!"
تأملت غالية تلك الدموع التي تشكلت داخل عيني والدتها عندما همست الأخيرة بصوت مبحوح متوسل :-
" لا تتزوجيه يا غاليه .. أتوسل إليك يا ابنتي لا تفعلي ذلك .. يكفيني ما حدث مع أخيك .. يكفيني عذابه .. لا أتحمل عذابك وتعاستك أنت أيضا ... "
صاحت غالية وقد تشنجت ملامحها كليا :-
"' ولماذا إفترضتِ التعاسة معه فورا ..؟! ربما لن تكون زيجتي منه سيئة كما تظنين .. ربما سأكون سعيدة معه .."
نهضت والدتها قائلة بتردد :-
" ولماذا تفكرين بالزواج من رجل مطلق ولديه طفل أساسا بينما يتقدم لك الكثير من الشباب العزاب والذين يمتلكون كافة الميزات ...؟! "
وصلت إليها وأحاطت وجهها بين كفيها تهتف بترجي :-
" يا ابنتي افهمي .. انا لا أريدك أن تدخلي في علاقة معقدة كهذه .. هذا الرجل لديه طفل وإمرأة كانت يوما زوجته  ... لديه عائلة مسبقا ... بينما أنت .."
صمتت للحظة ثم قالت وهي تربت على وجنتيها بحب :-
" انتِ شابة جميلة بل فاتنة .. رائعة وذات شخصية محبوبة .. زهرة جميلة يحلم بها الكثير فلماذا تربطين نفسك مع هذا الرجل تحديدا ..؟!"
" لإنه الوحيد الذي إستطاع أن يجذبني له .. انا معجبة به للغاية وأريد خوض التجربة .. لا أقول إنني سأتزوجه مباشرة ... ولكن على الأقل سأكتفي بخطبة مبدئية فأنا لا يمكنني التعرف عليه عن قرب دون رابط رسمي .."
حررت والدتها وجهها من بين كفيها وبدت ملامحها ضعيفة واهنة جدا فقالت غالية وهي تقبض على يدها ترجوها :-
" انا لا أعلم ما مررت به بالضبط وما تخفينه عني منذ زمن .. يبدو إن هناك الكثير لا أعلمه لكن تأكدي إنني لن أكون مثلك ... انا لن أدخل في زيجة لا أدرك مدى صحتها .. لن أتزوجه وأنا لست واثقة من نجاح هذه الزيجة .. كل ما أطلبه منك أن توافقي على أمر الخطبة وأعدك إنني سأفكر جيدا قبل أن أخطو أي خطوة في علاقتي به .."
نظرت والدتها إليها بملامح غير مقتنعة بينما عقلها يحاول أن يتوصل الى الحل المثالي الذي يمكنها من خلاله حماية ابنتها الوحيدة من مصير يشابه مصيرها ..
.............................................................
هبط عمار من سيارته بعدما أوقفها في الكراج الملحق بأحد أشهر النوادي في البلاد ...
سار بخطواته الرجولية الواثقة وملابسه الأنيقة التي  رغم بساطتها تجذب الإنتباه كملامحه الرجولية الوسيمة ..
كان يسير وملامحه جامدة كعادته لا توحي بأي إنفعال وقد منحته تلك النظارة السوداء التي تغطي عينيه غموضا يليق به ...
وصل أخيرا الى مكانه المنشود عندما وجدها تمارس رياضتها المفضلة كعادتها منذ سنوات ..
تمارس لعبة التنس التي تلعبها بإحترافية ..
جلس في الكراسي المتراصة المواجهة للملعب يتابعها وهي تلعب مع شاب شعر إنه رآه من قبل لكن لا يتذكر أين بالضبط ..
ظل يراقبها من خلف نظارته بعينين تتابعان كل حركة منها وهي تلعب بحماس شديد يتأمل ملابسها المكونة من شورت قصير للغاية أبيض اللون  لا يغطي  ربع فخذها حتى فوقه تيشرت من نفس اللون ذو حمالات رفيعة يصل قريبا من سرتها ليترك بقية بطنها المسطحة ظاهرة ..!!
لم تكن متحررة يوما هكذا لكن يبدو إن السفر خارجا غيرها ..
انتهت أخيرا من جولتها بفوزها المستحق لتتبادل التحية مع منافسها الخاسر قبل أن تنسحب متحركة خارج الملعب عندما لمحته أخيرا فظهرت الدهشة للحظات ..
دهشة أخفتها بمهارة وهي تمنحه  إبتسامة واسعة وتحييه بيدها قبل أن تتقدم نحوه بخطواتها الأنثوية الجذابة ....
وقف يستقبلها عندما قابلته تخبره بحماس :-
" سأغير ملابسي بعد أن أستحم سريعا ثم نذهب الى مكان مناسب كي نتحدث .."
كانت تتحدث وهي على يقين إنه جاء خصيصا لرؤيتها وهو بالفعل جاء لأجلها ..
عاد ينتظرها في نفس المكان عندما عادت مجددا بعد حوالي ثلث ساعة وهي ترتدي ملابس مكونة من بنطال جينز ضيق ينتهي أسفل ركبتيها بقليل فوقه تيشرت أخضر اللون ذو حمالات رفيعة يحتوي على رسومات بسيطة بينما شعرها الطويل تركته منسدلا بعدما صففت خصلاته المبللة ..
أشارت إليه :-
" تعال معي .. هناك مطعم أحبه كثيرا .. يمكننا الجلوس فيه والتحدث بل وتناول الطعام فأنا جائعة كثيرا .."
وجد نفسه يسير خلفها مندهشا من بساطتها وهي تتحدث معه بهذه الطريقة العفوية وكأنه لم يكن بينهما ماضي ولم يجمعهما أي شيء مسبقا ..
بعد مدة من الزمن كان يجلس أمامها يتناول قهوته بينما تتناول هي طعاما خفيفا تسد فيه جوعها الشديد مع قدح من عصير البرتقال البارد المفصل لها ...
" إذا كيف حالك ..؟! وما هو جديدك ..؟!"
قالتها بعدما إرتشفت قليلا من عصيرها ووضعت القدح على الطاولة مجددا ليجيب بجدية :-
" كل شيء جيد .. انا بخير .. عملي يسير بشكل رائع وحياتي عموما جيدة .."
" هذا رائع .."
قالتها بسعادة بدت حقيقية عندما سألها هو بدوره :-
" وأنت ..؟! ماذا عنك ..؟! "
ردت ببساطة وهي تهز كتفيها :-
" انا بخير .. أشعر بمزيج من الإستقرار  والسعادة هذه الفترة تحديدا .."
سألها بجرأة :-
" هل الطلاق سببا في ذلك ..؟!"
ضحكت بخفة ثم قالت :-
" بالطبع لا .. طلاقي كان منذ مدة طويلة .. ولأكن صريحة معك فأنا لم أكن سعيدة به .. بل إنني إحتجت وقتاا لتجاوز الإنفصال .."
سألها مجددا و لا يعلم لماذا شعر بالضيق مما قالته وكأنه كان يتمنى العكس ، كان يتمنى أن تخبره إنها أرادت الطلاق وسعدت به :-
" لماذا تطلقت إذا طالما لم تكوني ترغبين بذلك ..؟!"
أطلقت تنهيدة طويلة ثم قالت :-
" الظروف هي من أجبرتني على ذلك ... لا أعلم كيف أشرح لك لكنه كان مختلفا عني في كل شيء ... في البداية حاولت تجاوز هذه الإختلافات بل إنني كنت أتجاهلها عمدا لكن هناك أمور لم يعد بوسعي تقبلها .. "
صمتت لوهلة ثم أكملت بإختصار :-
" وعندما وجدت إنه لا أمل من تغيير بعض صفاته التي لا يمكنني تحملها قررت الإنفصال .. "
" وهو ..؟! وافق على الإنفصال بسهولة ..؟!"
ابتسمت بضعف ولمحة ألم او ربما خذلان ظهرت في عينيها :-
" أسهل مما تتصور ومنحني حقوقا أضعاف ما يحق لي ..."
" يبدو إنه لم يكن مغرما بك .."
قالها وهو يدرك مدى قسوة هذه الكلمات عليها ولكنها للغرابة ردت ببساطة :-
" دوما ما يقول إنه مغرم بي .. حتى وقت الطلاق .. أخبرني إنني أول حب في حياته لكنه يقول أيضا انه رجل عملي ويرى إننا لا نناسب بعضنا وهو رجل لا يهتم بالمشاعر بقدر ما يهتم براحته وسعادته ويبدو إنه لم يجد أيا منهما معي  ... "
" لا بأس .. زيجة فاشلة لا تعني نهاية العالم .."
قالها ببرود لتبتسم وهي ترد :-
" أخبرتك إنني تجاوزت الأمر منذ فترة والآن بالفعل أشعر إنني ممتنة لنفسي وله كوننا قررنا أن ننفصل بكل هدوء ودون محاولات غير مجدية للإستمرار .."
حمل فنجان قهوته يرتشف منه القليل وفعلا هي المثل حيث عادت ترتشف من عصيرها ..
هتفت بعدما أعتدت قدحها الى مكانه :-
" كيف حال ليلى ..؟! أفكر في زيارتها قريبا .."
ابتسم بخفة دون رد ليجدها تردد بجدية :-
" أم إن زيارتي ستزعجها ..؟!"
أضافت وهي تتلكأ في نبرتها قليلا :-
" كونها تعرف ما كان بيننا .."
رد بنبرة لا تخلو من السخرية :-
" لا تقلقي من هذه الناحية .. ليلى لن تهتم وبالطبع ستسعد برؤيتك .."
رفعت حاجبها تردد بدهشة :-
" لا تهتم .. "
صمت للحظة ثم هتف بعدها :-
" نحن على وشك الإنفصال .."
سيطرت الدهشة على ملامحها للحظات قبل أن تردد بسخرية مفتعلة :-
" ما بال الجميع ينفصل هذه الفترة ..؟!"
رد ببرود ولا مبالاة :-
" إنه النصيب كما يقول .."
ضحكت بخفة قائلة :-
" نعم هو كذلك .."
ثم أضافت بتساؤل :-
" في الحقيقة لم أستوعب بعد كيف حدث وتزوجتها رغم إنها كانت .."
توقفت عن حديثها ليكمل هو نيابة عنها :-
" خطيبة أخي بل حبيبته لسنوات .."
اكتفت شيرين بهزة من رأسها لتسمعه يقول بهدوء :-
" زواجي من ليلى كان مجرد صفقة .. صفقة حان وقت إنهاؤها .."
" صفقة ..!!"
رددتها بعدم إستيعاب قبل أن تلوي فمها تسأله بتهكم :-
" وهل كانت تلك الصفقة ناجحة يا عمار ..؟!"
أجاب بجدية وثقة :-
" من ناحيتي .. كانت أكثر من ناجحة .. لقد حصلت منها على ما أريد بل وأكثر .. "
إسترسل بلهجة قوية وشموخ :-
" فأنا لا أخسر مهما حدث .. انا دوما الطرف الرابح يا شيرين ... دوما أحصل على ما أريد .."
تراجعت الى الخلف قليلا وهي تتأمل ملامحه القوية المعبرة مع نبرة صوته الواثقة لتهمس بخفوت وصل إليه :-
" تغيرت يا عمار .. لكن تغييرك ليس مفاجئا بالنسبة لي .. شخصيتك تطورت بالشكل الذي لطالما توقعته ... "
" ماذا تعنين ..؟!"
سألها بغلظة لترد بجدية :-
" منذ سنوات عندما كنا سويا وكنت أرى مستقبلك يتشكل أمام عيني .. ربما لا تصدق حديثي لكنني بالفعل رأيتك كما أنت الآن .. بنفس العنفوان والقوة .. الغرور و السيطرة .. انت كنت تشبه رياح هادئة سيأتي وقتا  وتهب عواصفها مدمرة الجميع ... وقتها كنت كالهدوء الذي يسبق العاصفة .. وانا كنت أنتظر اليوم الذي تحل عاصفتك يا عمار .."
أكملت وهي تلاحظ جمود ملامحه :-
" إعصارك كان قويا وقاسيا واول من دمره كان أخيك ..."
همس بصوت خرج مهتزا رغم جمود ملامحه :-
" أنتِ .."
ابتسمت وعيناها تومضان ببريق خاص :-
" أعلم ما حدث مع أخيك وأعلم إنك السبب في كل ما حدث ... في الحقيقة كنت أنتظر هذا اليوم منذ السنوات .. وكنت اتسائل عن الطريقة التي ستنتقم بها منه .. "
صمتت قليلا تأملت الرهبة التي ظهرت على ملامح وجهه وفي عينيه لتهتف بصوت قوي :-
" انتقامك كان مدمرا يا عمار .. قاسيا كقلبك تماما ... قلبك الذي لا يعرف طريقا للرحمة او الغفران ... "
رهبته كانت واضحة فالمرأة التي تجلس أمامه وتتحدث معه كانت تعرفه أكثر من أي أحد آخر بل تعرفه وكأنها عاشت داخله وأدركت مخططاته منذ سنوات وهذا وحده كان كافيا لزعزعة ثباته الذي حافظ عليه لسنوات ..
..................................................................
مساءا ...
كانت حياة تجلس مع صباح وغالية تتبادلان أطراف الحديث حيث ينتظر الجميع قدوم نديم الذي من المفترض أن يصل بعد قليل كي يتناولوا العشاء سويا ..
هتفت صباح فجأة مشيرة لإبنتها :-
" ما رأيك أن تعدي لنا القهوة بنفسك يا غالية .."
أضافت وهي تشير الى حياة :-
" قهوة غالية مميزة .. تستخدم خلطة معينة في صنعها .."
بدت الدهشة على ملامح غالية مما تسمعه لكنها هزت رأسها وهي تهتف بسرعة :-
" بالطبع ... سأعدها فورا .."
ثم نهضت من مكانها وهي تقرر أن تطلب من الخادمة إعداد القهوة فهي لا تتذكر متى آخر مرة أعدتها ولا تتذكر حتى كيف كان طعمها ..
تبادلت حياة الإبتسامة مع صباح التي هتفت أخيرا بجدية :-
" كنت أنتظر هذا اللقاء منذ مدة .."
نظرت اليها حياة بصمت وقليل من التوتر لتضيف صباح بجدية :-
" أردت أن أطلب منك أن نتحدث بمفردنا ولكنني لم أرغب أن أحرجك أو أسبب الإرتباك لك ففضلت أن تكون دعوتي لك بوجود غالية وبالطبع نديم .."
هتفت حياة بصوت متحشرج :-
" كان بإمكانك أن تفعلي ذلك وأنا كنت سآتي بالطبع .."
ابتسمت صباح وقالت :-
" أعلم ذلك حبيبتي .. لا أريدك أن تخجلي مني او تتوتري يا حياة .. لا تتعاملي معي كوالدة خطيبك وزوجك المستقبلي .. انظري الي .. عندما ترتدين خاتم ابني ستصبحين كغالية تماما وأتمنى أنت تعتبريني والدتك انت ايضا .."
هتفت حياة بجدية :-
" يشرفني ذلك بالطبع .."
تنهدت صباح ثم قالت بجدية :-
" لقد تحججت بأمر القهوة لأصرف غالية فهناك ما أريد قوله لك بمفردك ..."
هزت حياة رأسها بتفهم بينما قالت صباح بجدية :-
" لقد تحدث معي نديم .. هناك مشروع سفر بينكما ... "
أكملت بسرعة :-
" اولا عليك أن تدركي إنني لا أتدخل فيما يحدث بينكما أبدا .. انا فقط أحاول أن أطمئن على ولدي لا أكثر .."
ابتسمت حياة وقالت بلطف :-
" يحق لك بالطبع .. بإمكانك التحدث بما ترغبين وأنا معك .."
" هل لديك رغبة بالسفر يا حياة ..؟! أخبريني بصراحة .. "
صمتت حياة قليلا قبل أن تجيب بجدية :-
" الى الآن لا أملك إجابة حاسمة .. لا أنكر إن فكرة إكمال دراستي في الخارج تبدو مغرية لكنها لم تكن ضمن مخططاتي أبدا .. يعني كل شيء جاء فجأة وانا لا أعلم إذا ما كان السفر يناسبني أم لا .. "
همست صباح :-
" نديم كان يريد السفر بعد خروجه من السجن مباشرة .. لكنني رفضت وهو تراجع عن قراره وقرر البقاء .. كنت سعيدة بذلك وظننت إنه سيتخطى تدريجيا ما حدث ويبدأ في بناء مستقبله من جديد لكن مع مرور الأيام أدركت خطأي ... ربما السفر سيكون أفضل له .."
قالت حياة بجدية :-
" نديم متخبط بقراراته .. لا يعرف ما يريد بالضبط ... ولا يحاول أن يثبت على قرار معين .. لا يمكنني لومه .. فما مر به ليس سهلا .. ولكنني أخشى أن يكون السفر مجرد هروب .. هروب من الماضي لا غير .."
" معك حق في كل ما تقولينه يا حياة .. لكن أخبريني .. هل يوجد حل أفضل له من السفر ..؟! السفر ربما يساعده قليلا في تخطي ما حدث .. هناك سيجد نفسه في مجتمع جديد وناس جدد لا يعرفون عنه شيئا .. "
أضافت والألم ظهر في نبرتها :-
" هل تظنين إنه من السهل علي أن أبتعد عن ولدي ..؟! انا رفضت أمر السفر في البداية لإنه لم أستطع تقبل فكرة إبتعاده عني .. لقد حرمت منه لسنوات مرغمة ولم أكن مستعدة لسنوات جديدة من الغربة والفراق لكن طالما هناك آمل له في سفره فسأقسو على نفسي وأكتم وجعي داخلي فقط كي يحيا ابني الحياة التي يستحقها ..."
" أنا آسفة لذلك حقا .. وآسفة لإنني عاجزة عن إتخاذ القرار المناسب .. "
قالتها حياة بصوت متحشرج قبل أن تضيف بجدية :-
" أنا لا أعلم ماذا أقول .."
قاطعتها صباح بتروي :-
" أنت تخشين من الفكرة ذاتها .. السفر والغربة أمرا ليس هينا ..."
ردت حياة بسرعة :-
" بكل الأحوال نحن لا ننوي الإستقرار الى الأبد هناك .. من المفترض أن نبقى في الخارج لفترة .. "
أضافت بتردد :-
" لكن نديم يريد أن نسافر بأسرع وقت .. نعقد قراننا ونسافر ... حتى إنه لا يريد إنتظار إكمال سنتي الأخيرة هنا ..."
قالت صباح بسرعة :-
" ستكمليها هناك .. وهذا سيكون افضل لك وأسهل للغاية عندما تقدمين على الدراسات العليا ..."
صمتت صباح تتأمل تغضن ملامح حياة فسألتها بإهتمام :-
" أخبريني مالذي يقلقك بالضبط ...؟! أشعر إن الأمر لا يتعلق بفكرة السفر نفسها .. أليس تفكيري في محله ..؟!"
هزت حياة رأسها ثم قالت بصدق وصراحة :-
" انا لا أريد الإستعجال في أمر الزواج ... انا ونديم نحتاج الى وقت أكبر قبل أن نخطو خطوة كهذه .. "
تجهمت ملامح صباح فقالت حياة بسرعة مبررة :-
" كما أخبرتك منذ قليل نديم متخبط في قراراته وفي مشاعره أيضا .. انا أخاف أن يستيقظ يوما ويدرك إنه تورط في زواجه مني .. هو ما زال تائها ضائعا يبحث عن أي شيء يخفف من حيرته وضياعه .. ربما هو الآن يراني المرأة المناسبة وشريكة المستقبل لكنني لست واثقة من أن تستمر رؤيته هذه للأبد والأهم إن ماضيه مسبقا يجعلني لا أثق بصحة هذا الإرتباط .. أقصد ماضيه العاطفي بالطبع .."
حل الصمت المطبق وملامح صباح بدت هادئة بشكل غريب لكنها قالت أخيرا :-
" ليلى بالطبع .."
أومأت حياة برأسها لتقول صباح بجدية :-
" نديم لا يفكر بالعودة لها مهما حدث .. هذا ما قاله وأنا أثق به ..."
هتفت حياة بجدية :-
" الأمر لا يتعلق فقط بعودته لها من عدمه ..."
" اذا ما الأمر الآخر ..؟!"
سألتها صباح بجدية فهتفت حياة بتردد :-
" الأمر يتعلق بمشاعره نفسها .. انا لن أستطيع الإستمرار معه ومشاعره ليست لي بل الأسوأ إن مشاعره بل قلبه بالكامل ملك لأخرى .. لا أستطيع تقبل هذا ولا يوجد ما يجبرني على القبول به .."
همت صباح أن تسألها عن سبب قبولها الإرتباط به طالما هي تفكر هكذا لكن دخول نديم وهو يلقي التحية قاطعها لتنهض صباح تستقبله بسعادة ..
قبلها نديم من وجنتيها قبل أن يحيي حياة ليسمع والدته تقول بجدية :-
"طالما أتيت سأطلب من الخادمة إعداد الطاولة  ... دقائق وتكون الطاولة جاهزة .."
ثم تحركت خارج المكان مسرعة يتابعها نديم بنظرات قلقة وهو يشعر بشيء ما ليس جيدا فيها قبل أن يلتفت نحو حياة يبتسم لها بهدوء ثم يتقدم نحوها ..
........................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now