-25-

12K 180 113
                                    

-25-
"وتأتــي الريــاح بـمـا لا تشتهـي السـفــن"
"وهل من صـامد أمام القدر والمقدور؟"

تأملته حاملة على شفتيها بسمة صغيرة وهي ترمقه في إستطلاع عاشـق، شرود عينيه يعطيه منظر السيد الصغير، أنفه المعقوف الممتد إلى الأمام في حدة الرجال، شفتاة منغمسة بين لحية فقيرة الشعر نوعًا ما، يبدو أنه نسى حلق ذقنه الصباح، أرتشف من كوب الماء الموضوع أمامه، فبقيت قطرات المياة عالقة على شفاهه السفلى تأبى النزول، ربما راق لها عسل شفتيه، أحس بأنفاسها فتلفت لها مبتسمًا ومد يدها يعانق يدها ويجذبها بسلاسة لجلوس جواره، جلست حزينة الوجه، فأدار ذراعه حول كتفيها وأمسك برأس عضديها اليسرى، مسح فوقها بفرك رقيق وهو يقول :
-إيـة إللي مزعلك يا حبيبتي!

مطت شفتيها دون إجابة، ثم أخت الدموع تتجمع على عيونها للهجوم الباكي، أمسح بأصبعيه دموعها وأسند رأسها على صدره وهو يقول مواسيًا :
-بـس أهدي مش لازم نتكلم دلوقتي..تعالي نـأكل الأكل وصل.

فتح حقائب الطعام وناولها وجبتها الحارة والمشروب الغازي، بينما كان مكتفي بوجبة بسيطة يغلبها السلطة والخضروات، تناولت طعامها دون شهية، فلم تعد لها شهية لحياة بعد قطع أوصالها برفيـق روحها، الشقيق الغـالي، والصديق الرائع، من يصرخ أنها حمقاء فهذا معلوم، لن أحدهم تقدير الفطرة العاشقة لأخيها العزيز، أسيتركها بالفعل تواجه علـي بالحقائق المـرة، توجهت برصاص عينيها لعلـي الذي يمضغ في فم مغلق ونظرات شاردة في لا شيء، ماذا سيكون رده للماضي القاسي، هل سيكون في قسوة عـامر ومهـاب، حينما نفوا أمـر الإعتداء وجعلوا من المجني عليه، مجني، وجلعوا من الظالم مظلوم!

تصببت دموع حـارة من عينيها، وهي تتخيل صميم الكلام الحـار الغاضب منه وهو يقول أنها المذنبة، الطفلة بداخلها على وشك الانفجار من الخوف، علـي مخطئ القدر لم يضعه في طريقها لتلتحم الأفئدة، بل، لقد جعله في صددها ليزيد أعباء الأوجاع عليها، القدر مصـر على بقائها وحيدة، وبأحبال صوتية مرتجفة هتفت :
-علــي!

نظر إليها مستطلعًا، ثم أبعد خصلات شعرها عن وجهها وأعادهم خلف أذنها وهو يتساءل بعتاب :
-مش بتأكلي ليـة؟ أنـا افتكرت الأكل هيعجبك؟

قالت محتفظة بدموع عالقة على أهداب رموشها :
-علـي أنت مش هتقدر تستحملني، أنت مش هتفرق عن غيـرك، أنـت تستاهل الأحسـن مني..

لا يزال يضع يده على مؤخرة رأسها وقربهـا إليه ببطء وهو يميل إليها هـامسًا بالسكوت :
-هسسس..

ألجمت لسانها تنصت لأنفاسه المقتربة، لفحها بأنفاس حـارة، أحست بالإضطراب وأغمضت جفنيها بإستسلام للمقدور، تلامست أنفيهما ببعضهما وأزداد القرب المضطرب، حاول مرارًا إلتقاط شهد شفتيها من بين شفتيه، لكن تمنع بصعوبة عن هذا الفعل، أغمض جفنيه حتى كـاد يعصرهما، وهمـس دون وعـي :
-أنا مش هنفع أكـون لغيرك..

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Oct 19, 2017 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أطلال محبةWhere stories live. Discover now