الفصل الخامس عشر

3.5K 166 5
                                    

الفصل الخامس عشر

لا يعرف لماذا عاد إليها مجددا بعدما تركها منذ ساعات غائبة عن العالم بأكمله تحتضن جسدها داخل سريرها وكأنها تحصن نفسها بنفسها من الغدر والألام ..
منذ أن تركها وعقله لا يكف عن التفكير بها وقلبه يؤلمه بقسوة كلما تذكر ما أصابها بين ذراعيه ...
وعندما يأس من تجاوز ما رأه وفشل في التوقف قليلا عن التفكير بوضعها وجد نفسه يقرر العودة إليها راغبا برؤيتها بوضعها الساكن كي يهدأ قلبه قليلا رغم إدراكه إن قلبه لن يهدأ حتى تعود كما كانت وهذا شيء مستحيل ..!!
فتح باب الشقة ودلف الى الداخل بخطوات هادئة ليجد الشقة مظلمة تماما لا يضيئها سوى الضوء المنبعث من النوافذ في ساعات الفجر الأولى ...
سار بخطوات رتيبة نحو غرفتها وفتح الباب بحذر ..
دلف الى الداخل بتردد لينصدم عندما وجد سريرها فارغا فسارع بالتوجه نحو الحمام الملحق بغرفتها ليجده خاليا ..!!
ركض بسرعة خارج غرفتها متجها الى غرفة خديجة كي يوقظها متأملا أن تكون عندها لكنه توقف أثناء مروره من جانب المطبخ ليميل برأسه قليلا فيتجمد مكانه مما يراه ..
تقدم أخيرا بخطوات مترددة نحوها ووقف أمامها وهو يراها تميل بجسدها  على الحائط خلفها لا يعلم اذا ما كانت تغط في نومها أم فاقدة للوعي ، ذراعيها تلتفان حول جسدها والسكين مرمية داخل حضنها ...
دار بصره حول جسدها يتأكد من عدم وجود أي إصابة ليزفر أنفاسه براحة من فكرة أن تكون تسببت بأي أذى لنفسها رغم وضوح حقيقة إنها كانت تنتوي فعل ذلك ..
مال بجسده نحوها يبعد السكين ويرميها جانبا قبل أن يفك ذراعيها اللتين تحيطان جسدها ثم يحملها بين ذراعيه فتتململ قليلا بإنزعاج ليدرك إنها نائمة بالفعل وليست فاقدة للوعي ...
سار بها عائدا نحو غرفتها ليضعها على سريرها بعناية قبل أن يجذب الغطاء نحو جسدها يغطيه بالكامل ...
تأملها بنظرات لا تصدر منه مطلقا .. نظرات مليئة بالحنان الشديد الممزوج بالألم ..
نظرات نالتها جيلان فقط ولن ينالها سواها وكيف لا وهي قطعة ممن كانت روحه .. قطعة من والدته ...
غامت عيناه بذكرى سوداء وما كانت تنتويه جيلان ذكرته بما فعلته والدته ...
ذكرى بشعة لا يود تذكرها وهو يرى والدته غارقة في دمائها بعدما قطعت شرايينها ...
تلك الصورة التي لا يمكن أن تختفي من عقله .. صورة تزوره بين الحين والآخر تذكره ببشاعة ما رأه وعاشه ..
والدته وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة بين ذراعيه توصيه على أخته بما تبقى منها من أنفاس متقطعة ..
ترجوه أن يحميها وكأنها كانت تشعر بما سيصيب ابنتها يوما ما ومع هذا تركتها بكل أنانية ورحلت ...
أغمض عينيه بقوة محاولا السيطرة على تلك الدموع الحارة التي تكونت داخلهما ..
كانت المرة الوحيدة التي بكى فيها وأقسم بعدها ألا يبكي مهما كلفه الأمر وهاهو اليوم يقف أمام أخته التي كادت أن تفعل بنفسها كما فعلت والدته مسبقا ..
كاد أن يخسرها كما خسر من قبلها بنفس الطريقة البشعة ..
إعتصر قبضتي يديه بقوة وفتح عينيه اللتين بدتا شديدتي الإحمرار متأملًا جيلان النائمة بسلام متمتما بوجع :-
" لماذا يا جيلان ..؟! لماذا يا صغيرتي ..؟!"
ثم انحنى بوجهه مجددا نحوها متأملا ملامحها الرقيقة الهادئة متذكرا كيف كانت تنتفض جزعا بين ذراعيه منذ ساعات مرددا بينه وبين نفسه بوعيد :-
" سأنتقم ممن فعل بك هذا يا جيلان .. سأذبحه بين يدي كما ذبحك يا صغيرتي .. سأخذ حقك كاملا يا أختي ..."
ثم طبع قبلة طويلة على جبينها قبل أن يعتدل بوقفته مجددا يلقي عليها نظرة أخيرة وقبل أن يهم بالرحيل كانت يدها تمسك يده وصوتها المنخفض الضعيف يرجوه وقد تغضنت ملامحها كليا رغم إنغلاق عينيها :-
" عمار .. لا تتركني .."
وأمام أنينها الخافت ورجائها المؤلم لم يستطع سوى الإنحناء نحوها مجددا يهمس لها بنبرة مطمأنة :-
" انا هنا يا جيلان .. بجانبك يا صغيرتي .. لن أتركك مهما حدث .."
............................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now