الفصل السادس عشر

6 1 13
                                    

نعم كلنا نعلم بأن الطبيب وحدته جعلت منه مخرجا و ممثلا، يتقمص عدة أدوار مستعملا نبرات صوت مغايرة

كما كان يمارس الجنون ببراعة بين ضحكات ساخرة و قهقهة طويلة تنتهي بحزن شديد و صراخ قوي

هل يعقل أنه فقد عقله في أحد أفلامه و هو يتمرن أم ما الذي حصل معه ؟ و إن كان هو فاقد العقل، فما الذي جعلها تزوره ؟

كل هذا التحليل و أنا أركض في طريقي لدخول المصحة كي أرى من جاءت تزور حتى صدمتني رؤيتي لها و هي قادمة نحوي ما أجبرني على ابتلاع كل فضولي مع فضولكم دفعة واحدة و العودة معها إلى السيارة مع نفس علامات الإستفهام و التعجب الممزوجتين بالحيرة.

لوهلة ظننتها عائدة بنا للبيت لكنها سلكت دربا آخرا أوصلنا لمشفى إعادة التأهيل الحركي، ربما أدركت بأنها هدمتنا حين كنا ذاهبين إليها

رباه ما الذي حدث مع هاته المسكينة من السكينة إلى التبعثر هنا و هناك بين المرضى

عند غرفة الإستقبال

- السلام عليكم
- و عليكم السلام، بماذا أخدمك هل لديك زيارة

- لا بل أريد مقابلة الطبيب الفلاني
- حسنا اتجهي إلى الطابق الثاني، المكتب ما قبل الأخير على يسارك

- شكرا، أعانك الله

اتجهت حيث وجهها مكتب الإستقبال بخطوات شديدة الرزانة، على ما يبدو الصدمة الأولى علمتها أن تكون أقوى.

- مرحبا دكتور، جئت بشأن قريبي كذا
- أهلا، ماذا يقربك ؟

- هو ابن خالتي و كان زوجي
- حسنا تفضلي بالجلوس

- شكرا
- لا أخفي عليك، حالته جد حرجة

- أخبرني هل هناك أمل بأن يستعيد الحركة
- مع أن الحكم سابق لأوانه، هناك احتمال بأن يتمكن من تحريك يديه أما رجليه فهذا شبه مستحيل

تلقت الخبر بملامح لا سعيدة و لا حزينة و كأنها تستمع لنشرة جوية و هي لن تخرج من بيتها إطلاقا

- حسنا دكتور، ربما هذا أفضل له، بالتوفيق لك
- ماذا تقصدين ؟

- لا شيء، مجرد هلوسة ... وفقك الله بعملك
- شكرا و مع السلامة

أخيرا عدنا إلى البيت و دخلت مباشرة عند والدتها

- مساء الخير أمي، كيف حالك ؟

لا تكلمت و لا تحركت، بقيت تقابلها بظهرها، ذلك الظهر الذي يحمل هموما لا طاقة لها بها و انكسارات

- الحمد لله، و أنا أيضا بأفضل حال يا منبع الحنان، يا من يتوجب عليك الوقوف بجنبي بدل لومي
لا عليك لقد قضيت يوما رائعا في التنزه لقد مرحت كثيرا
أنظري إلي أنظري إلى ابنتك السعيدة هل انت صخرة أم ماذا ؟
هل تظنين أنه هذا ما ينقصني ؟ اخذت تقترب منها و هي تقول أخبريني هل أنت وحدك من تتألمين، آه و أنا سبب حدوث كل هذا ؟

حتى رأت ذلك الوجه الصامت الباكي، توقفت لبرهة و كأنها تقول يا ليتني لم أتقدم، ثم ارتمت عليها و حضنتها ليعم الهدوء بينهما...

أحيانا بسبب الألم نبني حول قلوبنا جدران و نأبى ان نلين للغير مهما كان قريبا و عزيزا

و أخيرا عادت المياه لمجاريها، بين الشجرة و ثمرتها الوحيدة

انا نفسيا ارتحت بعد كل هاته الإضطرابات

أولا الأب ميت ثم مجنون مجهول و أخيرا ابن الخالة مشلول، كما أنها تزوجته و انفصلت عنه

بما أن كل الشكوك تتجه نحو الطبيب أنه قد جن فلما لا نزور بيته لنتأكد إن كان موجودا أم لا ؟

رواية كاتب تائهWhere stories live. Discover now