الفصل السابع عشر

4K 181 21
                                    

الفصل السابع عشر
كانت تتأمل هديته بسعادة بالغة غير مستوعبة بعد مدى روعة ما أهداها إياه عندما وجدت والدتها تدلف الى المكان أخيرا يتبعها أخيها ..
أغلقت الهدية بسرعة ووضعتها جانبا ثم نهضت تحتضن أخيها وهي تردد بسعادة :-
" أشكرك على هديتك يا نديم .. أعجبتني حقا .."
ربت على ظهرها وهي ما زالت تحتضنه قبل أن يبعدها قليلا وهو يهمس بصدق وحب :-
" تستحقين أكثر .. فأنتِ الغالية يا غالية .."
ضحكت بسعادة على هذه العبارة التي كان دائما ما يرددها والدها واليوم جاء دوره هو في ترديدها ..
نظرت الى والدتها التي جلست جانبها تتأملهما بسعادة حقيقية فرغم كل ما تمر به إلا إن رؤية ولديها تجمعهما كل هذه المحبة والترابط تجعلها أسعد ما يكون ...
اتجهت غالية نحو والدتها تقبلها من وجنتيها وتشكرها على هديتها هي الأخرى قبل أن تهتف مشيرة إليهما :-
" كانت حفلة رائعة ، أليس كذلك ..؟!"
اومأ نديم برأسه وهو يجيب :-
" نعم ، رائعة ككافة حفلات أعياد ميلادك .."
أضافت غالية :-
" أشعر بالكثير من الإرهاق بعد هذا اليوم الطويل المتعب .."
سمعت والدتها تخبرها :-
" اذهبي وارتاحي .. خدي حماما دافئا ثم نامي بعدها ... لقد تعبتِ كثيرا اليومين السابقين في الإعداد للحفلة .."
شعرت غالية إن والدتها لا تريد منها أن ترتاح بقدر ما تريد منها أن تترك المساحة لتتحدث مع نديم فمنحتها إبتسامة هادئة وقالت وهي تومأ برأسها :-
" معك حق .. سأصعد الى غرفتي وأخذ حماما طويلا وأنام فورا بعدها .."
ثم عادت تقبل والدتها من وجنتيها وتودعها ثم قبلت أخيها هو الآخر وتحركت خارج المكان تاركة نديم مع والدته التي أشارت له بالجلوس أمامها ...
جلس نديم أمام والدته مبتسما بخفة مرددا بجدية :-
" قولي ما لديكِ .. انا أعلم إنك تريدين قول الكثير .."
تنهدت والدته بصوت مسموع ثم سألته بجدية :-
" ألا ترى إنك إستعجلت بأمر إعلان خطبتك ..؟! ألم يكن من المفترض أن تنتظر قليلا ..؟!"
هز نديم رأسه نفيا ورد بسرعة :-
" أبدا .. على العكس تماما أنا إخترت الوقت المناسب لذلك .."
سألته بحذر :-
" إذا هل انت واثق من مشاعرك يا نديم ..؟! هل أنت متأكد من خطوتك هذه ..؟! "
أجاب بصدق ظهر في عينيه :-
" انا أريد حياة .. أريدها أكثر من اي شيء ..."
قاطعته والدته بتمهل :-
" أنا أتحدث عن مشاعرك يا نديم ... "
قاطعها هو بدوره :-
" دعي مشاعري جانبا ... انا أريدها بشدة ولا أريد غيرها .."
أخذت والدته نفسا ثم قالت بتأني :-
" كيف أضع مشاعرك جانبا يا نديم وهي الأساس ..؟! "
سألها بجبين متغضن :-
" ماذا تقصدين ..؟!"
أجابت بجدية :-
" أنت تهرب من مشاعرك .. تحاول أن تسيطر عليها أو تخفيها تماما من خلال إدخال أخرى لحياتك .. أخرى ستتخذها مسكنا لك ظنا منك إنه من خلالها ستتخطى مشاعرك وتتناساها .."
قاطعها على الفور مدافعا عن نفسه :-
" كلا يا أمي ، الأمر ليس هكذا بالطبع .. ليس هكذا أبدًا .. نعم مشاعري ما زالت ملك ليلى لكن حياة ليست بديل او مسكن كما تظنين .. حياة هي حياة جديدة أريد أن أعيشها .. حياة هي المنحة الآلهية التي أتتني في وقت كنت أحتاجها به أكثر من أي وقت آخر ... حياة هي الشيء الوحيد الذي أردته بكل ما في وأنا أدرك جيدا ما ستمنحني إياه وما بإمكاني أن أغدو معها وبوجودها ..."
" وهي ..؟! ماذا عنها ..؟! هل تعلم إنك ما زلت تحب ليلى ..؟! هل تعلم إن مشاعرك نحوها هي حاجة لا أكثر ...؟؟"
رد بعصبية خفيفة :-
" ليست مجرد حاجة .. انا لا أحتاجها فقط .. علاقتي بحياة ورغبتي بها أكبر من مجرد إحتياج .. شيء لا يمكنني وصفه ... لكنه شيء كبير ومهم جدا .. اما عن مشاعري فهي تخصني لوحدي ... لا يحق لأحد محاسبتي عليها .."
هتفت صباح بقوة وسيطرة :-
" لا تكن أنانيا يا نديم .. أنت تخطبها ومشاعرك ملك لأخرى .. هي تستحق أن تكون في قلبك ليس سواها أحد .."
تنهد بقوة ثم قال :-
" أمي انا لم أخبرها إني أحبها .. لم آت على ذكر سيرة المشاعر من الأساس .. لم أخدعها ..."
" إن سألتك عن مشاعرك ستخبرها الحقيقة إذا ..؟!"
كان سؤالها محيرا ومربكا وظهرت الحيرة في عينيه فإبتسمت والدته بنظرة ذات مغزى وقالت :-
" هذا ما كنت أعنيه يا نديم وهذا أكثر ما يخيفني ..."
" مم تخافين بالضبط يا أمي ..؟!"
سألها حائرا مرتبكا لتجيب بصدق :-
" أخاف على تلك الفتاة التي أدخلتها في دوامة معقدة كهذه .. أخاف عليها أن تفيق يوما على حقيقة إن لا مكان لها في قلبك ... أخاف عليها من إنتهاء كل ما تريده وتحتاجه منها فيصبح وجودها باهتا في حياتك .. لا أريد لها هذا لإنها لا تستحق هذا أبدا ... هل فهمت مم أخاف يا نديم ..؟! هل فهمت يا بني ..؟!"
ألقت كلماتها الأخيرة ونهضت من مكانها تتجه خارج الغرفة يتابعها نديم بنظراته الزائغة وهو يشعر بمرارة شديدة في حلقه وشيء ثقيل يجثم على صدره بعدما سمعه من والدته ..
......................................................................
جلست على سريرها في غرفتها التي أعدتها والدتها لها بعدما ارتدت بيجامتها الحريرية ورفعت شعرها القصير عاليا على شكل كعكة صغيرة ...
تراجعت بجسدها الى الخلف تفكر بما حدث اليوم وتصرف نديم الذي فاجئها للغاية فلم تعرف ماذا تفعل وكيف تتصرف ..
لم يكن أمامها سوى مسايرته فيما قاله والمشكلة إن مسايرتها تلك تعني إن الخطبة ستتم في موعدها الذي حدده ..
تنهدت بتعب عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول ..
دلفت حنين إليها مبتسمة وهي ترتدي بيجامتها وترفع شعرها الطويل عاليا ..
اتجهت تجلس بجانبها وهي تهتف بجدية :-
" الحفلة كانت جميلة .."
قالتها حنين وهي ما زالت تبتسم لتومأ حياة برأيها وهي تؤيد حديثها :-
" نعم هي كذلك .."
أردفت حنين بنفس الإبتسامة :-
" انا سعيدة حقا لأجلك .. لم أكن أتوقع أن يخطبك نديم اليوم تحديدا .. لكن كيف سنخبر ماما بهذا الأمر .. ؟! أليس من المفترض أن يخطبك منها ..؟!"
هزت حياة رأسها وقالت :-
" في الحقيقة لا أعلم ما يجب أن يحدث ... ولا أعلم كيف سأخبر والدتي بما حدث اليوم .."
تأملت حنين وجه أختها الذي لا يدل على أي فرحة بما حدث فسألتها مستغربة :-
"ألستِ سعيدة يا حياة ..؟!"
صمتت حياة قليلا ثم أجابت بصدق :-
" الأمر ليس بكوني سعيدة أم لا .. الأمر يختلف تماما .. انا حائرة ومترددة وأشعر إن كل شيء يحدث بسرعة غريبة ... أشعر إنني غير راضية عن كل هذا .."
أضافت بخفوت لم تسمعه حنين التي تبدلت ملامحها السعيدة بخطبة أختها الى أخرى واجمة :-
" أشعر إن كل شيء يحدث لغاية .. غاية يريدها هو وانا من سأحققها له ليس سواي ..."
سمعت حياة حنين تسألها فجأة :-
" أنت تحبين نديم ، أليس كذلك ..؟؟"
ردت حياة بسرعة :-
" بالطبع أحبه ..أحبه كثيرا ..."
" لماذا إذا تظنين إن الخطبة حدثت بسرعة ..؟! طالما تحبينه ، أين تكمن المشكلة ولمَ التردد من الأساس ..؟!"
سألتها حنين بتعجب لتصمت حياة ولا ترد فتأملت حنين ملامحها المتجهمة لتسألها بجدية :-
" هل هناك ما تخفينه عني يا حياة ..؟! أقصد هل هناك شيء ما يخص علاقتكما يجعلك مترددة بل خائفة هكذا ..؟!"
تنهدت حياة ثم أجابت :-
" أنت لا تعرفين أي شيء عنا يا حنين .. لا تعرفين كيف بدأت علاقتنا بل كيف إلتقينا .. لا تعرفين ماضي نديم وما مر به ..."
ابتلعت حنين ريقها وسألتها بتوجس :-
" وماهو ماضي نديم يا حياة ..؟! أخبريني فشعور القلق داخلي يزداد بسرعة مخيفة .."
نظرت حياة إليها بتردد قبل أن تخبرها بخفوت :-
" نديم كان مسجونا لسنوات ... مسجونا بتهمة بيع مواد ممنوعة في صيدليته .."
صرخت حنين بعدم تصديق :-
" بيع ماذا ..؟! ومسجون أيضا ..؟! يا إلهي ..."
قالت حياة بسرعة توبخها :-
" اصمتي يا حنين  .. ستفضحيننا.. "
تشنجت ملامح حنين وهي تسألها بعدم تصديق :-
" كيف تقبلين بشيء كهذا يا حياة ..؟! كيف تقبلين أن تتزوجي بسجين سابق و ..؟!"
قاطعتها حياة بسرعة مدافعة عنه :-
" نديم بريء .. لقد سجن ظلما .. انا أثق بهذا أكثر من أي شيء ..."
صمتت حنين ولم تتحدث بينما أكملت حياة بقوة :-
" موضوع سجنه آخر ما يهمني ... فأنا أحبه وأثق ببراءته .. "
سألتها حنين بوجوم :-
" اذا مالذي يهمك ..؟! "
أخفضت حياة وجهها قليلا قبل أن ترفعه وتأخذ نفسها ثم تجيب :-
" خطبته السابقة ... فهو كان خاطب لإبنة خالته ويحبها بشدة وأنا أشعر إنه ما زال يحبها رغم كل ما حدث بينهما .."
سألتها حنين بفضول :-
" ومالذي حدث بينهما ..؟!"
ترددت حياة قليلا لكنها أجابتها :-
" فسخت خطبتها منه بعد دخوله السجن وتزوجت من أخيه .."
تمتمت حنين بعدم تصديق :-
" يا إلهي .. لا أصدق هذا .."
أضافت بضيق :-
" وطالما إنك تشعرين إنه ما زال يحبها ، مالذي يجعلك تربطين نفسك به ..؟!"
توترت ملامح حياة وهي ترد :-
" انا احبه يا حنين وهو اختارني بنفسه ... هو أرادني زوجة له ... ربما شعوري هذا غير حقيقي وربما ما يوجد داخله مجرد شوائب ماضي سيتخلص منها عاجلا آم أجلا .."
" في الحقيقة لا أعلم ما أقوله .. لكن الوضع يبدو لي معقدا للغاية .. من جهة سجنه لسنوات وأسباب سجنه ومن جهة مشاعره تجاه خطيبته السابقة والتي هي في نفس الوقت زوجة أخيه .. لا أعلم لماذا أشعر إنك ستدخلين في مشاكل وتعقيدات أنتِ في غنى عنها .."
توقفت حنين عن حديثها تتأمل ملامح أختها المضطربة لتضيف بجدية :-
" وماذا عن والدتي ..؟! هل تظنين إنها ستقبل به زوجا لك بعدما تعلم بأمر حبسه ...؟!"
هتفت حياة بسرعة مدافعة عنه بإستماتة :-
" أخبرتك إنه بريء كما إنني كبيرة بما فيه الكفاية لإختيار شريك حياتي المناسب لي .."
هزت حنين رأسها بعدم أقتناع قبل أن تتبادل نظرات ذات معنى مع أختها التي أشاحت بوجهها بعيدا تحاول الهرب من نظرات حنين التي تخبرها بما تخشى منه ..
......................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) Where stories live. Discover now