-12-

3.8K 86 1
                                    

-12-
سندريلا, أحست بأحساسيس سندريلا و هي تراقص الأمير, نعم كانت سندريلا الجميلة و هي بين ذراعيه, ترقص معه الرقصة الهادئة, الناتجة عن هدوء كينونه، قلبها يتضرع ذليلًا مقابل ملقتيه اللامعة, تاه عقلها و أستسلمت لهتاف قلبها, لا لم تعجب به, لا لم تحبه, لا لم تعشقه, لا هي كاذبة!
تعلقت عينيها بفيروز عينيه, و حينما حاوطها الخجل, أستلقت برأسها صدره, ضم خصرها لخصريه و أستند برأسه فوق كتفيها, لم تكن هي الوحيدة الضعيفة في ذلك, بل كان يفوقها الضعف أضعاف, لامس طرف أنفه الحاد بخدها, مما جعل قشعريرة هادئة تسري داخلها, عدلت من وضع رأسها الذي أصابه الهذيان, فألهب جبهتها بقبلة حارة طويلة, أتسعت حدقتيها فجأة و عادت لوعيها, لتنظر إليه بغير تصديق, فأمسك وجهها بأحد كفيه الكبيرين, و همس بلحن عاذب :
-هنتجوز يا بسمة..هتجوزك و هتبقي مراتي و ملكة عمري و حياتي, مش هسيبك يوم كمان بعيدة من عني كفاية كدة..
ثم مال مقبلًا قنواء أنفها الوردي, و تابع قوله بالسؤال الذي أشعل نيران قلبها :
-تتجوزيني؟
كانت يديها موضوعة فوق وجهه ضامة إليه في حنو, فأخفضتها فور قوله مسرعة، و فرت بخصرها من ذراعه المحيط بها بجرأة, فنشب أصابعه في كتفها بلين  و جذبها لصدره مرة أخرى, و همس في مكر :
-قولتلك مش هسيبك الليلة..الليلة أنتِ بتاعتي أنـا بس يا بسمة..
فنطقت بلسان ثقيل الحروف, مرتبك الكلمات و قالت :
-عـعـ عليّ..
و أكدت على حرف الياء, فصدر أسمه منها بأكثر نعومة و أنوثة, ثارت نشوته بها أكثر من أي مرة سابقة، كيف كان أسمه عذب من شفاتيها، كيف كان بهذا الجمال و اللحن الملئ بالغنج من حنجرتها الرقيقة, تسلطت عينيه فوق شفاتيها المكتنزة بالحمرة, فأنتصب جسدها خائفًا من نواياه, أيبالي؟ كأنه لا يرى هالات الذعر التي حاصرتها و تابع مسيرته بالتقدم تجاه نعيم شفاتيها, دفعته في اللحظة الأخيرة من صدره و تراجعت قدماها بخطاه مرتعبة إلى الخلف, مسح فوق جبهته مستحيًا من ضعفه الذي لا يليق بمكانته, حدجها بهدوء و أبتسم قائلًا محاولًا تصحيح فعلته المشينة :
-خليكي واقفة مكانك لحظة!
وقفت منتصبة, عيناها تتجول في كل تجاه, شيئًا ما يحثها على الفرار, رفضت ذاك الصوت, أنصتت لأول مرة لدقات قلبها الذي على حافة العشق، كيف لان و ترك نفسه كالعجين لذي العيون الخضر؟ كيف لا تقاوم سحره و تلوذ بالفرار من أثم الحب؟
زواج! أخبرها بالزواج، بتلك السرعة الخارقة, كأنهما عاشقين منذ سنوات؟ و أيصح لها الزواج ؟ ألمن عاش حياتها سيستطع النسيان؟ أستسطيع العيش مع رجل، رجل من جنس الذكور الذي دمروا حياتها و نالوا منها بطعنات قاسية في شرفها؟ أستسطيع المواصلة و الحب و العشق و الغرام كأن ما كان لم يكن ؟ أستوافقه إن تجرأ و قبلها, أو أن حاول و أحتضنها؟ أم ستكون شرسة لا يصارعها سوى لقطات أليمة من ماضي قاس!
عضت على شفاهها السفلى في تربك, عبق أنفاسه لا تزال تتشممه, أحتضان قبضته لذراعها, و عناقه البرئ لخصريها لا تزال تحس بلذته, خافت أن يتطاول الأمر و تسوء الأحوال أكثر من ذلك, لِمَ أمرها بالإنتظار؟ و كيف أطاعته و كأن ليس لها رأي؟
همت بالقيام مغتاظة من تأخيره, و أنتظارها التي أحست أنها جرحت أنوثتها, حتى رأته يهم بابتسامة أظهرت صف أسنانه الأبيض, كما يحمل في يده باقة ورد بلون الأحمر و الأبيض!
تحسست وجنتها في خجل, و مدت يدها لتتناول منه باقة الزهور في إستحياء, تلامست الأصابع, فسارعت في الإبتعاد بجبن, بينما ابتسم الخبيث مستمتعًا بحياؤها, رأى نظرات الإعجاب تتقافز في عينيها الصغيرتين, أمسك بيدها و ضغط فوقها بخفة و هو يسحبها برفق نحو المقعد المجاور له, لتميل نحوه بلا عقل.
-نعتبره إعتذار لأي حاجة وحشة بدرت مني يا بسمة
لم ترفع عينيها الخجولتين عن باقة الزهور متظاهرة الإنشغال بجمالهن, فهي تهاب أن تظهر بأي منظر آبلة و هي متأملة لخضروتيه, أجابت في نبرة متحشرجة خافتة :
-شكرًا مكنش في داعي للإعتذار..
-شكل الورد كل عقلك! عجبك؟
-جدًا يا علي..
-عايزة ورد تاني؟
سألها في مكر, لم يوضح في نبرته اللئيمة, لتقول بخجل و هي تلامس إحدى الزهور :
-مفيش مانع أنـا بحب الورد و أ..
لم تتابع الجملة, فقد قاطعتها قبلته الخبيثة فوق خدها, يزرع وروده فوق وجنتيها, إتسعت عيناها و هي تشعر به يقضم من خدها الشهي بتلك الجرأة, أصطبغت بالحمرة المتوردة الخجلة, و ناظرته في نظرة خالية من العتاب, لكن مملؤة بمشاعر مضطربة, فأمسك كفها بحنو و مده نحو شفاتيه ليترك فوقه قبلة أخرى, تريد أن تتفوه بأي كلمة تعبر عن ضجرها المصطنع, فلم تلبث إلا بسماع صوت مندهش :
-بسمـة!!
التفتت الأثنين نحو مصدر الصوت, فوجدته مهاب مصدومًا مما رآه لتو, أقترب منها على مهل, ليقوم علي و يبتسم لها بلطف قائلًا :
-هنشوف بعض قريب..سلام
ثم رمى مهاب بنظرة غاضبة, فقد عكر صفوهما الهادئ, أبتعد علي بينما سارع مهاب نحوها, لتقوم و هي تقول له مسرعة بإرتباك :
-نتكلم بعدين..بعدين
و فرت مسرعة من أمام نظراته الثاقبة..
                             *****
وقف عامر مبتسمًا أمام كلوديا, و دعاها لرقص بعدما إستأذن من زوجته الجميلة التي وافقت بدون أي أعتراض, قال عامر سعيدًا :
-أنبسط لما شوفتك أفتكرتك مقبلتيش الدعوة
-تكلم بهدوء حتى أتفهمك..لا أعرف العربية بعد.. par favor عامر par favor "من فضلك"
قهقه ضاحكًا, و قال بالأنجليزية :
-سعدت برؤياك يا جميلتي..
‏-gracias  "شكرًا" و أنـا أيضًا يا عزيزي أرى البسمة تنضج على وجهك،
-ألم تحزني بكوني تزوجت بثالثة بعد نِّيرة!
-و ما المحزن في الأمر ! لو كنت أنت من مات لما منعت فتاتي من حقها في الحياة, و أنت يا بني لا تربط نفسك بالماضي, فقد مات أيضًا, أدعو لها بالرحمة و أكتفي..
-لو كنت أستطع..يصعب على قلبي نسيانها رغم هذا الزمن..لا أتذكر سوى نظراتها المأنبة و أنـا أتركها..
-ليس هناك داعي لهذا الكلام اليوم هو زفافك..أحب زوجتك فيبدو عليها الجمال و الرقة, و العشق أيضًا,
-لا أظنني سأبادلها ذاك العشق يومًا يا كلوديا..أنـا مكتفي بجب نيرة حتى يغفر الله ذنبي, و تقوم قيامتي..
جاءت بسمة و العرق بدأ يتهلهل على وجنتيها, وجدت شقيقها يودع كلوديا هو و أميـرة, أقتربت على مهل من شقيقها و وقفت جواره, ليهمس متسائلًا :
-كنتِ فين أختفيتي فجأة؟
-كنت واقفة برة بعيد عن الظيطة دية..
غمز لها بعينه ماكرًا، و قال :
-كنت خايف ألاقيكي بترقصي
لتقول منفزعة :
-برقص! برقص اية لا طبعا أنـا مكنتش برقص برة!!
-مش أقصد برة بكلم على جوة القاعة ذات نفسها, أصل كان لازم تفضحيني في كل مرة و ترقصي..أرحمي وسطك المرادي عشان خطري
فتذكرت هوايتها التي لم تسأم منها يومًا, و هي الرقص الشرقي, لتضحك مع شقيقها و تقول بغنج :
-دة أنـا كنت مجهزالك رقصة هتجبلي عرسان بالعشرة كدهوة
-أحب على أيدك بلاش بتكسفيني بلاااش يا بسمة
ثم لف ذراعه حول كتفيها, و أمسك بيد زوجته لتقترب و تسمع الحوار, ليقول :
-بصي يا حبيبتي, أنـا و ميـرا هناخد أسبوعين شهر عسل, و لما هنرجع هتكوني مجهزة شنطك عشان هجيبك بيتي..ياريت في الأسبوعين دة يبقى من البيت لشغل و من الشغل لبيت و متفتحيش الباب لأي كان, فاهمة يا بسمة و أنـا هوصي مهاب عليكي..
تأفأفت بسمة حانقة, و رمقته بضيق غير معقبة على كلامه الذي لن يحدث سوى في أحلامه, فيما أستغربت أميرة, من أنه لم يفصح لها عن رغبته في سكن بسمة في بيتهما, بيتهما الذي أختصه لنفسه و قال "بيتـي".
أنتهى حفل الزفاف, و بالفعل أوصى عـامر مهاب كثيرًا أن يحافظ على بسمة في غيابه, أن يلبي كل طلباتها ريثما يعود إليها و يأخذها, ثم أنهى حواره بالقول :
-يلا وصلها البيت بقى.
كانت بسمة خائفة من مواجهة مهاب لها, فهي تدرك جيدًا أن مهاب رأى ما حدث بينها و بين علي, و تلك القبلة الخاطفة الذي أخذها منها قسرًا, جلست جواره في السيارة مرتبكة, كانت مطمئنة نوعًا ما بوجود خطيبته الجديدة معهما، أوصلها مهاب إلى بيتها بعدما وعدها بإتصال قبل أن ينـام, من ثم نظر إلى بسمة المتوردة الخدين, و قال :
-هتفضلي ساكتة كدة!
-مكسوفة من إللى حصل..أنت أكيد عارف أني مش كدة, أنـا حتى معرفش مين دة
-متعرفهوش أزاي يعني؟
قالها عاقدًا حاجبيها, لتسارع بالتصحيح :
-لا أعرفه بس أقصد أن علاقتنا كانت سطحية جدًا و تكاد تكون منعدمة، هو صاحب أخويا بس مش أكتر.
فنظر لها معاتبًا, و قبل أن يقول شيئًا, قاطعته بقولها الخجول :
-هو طلبني انهاردة لجواز..و قال أنه عايز يتجوزني!
فسألها بفضول :
-و أنتِ أية رأيك؟ موافقة؟
-لاء طبعًا أنت عارف وجهة نظري في الحكاية دية، انـا مش هضيع حياتي في الجواز و تكوين أسـرة أنـا مبسوطة بنجاحي
ليضحك مهاب ماكرًا و يقول :
-و هو دة منظر واحدة رافضة!
و تابع بالقول ممازحًا بسخرية و هو يقف بسيارته أمـام منزلها :
-يا بنت الحلال دة أنـا لو كنت سيبتك لحظة زيادة معاها كان ممكن ألاقيكي حامل فيها
فلكزته في ذراعه و قالت بضيق :
-أحترم نفسـك بقى
ليضحك بصوت عال, ثم يهدأ من نبرته بالقول :
-أنـا معنديش مانع في علاقتكم و لو هتجوزيه أنـا هبقى مبسوط بس حطيلك شوية حدود، مينفعش يبوسك و لا يقرب منك كدة، راجعي نفسك كدة و لو حاول يعمل كدة خدي موقف و أرفضي، متبقيش مسالمة عشان ميقولش عليكي كلمة مش و لا بد..و عشان أنـا مدخلش
و أصر على قول جملته الأخيرة في بعض من الجدية، لتقول بضيق :
-خلاص خلاص حاضر
قالتها منهية الحوار, و تابعت مودعة :
-يلا بقى سلام ألحق أنام عشان شغلي بكرة..
و  توجهت نحو البرج بعدما خرجت من سيارته مغلقة الباب بقوة, فنادى على أسمها و أشار لها أن تأتي, جاءته مطلة رأسها من نافذة السيارة الصغيرة, ليضم شفاتيه في وضع قبلة و يقول مشاغبًا :
-مش عايزة وردة تانية يا بسوم!
تأججت غاضبة فقد نجح في إستفزازها, لتجيبه صائحة :
-حيــوان..
ليضحك مكركرًا و ينصرف بسيارته مسرعًا.
             ****

أطلال محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن