-22-

3.5K 70 1
                                    

-22-

أستيقظت مساءً على صوت تلاوة لقرآن الكريم، وضي خافت يتضارب في عينيها، تململت لناحية الأخـرى، وتثاءبت وهي تفرد بجزعها وتحول برأسها في كل مكان، كان يصلي الفجر في خشوع، صوته في الترتيل عذب متأن، بث الإطمئنان بقلبها وهي تسمعه، ففركت بيديها في خجل وهمت تتوضأ وتقف خلفه ليكون أمامها.

لم تتحسن العلاقة كثيرًا إلا سرًا، فقد أ:تفيت بسمة بعاملته بعتاب وغاضب ساحق، ولم تكن على علم أنه رأى روحها العارية وهي تبكي لشهد لتراه، لم يبالي لقسوتها وتكبرها، وأهتم بأن يكون ودودًا معها رغم أي شيء، كانت مفاجأة جميلة له حينما أنهى صلاته ووجدها تصلي خلفه، وقد شحن وجهها الصغير بالدموع وأصطبغت وجنتاها بالحمرة، أنهيت صلاتها بالسلام إلى اليمين ثم إلى اليسار، فوجدته يحدق بها مبتسم الفاة، أخفضت رأسها إلى الأرض مصطنع الإنشغال بالتسابيح وإكمال سنة الصلاة، أدار رأسه إلى موضعه مرة أخـرى وتابع ما يفعله.

أمسك بالمصحف بين يديه وبدأ يقرأ في صوت خافت، فلاحظ إقترابها البطيء المتخابث، فقد راق له صوته وقررت عدم تفويت لحظة دون سماعه، صعد بصوته تدريجيًا وإستأنف قرأته حتى أغلق المصحف، ونظر إليها متسائلًا :
-حافظة لحد فين؟

ليغر فمها وتقول بعدم فهم :
-ها؟

-حافظة لحد فين في القرآن.

مسحت فوق وجنتها خجلة ورفعت ذراعيها مفكرة :
-مش عـارفة بس أنـا كنت بحفظ وأول ما بدأت شغل أنشغلت ونسيت إللي حفظته.

ليسألها في بسمة واثقة :
-تحفظي معايـا؟

توترت وفركت بيديها مرتبكة، ليرفع حاجبيه وهو يقول :
-تقدري تعتبريني مش علي الوحش وتحفظي معايا، أهو نشجع بعض.

أعجبها العرض لكن كبرياؤها يمنعها ان تظهر لهفتها وتقول له موافقة، فيحسبها تفعل هذا لتقرب منه، ظلت صامتة تتلعثم بالحروف، فأمسك بيدها وجذبها بخفة قائلًا :
-تعالي..

فلم تقاوم وجلست أمامه شاعرة بالخجل والإستحياء، فأخذ نفس قوي وهو يقول ممازحًا :
-يارب يا ساتر..يلا نبدأ.

يقول النـاس، بإنفراد الرجل والمرأة
يكون ثالثهما الشيطان،
لكن أيكون الشيطان قد تاب!
أم أن المقولة أخطأت فالآن
ثالثهما الرحمن.
                                             ****
أستيقظت على حمل ثقيل فوق كتفها، فتقلبت برأسها لناحية التي تؤلمها، فوجدت عـامر يستند برأسه على منكبها وينام بسلام عصفور، يأسر خصرها بذراع، مسحت فوق وجهه البريء في حنان، وقبلت جبينه سهوًا منها، لم تكن على وعي كيف احبته وعشقته لهذه المرحلة، عشقت كل تفاصيل وجهه وأحبت رائحة جسده فجأة أصبح أكثر وسامة وأناقة، كانت طلته تصيبها بالهذيان، أمسكت بيده وضمتها بقوة في يدها، لا يزال نائمًا في ثبات عميق فكانت ليلة أمس ليلة شاقة مليئة بالدروس والحصص وبعض الطلاب الأغبياء، أفلتت منه في خفة وأنزلت ساقيها على الأرض بهدوء، تأن الخشب وهي تمشي بكعبيها الناعمين الحافيين، أحس عـامر بصوت يعكر صفو نومه ففتح عينيه وهم يقوم من الفراش مسرعًا حينما رآها أستيقظت وتولج إلى الخارج، سارت إلى غرفة المعيشة فأذبهلت عينيها من جمال المكان المحاط بها كانت الحوائط مزينة بدقة، وعلى الطاولة وضعت علبة قطيفة مستطيلة، سارعت تفتحها وقد تذكرت لتوها أن يوم يوافق عيد مولدها، فتحت العلبة في عفوية طفولية وعـامر يتابعها بعينين ذابلتين من بعيد، فهو سهر الليلة بطوله لتحضير حفلة عيد ميلادها وتجهيز الكعكة ودعو الاصدقاء والصديقات، فدعا من أصدقاءه وتوصل إلى صديقاتها ودعاهن إلى الحفل، تفاجأت بعقد من الذهب الأبيض فخم المنظر يحمل فصوص رقيقة، وأمسكته بيديها والسعادة لا تحملها، لامسته بأصابعها غير مصدقة أن هذا الجمال لها هي فقط، ويعلق حول عنقها لينيره بضوءه اللامع، ترقرق السرور يتقافذ في عينيها، وتعالت نبضات قلبها من الفرحة، لثم خدها في حب وهو يقول :
-كل سنة وأنتِ طيبة يا ميـرا.

أطلال محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن