في زمن الكل فيه كاذب
كذب من قال أنه ماتبدون شك تتذكرون لحظاتنا الأخيرة، حيث كانت هي على نافذة الأمل تنتظر
و هو في جحيم الألم يصارعحيث انقسمنا نحن قسمين
نصف منا بجانبها و نصف بجانبهنصف ينتظره من نافذتها يرى شوقها المتوتر و نصف بغرفته يرى عجزه عن تحقيق حلمه و يرفعه من ذراعيه للوقوف من أجل مقابلتها
نعم وقف وقفته الأخيرة رآها-رأته، تنفسته-تنفسها و هما على خط الهاتف و حبل العناق حتى سقط هو و هوينا نحن معه فماذا نقول عنها هي التي هوته
كل من كان معها تمنى لو يحلق إليه أما هي فطارت دون وعي منها، كيف لا و قلبها سقط منها
لإنقاذنا من لحظات الألم تلك استعجلنا دفنه داخلنا و الآن هو يعيش بذاكرتنا، أما هي فيعيش معها
مازال يجلس هناك على شرفته و مازالت هي تراقبه
مازالت تمشي معه تحت المطر و تسمع ألحان صوته
مازالت تفحص نبضات قلبه البطيئة بطء مرور وقتها
مازالت تتساءل عن سبب دخوله عيادتهايمكننا القول أنها مازالت تعيش ذلك اليوم كل يوم.
تمسك رأسها و تصرخ داخلها، أتركني أرجوك لم أعد أتحمل هذا لمن تركتني هكذا
لماذا دخلت حياتي أصلا
خائن أنت يا أنا.ما إن تفرغ شوقها إليه بالبكاء حتى تعود للإستغفار و تلاوة القرآن الكريم فكانت تردد قوله تعالى: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
كذب من قال أنه مات و من قال أنها على قيد الحياة.
و لأن الحياة لا تتوقف عند أحد مهما كان و مهما عشنا معه، عاشت هي لحظات ضعفها بكل تفاصيلهافترة عصيبة و كلمة حزينة لا تكفي لتعبر عن حالها حيث لم تجد أحن عليها من العزلة التي سحبتها إلى غرفتها المظلمة ظلام حظها
أدخلت والديها في متاهة من القلق و الحيرة لا يستطيعان فعل أي شيء من أجل ثمرتهما الوحيدة عاجزان تماما
كلما دخل أحدهما إليها او التقاها في صدفة نادرة الحدوث خارج قبرها إعتصر قلبه ألما و دعى خالقه أملا.
لا تخرج، لا تأكل و لا تتكلم
إنها جثة تنتظر تشييعهاالوقت و رغم قساوة ما نعيشه هو خير كفيل بشفائنا
كشروق الشمس مهما طالت عتمة الليل، عادت الثمرة المسروقة إلى الحياة للعيش تدريجيا و آثار تعذيبها واضحة للعيان
بدأت أولا تقابل أهلها بشكل عادي ثم فتحت باب عيادتها تحاول القضاء على كل فراغها الممتلئ بالذكريات الوجيزة المختصرة في لقاء تحية و لقاء وداع
هكذا نحن نحتسي رشفة من كأس السعادة ثم نغرق في بحر الكآبة
و لتعاين بعض الأضرار السطحية بعد السيول التي انهمرت من عيونها حد الجفاف زارت طبيب العيون القريب من بيتها
الذي من خلال مزاولته المهنة أصبح خبيرا بلغة النظرات فبمجرد دفعها لبابه و اقتحامها الغرفة سرق لمحة من ملامحها الغائمة المتناسقة مع حجابها الأسود
- السلام عليكم
- و عليكم السلام سيدتي لكن عذرا لا توجد هنا جنازة أظنك أخطأت طريقك إلى المقبرةكلمة جنازة وحدها كان يمكن أن تتسبب بسقوطها في أيام مضت
- نعم يا سيدي فهل أجد عندك ما يصلح بصري فأذهب متيقنة أن لا أقع بنفس الخطأ، على فكرة لقد ذكرتني بشيء مهم
أول ما جلست و هي تقابله بمكتبه قال
- أليست عيونك هي التي تترقب هلال رمضان بدون تلسكوب
- لا بل عيوني هي الهلال فإن رأيتها عليك أن تصوم- أهلا بسيدة التواضع في مكتبي
نال منها فابتسمت بخجل ثم سمعته يقول
- ما بال الهلال يشح علينا بنوره
مثل إنقطاع التيار الكهربائي انقطعت تلك الإبتسامة و أظلم كل ما هو أمامها ثم بدأت تفتح القصة بقولها هي قصة طويلة و قصيرة في آن واحد
رأى حجم ألمها فنهض مقاطعا قائلا لا لن يطول الفحص، هل مللت من مكتبي بهاته السرعة ؟
تعالي هنا لأرى الهلال بوضوحبالتأكيد استغربت قدرته على تغيير كل الموازين دفعة واحدة و بالنهاية وجدت نفسها تحت الأشعة، و هو يقول إفتحي عينك جيدا إنظري يمينا و يسارا ثم ينتقل للثانية و يفحصها
إنتهى الكشف كتب لها وصفة و قال أنظري لم يستغرق وقتا و الآن الحمد لله سأتخلص منك و للأسف يجب أن تزوريني مجددا بعد شهر لأرى كرم نورك
- حسنا يا دكتور بالتوفيق لك
- آمين يا رب، مع السلامةهمت بالخروج و طبعا ستدفع النقود عند المساعدة
انتهت الحصة الأولى هكذا، خرجت من عنده و زيارة المقبرة عالقة بذهنها كيف لا و أعز شخص عليها هو أحد سكانها و عليها دين زيارته ...
YOU ARE READING
رواية كاتب تائه
Romanceلا تتفاجأ إن أخبرتك أن كل ما ستقرأه كان عبارة عن سطر واحد ' كانت بخير حتى صادفت سارق ترك كل الماديات و سرقها هي' من بعدها جاءت فكرة القصة لا تستعجل بالحكم و انتظر النهاية مرحبا بك