-5-

4.2K 91 2
                                    

-5-
أحتست كوب القهوة الساخن في الصباح, و عينيها ما زالت شاردتين في الآفاق البعيدة, محزونة القلب, تلتمع في عينيها دمعة تأبي الخضوع و النزول, أنتهي كل شيء, أتضحت الحقيقة المُرة, هي ليست المرأة التي يريدها بلي هي التعويض لأطلال الأخري, و التي بدا انه قتلها قهرًا كما قتلها ليلة أمس بكلماته الرقيقة البريئة, في لحظة ثمل, حاولت الإنصات لحروفه برضا و الأعتبار أنها لها, في ذلك الوقت أحست بإحساس العاهرة, تتصنع الإستمتاع رضاءًا لمال, أما هي رضاءًا لكبرياءها, الذي أهدرته منذ زوجها من هذا السكير, لم يتركها أمس لثانية, كان يحتضنها بشوق قوي و يردد عبارات الحب و الرومانسية البغيضة, و يردد أسمها!
أصبحت عليهما الشمس, و لم يحررها بعد, حتي بعدما نام, ظل متعلقًا بها كطفل صغير, يبكي تارة, و يعترف تارة, إعترافات مجهولة, تجعلها تشعر بنار تأكلها, حاولت القيام من جواره في الصباح, فشدد يده حول خصريها و أبي مغادرتها, لن أسامحك يا عامر, لن أسامحك فما حدث, لا يتسحق الغفران أبدًا.
وجدت هاتفه يتصل, فأمسكت به و أجابت بفتور :
-أيوة..
-ألو دة تليفون مستر عامر !
-انا مراته..
لتقول الفتاة بأريحية :
-اه تمام..عاوزة اتكلم مع مستر عامر قوليله مريم
فقالت بجمود :
-نايم دلوقتي يا مريم عايزة أقوله اية ؟
-انا الحصة بتاعتي بعد ساعة فكنت حابة أكد علي الميعاد بس مش أكتر
فجاوبتها رشا في برود و هي تغلق المكالمة السخيفة :
-تمام يوصل له..
توجهت لفراش عامر, و جلست علي طرفه و هي ترمي نظرة حانقة علي هذا البشري فاقد القلب و الإحساس, كان يستلقي علي بطنه و غطاء أبيض أرتمي علي نصفه السفلي, نادته في حدة و هي تلامس كتفه :
-اصحي يا عامر الساعة بقيت 3 العصر..اصحي
أنتفخت عينيه و أفتتح جفنيه علي أخرهما, ليعتدل بالجلوس و يرمقها في عينين حمروتين من كثرة النوم, ظل يتثاءب و هو يبحث عن شيء ما, أنفلتت من شفاهها ضحكة ساخرة لعدم وجود ممن يبحث عنها, تدرك ان وجودها الآن كارثة, فليلة أمس أكد أنه مهوس بتلك النِّيرة!
أسمها غريب, و ربما هو من أبتكره, لا علم لها, لكن الأهم نظرة الأنتصار التي ملأت عينيها و هي تقول قاصدة غيظه :
-يلا يا حبيبي عشان أحضرلك الفطار
أطال التحديق بها, ثم أماء رأسه الذي يؤلمه بشدة و هو يتساءل بضيق :
-سبتيني نايم كل دة لية؟
فلم تجيبه علي سؤاله, و قالت :
-مريم...طالبة عندك بتقول ان الدرس بتاعكم بعد ساعة..يلا اجهز بقي
فضرب علي جبهته معاتبًا :
-أخ نسيت طب يلا جهزيلي الفطار بسرعة..
ثم تابع و ينهض من فراشه بتقاسع :
-لو حابة تخرجي تقدري بدل ما انزعجك انا و البنت
قبل ان يخبرها بإقتراحه, كانت ستذهب و هي طفلها لكي تعود وحيدة, رائع انه أذن لها بالخروج دون إستجواب.
جلسا علي مائدة الإفطار, كان يلتهم فطوره في عجلة, فلا يريد أن يأكل في وجود تلميذته, و بينما هو يتناول طعامه, وجدها شاردة الذهن, فلامس يدها في حنان ظاهر علي ملامحه و سألها :
-مبتاكليش لية يا حبيبتي
رمقته في هدوء, و سألت مستنكرة :
-عامر انت عارف انا مين!
ليضحك في خفة و يقول :
-طبعا حبيبة قلبي..
فقاطعت غزله المزيف بالقول الصارم :
-انا رشا عبد الحميد الي من اول يوم جواز و انت متلذذ في إهانتها
رمي بجانب بصره بعيدًا و عاد نحوها متسائلًا في بعض من الضيق :
-إية لازمته الكلام دة
فقالت بعتاب :
-لازمته اية! افعالك يا عامر افعالك الي مستحيل عاقل يقدر يصدقها..
فأجابها ببرود :
-مالها أفعالي
-تعبتني..انا تعبت منك
ليبتسم ابتسامة واسعة و يعتدل بالجلوس علي مقعده, وهو يقول بلهجة متعالية واثقة :
-عارفة لية! عشان انتِ بتجري ورايا, عارفة لو كنتِ في حالك اهتميتِ بنفسك و بشئون بيتك و بسعادتي الجسدية..هترتاحي اوي
-و هو دة الجواز يا عامر كل واحد ! منضحكش لبعض الا علي السرير!
قالتها بغضب خارج من أجواف قلبها, ليبتسم ابتسامة جانبية و يستأنف كلامه :
-انتِ الي جوزتي عامر..محدش جبرك علي كدة
و ربت علي خدها السمين, و هو يداعب خصلات شعرها بين يديه قائلًا :
-انتِ مراتي..يعني حبيبتي, بس انا مش عاوزك تتذاكي معاكي, انا بحبك اكتر و انتِ غبية...انتِ عارفة أسلوبي و حياتي من اول يوم لينا مع بعض, فمتجيش تتمردي دلوقتي علي أفعالي..
-عامر انا ماشية..
قالتها و سحبت حقيبتها من جوارها, أخذت الجواب الذي تريده, لن يستطع عامر أن يكون أبًا, لو طبقت السماء علي الأرض.
رحلت رشا من المنزل, فيما أسند عامر ظهره علي الكرسي, و أغمض عينيه, ليطير مع أحلامه الوردية, أمس جاءته في الحلم, لا يصدق من سعادته, شعر بها, بلامساتها, بأنفاسها, بقبلاتها الناعمة, أتلك علامة لغفران!, أخذ يستعيد ذكري الحلم, رأها بالفعل, كان مستغرقًا بالنوم علي صدرها الدافئ, يحاوطها بذراعيه, يأبي رحيل ملاكه, تموج بأصابعها النحيلة الطويلة علي ذقنه, فتدفعه لتقبيلها بين كل حين و حين, فتح عينيه و نظر للأعلي مطلقًا زفيرًا عنيفًا, علي من يضحك, لم يحب يومًا سواها, يردد دائمًا في نفسه, هو من قتلها لا شقيقها, فلو قتل شقيقها الجسد, فقد أنتهك هو الروح الطيبة, شنقها بين يديه الملوثتين, جعلها آلة لقضاء شهوته, جعل براءتها تبكي كل يوم علي فقدان رفيقتها الغالية, التي أتخذها عامر خليلة, قتلها بالتدريج, حتي جعلها تتمني الموت, لن ينسي نظرتها الأخيرة و هو راحل من غرفتها, ذلك الصباح حينما أعتدي علي ما تبقي من حرمانية جسدها, شعر بضيق تنفس يجثم فوق صدره, فك رابطة عنقه قليلًا, هتف قلبه ساخطًا :
-سحقًا لك أيها الحُب!
ثم وجد الباب يعلن وجود زائر, فقام من ذكرياته و أهلا بضحكة واسعة لضيف الجديد..
                               ****
أوقف عليّ السيارة الحمراء أمام العنوان, الذي أملاه عليه  عامر, تفحص المكان بعينيه الخضراء المائلة للزرقة المباني المرتفعة, كان يود أن يري حبيبة عامر الأخري, فظل يتوجب بالنظر هنا و هناك بلا فائدة, فأتصل بصديقه و قال في حنق مصطنع :
-انا وصلت العربية في العنوان الي قولتلي عليه..بس فين الشحرورة صاحبة العربية
همس عامر بصوت منخفض و مازح صديقه في حدة :
-هتندم علي شحرورة دية يا عليّ بيه..أمشي أنت انا هتصل بيها أقولها..
و بالفعل أتصل عامر ببسمة مبتهج الأسارير, فهو يعرف كم كانت تود شراء سيارة, لكن كان سيؤثر في الإمكانيات المالية خاصتها, فقرر وقتها أن يشتريها كهدية, و يدخل الفرح علي قلبها.
-ألو..
قالتها بصوت مرهق, ليجيبها ضاحكًا :
-صحي النوم..شكلك لسة صاحية يا كسلانة
-لا أبدًا بس لسة راجعة من الشركة و عايزة أنام..
و تابعت في ضيق :
-عاوز اية مني قبل ما انام و انا بكلمك!
-أنزلي من البيت فورًا..
شابكت حاجبيها و تقلص فمها بالقول المستعجب :
-لية ؟
أغلق الهاتف و لم يتابع الرد علي سؤالها, ضحك بظفور علي نجاح خطته, لتتساءل طالبته :
-كنت بتكلم مين..
أندهش من جرأتها في السؤال, ليبتسم بحرج و يجيب علي مضض :
-أختي..
لتهز كتفها اليمني و تقول :
-افتكرتها مراتك..
و نظرت له بعينيها الخبيثتين و قالت :
-انا كلمتها مراتك أنهاردة لطيفة هي فين! كنت فاكرة هشوفها
لم يندهش بقدر ما أحس بالضيق من الجرأة الزائدة عن الحد و الفضول الليس في محله, فقال بابتسامة زائفة :
-لا هي مش موجودة هنا..هي برة
ثم ألقي بصره علي ثوبها المتبرج, كان عبارة عن تنورة قصيرة تظهر فخذيها الورديان, و قميص بأكمام طويلة, لكنه يكشف عن كتفيها, و كأن أحدهم قام بنهب قطعة من القميص, كلما رفعت رأسها, أنخفض القميص ليظهر جزء من نهديها, فيحاول غض بصره و الكف عن ملاحقة رأسها المتحرك, أما هي فكانت مستمتعة بوجود ذاك العرق المتصبب منه, نتيجة لتربكه أمام أنوثتها, فما كانت ألا ان تزيد بحركات بريئة مصطنعة ليشاهد المزيد و المزيد..
                                ***
صرخت في فرح بمجرد رؤية سيارة حمراء, فوقها باقة الزهور و ظرف صغير إهداءًا لها, تبسمت في سعادة و أخذت تكرر دعواتها الطيبة لشقيقها الذي حقق حلمها, ركبت داخل السيارة و تشممت عطر رجولي, قشعر به جسدها من جماله, نظرت الي مرآة السيارة, فوجدت شخص بعيد ينظر إليها بتركيز, فتوردت وجنتيها أن تكون قد بالغت في السعادة و جعلت الأعين محاطة بها, أما صديقنا عليّ فبمجرد تلاقي العينين, حتي أحس بتدفق الحمرة لوجنتيه من إكتشاف أمره, لم يستطع النظر جيدًا لتلك المرأة لكن ما أحسه من تجاهها كان القوة, فطريقتها الواثقة في السير, و حركاتها الأنوثية لتعبير عن فرحتها, كمثلًا إخفاء وجهها بكلا يديها, و إلتماع عينيه بدموع السعادة, حركات حية, متمكنة من أنوثتها, لك الحق يا عامر, بإعجاب بواحدة كتلك, يبدو أنك تسممت سريعًا, بسموم براءتها اللزجة, هكذا فسر عليّ !
                               ****
دفعت بركبتها ركبته, بلا حياء أو حرج, لم تكن تلك المرة الأولي و لم تكن الأخيرة أيضًا, فكانت تستمع برؤيته ضعيفًا, يلهث مقاومًا لها, أشتد به الصداع من ليلة البارحة المليئة بالخمر, ما زال رأسه يؤلمه, و هي! هي تزيد الطين بلة, أحس بغرابة نحوها, بالطبع لا, لم تكن تلك, هي نفسها التي قابلها عندما جاءت, الخجولة, متوردة الخدين, ضعيفة الصوت, أنها جريئ خبيثة, يديها توضع فوق ركبته و تدلكها, ما تفعله سيدفعه لجنون, أسند رأسه الي الوراء, و أغمض جفنيه بصعوبة مقاومًا صداع رأسه الذي يدعوه بحماس للغثيان, وجدها تقوم و تقول بنعومة أنوثية تصر علي أن تثيره :
-مالك يا عامر..مالك يا حبيبي أنت تعبان
و أسندت صدرها فوق صدره, و عبثت بيدها بين شعره, لينظر إليها بضعف, و يتوسل بعينيه ان تتركه و تبعد عنه, فقد أخذ وعدًا, بعدم وجود أي علاقة مشتبهة تلوث سمعة عمله, كانت تلتصق به أكثر و أكثر, و هو مستسلم ما بين رغبة الهروب و الخضوع, أحس بإحساس العذروات حينما يعبث بخجلهن حتي تبدأ بالتدريج في طاعته من فرط تبادل الشهوات, لم يختلف عنهن في ذلك الموقف, ظل يناظرها مستنجدًا, لكن لم يطل طلبه, فقد قبلته, مسح بيده علي شعرها, و أخذ يلثم شفاهها, حتي فاض به الكيل, لأول مرة يحاول التغلب علي شهوته أمام الشيطانة الصغيرة, أحكم قبضته فوق شعرها, لتصرخ بتوجع و تتراجع عنه, فألقاها بقوة جانبًا و هو يطلق السباب :
-آه يا بنت ال*** يا ****...جرا اية يا ****
خافت من هذا الوحش المفترس, و أنكمشت في مكانها علي الأرض, فنزل بصفعة عنيفة فوق وجهها و ركلها في بطنها بتعانف قائلًا :
-امشي مش عايز أشوف وشك هنا تاني فاهمة
وضعت يدها فوق معدتها, و صرخت باكية, تنهاضت و هي تئن متألمة, قبضت بيدها فوق مسند الكرسي, و رمقت عينيه في تحدي قائلة :
-هتخسر يا عامر علي الي عملته فيا دة..هتخسر كتير شكلك متعرفش انا مين
فصرخ متعصبًا :
-برة !!
خرجت الفتاة متحاملة علي نفسها, لا تصدق ذلك التناقض الذي حدث له, كيف أن يستسلم للحظة ثم يتمرد و يخرج عن طوعه, لتنهال عليها الضربات من كل جانب, و السباب لا يخلو من فاه عليها, و بينما هي تهبط علي الدرج و تلعن عامر من داخلها و تعدل في خصلات شعرها المتناثرة, حتي وجدت سيدة في الثلاثين تنظر لها بتفحص, فرمقتها مريم بغطرسة و دفعتها بكتفها المتعاري, لترحل غير مبالية بجريمة ما فعلته لتوها.
أندفعت رشا كالأسد و صعدت لمنزلها, الذي خرجت منه تلك الفتاة, أنقلبت ملامحها برؤية تلك الملابس الخليعة و شعرها المبعثر, فتحت الباب بقوة, و تقدمت لعامر الذي وجدته مستلقي فوق الأريكة, لتلقي حقيبتها علي وجهه و تصرخ من أعماقها :
-بكرهك يا عامر بكرهك....طلقني
أنفزع و أعتدل جالسًا, ليحدجها بإندهاش, فصرخت بهيستريا و هي تمسك بوجهها, و تكرر جملتها دون أي تغيير, هب بالوقوف, فهب جسدها علي الأرض بإستسلام..
*
*
*
*
يتبع

أطلال محبةTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang