-13-

3.5K 84 0
                                    

-13-
أصطف بسيارته أمام منزلها، صعدت بعنقها تتأكد أنها لم تعد تلاحقهما، أطلقت تنهيدة قوية تعبر عن راحتها، شعر علي بما كان يحدث، فهو أيضًا لاحظ مراقبة تلك السيارة الأرجوانية لهما، يبدو أن السائقة على علاقة ببسمة مما جعلها تهتف بهذا الرعب، ليقول مقترحًا بنية صافية :
-بسمـة..تحبي أفضـل معاكِ شوية.
أنتظر بثها الغاضب و حمم ضيقها منه، حتى تفاجئ بنبرة اللهفة التي أجابت بها :
-أه ونبي يا علي خليك معايا..
دخل منزلها المظلم، مدت يدها و فتحت أنوار المنزل، لتعم الإضاءة الصفراء في غرفة الضيوف و تظهر العفش المتواضع ، و المكان الغير مرتب، أحست بالحرج من أستضافة علي الذي يبدو عليه الثراء و الرفعة في هذا المكان الرث، قالت بخجل :
-أسفـة الدنيا متبهدلة..بس أنت عارف الفرح بقى و عقلي مكنش في راسي اليومين إللي فاتوا.
-لا لا عادي مفيش مشاكل.
أقتربت من النافذة و إشرأبت بعنقها متفحصة المكان، لتحدج عينيها و تجفل رمشي عينيها بذعر، فقد كانت السيارة الأرجوانية تصطف أسفل المنزل، تقدم إليها علي و تساءل في خفوت :
-بسمة ! تحبي أنزل أكلمها بدل ما أنتِ مرعوبة كدة..
سارعت بسمة بالرد :
-لاء لاء أخاف عليك خليك معايـا أأمن ليا.
-هي مين دية؟
سألها بعفوية، فزمت شفاتيها و رفعت منكبيها غير عابئة :
-معرفش معرفش إية إللي رماها عليا فجأة..المفروض أنها كانت صحبتي بس من زمان معرفش إية إللي رجعها.
فقال مستنكرًا :
-هو دة الموضوع إللي مخوفك!
-لاء طبعًا يا علي كل إللي في الموضوع، أني أتصدمت أنها متجوزة واحد كان بيحاول يأذيني، وأكيـد هي متفقة معاه
بدأت يديها بالإرتجاف كلما تذكرت كيف حاول إيهاب تكبيلها للحصول عليها، أمسك علي بيديها و ساعدها في الجلوس على الكرسي، و جثى بركبتيه أمامها، ثم قال مهدئًا :
-بس يا بسمة أهدي عشان أنـا مش عارف أفهم منك أي حاجة..جوزها حاول يأذيكي أزاي يعني!
-معرفش معرفش..
هتفتها باكية بخوف، فأسند رأسها فوق كتفه، و ربت فوق ظهرها بنعومة قائلًا :
-أهدي يا حبيبتي..أهدي..أستني أقوم أعملك حاجة تهديكي
قام بهدوء و أحتضن وجهه بيديه، ليمسح الدموع التي ملأت ملقتيها، أبتسم ابتسامة صغيرة، و توجه نحو المطبخ ليحضر عصير ليمون، تعامل ببساطة كأنه يسكن في منزله، و أخذ يقطع اللمون و يخرج الخلاط و مكعبات الثلج، صبه في كوب كبير نقش عليه رسوم رقيقة تتشابه برقة فتاته الخائفة، وضع كوب الماء مثلج جوار عصير الليمون، قطع شريحة صغيرة من ليمونة كبيرة الحجم، و قطع قطر صغير ليمسك بحافة الكوب بشكل مميز و شهي، ألقى المنشوفة فوق ذراعه الأيسر، هو يغمغم مفتخرًا :
-تنفع جرسون والله يا دكتور علي..
ثم ضحك ساخرًا :
-دكتور إية بعد المرمطة دية..بس يلا كله يهون عشان خاطرك يا ست بسمة
قدم إليها الصنية، فأمسكت بالكوب و هي تضحك على علي، قال ممازحًا :
-أي حاجة كمان يا فندم..
-سوري يا علي أنـا قليلة الذوق و تعبتك معايا دة بدل ما أنـا إللي أضيفك
-أشربي بس و أهدي..
رمقته بطرف عينيها متسائلة في شك :
-أوعى تكون حاطط فيه منوم و لا حاجة!
فأجابها بسؤال ماكر :
-و أنا هستفاد إية لما أعمل كدة؟
-شوف بقى أنت أدرى..
رفعت ذراعيها غير مكترثة و هي تجيب، ثم أرتشفت بكمية قليلة، ليقول علي بتخابث :
-يا حبيبتي مش هحتاج أنيمك في الحالات دية..أنـا عايزك مصحصحة
ثم أخذ منها الكوب ممازحًا :
-و هاتي بقى العصير ما دام خايفة مني أوي كدة.
-لا لا هاته طعمه حلو.
قالتها بصوت عال حزين، و تابعت متوسلة :
-خلاص خلاص هاته أنـا واثقة في أنك معملتش حاجة.
ضحك كلاهما من أفعالهما البريئة و التي تنم عن طفولة خرقاء، شربت الكوب بأكمله و هي مبتسمة بإطمئنان، و تركت الكوب فارغًا فوق الطاولة، ثم قالت بجدية :
-هحكيلك إللي حصلي بظبط..
قصت عليه منذ ما جاء إيهاب إلى المنزل و غير هويه بالقول أنه "إيهاب عوض"، و كيف كان يلح على المقابلات حتى حققت غرضه يومًا فحاول أذيتها بخطفها و هو يعتدي عليها بالألفاظ الخارجة و الخادشة لحياؤها، أخبرته كيف أحست بمراقبة نور لها و تلك الزيارة المخيفة و الأستضافة العجيبة في بيت نور، أخبرته بخجل أنها رأتهما في وضع حرج و هما يقبلان بعض..
أبتلع علي لعابه خائفًا أن تكون ظنونه صحيحة، في كون إيهاب هو القاتل، ظهر عليه الإرتباك و حاول بشتى الطرق إخفاءه، حتى قال مبتسمًا إبتسامة صفراء :
-بسمة..أنـا مضطر أمشي عندي شغل مهم.
أنقلع قلبها من مكانه و كادت تعترض, فضلت الصمت خير إجابة و أقتضبت بوجهها غير معلقة، فكيف بعدما سمع الحكاية بأن يغادر غير مكترثًا بأن يكرر إيهاب فعلته مرة أخـرى!
و غادر علي..
                                        ****
لاحظت إختفاءه المفاجئ، أنتابها خوف و ظلت تجول في أنحـاء الغرفة باحثة عنه كطفل تائه، دخلت المرحاض خمس دقائق و خرجت فلم تجده على الفراش قبل دخولها!
عضت على شفاهها السفلى و هي تنادي عليه بصوت خافت :
-عـامر أنت روحت فين..أنت بتهزر معايا! طب أطلع طيب أنـا بدأت أخاف و أنــ
فتح باب غرفة و خرج منها عـامر متوجهًا نحو المطبخ، فصرخت بخوف، لينتفض جسد عامر أيضًا و صاح بها بنبرة عالية :
-أنتِ أتجننتي حد يصرخ كدة..أنتِ فاكرة نفسك في بيت أبوكي
فتساءلت خائفة :
-أنت أختفيت فجأة خرجت لي منين؟
ليقول مرتبكًا و هو يصب لنفسه كوب ماء :
-كنت في أوضتي..
-دورت عليك في أوضتنا اــ
-لا مش أوضة النوم..في أوضتي الخاصة
و أكد على كلمة "الخـاصة"، ثم أِشـار بعينيه نحو غرفة بعيدة بابها نصف خشبي و نصفه العلوي مرآه تحتلالمرآة النصف العلوي حتى لا يظن أحدهم أنها غرفة أنما مجرد أثاث من ذوق رفيع، لم تجيبه و شعرت بالإستحياء بالصياح الغير مبرر و الخوف من دون سبب, شرب كوب الماء و هو يقول لها :
-إية رأيك ننزل نتغدى برة؟
فأشرقت بسمة فوق وجهها، و حركت رأسها بالإيجاب، ليتابع قوله بابتسامة صغيرة :
-يلا روحي ألبسي..
توجهت نحو غرفتهما، فمسح عامر على مؤخرة رأسه و قال :
-شكلنا هنتعب مع بعض كتير يا ميـرا!
                                        ***
أنحنى فوق نافذة السيارة، و ابتسم ابتسامة واسعة ليغمز بأحد عينيه في خبث و هو يسألها :
-الجميل واقف بقاله كتير هنا..خير ؟
أستغربت نور من الرجل الذي جاء يتكلم معها بجرأة، لكنها تنحنحت عن الزعيق فيه، و فضلت تأمل وسامته قائلة في خبث :
-قاعدة في ملك الحكومة فيها حاجة يا عمو..
حاول أن يساورها في الكلام بقوله :
-عمو..أممم طالعة شفايفك زي العسل
أشـارت نحو سيارته بسابتها و لوت شفاتيها متسائلة :
-هو مش أنت صاحب العربية دية برضه ؟
نظر محل ما تشير و أعاد بالنظر إليها قائلًا :
-أيوة..
-ممم أنت مين بقى..
-ما تديجي أقولك في البيت
قالها في نبرة لئيمة، فحركت نور رأسها مشجعة و قالت :
-أركـب
-بالسرعة دية!
و أطلقت ضحكة رقيعة بعدما فهمت مقصوده، و بمجرد ركوبه جوارها حتى أستقلت بالسيارة و ركضت بها مسرعة، أمـا عن علي فكان خائف..
                                        ****
دفعته إلى الداخل في بعض من المزاح و هي تحمل من بين شفاتيها قهقهات مريبة، دخل علي منزلها متشنجًا، وقف كالآبلة، ألقت حقيبتها بإهمال على الأرض، و تعلقت برقبته محاولة تقبيله، فأعاد رأسه إلى الخلف و قال بتلعثم مضطرب :
-أنا عطشان مفيش حاجة تتشرب هنا..

أطلال محبةWhere stories live. Discover now