-7-

4K 88 2
                                    

-7-
لم يتحمل عليّ المزيد من تلك الإغواءات, فتلفت بطرف عينيه و أصطدم بمنظرها, فيما تنحيت بسمة الي الخلف شاهقة في فزع فارغة الفاه, مشرفة علي البكاء من الصدمة, من هذا الرجل الغريب الذي أحتضنته و قبلته لتوها, أعترته بسمة جانبية حينما أدرك من هي!, أنها حبيبة عامر الاخري, تفحص ثوبها الأحمر القصير و شعرها الغجري المموج كأمواج عابثة, لتتراجع الي الخلف مرددة عبارات غير مفهومة كالأسف و السؤال عن الهوية في إرتعاب, ليقبض عليّ فجأة علي معصم يدها و يجذبها إليه مرة أخري بالقرب من صدره, قائلًا بعبث :
-هو أنتِ!
و واصل بسخرية :
-هو أنتِ حبيبة القلب!!
كادت تفر فكبلها أكثر و أزداد بها تقربًا, و هو يتفحص وجهها بعينيه الوقحتين, ضربته في كتفه و تهامست بخوف ظاهر :
-ابعد..أبعد يا مجنون..ابعد عامر لو شافك هنروح في داهية..أوعي دلوقتي
ليتابع قوله مشاكسًا :
-طول عمري بثق في ذوق عامر..عالي أوي
قالها و هو يضحك علي قصر قامتها, لتزداد ضرباته فوق صدره قائلة :
-أبعد من عني..أبعد هتحصل مصيبة دلوقتي..أوعي...أبعد يا مجنون..ابعد
فأخلي سبيلها و تركها, لتتملص منه و تركض من حيث أتت, ضحك في سخرية كبيرة, و نعتها بالعاهرة, يبدو أنها تخاف كثيرًا من عامر, أخذت قهقاته في التعالي كلما تذكر عينيها الجبانتين و هي تحدق به في دهشة و تساؤل, و شفاهها المكتنزة التي لم تكف عن الثرثرة و الإستفهام لمن يكون, أطلق عينيه ليأخذ نظرة دقيقة حول ثوبها المتبرج كاملًا, هز رأسه معترضًا و هو لا يهدأ عن الإفترار, جلس فوق الأريكة مرة ثانية, ليجد عامر يخرج من دورة المياة و شعره مبلل و المنشفة وضعت فوق كتفيه, تقدم إليه و هو يجفف شعره و يقول :
-تيجي نروح السينما انا و أنت وــ
لم يتابع عامر كلامه, حتي قاطعه عليّ ضاحكًا :
-بقي يا عامر يا *** جايبني في بيت فيه نسوان..
فأشتد حنق عامر, لنعت نساءه –اخته و والدته- بالنسوان, و أحس بأهانة إليهن, فهو لم يحاول يومًا, ان يقول لفظًا غير لائق علي آل بيته, بل أنه يحترمهن جميعًا و يعاملهن كإخوته, فقال مندفعًا محاولًا تماسك لسانه عن الغضب المرتفع :
-نسوان! ما تحترم ألفاظك يا أخي
فضحك عليّ, و حرك رأسه مستنكرًا مستعجبًا من تعصب عامر السريع..
وقفت أمام المرآة تهدأ في نفسها بالقول اللين, و تكرر أنها لم تخطئ بالمرة حينما فعلت هذه الأفعال المشينة مع ذلك الرجل, فالله أعلم بالنوايا و أنها ظنته عامر شقيقها, تحول وجهها لوردة خجلة و بدأت يديها بالإرتجاف, ضربت بكفها رأسها و قالت معاتبة :
-غبية !
صدرها يعلو و يهبط من إرتباكها, يا تري ماذا يقول لعامر الآن, و لما تعالي صوت عامر فجأة, تلك المرة لن يغفر لها, بل سيزداد ظنه بالإنحدار, و يتخيل اشياء لم تحدث بتة, أرتعش ذقنها, تريد الخروج و السماع لمَ يقولان الآن, رن فجأة هاتفها فأجابت مسرعة دون النظر لمتصل :
-الو
-أيوة يا بسمة أنا مهاب..
فتبسمت بإستحياء و إصنطعت الجدية :
-أفندم!
ليسألها بخجل :
-أقدر أشوفك..و لة لسة مش عايزة تشوفيني
لتفك اقتضاب وجهها, و ضحكت في مرح :
-تحب نتقابل فين يا كابتن؟
رفرف قلبه من السعادة لكونها عفوت عنه, فقال متحمسًا :
-في الكافية بتاعنا..
-تمام مسافة السكة و هكون عندك..
ألقت محمولها فوق الفراش, و نظرت لمرآة لتتذكر أنها قابلت الرجل بثوب النوم, لتعيد ضرب كفها بجبينها و تكرر "أنا غبية..غبية", أرتدت ثيابها المحتشمة مرة أخري, و قلبها لا يزال ينبض, فما زال صوت أخيها و صديقه في الخارج يتحدثين, وقفت بعيدًا تراقبهما في صمت, حتي أحس عامر بأنفاس تشاركه الغرفة فتلفت إليها و تبسم في إستحياء, ليمد ذراعه لها و يقول :
-تعالي يا بسمة..
توجم وجهها أكثر حينما تقابلت عينيها مع عليّ الذي تبسم بخبث فور ما رآها, شعرت بالغضب من داخلها من ضحكه المستهزئ, وقفت جوار عامر الذي سارع بتقديمها علي صديقه :
-عليّ..بسمة الي كنت بكلمك عنها قبل كدة..صاحبة العربية
مد يده إليها لمصافحة و الابتسامة الخبيثة لا تزول عن وجهه, بل أنها تزداد, فنظرت ليده في ضيق و لم تعيرها إنتباه لترفع رأسها لعامر و تقول :
-عامر انا خارجة
شعر بالإعتزاز لما فعلته بسمة صوب عليّ و كيف أبيت أن تصافحه, فهي تدرك كم يجن جنونه حينما يجد يدها في متناول كفوف الرجال لأي سبب من الأسباب, فقبل أن يجيبها بالرفض, كان علي المشتد غيظًا و حرجًا, فلم يمنع تصرفه الطائش و تساءل في تخابث :
-اه طبعا اعرف بسمة...مش هي دية الي أنت عايش معاها برضه !
عقدت بسمة حاجبيها مستغربة, فيما صعق عامر مما يفصح عنه عليّ و كيف فضحه أمام شقيقته, ليسارع بالقول مرتبكًا :
-اااااه عليّ..أحم عن أذنك..
و جذب شقيقته بعيدًا عن عليّ ليحادثها, فقد أدرك لو أطال الحديث مع عليّ, لأفصح الكثير من الخبايا المستور, أمسك وجه شقيقته بين يديه و قبل خدها كالمعتذرعما فعله قبل قليل, لتبتسم خجلة و تسكت, فسألها بأريحية :
-عاوزة اية يا هانم يالي مجنناني!
-عاوزة أخرج
-دلوقتي أكيد بتهزري الساعة بقيت 10 و نص رايحة فين؟
لتقول بثقة :
-هقابل مهاب..
ليغمز بعينيه و يقول :
-أممم مهاب قولتيلي! و هو عايزك في اية دلوقتي
-عايزين نتقابل هنتكلم شوية و هيوصلني البيت متقلقش عليا
رفع إحدي حاجبيه الكثين و زم شفتيه مفكرًا, حتي قال :
-مشكلتي اني بثق في مهاب..ماشي يا ستي انا كمان خارج دلوقتي تحبي أوصلك في طريقي..
فهزت رأسها و قالت باسمة :
-لا هروح بعربيتي..
فتح ذراعيه لها, لتخجل قليلًا ثم ترتمي علي صدره في ليونة, عانقها بقوة بالغة و قبل رأسها في سعادة, لترفع وجهها إليه فأختلس قبلته البريئة من شفاهها, كان عليّ يتابعهما من بعيد و هو يشعر بالضيق من ذلك المكان, عامر و الفتاة الصغيرة علي بعد يتبادلان كلمات الحب و القبل, تجاوزته بسمة و سارت الي باب المنزل و خرجت دون بث أي كلمة إليه, ضربه عامر فوق كتفه و تساءل :
-سرحان في اية؟
فقال عليّ بنفور :
-نفسي أعرف مستحمل قرفك دة ازاي..انت مش لسة مطلق مراتك خلي عند دم شوية
سكت عامر يستجمع تفكيره و يستوعب ما يقوله و ماعلاقته بالمكوث مع أهله, ثم فورًا ما ضحك في علو, فقد تذكر أن عليّ ما زال يعتقد أن بسمة حبيبته الأخري, و ليست بشقيقته, ليقول ساخرًا :
-عليّ بسمة أختي يا حمار!
فتساءل عليّ بإندهاش :
-بسمة مين ؟
-بسمة الي كانت واقفة معايا من شوية
أرتفع حاجبيه لا إراديًا من تلك الصدمة, ماذا فعل لتوه؟, كيف تكون شقيقته!, ظل صامتًا طوال اليوم, يشعر بالخجل مما فعله بها, لقد أخافها كما لقبها بالعاهرة و ظن بها سوء, آه لو أدرك عامر ما حدث منذ قليل, لجن جنونه, فما بدا أنه يعشقها عشقًا كبيرًا كالحبيبة تمامًا..
                                  ***
ألقت مفاتيح سيارتها فوق الطاولة الصغيرة, الذي قطن بها مهاب مشعلًا سيجارته و يرتشف من فنجال القهوة, جلست أمامه و صافحته في ابتسامة جذابة و كأن الخصام أصبح غبار, هبت نسيم طيبة محملة برائحة القهوة و السجائر و ألحان عبدالوهاب, نظرت في عينيه و أبتسمت ليبدأ يحادثها و يسألها عن أحوالها, قالت فجأة و عينيها تنير بالسعادة :
-مهاب..أنا و محمود فركشنا
لتبتهج أساريره, فكم كانت تبغضه و كانت كلما تحدثت عنه, تخبره برغبتها في قتله فهو مثير لذبح كالخرفان, بارك لها و لامس أصابعها و هو يقول ممازحًا :
-و بالنسبة لدبلة مش ناوية تقلعيها..
لتقول مسرعة مدافعة عن حالها :
-والله فضلت أقلعها بس مش راضية البني أدم دة من ساعة ما أتخطبنا و انا بتخن بسببه..
ليضحك و يتناول يدها, أمسك الخاتم و هم بسحبه بقوة من أصابعها, لتتقلص ملامحها بتأوه مليء بالغنج الأنثوي, جذبه بقوة فجأة فشهقت متألمة, ليخرج خاتم الخطوبة من بين أصابعها, نظر لها و سألها بخبث :
-محتاجاه في حاجة؟
-توء..
فألقاه بعيدًا بين الشجيرات و قال مشاكسًا :
-انتِ حرة دلوقتي
-مبسوطة اوي يا مهاب..انا بجد مش مصدقة روحي كنت لازم انت اول واحد تعرف..
ثم أعتدلت في جلستها, و تبسمت له في حب لم تستطع إخفاءه, لقد قررت أن تسرح له بكامل مشاعرها قبل أن يختطفها آخر منه, لكن قبل كل شيء يجب ان يعرف حقيقتها بشكل مبهم نوعًا ما!
-مهاب..كنت عاوزة أحكيلك حاجة ضروري
-و انا كمان بس أنتِ عايزة تقولي اية
أخذت رشفة من قهوته الخاصة, و تلذذت بها فيكفي أن طعم شفاتيه داخل تلك القهوة اللذيذة, حملقت بالنظر في عينيه الأجنبيتين و قالت :
-ليا صحبتي...بتحب واحد جدا جدا و أتخطبوا بس هي نفسها تحكيله علي ماضي ليها..و الماضي دة لو عرفه احتمال يسبها!
ليقول معترضًا :
-لازم تحكيله مينفعش تبدأ حكايتها علي خداع و كذب
-ماضيها أسود
-لو بيحبها هيسامحها
قالها مطمئنًا و هو يبتسم, لتواصل و قد حصلت علي بعض من الثقة بالنفس :
-طب أحكيلك ماضيها ممكن تغير رأيك!
-احكي يا ستي
حاولت بلع لعابها و تجميع حروفها المشتتة, عزمت أن تخبره لكن قلبها يكاد ينخلع من مكانه, أسندت ذراعيها فوق الطاولة و شابكتها ببعض, ألقت بذاكرتها الي الماضي المؤلم و بدأت بالقول :
-و هي صغيرة..و هي صغيرة خرجت من بيتها بهدف نبيل,,خرجت و هي مش عارفة انها عملت اكبر غلطة في حياتها..
عقد حاجبيه و تساءل في شوق :
-لية حصل اية؟
حبست دموعها عن البكاء و قالت :
-أكتر من خمس رجال أتهجموا عليها و سابوها بعد ما خدوا كل الي براءتها و سعادتها
ضاقت حدقة عينيه لقليل, ثم أمرها بالمتابعة, فأستنشقت بعض الهواء و زفرت مرة أخري مواصلة :
-من وقتها صحبتي بدأت تتغير و تتأقلم و تعيش في مجتمعها علي أنها بنت, و نجحت في دراستها و شغلها و حبت و أتحبت..بس الي بتحبه ميعرفش عنها السر دة...مهاب! لو أنت مكان خطيبها هتسامحها صح..انا بقولها دايما انه طيب و بيحبها و هيصدقها..
ليضحك مهاب مستنكرًا :
-انتِ ساذجة أوي يا بسمة..انا مش عارفة انتِ ازاي صدقتي كلامها رغم انك متعلمة و معاكي شهادات عالية!
-يعني اية ؟
-يعني انتِ ازاي مصدقة موضوع الإعتداء و الأغتصاب زي ما قصدتي..هو انتِ فاكرة اني في حاجة اسمها اغتصاب جنسي اساسًا!
أرتفع كلا حاجبيها و أعتدلت في جلستها المرتبكة, حاولت رسم بسمة صفراء علي وجهها لكنها فشلت فقالت :
-وضح كلامك..
نفث دخان سيجارته بعيدًا و عاد بظهره الي الوراء قائلًا :
-يا حبيبتي..الإغتصاب الجنسي حجة كل واحدة غلطت مع واحد..أقدر أثبتلك بمليون طريقة ان صحبتك كدابة و حكاية الإغتصاب fake
تصبب العرق منها من التوتر الزائد, و تحاملت علي أعصابها و هي تجز علي صف أسنانها السفلي :
-أثبتلي!
تعجب من وجهها الشاحب, فمال بجزعه علي الطاولة و تناول يديها الموضوعة,و سألها قلقًا :
-مالك يا بسمة أجبلك حاجة تشربيها!
لتسحب كفيها في رفق و تقول بإصرار و هي تهز رأسها بالنفي :
-أثبتلي!
فتنحنح قائلًا و هو يلوي فمه و يفكر :
-مثلًا يعني..قولتي انها بنت صغيرة و أغتصبها أكتر من خمسة..مش وسعت دية شوية, دة لو حصل فعلًا يبقي أكيد البنت ميتة دلوقتي!
-قدر ربنا و قدر تعيش..
-يعني اية اغتصاب من وجهة نظرك..انه واحد يكتف واحدة و يعتدي عليها..خلاص كدة, لية هي مش هتقدر تدافع عن نفسها
-بقولك كانوا كتير..أفهم كانوا كتير و هي طفلة بنت عندها يا دوب 14 سنة..
قالتها في إندفاع عالٍ, ليبتلع ريقه و يبتسم قائلًا :
-خلاص متتعصبيش اوي كدة..سبيني انا هعرف اقنعك بقصدي..
-أقنعني يا مهاب أقنعني
-فخدين المرأة أقوي حاجة فيـــ
لم تستطع تحمل هذه السخافة و هذره التافهة فصاحت غاضبة :
-بس بقي كفاية جهل أنت..
-أنتِ الي أعقلي و أفهمي ان مفيش حاجة اسمها اعتداء دية حجة و صحبتك دية أكيد خاربها و بتقولك كدة عشان تحافظ علي صداقتكم و تبين نفسها بريئة قدامك..انتِ ساذجة و لازم تعترفي بكدة
-انت الي جاهل و عمرك ما حسيت بنص تعبها و وجعها لما تسمع الكلام دة من واحد محترم زيك..
ليقبض علي يديها و يقول حانقًا :
-أفهمي بقي..ما دام هي قفلت رجليها و ضمتهم لبعض مستحيل يقدر يعملها حاجة..و يعتدي عليها زي ما بتقولي بطلوا بقي يا ستات جهل و الكلام الي ملهوش اي صحة..
ضربت بقبضة يدها فوق الطاولة و صاحت مشابكة الحاجبين :
-لا لا كل دة تخلف ازاي بتفكر كدة ازاي
استشاط غضبه هو أيضًا من علو صوتها الزائد, و صراخها من فراغ, فألتهب وجهه كالجمرة و قال بنفاذ صبر :
-بسمة لية متعصبة احنا بتناقش بتصرخي لية
فاستأنفت صراخها بلا مبالة لعيون المشاهدة الموقف و الآذان المنصتة لكلامهما :
-مصدومة فيك يا مهاب...انت متخلف جاهل..و جهلك عمري ما هسامحه أبدًا..و لا يمكن هغفرلك رجعية تفكيرك..
و نهضت من مكانها, حاملة مفتاح سيارتها و حقيبة يدها و ذهبت دون بث كلمة, ليهتف بأسمها و هو يركض خلفها, فلم تبالي لأي شيء, فتحت باب سيارتها و قبل أن تترجل إليها كان قد أمسك بذراعها و جذبها إليه قائلًا بتوسل :
-بسمة بطلي جنان..انا بحبك..
فقالت بنبرة معاتبة تملأها الدموع :
-للاسف اتأخرت أوي يا مهاب
و دلفت لسيارتها و تحركت دون التلفت إليه حتي, فكانت الدموع تحجب عينيها تلك الليلة المشؤومة و التي ظهر بها الباطن المرعب..
                               ***
بعد مرور شهر,
داعبت الأنوف ببعضهما, و أستقبل قبلة من شفاتيها الكنزتين, لم تشبعه واحدة أو أثنان, بل كان يترجي منها المزيد, و هي غائمة بين أحضانه خالية الملبس, أنحني علي عنقها الطويل و زينه بالمزيد بجواهر القبل العاشقة, نظر لعينين بسمة السعيدتين و أبتسم, و عاد لما يوزع قبلته فوق جسدها و هي مختفية الجسد بين ذراعيه..
هب فجأة من الفراش بعدما أصبح العرق يهطل عليه كالمطر, أخذ يكح بقوة و هو يمسح العرق من جبينه, ليس بتلك أول مرة يحلم برؤيتها في هذا الوضع الحميمي الحرج, بعدما قابلها في تلك الليلة البعيدة, و عانقته بثوب نوم مثير, أخذت تأتيه كحورية كل مساء, و تعيش في أحلامه بين أحضانه, أصبحت لا تفارق خياله أبدًا, فدوما ما يتخيل قبلة تحدث بينهما كما رأي عامر يقبلها قبلة أخويها فوق شفاتيها الجميلتين, أكثر من الإستغفار فهو يشعر ان تلك اللمحات الجريئة هي خيانة عظمي لصديقه, بل و إعتداء علي حرمة جسدها, أنها الآن مجنونته, فهي أول إمرآة تثيره الي هذا الحد, فلم يحدث من قبل ان تخيل شيء كهذا مع أي أنثي, خاصة بعد تلك الحادثة التي تعرض لها يومًا و جعلته يكره كونه رجل ذي نزوات و شهوة, تحسس صدره و أخرج أنفاسه الحارة, في الحلم كانت يدها لا تفارق موضع قلبه, حتي رأسها كانت تميل بها أحيانًا علي قلبه, أيكون هذا سن الزواج, ألم يفت سن الزواج منذ سنين بعيدة, لقد أصبح رجلًا علي أعتاب الأربعين, كيف له التفكير بالزواج الآن, لكن تلك الشقية الصغيرة تثير ذكورته كما لم تثيرها أنثي من قبل, و لو لم يتزوج بها في أسرع وقت, لجن جنونه أكثر و أكثر!, ليبتلع لعابه و يعيد الإستلقاء فوق الفراش ناظرًا لسقف, أيخبر عامر برغبته في الظفور بها أم ينتظر؟ فرجح الإنتظار حتي يتأكد أنها سوي خيلات ستذهب لحالها يومًا..!
                                    ****
جلست بسمة جوار شقيقها الذي عاد لتوه من عمله, أرتمي فوق فراشها الناعم و طلب منها تدليك ظهره لانه محطم بالكامل من كثرة مشواير تلك الليلة, لتبدأ بالتدليك و هي تقول بحسرة :
-ما تخلي مراتك تدلكلك ضهرك بدل البهدلة الي انا بقيت فيها كل يوم دية..
-ملكيش دعوة بمراتي دلوقتي..
قالها بضيق, لتتساءل مستفسرة :
-صحيح فين رشا لا بترد علي تليفوناتي و انت ازاي عايش هنا و هي مش موجودة هي فين!
فتبسم عامر من أحد جانبيه و قال ساخرًا :
-لا دية مفاجأة..
-قولي اية هي؟
-انا طلقت رشا..
أطلقت صيحة عالية مصدومة مما سمعته, فيما سارع عامر بالقيام و إغلاق فمها بيديها الضخمتين, لتنفر منه و تقول غاضبة :
-انت بتهزر أكيد بتهزر يستحيل
ليقول بلهجة أمرية حازمة :
-بسمة! امي متعرفش كلمة عن الموضوع دة..فاهمة!!
لكن لم يلبث أن يأمرها حتي سمعا هدم جسد علي الأرض, نظر الأثنان لبعضهما في قلق حقيقي, و قفزا من الفراش متوجهين نحو الصوت, لتصرخ بسمة و هي تري جسد والدتها مرتمي علي الأرض, و بين يدها ورقة, جذب عامر الورقة من بين أياديها, ليتفاجئ أنها ورقة قسمة الطلاق -الخاصة بطلاقه من رشا- , لينخلع قلبه من ضلوعه و يجث علي ركبتيه لحمل والدتها, تحامل علي نفسه و ضغط علي عينيه حتي كادت تعتصر من ثقل والدتها فوق ذراعيه, بسطها علي الفراش, فيما أخذت تقول بسمة و هي تبكي :
-عامر روح..روح بسرعة في صيدلية علي أول الشارع فيها صيدلانية متابعة حالة ماما روح جيبها بسرعة..
ركض عامر من المنزل و أستقل بسيارته كالمجنون, لقد أصبح تلك الأيام متعلق بوالدته كثيرًا, فقد أثنت عليه بعطفها و حبها الحقيقي, ليقابله بصفاء قلب, لن يسمح أن يحدث لها شيء بسببه, خرج من السيارة حينما وصل لصيدلية المتواضعة, أقتحم لمكان و هب بيديه فوق الطاولة الزجاج و صاح و هو يطرق بعنف :
-فين الي بتشتغل هنا..
-ايوة ايوة مين حضرتك بتصرخ كدة لية
جاءته سيدة ثلاثينية مرتبكة الملامح من صوته العالٍ, ليسألها بإندفاع :
-انتِ بتشتغلي هنا
-ايوة!
لينتشلها من ذراعها في خطف عنيف, و يجذبها من مكانها, صاحت بفزع و هي تصرخ :
-أنت أتجننت يا أستاذ أنت..سيب دراعي..
ليشخط بإنفعال :
-اخرسي دلوقتي
جرها خارجًا و ألقاها داخل سيارته في الانظار المحاطة, ركض إليه مجموعة شباب و لكن قبل أن ينشب أي شجار, كان قد أنطلق بسيارته, كانت الفتاة التي بجواره قد تملكها الرعب و أخذت ترجوه أن يتركها, فصرخ بعصبية :
-ششششششش و لا نفس..
وقف أمام البرج, و ترجل من سيارته ليسحبها من ذراعها في نفس القوة, لكن تلك المرة وجدها هادئة ساكنة, تنظر له بتعجب, فهي تسكن في ذلك البرج أيضًا, دلفا لمصعد فقالت مسرعة لعامر :
-هو أنت عامر ابن طنط نعمة..صح!
-مش وقته أسئلة أمي بتموت فوق..
-هي ضغطها أرتفع تاني!!
ليقول بعصبية :
-معرفش معرفش شوفيها أنتِ..
دخلا لمنزل لتركض الفتاة بخفة نحو الغرفة و كأنها تعرف المكان, أنحنت مسرعة علي السيدة العجوز, أنحنيت برأسها فوق صدرها لتسمع دقات قلبها, ثم نظرت لعامر بعتاب غاضب :
-انت حتي مخلتنيش ألحلق أجيب حاجتي..
ثم تابعت مطمئنة بسمة الباكية خوفًا :
-متقلقيش متقلقيش انا هتصرف..
أمسك عامر بشقيقته و لامس شعرها في حنان, لم يمر الكثير حتي ساعدت السيدة علي نهوض نعمة والدتهما, أنفجر الأمل في عينين عامر و توجه لوالدته قائلًا :
-ماما فوقي..
فتحت عينيها و أطالت الشرود في الجميع, حتي عاد وعيها إليها  مرة أخري, فقالت السيدة الثلاثينية في ضحكة بشوشة :
-أهلا أهلا بالناس الي بتدلع..
لف عامر ذراعه حولها و أمسك ذقنها كفتاة صغيرة و هو يقول :
-كدة تقلقيني عليكي..
لتقول السيدة معاتبة كالأطفال :
-بس يا عامر أسكت أسكت..انا زعلانة منك, طلقت مراتك..تاني يا عامر تاني!!
لتسارع بسمة بالقول :
-خلاص يا ماما الي حصل حصل لية بنعيد نفس الأسطوانة..المهم انك كويسة دلوقتي
لتقص والدتهما ما حدث في حزن برئ :
-انا اول ما لاقيت الورقة قلبي أنقبض و حسيت ضغطي أرتفع كدة ومش حاسة بنفسي..
لتقول الفتاة :
-المهم انك بخير دلوقتي يا طنط
-ربنا يخليكي ليا يا أميرة يا بنتي دايمًا بتعبك معايا
-دة أحنا جيران متقوليش كدة
فيما قالت بسمة معرفة مين المدعوة بأميرة لعامر :
-عامر..دية أميرة جارتنا و هي الي متابعة حالة ماما دايمًا,
ليقول عامر بخجل و هو ينظر صوبها :
-شكرًا
فيما تحسست ذراعها مكان قبضته عليه و قالت بابتسامة صغيرة :
-علي اية دة واجبي يا عامر بيه..
ليقول بإستحياء :
-طب انا هوصلك عشان أصلح سوء التفاهم الي حصل..
لتهز يدها بالنفي و تقول ببشاشة وجهها الصافي :
-محصلش حاجة..انا مقدرة خضتك علي والدتك..يلا عن أذنكم
مالت بسمة علي أذن عامر و تساءلت بفضول :
-سوء تفاهم اية !
ضحك و قال بلهجة حازمة ممازحة :
-بس أسكتي خالص..
فأكملت همسها قائلة :
-فاكر يا عامر يوم اللقاء الصحفي مع الأمريكان..فاكر يومها لما وصلتني و واحدة وقفت كلمتني و سألتني مين دية...هي دية أميرة يا سيدي..جارتنا ساكنة في البرج و صيدلانية جدعة أوي, واقفة جمبنا من ساعة ما ماما بدأت تتعب..
ليهز رأسهه بلا مبالة, ثم أستدار لوالدته و أفرج عن بسمة صغيرة و قال :
-انا خارج دلوقتي يا ماما ورايا حصة..أروح و لا تحبي أقعد معاكي
-لا لا يا حبيبي روح علي شغلك بس فكرني لما ترجع نكلم في موضوع الطلاق دة!
-حاضر يا أمي..
ثم قبل يدها في حنان, و خرج في سبيله, بينما طلبت نعمة من طفلتها أن تلق النور و الباب و تدعها تنام دون فعل أي ضوضاء كعادتها المزعجة, فضحكت بسمة و وعدتها لتخرج خارج الغرفة بعدما نفذت أوامرها, جلست تشاهد التلفاز, حتي وجدت جرس الباب يعلن عن زائر, أرتدت حجابها و توجهت لفتح الباب, فوجدت رجل ذا طول و عرض ضخم, يحني برأسه الي الأسفل و يسند بأحد ذراعيه علي الباب, سألته بغرابة :
-مين حضرتك؟
رفع عينيه إليه ببطء و هو يتفحص كل قطعة من جسدها, حتي أستقرعلي وجهها فأبتسم و قال مستفسرًا :
-آنسة بسمة عمرآن مظبوط؟
-مظبوط!
لتزداد ابتسامته إتساعًا و مكرًا و هو يجيبها في فخر و إعتزاز :
-معاكي د/ايهاب..ايهاب عوض
*
*
*
*
يتبع

أطلال محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن