الفصل السادس: الضيوف

17 2 8
                                    


بشق الأنفس وصلت عطلة نهاية الأسبوع التي تنتظرها على نار الشوق الحارقة لزيارة قبر الحبيب الأول الحي بقلبها، في تلك الليلة باتت تحضر نفسها للقاء راحلها

تدعو له بالرحمة، تعانق وسادتها و تقول في نفسها انتظرني أنا قادمة فور حلول الصباح

تتقلب يمينا و شمالا و هي تراه أمامها، إنها أحلام اليقظة تراودنا و تستنزف منا الكثير من الوقت و المشاعر لهذا نامت متأخرة متعجبة من طول الليلة و ثقلها

و لأنه لا يحصل كل ما نخطط له هي استيقظت على صوت المنبه الحنون

- بنيتي بنيتي
تحركت بصعوبة و قالت: نعم يا أمي

- إنهضي أحتاج مساعدتك
- أمي كم هي الساعة الآن ؟ عندي برنامج خاص بي

- لا لن تذهبي لأي مكان، كل الأسبوع و أنا أقوم بأشغال المنزل وحدي، كما أنه اليوم لدينا ضيوف

- أمي أرجوك اعفني من هذا
- قلت لك لا يوجد خروج، هيا أنا أنتظرك لنرتب البيت

- حسنا حسنا يا أمي

غالبا هذا ما يحدث بين الأم و ابنتها، يوم حافل بالأعمال المنزلية من تنظيف و طبخ ثم استقبال للضيوف بأقنعة الإبتسامات و الأحضان الدافئة دفء الجليد

كلمة الضيوف و لأسباب عدة أصبحت ثقيلة تدعو للتأفف، لحظات الدراما تبدأ من إعداد المائدة و تزويدها بالأكل

الأكل الذي يكلف بعض الأهل مصاريف تفوق طاقتهم لحبهم إكرام الزوار أو لكي تبدو حالتهم جيدة أمام المتطلبين المتكبرين القادمين إليهم

كأي حكم ملكي الأم تجلس مع الضيوف و البنات يقمن بالخدمة

في حالتنا هاته بما أنها بنت وحيدة اختزلت كل مشاكل العناد
أمي أخبريها هي فأنا فعلت كذا و كذا أما هي فطول الوقت جالسة و ما شابه هكذا مفاوضات لتخفيف العقوبة

أخيرا انتهت من الأشغال و جلست مع الضيوف للأكل و بداخلها تقول كلو كلو بصحتكم أما ما تقوله لهم تفضلوا من يريد أن أزيده حتى انتهوا و قاموا

الآن دور اللحظات الرومانسية إعادة تنظيف المائدة ثم البدء في عملية هدم جبل الأواني مع بعض موسيقى الأكشن، و كأنها معركة حامية الوطيس
الصحون تتصالب فيما بينها، الأمواج تتصاعد إلى وجهها فتزينها ببعض الصابون و هي تدندن بشكل غير واضح لي و مفهوم لكل فتاة مرت بهكذا نزهة

نادتها أمها لتوديع الضيوف ثم عادتا لداخل البيت و جلستا بالصالة فهما على موعد مع حفل شواء ( التمنشير بدارجتنا الجزائرية ) لم تتركا فيه صغيرة أو كبيرة بشأن الضيوف الذين بدورهم أخذوا معهم من الملاحظات و الإنتقادات ما يكملون به السهرة

طبعا هناك نوع آخر من الضيوف نستقبلهم بكل حفاوة و دون تكلف فما أروعهم

هكذا كان يومها كما لم تتوقعه ...

أما يوم طبيبنا فبدأ بالذهاب لمقهى رفقة أصدقائه بعدما نام أخيرا بشكل كاف لأن الأسبوع قد بيع للأوراق النقدية أو لنقل للواجب المهني

رغم أن تخصصاتهم بعيدة كل البعد عن السياسة إلا أن ما يحدث بالبلد أجبرهم على تناول البعض منها على طاولة مستديرة في زاوية بعيدة عن مسامع الفضوليين

حيث يتساءلون كيف ستكون نهاية هذا الغلاء الفاحش و نقص المواد الأولية آملين أن تهدأ الأوضاع و الذهاب للأمام و لو بخطوة وحيدة بدل العودة إلى الخلف بأميال و سنين في ظل التقدم الواقع بالعالم على كافة الأصعدة ناهيك عن الدماء التي ستسفك لو استمر الإضطراب الذي يحرمنا أغلى ما نملك ألا و هو الأمان

انتهت الجلسة الخالية من التعصب فتوجه إلى بيته الخالي من البشر، اغتسل و خرج للمسجد ملبيا لنداء صلاة الجمعة

في مساجدنا ترى الإمام يخطب من ورقة دون أي مشاعر أو حس منه في نقل الرسالة إلا من رحم ربي

لهذا مهما كان المحتوى فهو لا يصل كاملا

انتهت الصلاة فركب سيارته و انطلق لأحد أقاربه بعدما ألح عليه ليزوره

وصل عنده فوجد الغداء ينتظره مثل صاحب البيت، أكلوا و جلسوا في الصالة و طبعا لا حديث يعلو الحديث عن حالة البلد، قضى أمسيته هناك ثم قام مودعا و شاكرا على حسن الإستضافة ليعود إلى بيته المظلم الهادئ

راجع ما ينتظره من حالات ليوم غد ثم استلقى بفراشه و أخرح هاتفه ليدخل العالم الإفتراضي

فيما هو يتصفح بعض المنشورات إلتقى بجملة تقول

" أعشق الظلام و الوحدة إنه الهدوء التام بعيدا عن كل من يفسد راحتك"

ابتسم و نظر إلى حاله ثم انفجر ضاحكا و كتب في تعليق

" تعال لأقايضك ما أعيشه تعال لتتذوق طعم الوحدة حيث لا أحد يزعجك غير داخلك و انت محتاج و لو لصوت واحد غيرك "

هاته المرة نظر لسقف غرفته مطولا ثم مسح التعليق دون إرساله كأنه ابتلع ما يريد الهرب من تذكره و نام

هكذا كان يوم العطلة عندها و عنده أما يومي أنا فقد كان في التجوال بينهما أعيش حياة الجهتين هاربا من حياتي.

رواية كاتب تائهWhere stories live. Discover now