الفصل الثاني

16 3 3
                                    

كانت الطبيبة لا زالت واقفة مشغولة بإعادة أزرار مئزرها حتى صفعها القدر

دخل مريضها و من غيره هو، إنه ذلك الرجل الغريب، ذاك الذي كثر عنه الكلام، هو الملام لأنه غائب من فترة

صعقها تواجده بقربها و هي التي كانت تحلم برؤيته من مسافات و بين فترات، لا تعلم كيف تحولت ملامحها و لا كيف صمدت على عدم الصراخ عليه

ما إن تجاوزت الصدمة تشجعت و باشرت بالكلام، تفضل سيدي إجلس هنا و أشارت بيدها إلى الكرسي المقابل لها

لم يجبها و لم يتحرك من مكانه
احتارت كيف تتصرف معه، رغم كل شيء هو غريب عنها

فهل تعامله كمريض أم كعلاج لها ؟
هل تصفعه أم تضمه إليها ؟
هل تخاف منه، هل تقول أين كنت أو ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

وسط تساقط كل هاته الأسئلة على ذهنها سقط هو على ركبتيه فصرخت تطلب المساعدة.

دخل كل من المساعدة و المسؤول عن الأمن راكضين ليرفعوه فوق طاولة الكشف و أخذت هي تفحصه
بدأت بالضغط ثم النبض الذي كان ينازع و يقاتل كي لا يتوقف

خرج الكل و بقيت هي معه لوحدهما، استغلت الفرصة لخلق حديثا بينهما لتكسر حاجز تلك النظرات المتبادلة

- لقد لاحظت غيابك في الفترة الأخيرة لم تكن تخرج

حدق بها دون أن يتكلم ثم بإستحياء و إرتباك أردفت قائلة

- كنت كل ليلة أنتظر رؤيتك لقد جافاني النوم و قسى الوقت المتثاقل في المرور

بدأ يرى ألمها لكنه تجاهل ذلك

- أخبريني يا دكتورة هل مازال بإمكانه أن ينبض أكثر؟

كيف لها أن تجيبه ؟
ماذا عساها تقول ؟

- لا عليك سأعالجك سأفعل ما بوسعي ليستمر أكثر فحالتك جيدة

ارتسمت على وجهه المتعب إبتسامة اليأس و قال ممازحا

- هل حتى الدكاترة يكذبون ؟

لم يترك لها أية فرصة لتهرب من محكمة الحقيقة

- بربك أخبرني ما الذي أوصل قلبك لهاته الحالة ؟
- لا أعلم سوى أنني تعلمت إعتزال البشر

لم تجد إلا أن تصف له بعض الأدوية و تعرض عليه توصيلة إلى البيت بعد أن يأتي والدها لإصطحابها، أمسك الوصفة و قال :

- ألا تحبين المشي معي تحت المطر ؟

نظرت إليه و تمعنت بعرضه الذي لم تحلم به ثم اتصلت بوالدها لتخبره بأنه لا داعي لحضوره، ارتدت معطفها الأبيض و خرجت معه تحت السماء الحزينة الباكية

الصمت هو عنوان الخطوات الأولى إلى أن فاجأها صوته

- كان سبب بقائي بشرفتي هو حب السماء فرحة مزينة بالنجوم و القمر أو تعيسة تذرف حتى بدأ كل ذلك يتحول إلى حجة و أنت كل أسبابي
ردت عليه: كنت كل يوم أسمعهم يحذرونني منك و لم أحذر لم أدرك أنهم كانوا على حق

- كنت تصلين كل مساء لبيتكم، تستغرقين خمسة دقائق و نصف أحيانا تصل لستة دقائق من الباب الخارجي وصولا لنافذتك أو بالأحرى لي

- آسفة أحيانا كنت أتأخر من كثرة التعب و أنا أصعد السلالم المؤدية للراحة
- لم تكن تكفيني تلك اللحظات ففكرت بأن أقدم شكوى ضدك لأنك تحرمينني منك

- يا ليتك فعلت لأزج بك في السجن لأنك كنت لا تتركني أؤدي واجباتي و تسحبني من قلبي لأراك
- ربما لو كان قلبي بصحة أفضل كنت أجرك جرا لكن ...
نقاط حسرة و سكوت مؤلم لا كفيل لأي كلام بإنقاذ الموقف ....

رواية كاتب تائهWhere stories live. Discover now