الفصل الثالث والثلاثون

3.8K 188 18
                                    

في المطار ...
وقفت غالية تحتضن أخيها بقوة والدموع تملأ عينيها رغم إنها أخذت عهدا على نفسها ألا تبكي أمامه مهما حدث ...
كان صباح تتأملهما والدموع هي الأخرى تملأ عينيها لكنها كانت تعرف إن هذا القرار الصحيح والأفضل لإبنها ..
ابتعدت غالية قليلا من بين أحضانه رغم تشبثها به ليهمس بجدية وهو يربت على وجهها :-
" إتصلي بي فورا متى ما إحتجتني او متى ما حدث أي شيء معك ..."
اومأت برأسها وهي تكتم دموعها بقوة ليقبل جبينها قبل أن يتجه نحو والدته ويحتضنها فتتشبث صباح بأحضانه ليغمرها أكثر ..
ابتعدت عنه بعد لحظات وهي تقول :-
" انتبه على نفسك جيدا يا نديم .. لأجلي على الأقل .."
رد نديم وهو يبتسم مرغما :-
" المهم أن تنتبهي أنتِ على نفسك جيدا .. انا سأكون بخير طالما أنتِ بخير ..."
" انا سأكون بخير عندما أراك مرتاحا وسعيدا .."
قالتها بعينين دامعتين ليبتسم وهو يربت على خدها قبل أن يبتعد عنها مقتربا من غالية يهمس لها بخفوت وهو يجذبها قليلا  بعيدا عن أنظار الموجودين :-
" أريد منك طلبا مهما ..!"
نظرت غالية له بإهتمام فرد بجدية :-
" اهتمي بليلى .. حاولي أن تقتربي منها .. وإذا ما حاول عمار إيذائها مجددا أخبريني فورا .."
اومأت برأسها موافقة وهي تنظر له بحذر فأكمل بلا مبالاة :-
" انتبهي عليها جيدا يا غالية .. لطالما كنت قريبة منها .."
" ماذا يحدث يا نديم ..؟!"
سألته غالية بتوجس ليرد بفتور :-
" عديني بذلك يا غالية .. عديني فقط .."
زفرت أنفاسها وهي تردد بخفوت :-
" حسنا أعدك .."
شعرت بشيء يوضع داخل كفها فوجدت رسالة مطوية فهمس مضيفا :-
" أعطها هذه الرسالة .."
هتفت بضيق خافت :-
" ماذا تفعل يا نديم ..؟! انت متزوج .."
قاطعها بجدية وخفوت :-
" أعلم ذلك جيدا .. انا لست رجل خائن يا غالية .. اطمئني .. لكن ليلى تستحق وداعا مني على الأقل .. وتستحق حمايتي لها حتى وانا بعيد للغاية .. سأعتمد عليك في هذا الأمر .. إتفقنا .."
اومأت غالية برأسها وهي تردد مؤكدة :-
" اتفقنا .."

اما حياة فكانت تحتضنها والدتها بقوة وهي تردد بحزن :-
" ليتك لا تذهبين الى هناك .."
شعرت حياة في قبضة داخل قلبها وهي تفكر إنها بالفعل تتمنى ذلك لكنها مجبرة ..
همست وهي تتشبث داخل أحضان والدتها التي شعرت بإن إحتياجها لها في هذه اللحظة بلغ أوجه :-
" سأعود مجددا .. لا تقلقي .."
همست والدتها وهي تنظر الى وجهها بعدما أبعدتها عنها قليلا رغم كونها ما زالت بين أحضانها :-
" انتِ سامحتني ، أليس كذلك ..؟!"
ابتسمت حياة مرددة بإختناق :-
" سامتحك منذ وقت طويل بل أعتذر منك أيضا إذا ما قسوت عليك كثيرا .. الآن فهمت إننا جميعنا معرضين لإتخاذ قرارات خاطئة في حق غيرنا بل وأنفسنا أيضا .."
تفاجئت والدتها من حديثها الأخير وهمت بسؤالها لكن حنين هتفت بسرعة :-
" دعيني أنا أيضا أودعها يا ماما ..."
اندست حنين بين أحضان حياة تردد بصدق :-
" سأشتاق لك كثيرا .."
أضافت وهي ترفع وجهها نحوها :-
" انتِ لن تتركيني أليس كذلك ..؟! سنتواصل بإستمرار .."
كان القلق واضحا داخل عيني حنين فإحتضنت حياة وجهها بين كفيها وقالت بجدية وحب :-
" سأتواصل معكِ يوميا صوت وصورة .. اطمئني .."
" سأشتاق لك حقا يا حياة .."
قالتها حنين بدموع لم تستطع السيطرة عليها فكتمت حياة دموعها بقوة وهي تقول بجدية :-
" لا تفعلي ذلك .. سأعود يا فتاة .. صدقيني سأعود .. كوني مطمئنة .."
ابتعدت عنها بعدها لتودع زوج والدتها الذي إحتضنها بأبوية وحنو يخبرها إنه موجود متى ما إحتاجته لتعاود والدتها جذبها نحوها تقبض على كفها بقوة تردد بتشديد :-
" تذكري جيدا إنني موجودة وإنه لديك أم ستقف جانبك مهما حدث .. لا تترددي في التواصل معي إذا ما إحتجتني .. حسنا .."
هزت حياة رأسها وهي ترمي نفسها بين ذراعي والدتها مجددا تعتصر عينيها بقوة تمعنهما من البكاء ...
بعد لحظات تقدم نديم نحو والدة حياة وزوجها لتوديعهما فإبتعدت حياة من بين أحضان والدتها واتجهت نحو صباح لتوديعها التي إحتضنتها مشددة وهي تهمس لها :
" انا أثق بك كثيرا يا إبنتي .. أملي بك كبير .. كوني له كأسمك تماما .. الحياة .."
ابتعدت حياة عنها تتأملها بصمت دون تعبير واضحا لكنها منحتها هزة برأسها عندما نظرت الى غالية التي تقدمت نحوها بعدما ابتعدت والدتها عنها تهمس بتردد :-
" سامحيني .. انا آسفة لإنني أخطأت في حقك .."
قاطعتها حياة بجدية :-
" ليس مهما .. لقد حدث ما حدث ..."
احتضنتها غالية فتجاوبت حياة مع عناقها رغما عنها لتبتعد غالية عنها مرددة بجدية :-
" إعتني بنفسك جيدا ... "
ابتسمت حياة وأضافت عن قصد :-
" وبنديم أيضا .. أليس كذلك ..؟!"
" هو أيضا سيعتني بك .. إنه أخي وأعرفه جيدا .."
قالتها غالية بتأكيد لتبتسم حياة بضعف قبل أن تسمع نديم يهمس لها :-
" هيا يا حياة .. طيارتنا ستتحرك بعد دقائق .."
التفتت حياة نحوه لتأخذ نفسا عميقا قبل أن تضع كفها في كفه وتسير معه نحو المدخل المؤدي الى مكان إقلاع الطائرة ..
ومن بعيد كانت تقف ليلى تتابع ما يحدث بملامح جامدة رغم الألم الذي يسكنها ..
تتأملهما أخيرا وهما يسيران سويان يدا بيد نحو وجهتهما الجديدة فشعرت في تلك اللحظة إنها بالفعل لا وجود لها بينهما بعد الآن وإن عليها الإعتراف أخيرا إنها خسرته بشكل نهائي ..
ألقت نظرة أخيرة عليهما عندما فوجئت بعيني نديم تلتقطان وجودها لتتجمد في مكانها للحظات تتابعه وهو ينظر إليها بقوة قبل أن يرفع يده في تحية بسيطة وهو يمنحها إبتسامة هادئة فلم تستطع منع نفسها من رفع يدها هي الأخرى ردا لتحيته وإبتسامة حزينة ارتسمت هعلى شفتيها ترسم خظ النهاية بينهما كما شعر كلاهما في تلك اللحظة ..
........................................................................
في صباح اليوم التالي
هبطت الطائرة أخيرا في أمريكا وتحديدا في ولاية كاليفورنيا ..
سارا كلا من نديم وحياة خارج المطار بجانبهما صديق نديم الذي إستقبلهما مرحبا بهما بحفاوة ..
ركبا سيارة صديقه حيث جلس نديم بجانبه بينما حياة في الخلف عندما بدأ صديقه يثرثر بسعادة ونديم يشاركه ثرثرته ...
حياة كانت تجلس في الخلف تتأمل الشوارع خارجا بملامح صامتة وخوف لا إرادي سيطر عليها ممزوجا بشعور شديد في الغربة فهي الآن في بلد لا تعرفه أبدا وتراه لأول مرة ..
توقف الشاب أمام إحدى العمارات السكنية الراقية حيث أشار لنديم قائلا بلهجة عربية جيدة للغاية رغم كونه يعيش هنا منذ الطفولة :-
" ستعجبك الشقة كثيرا .. والمنطقة هنا هادئة للغاية .."
ابتسم نديم يشكره :-
" أشكرك حقا يا داني ... "
ابتسم داني مرددا :-
" على الرحب والسعة يا صاحبي .."
أضاف مشيرا الى حياة :-
" اتمنى أن تعجبك الشقة يا مدام .."
ردت حياة وهي تبتسم بخفوت :-
" ستعجبني بالطبع .. شكرا كثيرا على تعبك معنا ..."
رد بجدية :
" تعبكما راحة يا مدام .."
هبط نديم من السيارة وكذلك حياة يتبعهما داني الذي تقدم معهما الى العمارة حيث ركبا المصعد ليتوقف في الطابق الثالث حيث توجد شقتهما ..
خرج الثلاثة من المصعد ليعطي داني البطاقة لنديم مرددا بجدية :-
" افتح الشقة وادخلا وارتاحا .. ربع ساعة سأعود ومعي الطعام وسأرسل حقائبكما مع أحد حراس العمارة .. العمارة هنا مؤمنة تماما .. "
ابتسم نديم يشكره مجددا وهو يربت على كتفه بإمتنان قبل أن يفتح الباب ويفسح المجال لحياة بالدخول يتبعها هو ..
" ما رأيك بالشقة ..؟!"
سألها بعدما توقفا في منتصف صالة الإستقبال ليضيف بعدها :-
" تفقديها وقولي رأيك بها .."
التفتت نحوه تردد بجدية :-
" لا داعي لذلك ... كما يقولون .. المكتوب واضح من عنوانه ... واضح جدا كم هي فخمة ورائعة ..."
وجدته يجلس على الكنبة مرددا بإرهاق :-
" لقد كانت الرحلة طويلا ..."
وافقته وهي تجلس على الطرف الآخر من الكنبة عندما أضاف :-
" سيجلب داني لنا الطعام ..."
انتفضت من مكانها مرددة :-
" لقد نسينا بندق في سيارته .."
رد بسرعة وهو ينهض من مكانه :-
" سيجلبه الحارس بالتأكيد .."
أكمل مازحا :-
" أنت منذ البارحة لا تفعلين شيئا سوى التفكير بالسيد بندق .."
ردت بعفوية :-
" خفت أن يتعرض للإختناق في المقصورة الخاصة به أثناء الرحلة .."
سمعا صوت جرس الباب يرن فقال نديم وهو يتجه نحو الباب :-
" أظن إن بندق قد وصل .."
فتح الباب ليجد الحارس يحمل القفص الضخم الذي يوجد بندق داخله وجانبه احدى حقائبهما الكبيرة ليخبره إنه سيجلب بقية الحقائب في الحال ..
شكره نديم وهو يحمل القفص منه ويأخذ الحقيبة ثم يعاود الدخول مجددا لتتجه حياة راكضة نحوه بسرعة تجذب القفص منه وتخرج بندق حيث حملته تحتضنه وهي تهمس له :-
" هل أتعبتك الرحلة حبيبي ..؟!"
رفع نديم حاجبه مرددا بعدم إستيعاب :-
" حبيبي ...؟! ما هذه المعاملة الغريبة والمبالغ بها يا حياة ...؟!"
تجاهلت حياة حديثه وقالت :-
" أشعر إنه ليس بخير .. يبدو هادئا على غير العادة .."
رد نديم بتهكم :-
" لا تقلقي .. إمنحيه فقط القليل من الوقت وسيعتاد على المكان ثم يبدأ نشاطاته الحافلة .."
وضعته حياة على الأرضية وهي تخبره :-
" سأخرج لك طعامك حالا من الحقيبة .."
ثم اتجهت نحو حقيبتها الضخمة وبدأت تفتحها عندما نثرت بعضا من أغراضها بلا مبالاة قبل أن تجد طعام الكلب المفضل فتأخذه بسرعة وتتجه تبحث عن المطبخ لتضعه في صحن مناسب وتقدمه له ..
تطلع نديم الى بندق مرددا بتهكم :-
" ماشاءالله .. تهتم بك وكأنك انت زوجها ولست أنا .."
زفر أنفاسه بتعب ثم هم بالتحرك عندما سمع جرس الباب يرن فسارع يفتحه ليجد الحارس جلب بقية الحقائب فيأخذها منه وهو يشكره ...
وضع الحقائب جانبا وتقدم نحو الكنبة يتمدد عليها بتعب عندما جاءت حياة تحمل الطعام لبندق ...
تأملها وهي تنحني نحوه و تضع الطعام له  وتربت على رأسه بحنو ثم رفعت جسدها لتقع عيناها عليه وهو ممدد على الكنبة بملامح متعبة ..
قالت بجدية وهي تتجه نحو الكنبة المقابلة :-
" يمكنك النوم إذا أردت ...."
رد بجدية :-
" داني سيجلب الطعام بعد قليل .. نتناول طعامنا أولا ثم ننام .."
ثم أضاف :
" انا جائع للغاية وانتِ ايضا لم تتناولي شيئا في الطائرة .."
ردت :-
" فقدت شهيتي طوال الرحلة .."
" أنت أساسا منذ ليلة زفافنا ولا تتناولي سوى لقيمات صغيرة .."
قالها بهدوء قبل أن يعتدل في جلسته وهو يتسائل :-
" هل ستبقين هكذا ..؟!"
" كيف يعني ..؟!"
سألته بجدية ليرد بنفس الجدية :-
" لقد أصبحنا هنا .. بلاد جديدة تماما ولوحدنا .. ربما هذه فرصة جيدة لنا .."
" لقد وعدتك إنني سأكون معك جانبك .."
قاطعها بتململ :-
" كصديقة ..."
هزت رأسها تؤكد كلامه :-
" نعم صديقة .. رفيقة سكن .. هكذا يعني .."
" ولكنك زوجتي .. ولولا ذلك ما كنتِ لتعيشي معي هنا .."
قالها بقوة لتتنهد بتعب وهي تقول :-
" ألم ننته من هذا الموضوع ..؟!"
رد ببرود :-
" أبدا .."
سمع صوت جرس الباب فقال وهو ينهض من مكانه :-
" هذا داني .. جلب الطعام ..."
ثم اتجه مبتعدا عنها لتزفر أنفاسها بتعب ثم تتراجع بجسدها نحو الخلف مغمضة عينيها بإرهاق ...
لحظات وشعرت به يتقدم مجددا نحوها  وهو يحمل مجموعة من الأكياس لتتأمل الأطعمة المختلفة التي رصها على الطاولة قبل أن يشير لها :-
" هيا تناولي طعامك .."
هزت رأسها موافقة وهي تبدأ في تناول طعامها معه ...
بعد مدة انتهيا من تناول الطعام لتنهض من مكانها تلملم الطعام عندما هتف بجدية :-
" سأساعدك .."
هزت رأسها بإختصار قبل أن يشتركان في جمع المتبقى من الأطعمة وتنظيف المكان سويا ..
بعدما إنتهيا مما يفعلانه اتجهت حياة نحو بندق تحمله وهي تسأل نديم :-
" أي غرفة ستختار أنت للنوم  ...؟!"
كتم ضيقه وهو يهتف بها :-
" اختاري الغرفة التي تعجبك وانا سأنام في الأخرى .."
أشارت الى احدى الغرف :-
" سأنام هنا .."
ثم همت بالتوجه الى الداخل ليوقفها متسائلا بغيظ وهو يشير الى بندق :-
" هل سينام معك ..؟!"
لترد بقصد وهي تلمس على فروه بحنو ورقة :-
" نعم سينام معي وبين أحضاني .."
ثم منحته إبتسامة باردة لا تخلو من المكر وهي تتجه الى داخل الغرفة وتغلق الباب في وجهه تاركة إياه يشتعل غيظا وغضبا ..
....................................................................
اوقفت سيارتها امام مدخل الشركة وهبطت منها مندفعة وهي تحمل هاتفها بين يديها ..
كانت تتقدم الى الداخل بملامح مخيفة وخطوات سريعة غير آبهة بنظرات الموظفين حولها ولا محاولة موظفة الإستقبال لفهم ما تريده ..
انطلقت بإندفاع نحو المصعد وضغطت على زر الطابق الأرضي ليهبط المصعد بعد ثواني فتندفع داخله وتضغط على زر الطابق الذي يوجد مكتبه به ..
خرجت من المصعد تتجه نحو مكتبه بملامح مليئة بالتحفز والتوعد لتتجاهل سكرتيرته وهي تقتحم مكتبه فينتفض من مكانه غير مصدقا لما يحدث وكيفية إقتحام مكتبه بهذا الشكل المجنون بينما هاتفه ما زال موضوعا على أذنه وشريكه يتحدث على الجانب الآخر ..
أغلق الهاتف يردد بعدم استيعاب :-
" كيف تدخلين الى المكتب هكذا ..؟!"
تقدمت نحوه تخبره بملامح متصلبة :-
" لقد عرفت من وراء خطفي .. عرفت الشخص الذي خطفني .."
سألها بعدم تصديق :-
" حقا ..؟! كيف ..؟! ومن هو ..؟!"
تقدمت نحوه أكثر حتى وقفت أمامه وهو ما زال يقف خلفه مكتبه لتقول بقوة وعينين مشتعلتين مخيفتين :-
" انتَ .."
تأملها بعدم فهم لتضيف بقوة مشددة على كل حرف من حروف كلماتها :-
" انت وراء خطفي .. انت من فعلتها .. انت من خطفتني .."
صاح غير مصدقا :-
" هل جننتِ ..؟! ما هذا الهراء الذي تتفوين به ..؟! ما علاقتي أنا بالأمر ..؟!"
صرخت بجنون :-
" انت .. انت من فعلت كل هذا .."
" اهدئي يا مريم ودعيني أفهم .."
قالها بجدية محاولا السيطرة على أعصابه النافرة في تلك اللحظة لتنقض عليه بشراسة مرددة بصياح مخيف :-
" انت من خطفتني .. كنت وراء كل هذا .. كل شيء كان عبارة عن تمثيلية حقيرة منك وانا صدقتك .. "
" ما هذا الهراء ..؟! انت تتوهمين .."
دفعته بقوة وهي تخرج صورة من حقيبتها وترميها في وجهه :-
" وماذا عن هذه الصورة ..؟! هل هي وهم أيضا .. ؟! أليس هذا دليلا على إنك وراء خطفي ... ؟!"
حمل الصورة يتأملها مصعوقا وهو يتسائل كيف وصلت إليها ..
همست بصوت متعب من شدة الصراخ :-
" قسما بربي سأبلغ عنك الشرطة وأحبسك أيضا .. لن أتنازل عن حقي منك يا عمار .. قسما بالله لن أتنازل عن حقي .."
" مريم انا لا افهم .. ما علاقة هذه الصورة بخطفك ..؟!"
سألها محاولا السيطرة على جنونها المخيف لترد بأنفاس لاهثة :-
"كانت تمثيلية رائعة حقا .."
أضافت وهي تضربه على كتفه المصاب :-
" وهذا بالطبع كان جزءا من التمثيلية .. لذلك أخذتني الى احد أصدقائك من الأطباء ورفضت الذهاب الى المشفى .."
أخفى عمار ألمه بصعوبة وهو يردد من بين أسنانه :-
" أريد أن أفهم حالا .. ما علاقة هذه الصورة بخطفك ..؟!"
سألته بقوة :-
" انت لا تنكر صحة هذه الصورة إذا ..؟!"
اومأ برأسه مرددا بجدية:-
" نعم ، هذا شريكي في بعض الأعمال .. "
" هو من خطفني .."
قالتها بقوة لتتجمد ملامحه فتضيف بقوة أكبر :-
" هو من خطفني وصفعني وهددني .."
أكملت بصوت مخيف :-
" شريكك او ربما أحد رجالك او أحد أفراد عصابتك الدنيئة ..  هو من فعل هذا لكن يبدو إن هناك من قام بخيانتك وارسل لي هذه الصورة الذي تثبت تعاونك معك .. بل الأسوء من ذلك انت تعطيه الأموال وهو يرتدي نفس الملابس التي خطفني بها .."
قال مبررا :-
" نعم كنت أعطيه الأموال لكن لأجل .."
قاطعته بحزم :-
" لا تبرر .. كل شيء أصبح واضحا بالنسبة لي .."
أضافت وهي ترفع كفيها مصفقة :-
" لكن أهنئك حقا .. كانت خطة محبوكة جيدا لدرجة إنني صدقتها بل وشعرت بإنسانيتك لأول مرة .. انا كنت صدقت .."
توققت تقبض على شفتيها بقوة قبل أن تهتف بتوعد :-
" ستنال عقابك .. أعدك بهذا .."
أكملت بتهكم وهي تهم بالخروج :-
" لا تنسى أن تبحث عن الخائن في عصابتك والذي سرب لي هذه الصورة .."
خرجت بخطوات عصبية ليتأمل هو الصورة للحظات قبل أن يعتصرها بكفه بقوة وهو يسب ويلعن داخله عدة مرات ..
........................................................................
بعد حوالي نصف ساعة ...
وجد عمار سكرتيرته تتصل به تخبره عن وجود شيرين عزام في الخارج تريد مقابلته ..
تنهد بتعب ثم طلب منها أن تدخلها بسرعة ...
وجدها تتقدم نحوه بكامل أناقتها وبملامح جامدة وقد غيرت لون شعرها الى البني الفاتح وهو لونه الأصلي ..
تقدمت نحوه ووضعت حقيبتها على الطاولة أمامها ثم تحدثت بجدية :-
" هل انت متفرغ حاليا للتحدث ..؟!"
رد بجدية :-
" قولي ما لديك .. أسمعك .."
" ما غايتك مما تفعله يا عمار ..؟!"
سألته بجدية ليتسائل بدوره :-
" عن أية غاية تتحدثين ..؟! انا أريد أن أتزوجك وتقدمت لخطبتك رسميا .."
قاطعته بعصبية خافتة :-
" أخبرتك إنني أرفض مسبقا .. كيف تسمح لنفسك أن تأتي الى منزلي وتخطبني من عائلتي ..؟!"
رد بتهكم :-
" تتحدثين وكأنني إرتكبت جرما يا شيرين .. انا فقط خطبتك .. تصرفت بكل احترام ولياقة ووضوح .."
" إذا إسمعني جيدا .. طلبك مرفوض يا عمار .. انا لن أتزوج بك .."
قالتها وهي تنظر نحوه بقوة ليرد مبتسما ببرود :-
" انت كاذبة .. ترفضين الزواج مني وداخلك تتوقين لذلك .."
" هذا جنون .. انت وحدك من ترى ذلك ..."
قالتها بتحدي لينهض من مكانه ويتجه نحوها ثم يضع كفيه على جانبي كرسيها قبل أن ينحني نحوها مرددا بقوة وهو يحاصر عينيها الخضراوين الرائعتين بعينيه القويتين الحادتين :-
" أنتِ تحبيني وانا كذلك .. في الماضي كنا حبيبين ... تفرقنا مسبقا وعدنا واجتمعنا وهذه فرصة صريحة لتجديد حبنا ومشاعرنا .."
" تجديد حبنا ومشاعرنا وسط هذا الكم من الفوضى التي تحيطك ..!! تريد مني أن أتزوج بك وأنت تعيش داخل ظلامك وتسعى خلف إنتقامك الذي لا نهاية له .."
قالتها بقوة هي الأخرى ليهتف بجدية :-
" إنتقامي أخذته يا شيرين .. هذا الموضوع انتهى برمته .. "
سألته بجمود :-
" وهل مشاكلك تقتصر فقط على إنتقامك من أخيك ..؟! انت رجل معقد يا عمار وأنا لا ينقصني أن أدخل وسط تعقيداتك التي لا تنتهي ... نعم أحببتك كثيرا وما زلت أحبك .. لن أنكر هذا .. لكن الحب وحده لا يكفي مع رجل مثلك ..."
هتف بتحدي :-
" رجل مثلي لن يتنازل عنكِ مهما حدث يا شيرين ومهما رفضتِ .. انا سأتزوجك وسأعيش معك الحياة التي أريدها وستكونين سعيدة راضية للغاية .."
هتفت بمرارة :-
" ليت كان هناك أملا ضئيلا في أن أكون مرتاحة على الأقل معك .. صدقني لكنت تزوجتك دون تردد ..."
اقترب منها اكثر مرددا :
" سوف تكونين سعيدة ومرتاحة وراضية .. سوف أمنحك كل هذا وأكثر .. فقط وافقي يا شيرين .. ثقي بي ووافقي على طلبي وكوني زوجتي ..."
توترت ملامحها لا إراديا فنهضت من مكانها توليه ظهرها بسرعة تردد بنبضات خافقة :-
" لا تحاول التأثير علي بهذه الطريقة ..."
" أي طريقة ...؟!"
سألها مدعيا عدم الفهم وهو يتقدم نحوها لتستدير نحوه مرددة بقوة :-
" انت تعلم جيدا عما أتحدث .. يكفي حقا يا عمار .. انا تعبت حقا .. ليتني لم ألتقِ بك مجددا .. ليتني بقيت في الخارج .."
ثم اندفعت خارج المكان بأقصى سرعتها حيث خرجت من الشركة بالكامل وركبت سيارتها عائدة الى منزلها ...
هناك دلفت الى المنزل لتجد أخيها في وجهها يهمس ساخرا :-
" وأخيرا رأيناكِ ..."
سألته مرهقة :-
" ماذا تريد يا وليد ..؟!"
رد بجفاء :-
" انا انتظر الحديث معك منذ ذلك اليوم وانت تلتزمين البقاء في غرفتك وتتجنبين رؤيتي .. "
أضاف يتسائل بتحفز :-
" لماذا تفعلين ذلك ..؟! ما سبب محاولاتك الصريحة لتجنب رؤيتي .،؟! هل انت موافقة على طلبه ..؟! هل تقبلين عرضه ..؟!"
صاحت بحنق :-
" ولنفترض ذلك .. ما المشكلة ...؟! "
هتف بعدم تصديق :-
" إذا انتِ موافقة ولا ترين مشكلة في ذلك .."
قالت بجدية :-
" هذه حياتي وانا حرة في إتخاذ أي قرار يخصها .."
رد بغضب :-
" عندما يتعلق الأمر بتدمير حياتك فحينها لن تكوني حرة يا شيرين ..."
" لماذا ترفضه لهذه الدرجة ..؟!"
سألته بضيق ليتمتم ساخرا :-
" ألا تعرفين حقا ..؟! رجل كهذا فعل كل ما فعله وتتسائلين عن سبب رفضي له .. أساسا هل يوجد انسان عاقل ومحترم يقبل به زوجا لأخته .. هذا الرجل خائن لأخيه .. هل تستوعبين ذلك يا هانم ..؟!"
" انت لا تعرفه جيدا .."
قالتها بصوت مبحوح ليهتف بعدم استيعاب :-
" هل تبررين له يا شيرين ..؟!"
احتقنت عيناها بالدموع وهي تردد :-
" كلا ، انا لا أبرر ولا أي شيء .. وليد افهمني .. انا متعبة وعاجزة عن إتخاذ قرار ثابت .."
رد بقوة :
" القرار الصحيح هو الرفض .. الرفض القاطع يا شيرين .."
نظرت له بتردد ليهمس بتجهم :-
" لمَ كل هذا التردد ..؟! لماذا تترددين في قرار جوابه واضح جدا ولا يحتاج التفكير أساسا ..؟!"
نظرت نحوه بوجع ليهتف بخفوت :-
" هل تحبينه يا شيرين ..؟!"
أخفضت رأسها تعتصر حقيبتها بقوة وتعتصر عينيها بقوة ليقبض على كتفيها بكفيه يردد بقوة :-
" انظري إلي ..."
رفعت وجهها الباكي نحوه ليهمس بمرارة :-
" تحبينه ..!! تحبين عمار الخولي يا شيرين ..؟!"
رمت نفسها بين أحضانه تنتحب بصوت واضح ليغمض عينيه بقوة قبل أن يهمس لها بصرامة :-
" ستتجاوزينه .. ستتجاوزينه يا شيرين .. سنفعل كل شيء كي تتجاوزي مشاعركِ نحوه ... "
...............................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now