-6-

4.3K 93 6
                                    

-6-
أحتضنت يده يدها في حنو, ظل ضاغطًا علي أصابعها المطمئنة, أخذ جفنيها بالتحرك في خفة, و تخرج من فاهها آهات حزينة, ليقول عليّ بثبات و هو يلملم أدواته داخل حقيبته السوداء :
-هي خلاص بدأت تفوق دلوقتي
فأجابه عامر مرتبكًا :
-تسلم يا عليّ..
فواصل عليّ كلامه و هو ينظر لملامح رشا المتألمة :
-واضح أنها مرهقة جدًا..دة كان دوار لتأثير نفسي..
و همس قائلًا :
-هو انتوا متخانقين..!
تنهد عامر و ألقي نظرة حزينة عليها و عاد برأسه الي صديقه و تساءل :
-في دوا أقدر أشتريه ليها؟
أعطاه ورقة مكتوب بها أسماء الأدوية التي ستحتاجها, ليعيد عامر الثناء و الشكر, أوصله لباب المنزل, و عاد لزوجته البائسة, فك حجابها, ليترامي شعرها الكاحلي علي وجهها البدور, فمسح عامر عليه بحزن, أحني بجزعه ليلثم جبينها بقبلة هامسة, شعور بداخله يؤكد له أنها رأته هو و الشيطانة الصغيرة, لكن بالتأكيد شاهدت وفاءه لها و رفضه لخيانتها, و عاود تفكير ليهيأ له عقله ان مريم أفصحت لها بشيء غير ما حدث, زفر في غير رضا, و رجح الذهاب لشراء الدواء, و السير علي الأقدام في الشوارع, ربما يهدأ باله قليلًا, و تستريخ أعصابه, لكن قبل خطو خطاه نحو باب الغرفة, سمع صوت أنين الفراش و هي تتناهض من عليه, فأستدار بجسده سريعًا و ركض تجاهها, ركع علي ركبتيه مقابلها و أمسك بيديها و شد عليهما في حنو, لتحاول سحبها و القيام من الفراش, ليقول معترضًا :
-لا لا خليكي زي ما انتِ..عاوزة أية و انا أعمله
حدجته بنظرة شرسة و هتفت بصوت حاد :
-سبني...فاهم سبني
ليحاول السيطرة علي عصبيتها, فقال بلهجة حنونة :
-هسيبك..بس مش دلوقتي انتِ تعبانة
فضربت بقبضة يدها فوق كتفه, و أصطكت أسنانها ببعضهما قائلة في صراخ متماسك :
-تعبانة بسببك أنت يا أخي..انت السبب في تعبي أنت
أصطدم بضرباتها في برود, و لم ينفعل, فهو متأكد ان كل هذا الهراء ليس سوي سوء فهم, سيستطيع –كعادته- ان يقاومه بلا أي جهد, وضعت أصابعها فوق جبينها و أسندت مؤخرة رأسها علي سور الفراش, و باليد الأخري بقيت علي معدتها, فهي تشعر بألم قوي من أسفل معدتها, فلتو أنتشلوا من رحمها جنينها الصغير, بكيت كما لم تبكي من قبل ندمًا علي ما فعلت, فالجنين كان ينقصه أسبوع و يكمل الثلاث شهور, جلس جوارها و مد جسدها إليه ليعانقه بين ذراعيه, فقالت باكية :
-ابني سقط بسببك يا عامر..ابني سقط و انت السبب..انت
قشعر بدنه فجأة, بسماع لفظ "أبني", فولدها هو ولده!, ماذا تقصد السخيفة لتقول أنه أجهض و أنه هو السبب, أبعدها عنه صدره فجأة, أزدرد ريقه ليقول مستغربًا :
-أنتِ حامل!
لتصرخ في وجهه :
-كنت! كنت حامل, و أجهضته أنهاردة
و كأن حية قرصته, وقف من مكانه كالمسعور و رمقها غير مصدقًا ما تقول, لتتابع قاصدة إغضابه :
-و دية مش أول مرة يا عامر..دية تالت مرة اعملها بسببك
بسط يديه أمامها في عجز, و أتسعت حدقتاه متسائلًا غير مصدقًا ما تهذي به :
-تقصدي اية يا رشا!!..انتِ قتلتي عيالي..
-عيالك هما عيالي..و كنت هظلمهم أكتر لو جبتهم لدنيا أبوهم يبقي أنت..
ظل جاحطًا بعينيه يحاول أستيعاب تلك الصدمات اللعينة, لتتابع بشراسة مفترسة :
-انسان اناني نسوانجي بتاع خمرة  و نسوان..ازاي عايزني أستأمن عيالي علي واحد زيك..و انت كملتها يا عامر انهاردة بخيانتك ليا..تعرف حاجة انهاردة عيد جوازنا!  بس من انهاردة هيبقي عيد طلاقنا..طلقني يا عامر..طلقني دلوقتي حالًا..انا تنازلت كتير عن كرامتي بسببك انت..بسبب حب ملهوش أي طعم معاك, بسبب اني غبية و كنت فاكرة اني هقدر اغيرك بس ديل الكلب عمره ما بيتعدل..
رمقها في ضعف, و عينيه بدأت تمتلأ بلمعة دمع مستحيّ, أطفال! هذه أجمل أمنياته و ربما الوحيدة!, كلامها لم يعنيه في شيء, كل ما أثر في نفسيته, أنها سرقت جواهره بحجة حمايتهم, شعر بقلبه يرتجف و هو ينظر لعينيها القويتين و هي تناظره في كبرياء أنثي حطمها بأفعاله, تنفس نفسًا عميقًا و ختمها بابتسامة صفراء قائلًا في برود :
-لمي حاجتك و علي بيت أهلك, ورقة طلاقك هتتبعتلك
و تقدم نحو الباب في ثبات, و قبل أن يخطي عتبته و بدون النظر خلفه :
-أنتِ طالق بالتلاتة يا رشا!!
و خرج و كأن شيئّا لم يكن, أرتميت فوق الفراش و تابعت البكاء في صوت أعلي و أعلي بعدما هدمت كل حصون كرامتها, أصبحت مجرد أطلال, يتراقص عليه عامر مع ذكرياته بلا مبالة!
                                ***
بعد مرور أسبوع و نصف, كان الطلاق قد تم بلا أي عقوبات, لم يحاول سرق نظرات لزوجته السابقة, بل كان مرحًا يومها, يمازح مع المحامي تارة, و يضحك بملء فمه تارة أخري, و لكن لا ننكر أنه لمحة صدفة فوجد عينيها مورمتان من كثرة البكاء, فأبعد رأسه و كأنه منظر طبيعيًا قد أعتاد عليه يومًا من أيامهم الزوجية...
أتكأ برأسه علي فخذ سمين, و ظل يتأمل السقف محدقًا بصمت, يراقب أحيانًا دخان سيجارة الحشيش النافث من فمه, و هنالك يده ناعمة تداعب في شعره, كان مخمورًا ليس في عقله شيء, قالت الفتاة التي تراعيه في تساؤل :
-هتجوز تالت و لا أستوب كدة
ليجيب في هدوء مختصرًا :
-علي حسب..
فلامست ذقنه الخشن و قالت بغنج متصنع :
-طب ما تجوزني انا..
رفع عينيه إليها و أطلق ضحك مرتفع, لتبادله الضحكات في إنسجام, ثم تتناول من أصابعه ملفوف الحشيش, كاترين, و في الحقيقة تدعي سعدية لكنها تخجل من أسمها لأنه من وجهه نظرها يتناسب عكسيًا مع جمالها الخلاب, هي سمينة كفرس النهر, لكن مع هذا مغرية إلي حد كبير, يعرفها عامر منذ زمن طويل, يلجأ إليها حينما تشتد به الحياة, يتذكر كيف قابلها بعد مقتل نيرة بفترة في إحدي الملاهي الليلية, أخذته ليلتها لمنزلها و سمحت له بتلقبيها كما يشاء, كان ينادينها بنِّيرة, فلم تمانعه أبدًا, و ذهب إليها مرة أخري قبل زواجه الأول و بعد طلاقه الأول و ها هو يأتي إليها بعد طلاقه الثاني!
وجد إتصال يأتيه من صديقه عليّ, فتناول هاتفه في تقاعس و أجاب بصوت متأرجح ما بين المزاح و قلة الحيلة في الكلام :
-أيوة يا عليوة!!
-فينك يا عامر؟ بقالي مدة مش عارف أوصلك و جت لك البيت مرتين محدش فتح فين مراتك
-يااااة مراتي!! قصدك رشا لا دية طلقتها
ثم ضحك بقوة, لتتسع عيني عليّ الخضروتان و تساءل :
-عامر انت كويس؟ انت فين دلوقتي عشان أجيلك
ليعتدل عامر بالجلوس و يربت علي فخذي صديقته و يقول بضحكات متقطعة خبيثة :
-انا في مكان مستريح فيه اوي,
-يا راجل ما تقول انت فين؟
-يا عليّ انا كويس..انا دلوقتي قاعد مع واحدة كدة..يومين و هتصل بيك و نتقابل..
ثم ألقي هاتفه بعيدًا غير منتظرًا إجابة صديقه, و أرتمي في أحضان تلك البدينة حد الإنفجار!
مر أسبوع أخر و قرر عامر وقتها العودة لمنزل عائلته القديمة و الذي هجرهم قبل زواجه الاول حتي, فقد كان ينوي الإستغناء عنهما للأبد لكن ما يعيقه حبه العنيف لأخته, فظل علي صلة مقتصرة علي مقابلته القليلة مع بسمة و أمه في كل سنة مرة!..
أجتمعت الأسرة الصغيرة المكونة من نعمة و بسمة و خطيبها محمود في المطبخ, كانت نعمة تحضر الغذاء و ترفض رفضًا تامًا ان تساعدها فتاتها الصغري و تصر أن تحادث خطيبها بينما هي تطعمهما بأيديها الحنونة, حاولت بسمة القيام من مكانها أكثر من مرة, لكن محاولتها باءت بالفشل, لا تعرف أن كان شعورها صحيح أم مجرد تهيؤات, فهي تحس بأيادي محمود تطأ جسدها, فأحيانًا, تحس بأصابعه التي تميل فوق فخذها, أو فوق المؤخرة أو عند الخصر, تتلوي و تحاول ان تبتعد لكن الحرج يمنعها و أمها أيضًا تمنعها, كما أن أمها لم تصمت فحسب علي الجلوس بجواره بل أنها عزمت أن ترتدي فتاتها أضيق ما في ثيابها و تظهر علي الأقل مقدمة شعرها ما دام أنها تأبي الجلوس متبرجة أمام خطيبها الذي سيصبح زوجها قريبًا, تفاجأت بضغط كفه فوق منحنيات جسدها, لينتصب جسدها في شهقة خائفة, ثم فورًا ما ترسم البسمات الصفراء في وجه والدتها, و بينما هي في شدة حيرتها بين القيام في صفعه أو الضعف و البكاء بقلة حيلة و الصمت حتي لا تحس والدتها بشيء, حتي نزل علي مسامعها صوت جعل بدنها يرتجف من شدة الرعب, صوت أخيها و هو يدلف المطبخ, تفاجأت الوالدة أيضًا بوجودة فأطلقت زغرودة عالية من براءة فرحتها, أقترب منها عامر و طبع قبلة خافتة فوق رأسها و قال موجزًا :
-أزيك يا أمي
-ازيك يا حبيبي دخلت ازاي البيت
فرد و هو يقترب من محمود و بسمة :
-معايا المفتاح..
ثم مد يده لمحمود ليصافحه محمود في ابتسامة سخيفة, ليتساءل عامر مستعجبًا :
-انت هتسلم عليا و انت قاعد و لا اية قوم ياض أحضنك وحشتني..
وقف محمود بشهامة و إعتزاز بذلك التقدير الذي يعطيه إليه عامر, عانقه عامر بالفعل, لكن من الأسفل, ضربه عامر بركبته أسفل حزامه, و لم يكتفي بضربة أوأثنان بل أستمر في الضربات, ثم أمسكه من نهاية قميصه و نظر في عينيه كالوحش و صاح :
-آه يا ابن ال*** يا واطي..بتعمل في أخت عامر كدة..
ثم ألقي بجثته علي طاولة الطعام, فيما صرخت السيدة العجوز و قفزت بسمة من مكانها بعدما أزدادت رعبًا, و بين الصرخات النسائية الناعمة نسمع نهيق محمود في الإستنجاد بأحدهم, فجثته المليئة بالدهون لا تنفع سوي بالمنظر, كان رأسه يتحطم في الحائط بضربات متكررة, فيما صاحت نعمة خائفة :
-خلاص يا عامر سيبوه سيبوه..
كان الدماء قد لفح وجهه محمود من كل ناحية, فأشتد شخط عامر في القول :
-إياك أشوف خلقة أهلك دية معدية الشارع و قسمًا بالله يا محمود يا ابن **** لمعرفك انا مين عشان تعمل في اختي انا كدة
و جهر بكلمة "أنا", ليترجاه محمود متوسلًا في بكاء طفولي :
-و رحمة أبوك كفاية انا همشي همشي
-مش قبل ما تحلي ياعسل انا لسة مخلصتش
ثم ألقاه علي الأرض و تابع ركله في بطنه ووجهه بلا أي رحمة, فسارعت بسمة بالركض تجاههم و سحبت ذراع عامر مترجية :
-عامر عامر كفاية هيموت في إيدك...خلاص متوديش نفسك في داهية عشان دة..
أنتظر حتي أنهت كلامها ليبصق في وجهها و يصفعها فوق خدها, صرخت السيدة مولولة في بكاء, بينما سكتت بسمة و اخفضت رأسها في الأرض, أوقف عامر تلك الجثة الملقاة و توعده بالتهديد الوعيد :
-و رحمة أبويا الغالي لو شوفتك قربت منها علي بعد 10 متر ليكون أخر يوم في عمرك يا ****
و جره من قميصه تجاه الباب كالكلب, و دفعه خارجًا بعد ركله ركلة مهينة تنهي قصص كونه ذكر..
توجه لشقيقته التي ما زالت علي وضعها لم تتحرك تسكن في مكانها بلا دموع أو شيء, دفعته والدته في صدره و صاحت باكية :
-حرام عليك انت مفتري جاي تضرب يا اخي يا ريت بطني ما جبت شيطان زيك..
لم يبالي لعتاب والدته, و جذب بسمة من مقدمة شعرها الخارج من وشاح رأسها, لتتأوه في ألم فقال صارخًا بجهر :
-و أنتِ يا روح أمك ساكتة لية كل دة..عجبك اوي الموضوع يا ****, و اية الشعر الي في أيدي دة و ديني لأقطعهولك عشان تتمنظري بيه بعد كدة يا بنت ال****
دفعته نعمة من صدره و صاحت بهيستريا, قد أفلحت في تسليك شعر طفلتها من قبضة يده و تصيح :
-كفاية بقي كفاية يا مفتري..عايز اية تاني عريس البت و طفشته
فبادلها علو الصوت و الصراخ متعصبًا :
-كان بيتحرش بيها و انتِ عشان مهملة مش دريانة..
-أحترم نفسك يا قليل الأدب
-أختي بقيت كدة عشان سيبتها لتربيتك الوسخة..انتِ مبتعرفيش تربي عشان استأمنها عليكي
جحظت عينين الأم و هي تقول غير مصدقة :
-انت بتقولي الكلام دة ليا انا يا عامر..
و أخيرًا نطق الفرعون, و قالت بسمة في حدة :
-عامر اسكت انت كدة تعديت حدودك كفاية اوي لحد هنا و أمشي أطلع برة
فعاود عامر سحبها من مقدمة شعرها و الصراخ في وجهها :
-لسانك الي طول دة هقطعهولك..حطي جزمة جوة بوءك و مسمعلكيش نفسًا و يلا أنجري علي أوضتك يلا..
ما زال لا يقدر التعامل معها علي كونها آنسة فضلي, أصبح لها رونق خاص بالمجتع, يعاملها كصغيرة, يصرخ  بها و يعاقبها بالحبس في الغرفة كأنها صبية صغري, أصاغت لأوامره و لا تعرف لماذا, لكن وجدت نفسها لا تلقائي تحني برأسها و تتوجه لغرفتها دون بث كلمة, فيما أرتخي جسد نعمة فوق الكرسي و بكت بحرقة علي كلمات عامر الجارحة لقلبها, ليحتضن وجهها و يضمه لقلبه مكررًا إعتذاره في لهجة عاجزة ضعيفة :
-انا اسف يا امي..انا اسف انا اتعصبت بس بعد ما شوفت منظرهم الوسخ دة قدامي أرجوكي أعذري أنفعالي..
-اسكت يا عامر اسكت
ليقبل رأسها و يدها مرارًا و يقول :
-بس انا مش همشي من هنا إلا لما ترضي عني..يلا بقي يا حبيبتي انا قررت اني هعيش معاكي من انهاردة و لا عاوزاني أغور
ناظرته مستغربة و قالت له :
-هتعيش معايا! بجد يا عامر
ليقبل يدها مرة أخري بشوق و يدفن وجهه بين كفيها و يقول :
-طبعًا يا حبيبتي..انا فعلا مش هقدر أستغني عنك انا محتاج ابقي جمبك الأيام دية..
و بطبيعة الأمومة, نسيت الآلام و فتحت ذراعيها لأبنها بلا أي عتاب, ليحتضنها, مسحت فوق شعره بحنان, و تساءلت :
-و رشا هتيجي معانا هنا في البيت
لم يقدر علي قول انه طلقها فهي بالتأكيد ستتعب نفسيًا أكثر, ليكتفي بالقول :
-هي كويسة بس مسافرة الأيام دية في رحلة مع صحابها..بس مش هتقدر تعيش معانا هنا..
-و ازاي كدة اــ
فقاطعها قائلًا بلهجة هادئة جادة :
-تطمني يا امي كل حاجة محلولة...
وقف أمام النافذة و دخن تبغه الخاص و هو يحادث عليّ و يخبره بعنوان منزله الجديد ليأتي و يزوره, كان وقتها الساعة العاشرة مساءً, دلفت والدته لنوم مع بسمة بينما أحب السهر تلك الليلة متأملًا الناس من البرج العال الذي يقطن فيه من الآن, لم يتأخر صديقه بالقدوم, وضع حقائب السفر –الخاصة بثياب عامر- امام باب المنزل, ليقول عليّ متستفسرًا :
-و انت نويت تعيش هنا..
فتش عامر في حقائب ثيابه الذي جمعها عليّ بنظام من منزله القديم, و رتبهما في حقائب السفر, ثم قال دون النظر إليه و هو يخرج ثياب لتبديلها :
-اه خلاص من انهاردة هسكن هنا..
-حلو المكان..
قالها عليّ مشجعًا و هو يتجول بعينيه في أنحاء المنزل, و يضع يديه فوق خصره, ثم تساءل مندهشًا :
-اية الدم الي في قميصك دة يا بني!
فأجابه عامر بلا مبالة :
-انا داخل أخد دش البيت بيتك..
دلف عامر الي المرحاض, و أغلق الباب عليه, بينما أسترخي عليّ فوق الأريكة البنفسجية, كان متضايقًا من تصرفات صديقه غريبة الأطوار, هو ليس حرًا بالمرة بلي هو عبد لهواه, دمية لمزاجه السيء, الحر هو المتحكم في تفكيره و ليس العكس أبدًا, يود لو يتفهم عامر هذا الكلام لكن أعقله السطحي يتحمل شيء كهذا؟
أحس بالظمأ فهم بالقيام نحو الثلاجة الصغيرة التي وضعت في ركن بعيد من الصالة, كان الركن مظلم بعض الشيء فلم تكن هناك أضاءة مسلطة في ذلك الجانب, توجه و تناول زجاجة من الثلاجة, و بين أعتاب الصالة, وقفت بسمة تلاحظ هذا الظل الطويل, في الحقيقة لم تحزن بسمة أبدًا من رد فعل شقيقها, بل أنه أسعد يومها و فك قيدها, رغم الإهانات العنيفة التي وجهها لها, لكن كانت في محلها الصحيح و لم يقل سوي الصواب, يكفي ما فعله مع والدتها, فقد أخبرتها كم أعتذر, و ترجي الغفران و كيف أسعدها بقوله أنه سيبقي معها إلي الأبد!
أقتربت بسمة من هذا الظل شيئا فشيئا علي إستحياء, ثم ألصقت جسدها في ظهره و عقدت ذراعيها حول خصره و هي تسند رأسها فوق كتفه, كانت مضطرة لوقوف علي أطراف أصابعها لكي تطيل هذا الشخص الذي يتعدي حدود الطول لأي أنسان طبيعي, همست بغنج أنثوي :
-انا مبسوطة انك هتبقي معايا اخيرا هنرجع زي زمان..انا مش عاوزاك تزعل مني ابدًا يا حبيبي انت عندك حق
و مسحت بيدها فوق وجهه في لمسات مثيرة, بينما عليّ يقف كالمشلول لا يصدق ما يحدث له, لوهلة فقط, يجد فتاة تسند علي بكامل مفاتنها و تعانقه من ظهره بلا إستحياء, ثم تهمس بالهمسات الجريئة الغير عفوية بالمرة, شعر ان الماء علق في حلقه و أنه لن يستطع التحدث بعد ما يحدث له الآن, تابعت بسمة قائلة في مشاكسة و هي تقبل خده :
-اية دة انت حلقت دقنك و شعرك امتي يا غوريلا انت..
في تلك اللحظة, لم يتحمل عليّ المزيد من تلك الإغواءات, فتلفت بطرف عينيه و أصطدم بمنظرها, فيما تنحيت بسمة الي الخلف شاهقة في فزع فارغة الفاه, مشرفة علي البكاء من الصدمة, من هذا الرجل الغريب الذي أحتضنته و قبلته لتوها, أعترته بسمة جانبية حينما أدرك من هي!, أنها حبيبة عامر الاخري, تفحص ثوبها الأحمر القصير و شعرها الغجري المموج كأمواج عابثة, لتتراجع الي الخلف مرددة عبارات غير مفهومة كالأسف و السؤال عن الهوية في إرتعاب, ليقبض عليّ فجأة علي معصم يدها و يجذبها إليه مرة أخري بالقرب من صدره, قائلًا بعبث :
-هو أنتِ!
و واصل بسخرية :
-هو أنتِ حبيبة القلب!!
*
*
*
يتبع

أطلال محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن