الفصل السابع والأربعون ( الجزء الثالث )

2K 152 22
                                    

الفصل السابع والأربعون ( الجزء الثالث )

يجلس داخل سيارته وهو يبتسم بنشوة ..
لقد نجح مجددا في تسديد ضربة جديدة له ....
ضربة تخبره إنه ما زال هنا ...
وإنه مستعد كليا له ...
شغل سيارته و أدار مقودها متجها الى المكان المحدد بعدما أنهى ما أراده ....
وصل أخيرا بعد حوالي نصف ساعة الى المكان المحدد ...
تأمل العمارة القديمة قليلا بشرود ...
لطالما كان يأتي هنا لوحده او برفقة والدته قبل رحيلها ...
تنهد بصمت وهو يحمل بضعة ملفات معه متجها الى داخل العمارة ...
ما إن حط بقدميه داخل البناية حتى غزاه الحنين رغما عنه وبدأت الذكريات تنساب الى عقله دون هوادة ...
ذكريات ماضي كان كل شيء به مختلفا بل هو نفسه كان مختلفا ...!!
وقتها كان عمار الطفل الصغير ثم المراهق المتمرد ثم الشاب اليافع ثم لا شيء ..!!
صعد درجات السلم وهو ينفض الذكرى الغير مرغوبة حاليا عن عقله عندما وجد نفسه يقف أخيرا أمام الشقة فيتنهد بصوت مسموع هذه المرة وعاد الحنين الممزوج بالألم يغزو روحه ...!!
ضغط على جرس الباب وإنتظر لثواني عندما فتحت الباب له فحبس أنفاسه داخل صدره ما إن رأها وعيناه تلتهم تفاصيلها كلها وهي التي بدت صورة حية لوالدته الراحلة تشبهها في كل شيء ..
لوت فمها بسخرية وقد قرأت أفكاره رغم مرور سنوات على آخر مرة رأته فيها لكنها تعرفه جيدا بل تحفظه عن ظهر قلب ..
تنحنح مسيطرا على مشاعره التي غلبته في لحظة غبية فتمتم بخفوت :-
" مرحبا ..."
سألته ببرود مستفز :-
" مالذي جاء بك إلي يا عمار ..؟!"
أضافت بتهكم :-
" أي ريح سوداء ألقت بكِ عندي ...؟!"
رد بنفس السخرية وقد إستعاد سخريته اللاذعة :-
" أعلم إن كلامك هذا من وراء قلبك .. بعد كل هذه السنوات أنت سعيدة لرؤيتي مجددا  ..."
أضاف وهو ينحني نحوها مبتسما بخفة :-
" أليس كذلك يا ريم ..؟!"
تراجعت الى الخلف تسأله مجددا بنبرة جافة :-
" ماذا تريد يا عمار ..؟!"
ابتسم وهو يقول :-
" أريد كل خير يا ريم .."
همست ضاحكة بتهكم :-
" وهل يأتي خيرا منك يا عمار ..؟! "
أضافت وهي تتأمل ملامحه الوسيمة بإهتمام :-
" قل ما لديك هيا ..."
تنهد ثم قال :-
" أحتاج إليك يا ريم .."
حل الصمت للحظات قبل أن يضيف بجدية :-
" هناك أمانة تخصني .. سأتركها عندك .. انت الوحيدة من أثق بها والوحيدة من تؤتمن عليها .. "
مطت شفتيها مرددة بإزدراء :-
" تفضل وقل ما لديك ..."
ثم فسحت له المجال ليدخل عندما تقدم الى داخل الشقة فأغلقت الباب خلفه وسارت نحوه تردد بمقت :-
" كنت أعلم إنني سأراك مجددا بعد كل هذه السنوات بكل آسف ..."
جلس على الكنبة مسترخيا بينما عيناه تتأملان الشقة بملامح جامدة فجلست قباله تنظر إليه بوجوم ...
أخيرا نظر إليها يتأملها بتلك البيجامة البيتية التي ترتديها فعاد يتأمل ملامحها وهي التي كلما كبرت إزدادت شبها بوالدته ...!!
" أعلم جيدا إنكِ إشتقتِ إلي مهما أظهرت غير ذلك .."
قالها بخفة لترفع حاجبها بترفع وهي تردد :-
" لا أشتاق لأمثالك يا عمار .."
أكملت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تسأله :-
" ولا أفهم أي أمانة تلك التي ستضعها عندي وأي ثقة تمتلكها اتجاهي وانت تعرف موقفي منك جيدا .."
رد ببساطة :-
" أيًا كان موقفك إتجاهي ، نحن نبقى أبناء خالة يعني بيننا صلة دم قوية جدا يا ريم ...."
أضاف عن قصد :-
" وأنا لم أنكر يوما تلك الصلة ولم أتهرب منها بل سعيت لتعزيزها عكسك ..."
ردت بجمود :-
" ولا أنا فعلت لولا تصرفاتك الغبية والمشينة يا عمار ...."
هتف ببرود :-
" ليست مشكلتي إننا نختلف كليا في التفكير والأهداف .... ليست مشكلتي إنك تصرين على حذو طريق مظلم مغلف برداء المثالية الغبية ... طريق لا حصاد فيه ...."
سألته بتهكم :-
"ماذا عن الطريق الذي سلكته يا عمار ..؟! هل حصدت منه شيئا سوى الكره والحقد والعداوات ...؟!"
أضافت وهي تسترخي في جلستها :-
" هذا الطريق جعلك تفقد جميع من حولك ... جعلك تخسر أقرب الناس إليك وأهمهم ... وما النتيجة ..؟! النتيجة إنك تجلس هنا أمامي تطلب مني المساعدة رغم كل ما بيننا من قطيعة امتدت لسنوات وكأنك لا تملك عائلة ولا أخوة ولا أي أحد ..."
تجهمت ملامحه مرددا :-
" سأتجاوز حديثك الآن لإنني .."
قاطعته ببرود :-
" مضطر ... لإنك مضطر يا عمار .. لإنه لا يوجد سواي ... "
ابتسمت مضيفة :-
" لإنك وحيد كما كنت دائما .. وحيد بإرادتك أنت ... "
قاطعها ببرود :-
" هل إنتهيت أم هناك المزيد ..؟!"
ردت بخفوت :-
" قل ما لديك يا عمار .."
حمل الملفات من جانبه ووضعها على الطاولة أمامها لتنظر إليه ريم بإهتمام فيوضح لها :-
" هذه الملفات عبارة عن مستندات بجميع أملاكي دون إستثناء ... جميع ما أملك ستجدينه هنا يا ريم حتى أموالي هنا وفي خارج البلاد ..."
سألته بتردد :-
" وماذا سأفعل بها أنا ..؟!"
أجاب موضحا :-
" ستبقى معك حاليا حتى يأتي الوقت المناسب وأخذها منك وإن لم يحدث .."
توقف لوهلة ثم قال :-
" ستذهبين الى محامي صديق لي ... سيفتح لك وصيتي الموضوعة في آخر ملف لوحدها .. سيفتحها بوجودك أنت وشيرين زوجتي وجيلان .."
هتفت بعدم إستيعاب :-
" مالذي تقوله يا عمار ..؟!"
رد بلا مبالاة :-
" انا لا أعلم ما ينتظرني يا ريم .... لذا أريد ترتيب كل شيء من باب الإحتياط ..."
أضاف بجدية وهو يخرج ورقة من جيبه ويقدمها لها :-
" ستجدين في هذه الورقة رقم هاتف جيلان وعنوانها الحالي فهي تمكث مع عائلة والدها ..."
قاطعته تسأله بقلق :-
" هي بخير ، أليس كذلك ..؟!"
أجابها بصوت متحشرج :-
" ليس تماما ..."
همت بالسؤال مجددا عندما قاطعها :-
" إسمعيني حتى النهاية يا ريم ...."
أضاف بنفس الجدية :-
" الآن لن تتصرفي بأي شيء .. "
أكمل بصوت متردد قليلا :-
" ربما ينتهي كل شيء على خير ولا أحتاج الى مساعدتك حينها ولكن إذا ما حدث شيء ما لي ..."
تنهد ثم قال :-
" ستفعلين ما قلته قبل قليل وما سأقوله لك ... حسنا ...؟!"
توترت ملامحها بعدم رضا لكنها إضطرت أن تهز رأسها مرغمة في النهاية وتستمع لحديثه ..
...............................................
وقفت بعيدا تتأمل شقيقتها مع خطيبها بشرود وهي تتذكره رغما عنها ....
رغم كل شيء تعترف إنها ما زالت تحبه بل وتشتاقه ..
اللعنة عليه وهو الذي يعيش حياته بالطول والعرض منذ زواجه تاركا إياها محطمة تدعي الصمود وتترقب النهاية ..!!
قاومت دموع كادت أن تغزو مقلتيها وهي تشيح بوجهها بعيدا حيث رفعت بصرها نحو السماء المظلمة تتأملها بصمت ...
عادت ببصرها نحو الحفل تتأمل شقيقتها المشغولة مع خطيبها والمدعوين فتدعو لها أن تسعد في حياتها معه ورغما عنها ما زالت تشعر بتأنيب الضمير اتجاهها وهي تتذكر ما تخفيه عنها ..!!
زفرت أنفاسها بتثاقل عندما شعرت بهاتفها يهتز داخل حقيبتها ...
فتحت حقيبتها الصغيرة وأخرجت هاتفها لتتصنم مكانها وهي تتأمل الرقم الذي يتصل بها ....
هل يعلم بإن اليوم خطوبة ليلى فيتصل بها متعمدا ...؟
أجابت عليه بترقب ليأتيها صوته الثقيل مرددا :-
" مبارك خطبة شقيقتك يا مريم ..."
سألته بسرعة :-
" كيف عرفت ...؟!"
رد ببساطة :-
"أنا أعرف كل شيء يا مريوم ... "
تجهمت ملامحها ورغما عنها تسائلت اذا ما كان يعلم بإتفاقها مع كنان أو رغبة كنان بالإنتقام منه ليقاطع أفكارها صوته وهو يردد بمكر :-
" لم أتوقع أبدا أن ترتبط شقيقتك بكنان نعمان ... مفاجئة صادمة حقا ..."
سألته بتحفز :-
" وما الصادم فيها ...؟!"
رد ببرود :-
" الأمر برمته يبدو غريبا ... متى وأين تعرفت شقيقتك على كنان ..؟! والأهم كيف وافقت ليلى عليه ...؟!"
أكمل عن قصد :-
" ربما الأمر يتعلق بثراءه خاصة وأنتم حاليا تحتاجون لمن ينتشلكم من ديون الوالد ..."
غمغمت بحدة :-
" لا تهذي يا عمار ... ليست ليلى من تفعل هذا .. لو كانت تفكر بالأموال لأخذت الشيك الذي أرسلته بعد تطليقك لها بدلا من رميه في سلة المهملات :.."
أكملت بجمود :-
" أما عن تلك الديون فأنا مسؤولة عنها ...."
قاطعها متهكما :-
" ولكن شقيقتك من تسببت بهذه الديون ولست أنت ..."
هتفت بصوت محتقن :-
" كلانا يعلم غايتك من وراء هذه الديون ....."
أضافت :-
" غايتك أنا يا عمار أم ستنكر ذلك ...؟!"
أجاب بثقة :-
" كلا لن أنكرها ... كنت وما زلت غايتي يا مريم ...."
نطقت بجموح :-
" لقد عرضت نفسي عليك ... ماذا أفعل أيضا ...؟!"
سألها بتسلية :-
" وهل ما زال عرضك قائما يا مريوم..؟!"
إحتقنت ملامحها كليا وهي تجيب بصوت مبحوح :-
" ما زال قائما يا عمار ...."
سمعت صوت تنهيدته الحارة وما تبعه من صمت امتد للحظات قبل أن ينطق بتروي :-
" سمعت إن أكرم تزوج ..."
تشنجت ملامحها وهي تغمغم :-
" نعم ، تزوج منذ مدة .."
كادت أن تضيف بسببك لكنها تراجعت وهي تدرك جيدا إنه يعلم ذلك مثلما تعلم هي ذلك جيدا ..
إنتظرت ما سيقوله بفضول وهي التي تتوق لقرب يتبعه هلاك عندما فاجئها مرددا :-
" تصبحين على خير يا مريوم ..."
كتمت الشتيمة التي كانت ستطلقها عليه وهي تهم بالرد عندما وجدته يغلق الهاتف قبل أن يسمع ردها لتتأمل الهاتف بتجهم للحظات غير مستوعبة ما فعله وسبب اتصاله من الاساس ولكنها شعرت بإن هناك شيء ما خلف مكالمته تلك وقد بدا عمار مختلفا وهو يتحدث معها بشكل لم تفهمه ...!!
............................................
تقف في مركز الشرطة بملامح باكية تنتظر قدوم غالية التي إتصلت بها تخبرها بإختصار عما حدث بعدما عجزت عن الإتصال بسواها ...
أغمضت عينيها تخفي دموعها محاولة التماسك قدر المستطاع وهي تتذكر إستسلامه لهم بل ورفضه لبقائها هنا بعدما طلب منها أن تتصل بالمحامي عن طريق غالية ثم تغادر حالا لكنها أبت أن تفعل ...
لم تفهم بالضبط ما يحدث فجلست تنتظر قدوم غالية مع المحامي عندما وصلت أخيرا فإتجهت بسرعة نحوها تهمس بإنفعال :-
" الشرطة أخذت نديم ..."
أضافت باكية :-
" لم أفهم شيئا ... لم أفهم ما حدث ... "
" اهدئي يا حياة ..."
قالتها غالية بتماسك عندما تحدث المحامي :-
" سأدخل وأتحدث مع الضابط ..."
جذبت غالية حياة تحاول التخفيف عنها رغم الذعر الذي يملأ قلبها ....
خرج نديم مكبلا بالحديد لتتقدم كلتاهما نحوه فيهمس لحياة محاولا طمأنتها :-
" انا بخير ... لا تقلقي .."
ثم أشار لغالية :-
" خذيها معك يا غالية ..."
هتف المحامي بجدية وهو يتابع رحيل نديم مع الشرطي :-
" هناك من بلغ عنه يتهمه بضربه هو ومجموعة من الشباب ...."
سألته غالية بعدم إستيعاب :-
" مالذي تقوله خالد بك ..؟! "
هتف خالد يشرح لها :-
" لقد تعرض شاب إسمه عمران للضرب من قبل مجموعة من الشباب ليلة البارحة وتم نقله الى المشفى وعندما إستيقظ أخبر المحقق إن نديم هو وراء ما أصابه بعدما تشاجر معه وهدده قبل يومين ..."
هتفت حياة فورا :-
" كذب .. نديم لا يفعل شيئا كهذا ..."
قالت غالية بدورها :-
" نديم لا يفعل شيئا كهذا ... انت تعرفه جيدا ..."
هتف خالد بتروي :-
" أعلم ذلك ... يجب أن تهدئا قليلا ... غدا سيتم جلب ذلك الشاب وإكمال التحقيق مع نديم أيضا .. "
أضاف :-
" سأذهب الآن وأتحدث مع الشاب فهو ما زال في المشفى وأفهم منه لماذا قال إنه نديم ومن أين يعرف نديم أساسا ..."
هتفت غالية تخبره :-
" هناك من لفق هذه التهمة له ..."
تمتم المحامي متأسفًا :-
" للأسف هذا واضح مستغلا وضع نديم كمجرم سابق والذي عزز من موقف الشاب وحديثه ..."
قالت حياة بلهفة :-
" لكن هذا ظلم .. نديم لم يفعل شيئا كهذا ... "
سأل المحامي بتأني :-
" هل كان نديم معك ليلة أول البارحة يا هانم ..؟!"
أجابت حياة بجدية :-
" هو لا يخرج ليلا أساسا .."
قال المحامي :-
" هل كان معك في تمام الساعة الثامنة ....؟!"
شردت حياة لوهلة قبل أن تجيب :-
" كلا ، ولكنه غادر ليجلب بعض الحاجيات للمنزل و ..."
قال المحامي محاولا طمأنتها :-
" هذا ما قاله نديم ...."
سألته غالية بتجهم :-
" لماذا تسأل إذا ..؟! هل تعتقد إنه يكذب ..؟!"
قال المحامي بسرعة :-
" كلا يا هانم ولكن ..."
توقف قليلا ثم قال بحذر :-
" ربما كان في مكان مختلف وإضطر أن يكذب ولكن هذا لا يعني إنه كان في موقع الحادث ..."
أضاف مسترسلا :-
" حاولي أن تهدئي يا غالية هانم ... غادري أنت والهانم مركز الشرطة حالا فلا داعي لوجودكما هنا ..."
هتفت حياة بعدم تصديق :-
" هل سنترك نديم و ..."
قاطعها المحامي بجدية :-
" نديم بك سيبقى في الحبس يا هانم مؤقتا ..."
أضاف بجدية :-
" الأفضل أن تغادرا الآن وتأتيان غدا ..."
هزت غالية رأسها بصمت ثم أشارت الى حياة :-
" هيا يا حياة لنغادر .. لا فائدة من وجودنا هنا كما قال خالد بك ..."
نظرت لها حياة بعينين دامعتين فحاولت غالية الحفاظ على تماسكها وهي تخبرها :-
" لنغادر الى الفيلا ... هيا ...."
إستسلمت حياة مرغمة وسارت معها دون نقاش بينما عقلها كان شاردا كليا فيما حدث والخوف سيطر عليها دون رحمة ...
..................................................
ما إن دلفت غالية مع حياة الى الفيلا حتى وجدتا صباح تتقدم نحوهما تسأل بخوف من قدوم حياة مع ابنتها :-
" ماذا حدث يا غالية ..؟؟ أين نديم ..؟! هل هو بخير ..؟!"
كتمت حياة دموعها قسرا محاولة التمسك أمامها بينما منحتها غالية نظرة جامدة وهي تشير الى حياة :-
" تعالي يا حياة ... سوف تبيتين في غرفة نديم ... حسنا ..."
هزت حياة رأسها بصمت عندما قبضت صباح على ذراع حياة تسألها بعدما تجاهلتها ابنتها كالعادة منذ تلك الليلة :-
" هل نديم بخير يا حياة ..؟! هل أصابه مكروه ..؟!"
أجابت غالية عوضا عنها :-
" نديم في السجن .. لقد بلغ عنهم أحدهم يتهمه إنه ضربه وتسبب بدخوله المشفى .. لا داعي لإن نخمن من الفاعل لإنه معروف ..."
شهقت صباح بعدم تصديق بينما همست غالية لحياة :-
" هيا يا حياة .. انت حامل ويجب أن ترتاحي ..."
تحركت حياة معها عندما أدخلتها غالية غرفة نديم وهي تخبرها إنها ستجلب لها شيئا ترتديه لكن حياة رفضت معللة :-
" لا داعي لذلك ... سأنام في ملابسي فهي مريحة وغدا صباحا سنذهب مباشرة الى مركز الشرطة ..."
" ولكن ..."
أوقفتها حياة بنبرة مرهقة :-
" لا أحتاج حقا لذلك .. أساسا سأخلد الى النوم فورا ..."
سألتها غالية بإهتمام :-
" ألن تتناولي شيئا قبل النوم ..؟!"
أجابت حياة بخفوت :-
" لقد تناولت الطعام أساسا قبلما حدث ..."
هزت غالية رأسها بصمت عندما أخبرتها حياة :-
" إرتاحي أنت أيضا يا غالية ..."
غمغمت غالية بصوت مبحوح :-
" أنا بخير يا حياة .."
ولكنها لم تكن بخير ابدا وحياة كانت تعلم ...
تأملتها حياة بشفقة وهي التي تضطر للتماسك وإدعاء الثبات كعادتها عندما منحتها غالية إبتسامة كاذبة وهي تربت على وجهها  تخبرها بحنو :-
" سيخرج غدا بإذن الله .. لا تقلقي ..."
لم تستطع حياة منع نفسها من معانقتها ولم تعرف لماذا فعلت ذلك لكن ما تدركه جيدا إنها شعرت بالرغبة لدعم غالية وإخبارها بشكلٍ غير مباشر إنها معها دائما ...
تشبثت غالية بها بسرعة وهي تكتم دموعها بقوة ...
كانت تشعر برغبتها الشديدة في البكاء لكنها لا تستطيع أن تفعل ....
إبتعدت أخيرًا عن أحضان حياة وهي تبتسم لها بعينين دامعتين قبل أن تغادر الغرفة تاركة حياة لوحدها تتأمل غرفته بملامح محتقنة تنذر بالبكاء ...
تقدمت نحو سريره وجلست عليه وأخذت تتحرك ببصرها في أرجاء الغرفة عندما سقطت عيناها على صوره في مراحل عمرية مختلفة موضوعة على تلك الطاولة الجانبية فنهضت من مكانها تتأمل الصور واحدة تلو الأخرى بتمعن حتى لمست صورة تخرجه بتلك الإبتسامة الواثقة المرتسمة على شفتيه فتساقطت دموعها بغزارة ....
مسحت دموعها بقوة بعدما أعادت الصورة الى مكانها ثم اتجهت الى السرير بتعب شديد لتتمدد فوقه وهي تجذب الغطاء عليها بينما دموعها ما زالت تبلل وجهها لتغمض عينيها محاولة الهرب الى النوم الذي تحتاجه في هذه اللحظة أكثر من أي شيء ..
.....................................................
غادرت غالية غرفة نديم متجهة الى غرفتها لتجد والدتها هناك في انتظارها ..
تقدمت صباح نحوها تسألها بلهفة :-
" ماذا سيحدث الآن يا غالية ..؟! كيف سينتهي الأمر ..؟! ماذا سيحدث مع شقيقك ..؟!"
ردت غالية بوجوم :-
" مالذي سيحدث مثلا ..؟! المحامي سيحاول التصرف ..."
أكملت عن قصد وهي التي لم يعد بمقدروها التحمل والصمت أكثر :-
" كل شيء حدث وما زال يحدث بسببك .. أنتِ السبب في كل هذا ..! "
" غالية ..."
همست صباح بترجي لتهتف غالية بقسوة :-
" دمرت حياته بل حياتنا جميعا ... انت سبب ما يحدث معنا ... جميع ما يحدث هو نتيجة طبيعية لأفعالك السابقة ... انت تسببت بموت المرأة المسكينة بل دمرت حياتها وحياة ولدها والآن نحن ندفع ثمن ذنوبك وأنانيتك ... هنيئا لك بما جنته يداك يا ماما ... اتمنى أن تكوني سعيدة بعدما فعلتيه لأجل رجل ...! دمرت حياة الجميع بسبب أنانيتك ورغبتك برجل دون أن تفكري سوى بنفسك ..."
" لا تفعلي يا غالية ..."
قالتها صباح بصوت مبحوح ونظرات متوسلة لتهز غالية رأسها مرددة بجمود :-
" دمرت حياة نديم بالكامل .. نديم فقد كل شيء بسببك ... لم يسلم أحد من تبعات شرك حتى ولدك الوحيد..."
" يكفي يا غالية .. يكفي ..."
قالتها صباح بدموع حارة لتصيح غالية بتعب :-
" أنت من يكفي ... كل مرة تجاهلت فيها الحقيقة مرغمة ... حتى بعدما أخبرتني أنت بحقيقة علاقتك مع والدي .. تجاهلت ما عرفته مرغمة ... حاولت أن أتغاضى عن جميع الحقائق التي عرفتها وما زلت أحاول لكنني لا أستطيع الإستمرار في هذا .. لا أستطيع خداع نفسي أكثر .. لا يمكنني التغاضي عن الحقائق أكثر ..."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" انت دمرت حياة نديم بنفسك ... سامحيني لكنني لا يمكنني خداع نفسي وخداعك أكثر .."
هزت صباح رأسها بتعب تردد :-
" أنا آسفة يا غالية ... آسفة يا ابنتي .. انت معك كل الحق.. انا السبب .. انا سبب كل شيء .."
هطلت دموع غالية فوق وجنتها بغزارة بينما تحركت صباح بضعف خارج غرفتها لتجلس غالية فوق سريرها باكية وهي  تشعر بعدم قدرتها على تحمل المزيد ...
................................................................
خرجت غالية بعد مدة من الزمن من الحمام وهي تجفف شعرها ..
شعرت بتحسن وضعها قليلا بعدما بكت لمدة لا تدركها فنهضت تأخذ حماما دافئا طويلا ..!!
وقفت أمام المرآة تتأمل وجهها شديد الاحمرار فابتسمت بتهكم رغما عنها وهي تحمل عطورها وتضع منها فوق جسدها كعادة ليلية ملازمة لها ....
جلست بعدها فوق سريرها بتعب عندما جذبت هاتفها تنظر اليه بتردد عندما حسمت أمرها واتصلت به ليأتيها صوته المرحب بها رغم دهشته :-
" أهلا غالية .. هل انت بخير ..؟؟"
تنحنحت تجيب بحرج :-
" اهلا فادي .. آسفة لإنني إتصلت بك في هذا الوقت المتأخر ولكن .."
هتف فادي بجدية :-
" لا عليك .. أخبريني ماذا هناك ..؟؟"
أخذت نفسا عميقا ثم همست بتردد :-
" الشرطة أخذت نديم مساء اليوم .."
سألها بإهتمام :-
" لماذا ..؟ا ماذا حدث ..؟!"
أجابته بصوت مبحوح :-
" هناك من قدم شكوى ضده ..."
أخذت نفسا عميقا ثم سردت له ما حدث عندما هتف بجدية :-
" حسنا ... سأتابع الأمر بنفسي ... "
ثم سألها عن إسم نديم الكامل ومركز الشرطة الذي ذهب إليه ليطمئنها مرددا :-
" لا تقلقي يا غالية .. سأرى الأمر بنفسي ..."
غمغمت بصوت خافت :-
" أشكرك حقا يا فادي .... "
أضافت بخجل :-
" أنا لم أستطع منع نفسي من طلب مساعدتك بسبب شدة قلقي ... انت تعرف وضع نديم السابق ... آسفة حقا على إزعاجك ..."
قاطعها فادي بنبرة ودودة :-
" لا تفعلي يا غالية .. الأمر بسيط بإذن الله .. على الرحب والسعة بك في أي وقت .."
شكرته مجددا وودعته وهي تدعو داخلها أن ينتهي الموضوع على خير ...
.....................................................
في صباح اليوم التالي ...
خرجت حياة مع غالية متجهين الى مركز الشرطة عندما وجدتا المحامي هناك ينهي اجراءات خروج نديم دون أن تفهم أيا منهما ما حدث ....
وقفت غالية بجانب حياة تنتظر خروج شقيقها بينما في القرب منهما كان يقف فادي يتحدث مع المحامي عندما خرج نديم فاستقبله خالد مرحبا به :-
" الحمد لله على سلامتك نديم بك ..."
سأله نديم وهو ينظر الى فادي بتعجب :-
" ماذا حدث يا خالد ..؟!"
هتف خالد يخبره :-
" لقد تبين إن هناك خطأ ... الشاب أخطأ في المعلومات التي ذكرها وعندما رأك أخبرهم إنك لست نفس الشخص الذي تشاجر معه وهدده ..."
نقل نديم بصره نحو فادي يسأله :-
" أنت شقيق فراس خليل ، أليس كذلك ..؟!"
هتف فادي معرفا عن نفسه :-
" فادي خليل .. مقدم في الداخلية .."
هتف خالد مضيفا :-
" سيادة المقدم ساعدنا يا بك ... سهل علينا الكثير ...."
هز نديم رأسه يشكره :-
" أشكرك سيادة المقدم .. "
أضاف بجدية :-
" مع إنني لا أفهم حتى الآن ما يحدث .. البارحة تم القبض علي في تهمة لا أعرف عنها شيئا واليوم خرجت مباشرة ..."
أشار له فادي مرددا يخبره بما فهمه مما حدث حيث هتف بجدية :-
" بلاغ كاذب ..."
همس نديم مدهوشا :-
" كيف ..؟!"
شرح فادي بنبرته العميقة :-
" هناك من تعمد زج إسمك في هذه الحادثة ... ربما تهديد غير مباشر او وعيد لشيء قادم ..."
تجهمت ملامح نديم بصمت وهو يراجع ما سمعه ..
الأمر كله مجرد لعبة ..
تهديد بل وعيد كما قال فادي ...
عمار يتصرف بطريقة تشبهه ...
يتصرف بمكر يناسبه ...
هو يبعث له رسالة غير مباشرة أن ينتبه لما هو قادم ...
" شكوكي كانت في محلها إذا ..."
قالها نديم فوجد خالد ينظر نحوه بأسف قبل أن يهتف بجدية :-
" المهم إنك بخير ... حمد لله على سلامتك ..."
أضاف بجدية :-
" إسمح لي نديم بك .. ما زال هناك إجرائات سأنتهي منها ثم أغادر الى مكتبي ..."
هز نديم رأسه بتفهم وشكره قبل أن يسمع فادي يخبره :-
" اتمنى ألا تفهم كلامي بشكل خاطئ أو تعتبر تدخلا ولكن كن حذرا فيما بعد فهناك من يترصد لك وهذا واضح جدا وما يساعده في ذلك هو قضيتك السابقة ..."
هتف نديم بجمود :-
" أعرف ذلك سيادة المقدم مثلما أعرف هوية الشخص المتسبب بكل هذا .."
أضاف متسائلا :-
" ولكن يهمني أن أعرف سبب وجودك هنا .. "
أضاف بتجهم :-
" لماذا غالية طلبت منك ذلك ..؟! "
هتف فادي بهدوء :-
" في الحقيقة انا وغالية هانم تجمعنا معرفة سابقة كما تعلم وهي طلبت مساعدتي ..: "
نظر له نديم بعدم رضا وهم بالتحدث عندما أشار فادي خلفه :-
" الآنسة غالية وزوجتك هنا ..."
التفت نديم الى الخلف بسرعة لتقترب غالية نحوه تعانقه بينما وقفت حياة خلفها تنظر له بلهفة ...
ابتعدت نديم عنها وهو يربت فوق شعرها مرددا :-
" انا بخير غاليتي .. اطمئني .."
ابتسمت غالية له بعينين دامعتين عندما التفت عيناها بعيني فادي الذي رحب بها بهزة من رأسه بينما احتضن نديم زوجته التي تعلقت به بلهفة شديدة وهي تردد :-
" الحمد لله على سلامتك .. خفت عليك كثيرا ..."
همس نديم وهو يربت على ظهرها :-
" انا بخير حبيبتي .. اطمئني ..."
ثم ابتعد عنها يشير الى غالية بتردد :-
" هل ماما بخير ..؟!"
هزت غالية رأسها مرددة بخفوت :-
" نعم بخير .. اطمئن ..."
أضافت وهي تنظر الى فادي :-
" شكرا حقا سيادة المقدم ... "
هتف فادي بدوره :-
" على الرحب والسعة آنسة غالية .."
قال نديم بدوره وهو يرمق شقيقته بنظراته :-
" أشكرك حقا يا باشا ... وأعتذر عما تسببناه لك من إزعاج ..."
ابتسم فادي قائلا بود :-
" صدقني لا داعي للشكر .. ومتى ما إحتجت أي شيء فأنا موجود .."
أضاف بعدها مرددا :-
" والآن إسمحوا لي فأنا يجب أن أغادر .."
ودعه نديم وكذلك غالية عندما تلاقت بعدها نظراتها بنظرات شقيقها لتجد التساؤل والشك صريحا في عينيه ..
شعرت بالتردد فيما ستقوله لكن حياة أنقذتها وهي تخبر نديم :-
" هيا نغادر فورا أنت تحتاج الى الراحة يا نديم ..."
همست غالية بتردد :-
" ألن تأتي الى الفيلا وترى ماما ..؟!"
جمدت ملامحه كليا وهو يجيب :-
" الأفضل ألا أفعل الآن تحديدا يا غالية ..."
ابتسمت غالية بارتباك وهي تربت على ذراعه بمؤازرة قبل أن يخرج الثلاثة سويا حيث أوصلتهما غالية الى شقتهما ثم غادرت عائدة الى منزلها عندما وجدت الخادمة تخبرها إن والدتها لم تنزل من غرفتها حتى هذه اللحظة ...
طلبت منها غالية أن تتفقدها بينما ستذهب هي لتغيير ملابسها حيث صعدت الى غرفتها وهمت بخلع قميصها عندما انتفضت من مكانها على صوت صراخ الخادمة المفزع بإسم والدتها ..
انتهى الفصل ..

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now