الفصل الأول

16 4 4
                                    

تعيش عائلة غنية متكونة من الشجرة و الساقي إضافة لثمرتهما الوحيدة وسط حي متواضع في طرف المدينة، يسوده الهدوء و يتميز بالإنارة الخفيفة

الأحياء مثلها مثل الحقول و لأنه في كل حقل توجد أنواع شتى من النباتات، اشتهرت شوكة وسط الناس حادة من جهة و سامة من الناحية الأخرى

الكل يهاب الإقتراب منه بل حتى النظر إليه و لو من بعيد

شاب شاحب الوجه، ذابل العينين ذنبه الوحيد أنه لا يتخلى عن لباسه الأسود، يمشي وحيدا بعيدا عن الضوضاء

من سوء حظ العائلة أنه كان هو صاحب السكن المقابل لهم
كان يقضي معظم لياليه على الشرفة و كأنه ينتظر أحدا

الوالد حاول تقصي بعض المعلومات عنه و كل الردود جاءت محذرة معلنة الخطر

يقول أحدهم سارق، الآخر يقول بائع ملهوسات و هناك من يروي أنه سفاح فصدق منهم من تريد أو زد على كلامهم معا و انقله.

ذلك كان سببا عاجلا ليأخذ بعض التدابير الوقائية، جمع كل أمواله و وضعها في البنك، أوصى بإخفاء الذهب و المجوهرات في صندوق بعيد عن الأعين، أخذ كل الإحتياطات من شخص لا يعرف عنه سوى ما أخبروه به و كم من واحد منا حكم على آخر بهكذا طريقة

"قضاة فاسدين نحن، نشوه ملامح بعضنا البعض"

انتهى به الوسواس بوضع كاميرات مراقبة حول البيت و لم يتوقع أن تكون الكاميرا الأساسية هي ابنته الوحيدة التي تراقبه بإستمرار لا تعرف هل خوفا منه أم فضولا لا يشبع من إراقة أسئلتها حوله

هل حقا ما يشاع عنه ؟
إلى أي حد يمكن أن يؤذي هذا العالم ؟
لكن لماذا يبدو بائسا ؟
إنه لا يصدر أي صوت ببيته فكيف يقولون عنه شرير ؟

كانت هاته الفتاة التي تقارب التاسعة و العشرين من عمرها تزاول مهنة الطب في عيادتها الخاصة و عندما تعود لغرفتها تشدها اللهفة و تدعوها لرؤيته من خلال نافذتها، لقد أصبحت عادتها المحببة

مساء الخميس و هي تغادر عملها ظهرت عليها الإبتسامة و السرور، إنها عطلة الأسبوع و ستكون لها فرصة السهر و هي تتصفح ذلك الغريب.

ليلتها جاء القمر كاملا ليساندها و هي تنتظر خروجه لمكانه المعتاد، ستراه حتى تشبع عيونها و تهدأ روحها، حتى تتمكن من تفسير ما بين سطوره و محتواه
مر الوقت و هي كل لحظة تنظر فيها للعقارب السامة قائلة :
أين هو ؟
ما باله اليوم لم يظهر ؟
تبا تأخر الوقت كم سأنتظره بعد ؟
لماذا اختار هاته الليلة ليغيب هو ؟

نال منها الإجهاد و غابت عنها الإبتسامة، أخيرا حاولت النوم إلا أن غيابه كان يمنعها فلجأت لشرب منوم ممزوج بالحلم الذي لم يتحقق

احتضنت وسادتها و قالت بداخلها تبا و لماذا أنا أنتظره.

مرت السحابة الأولى التي منعتها من رؤيته أما بعدها فقد ازدادت السحب ليلا و ظهر الضباب نهارا، كل شيء اجتمع ليحجبه عنها و كأنه ذهب و لن يعود
بالفعل هطلت الأمطار على وجهها و بسبب لا تفهمه أو لأنها لا تريد أن تفهمه فهي لا تقوى على مواجهة ذلك الشعور
ذهب الأسبوع الأول و جاء الثاني الكل بدأ يلاحظ مرض الشرود على وجه الثمرة عاجزين حتى على فحصها
في نهاية الأسبوع الثالث كانت السماء غائمة ماطرة و تعزف الرياح على مسامعها، هي متعبة من العمل و غيابه يؤرقها أكثر، كل أمنيتها أن تنقضي هاته الفترة و تذهب لترتاح.
بينما كانت تجلس بانتظار مريض جديد دخلت مساعدتها و أخبرتها أنه الأخير فقالت في نفسها افففف و أخيرا أما لها فقالت حسنا ادخليه لأفحصه ثم نغلق

انتهت منه و بدأت تستعد للمغادرة حتى عادت المساعدة تقول: عذرا سيدتي جاء مريض آخر
فهل تفحصينه ؟

نظرت إليها بنظرة كلها إرهاق، حينها أكملت تقول يبدو متعب للغاية
حسنا أدخليه لنرى نهاية هذا اليوم...

رواية كاتب تائهWhere stories live. Discover now