-8-

4K 83 0
                                    

-8-
-آنسة بسمة عمرآن مظبوط؟
-مظبوط!
لتزداد ابتسامته إتساعًا و مكرًا و هو يجيبها في فخر و إعتزاز :
-معاكي د/ايهاب..ايهاب عوض
ثم أمسك بيدها, و مدها لشفاتيه ليلثمها بقبلة هادئة, أثارت بجسدها قشعريرة, سحبت يدها بلطف من بين يديه و قالت في لهجة خافتة من شدة خجلها :
-طب أتفضل !
ليهز رأسه نافيًا :
-بشكرك جدا..بس انا بفضل نتقابل برة أفضل؟
-هو أحنا نعرف بعض قبل كدة؟؟
هكذا سألته مستعجبة و هي تتفحص ملامحه بتدقيق و تفحص, لولا عملية التجمييل الذي أجراها في وجهه لمحو ندبة الحرق, لكانت أستدركته سريعًا, لكنه أصبح مختلفًا  خاصة أنه أجري بعض التعديلات في ملامحه لكي يصبح في شكل أكثر وسامة قريبًا من أحد مشاهير Hollywood, ليذم شفاتيه في إستنكار و يحن بصوته مغازلًا :
-أكيد..أنا د/إيهاب بشتغل في جامعة أوروبية و لسة نازل مصر بعد ما عرفت أن في جوهرة ثمينة مش لاقي الي يحافظ عليها..قرأت جميع أبحاثك و الماجستير بتاعتك و تأكدت أنك تستحقي فعلًا كل الإحترام و التقدير يا سنيورا بسمة..
أزداد إرتباكها, و تورد وجهها بالحمرة المستحية, حاولت أن تسيطر علي نبرة صوتها و هي تجيبه في إبتهاج :
-بشكرك علي الإطراء الرائع..بس آ...
-لو سمحتي تقبلي عزومتي, انا مكنتش عارفة أوصلك فأعذريني أني جيت بيتك من غير ميعاد
لتسارع بالقول :
-لا لا مفيش حاجة حضرتك تنورني في أي وقت..
-طب هستناكي بكرة الساعة 9 الصبح في كافية بلاك كوفي..
راجعت جدول مواعيدها في عقلها سريعًا, ثم تبسمت قائلة في إعتزاز :
-هاخد بكرة أجازة من الشغل مخصوص عشان حضرتك
ليتساءل مستسفسرًا و هو لا يزال يحتفظ برونق بسمته :
-و يا تري حضرتك بتشتغلي أية؟
-شغلي ملهوش أي علاقة بشهادتي مع الأسف مش عارفة أستثمر شهادتي في مصر بطريقة مفيدة, لكن الحمدلله..بشتغل في شركة استيراد و تصدير مديرة العلاقات العامة..
ليعاود مسك يديها و يضغط عليهما قائلًا ببريق لامع في عينيه :
-أنتِ تستحقي تسافري العالم..أنتِ جوهرة
ليزداد خجلها و هي تثني عليه بالشكر لمجاملاته الراقية, لم تتعامل يومًا مع شخص بذلك الذوق الرفيع, و الكلمات المنمقة في جناس رقيق, أهداها رقم هاتفه و أكد لها أنه متحمس لرؤيتها و التعمق في معرفة ما يدور في عقلها المبتكر, فوافقت و قلبها يتراقص من فرحته لمقابلة ذلك النجم..
وصل أخيها مبكرًا علي غير عادته, كان المنزل في حالة سكون هادئة, ليمشي علي أطراف أصابعه خوفًا ان تستيقظ والدته, أحب ان يطمئن علي بسمة لكن قبل ان يخطو لغرفتها سمعها تقهقه في التحدث في الهاتف, ثم تعاود القول في حب و لهجة تملأها الغنج :
-جنتل في نفسه اوي يا شهد..كان كل ما يتكلم بحس ان عيني هطلع قلوب و لا لهجته يا شهد عربي مكسر, شهد انا حبيته خلاص, كل ما افتكر حنيته و هو ماسك أيدي بحس اني مكسوفة
قالتها و هي تضحك بصوت مرتفع, و تتمسخر علي جملتها الأخيرة و تشاركها صديقتها الحك, فتح عامر باب الغرفة في قوة, لينتفض جسد بسمة من الفزع, فناظرته في عتاب و تابعت مهاتفة صديقتها, ليقترب عامر منها بحذو و يقول :
-أقفلي معاها دلوقتي..
قبل أن تعترض و تعاند, كان قد سحب الهاتف من أذنها و أغلقه, ليشتد بها الضيق و هي تضغط علي شفاهها السفلي :
-أنت بتهزر يا عامر..اية الحركة دية! أكيد زمانها زعلانة مني دلوقتي..
-أقعدي لازم نتكلم
و أجلسها علي الكرسي, ليجلس في الكرسي المقابل لها, ظل يتفحص عينيها و هو يقول بلهجته الثابتة غير مرتبكة :
-في عريس متقدملك
لتهب بالوقوف مغمغمة في حنق واضح :
-تاني! عريس! مبدأيا انا مش موافقة..
فواصل دون التلفت لغضبها :
-هو شاب كويس, باين عليه محترم, ملتحي و متدين, جاهز من كل نواحيه, في مشكلة صغيرة أن شغله في قطر و مش بينزل مصر الا في الاجازات و محتاج يتجوزك في أسرع وقته..فطبعا انتي هتنتقلي معاه لهناك
-هو أنا لية حاسة انك متفق معاه علي كل حاجة من قبل ما تكلمني حتي..
قالتها و هي تضيق حدقتيها ليقول ببساطة :
-طبعا أمال هجوز أختي لأي واحد و السلام..انا موافق عليه يا  بسمة, بكرة هتتقابلوا و تتكلموا عشان نحدد و نتفق علي التجهيزات
-يا سلام! دة أنت حتي مطلبتش موافقتي
ليتساءل و هو يرفع حاجبه الأيسر بإستنكار :
-بسمة أنتِ عاوزة كلمتك تمشي علي كلمتي ؟ بقولك الشخص كويس و عاجبني..
لتقاطعه بتعانف :
-روح أتجوزه أنت لو عاجبك أوي كدة..
-أحترمي نفسك يا بنت!!
لتشيح برأسها بعيدًا و تمنع عينيها عن البكاء, قارصة فوق شفاهها, تصك أسنانها, تقبض فوق قبضتها و تصمت, فما لبث أن لانت نبرة صوته و هو يقول :
-عمومًا رأيك برضه مهم...شوفيه بكرة و أحكمي..
خرج من الغرفة, و تركها بين شجونها و أحزانها التي لا تكف أن تتوالد أكثر, لا تريد أن تتزوج بشخص و تفترق عن والدتها و تهجر بلدها, لا تريد الزواج مِن من لا تعرفه!, أعادت التفكير كثيرًا في ذاك الموضوع, فتذكرت كلمة عامر و هو يجزم أنه متدين ملتحي, فأطمئن قلبها و هي تقول سيتفهم أمر ماضيها و سيسامحها!
أعتذرت عن مقابلة إيهاب لأنها ستنشغل بتجهيز نفسها, لشراء فستان جديد لكي تلفت إنتباه و تكسب قلبه بأناقتها, حينما أدركت والدتها بالأمر أبتهجت أساريرها و عانقتها بسعادة, و غفرت لعامر كل شيء, فهو قد إستطاع إصطياد عريس جيد..
وضع كوب شاي فوق الطاولة الزجاج, و إلتمعت بعينيه ابتسامة و هو يقول :
-أحلي كوباية شاي لأحلي صيدلانية
ضحكت أميرة في إستحياء, و أخفضت رأسها للأرض, ليقول عامر بابتهاج واضح :
-انا مبسوط اني سبب في الضحكة الحلوة دية..
-دة من ذوقك يا عامر تسلم..
ليشابك حاجبيه ممازحًا :
-عامر حاف كدة؟
فأرتبكت, و عدلت من نظارتها الطبية, و هي تكرر إعتذارها, لينفرج ثغره بابتسامة قائلًا :
-أنتِ تناديني بأي حاجة تحبيها..
ثم أكمل مواصلًا :
-أعتبري كوباية الشاي دية صلح للي حصل امبارح..انا مش عنيف كدة, دة وجه أخر مبيظهرش الا في الحالات الطارئة..
لتقول أميرة في رقة و هي ترفع عينيها صوب عينيه :
مش لازم تقولي يا عامر..انا اعرفك كويس
ليتساءل مندفعًا بحماس :
-تعرفيني ؟ تعرفيني منين!
فأرتبكت و عادت تعدل من وضع نظارتها الطبية, و هي تصطنع الإنشغال بالبحث عن دواء معين بين الرفوف :
-آه طبعا أعرفك بسمة بتحكيلي عنك دايمًا, دة غير طنط نعمة بتحكيلي قد اية انت حنين..و طبعا باستثناء انك دخلت الصيدلية كتير وــ
فبتر جملتها بخبث :
-دة أنتِ متابعة تحركاتي بقي!
-صدفة..
ليغمز بعينيه اليمني و يكرر جملتها في مكر :
-صدفة!
ثم توقف عن العبث بمشاعرها الهائجة, و قال باسمًا بشفاتيه الورديتان في حقول لحيته الكثيفة و الشارب العظيم :
-انا مضطر أمشي..بس أكيد هرجعلك تاني
أولي ظهره إليها و خرج مستقلًا بسيارته, فيما ظلت عينيها معلقتين بسيارته السائرة, ثم عاودت التبسم في حياء نابض في عروقها الهاتفة بأسمه..
                                 ***
جاء الميعاد المشؤوم, تجهزت العروس و أرتدت الثوب اللائق لتلك المناسبة البائسة, ساعدتها والدتها في التزين و وضع مساحيق التجميل بشكل متناسق, يلائم وجهها الصغير النابع عن براءة, جلست مقابله و أخذت تحاول إختلاس الأنظار له, آتي مع والدته و شقيقته التي ما لبثت أن ولجت لمنزل حتي أخرجت صدرها لإرضاع طفلها الرضيع أمام عامر بلا حرج, حتي أن وجه عامر أصابه الحمرة, يبدو أن عامر خجل, يا لها من لحظة يتوقف أمامها التاريخ, تفحصت وجه الخاطب, كان ذو وجه طويل, يرتدي حلة سوداء فضفاضة علي جسده النحيل, له لحية بالفعل لكنها أقل حجمًا من عامر, يتسم ببشرة بنُية لامعة, عرفت أنه يعمل مهندس  بترول, تزوج من قبل و ترمل بدون أطفال, و قد شاع في بلدته أنه قتلها لسوء فهم بينهما, منذ عرفت ذلك الخبر, حتي أصبح قلبها يقفز من مكانه, و هي تتخيل نفسها مريضة تستلقي علي الفراش من شدة الإرهاق و هو يطلب أن تصنع له كوب شاي, فتأبي بحجة تعبها, أخذ يترسم أمام مخيلتها, وجهه المتحول لوحش و السكين التي تخرج من جيبه لتنغرز بها, إرتعبت و أنتفض جسدها, لاجت بأنظارها بين وجوههم, حتي أستقرت عليه و تساءلت في جرأة :
-تقدر تبرر موقفك من حادثة قتل مراتك السابقة و اية سبب إتهامك فيها
أشتد حنق عامر, لفتح تلك السذجاء موضوع كهذا أمام الجميع, وجدت الدهشة تحل علي وجه والدتها, بينما رأت البرود و الرخاء فوق ملامح أسرة العريس, ليقول العريس في لهجة واثقة :
-مكنش له لزوم أن اول سؤال تعارف ما بينا يبقي بالشكل دة..!
-انا مش بسألك كعريس متقدملي أنا بسألك سؤال عادي, اية تبريرك لموقف
-ايوة حصل و قتلتها, بس أنا حكمي برئ انا قتلتها دافعًا عن الشرف و محدش يقدر يحاسبني علي كدة..
قالها في ثقة جازمة و هدوء لين, لتقول بسمة بفضول :
-أفندم؟ هي عملت إيه!
-كانت عشيقة واحد تاني قبل الجواز مني..مش لازم أتدخل في التفاصيل أحترامًا لحرمة الميت..بس الي اقدر اقوله ان اهلها غفرولي موقفي لأنهم عارفين أن بنتهم زانية و متستحقش تعيش..
فيما عقبت والدته متابعة في حزم :
-عشان كدة يا بنتي..أول حاجة هنتفق عليها علي نور, الدخلة تبقي بلدي, عشان منقعش في نفس الموقف مرتين و تأمني نفسك و تكسبي ثقة جوزك فيكي و ترفعي رأس أهلك..ها يا عروسة قولتي اية؟
لتهب بسمة من مكانها فجأة, و قبل ان تتفوه بشيء, كانت إجابة شقيقها سابقة :
-........
*
*
*
يتبع

أطلال محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن