32_ ليلة حول النار

4.6K 279 92
                                    

تلفت ماريوس حوله بحذر متأهبا لاي شيئ قد يفاجئهما ... و لكنه لم يجد شيئ ... لا يستطيع ان يكذب ما سمعته اذناه و لكنه في نفس الوقت لا يستطيع اثبات صحته ... فقد يكون مجرد صوت لحيوان ما من حيوانات الغابة .

عاد ببصره لتلك المستكينة بضعف بين يداه و كأنها تنتظر امرا منه لتأخذ انفاسها التي هربت بحركته المفاجئة تلك .

لقد ظنت انه رأي او سمع اي خطر قد يداهمهما ... و لكنه سحب يده ببطئ من علي فمها قائلا :

" اسف ... لقد ظننت ان هناك خطر يقترب "

قالها و هو لا يزال محدقا بوجهها الشاحب الذي فارقته دمويته من تأثير الخوف و المرض معا .

ظل ينظر في عيناها و هو يتابع اللهب المتراقص بداخلهما دون حركة منه .

غاص في ذاك البحر الهادر بموجاته الخضراء المزرقة داخلهما ... انها المرة الاولي التي يحظي بذاك الاقتراب منها ... المرة الاولي التي ينظر اليها من تلك الزاوية التي جعلته يوبخ نفسه بعد لحظات ليبتعد عن تأثير تلك العينان .

لطالما نظر اليها علي انها نافذة انتقامه و حقده ... ليس عليها فقط و انما علي كل امرأة باعت نفسها للشيطان لاجل حفنة من النقود ... لم يحاول و لو لمرة واحدة الاقتراب منها ... لا يعرف لما ... او انه يعرف و لكنه لا يريد التفكير في السبب ... او قد يكون ذلك خوفا من شركها الذي اوقعت به جميع الرجال قبله .

لم ينظر اليها هكذا من قبل ... بدا و كأنه يراها للمرة الاولي ... هو لا ينكر انها جميلة للغاية و جمالها فتنة اسرة للعين و لكنه في نظره جمال شيطاني مهلك ...و من الحكمة تجنبه ... هذا ما اخبر به نفسه و هو يعود لنفس موضعه و جلسته السابقة مسندا رأسه الي تلك الصخرة من جديد مغمضا عيناه ليمحو صورتها من مخيلته .

و لكنه لم يلبث ان فتح عيناه حينما سمعها تخرج من صومعتها تلك و تجلس بالقرب منه امام النار متابعة تراقصها بفعل الهواء .

عاد رغما عنه لتفحصها ... ربما فعلا هي المرة الاولي التي يراها فيها ... انه رجل عملي لاقصي الحدود ... لم يسبق له ان مزج العمل باللهو ... و هي بالنسبة له ليست سوي عمل .... نعم عمل انتقامي ... ضحك بينه و بين نفسه علي تلك التسمية الحمقاء ... و لكنه مع ذلك اكتشف حديثا ان النظر اليها هو اكبر عمل قد يسر قلبه .

رصد كل تفصيلة من تفاصيلها الصغيرة المنمقة ... تأمل ذاك الشلال الاسود الهادر فوق ظهرها و الذي تلاعب به هواء الليل المنعش و تخلل خصلاته ... و ذاك الوهج الزمردي الذي يطل من مقلتي عيناها و الذي اضاء الغابة في جنح ذاك الليل المبهم .

ربما لو اختلفت الظروف معهما كان سيحتفظ بها لنفسه ... كوردة تزين عتامة حياته و لكن لا مكان للتمني الان في حالتهما ... هو لا يعرف مبعث ذاك التغير الذي طرأ علي حالته هل هو جنون يتشبث به ليتغلب عن قسوة الواقع الذي وجدا نفسيهما فيه ام ماذا ؟ .

تانجو  Where stories live. Discover now