مش بسمَح لابني اللي عنده 6 سنين بدخول البيت من أكتر من سنة، بيقودني للجنون، جربت حاجات كتير عشان أتخلّص منه، سدادات الأذن، سماعات الموبايلات الضخمة، موسيقي بصوت عالي، جربت أغطية العيون، جربت القراءة، جربت أتفرج على الأفلام بأصوات عالية عشان أتجاهله، بس مش عارفة هقدر أتحمل لحَد إمتي، مش عارفة هعرف أنام بشكل طبيعي إمتي
النهاردة قررت أتكلِّم
أول مرة حاول يرجع فيها، كُنت نايمة في السرير، سمعت صوت ضوضاء، في البداية تجاهلت الصوت وأنا ببُص للسقف، لحَد ما اختفى، قبل ما أتنهد بارتياح رجع مرة تانية
ضوضاء، ضوضاء خافتة، بس متواصلة، مبتسكتش
وبسُرعة شديدة جدًا تحوّلت الضوضاء دي لأصوات خدش، ومنها لأصوات طرقات، ورجعت تاني لأصوات خدش، وبدأت تتكرر بين الإتنين لوقت طويل
لدرجة إنها بتقودني للجنون بخطوات سريعة
.
بصيت من الشباك، ابني كان واقف يبصلي من الإزاز، كان بيخدش الزجاج بإيديه، بضوافره القذرة المليانة تُراب أسود، بشرته كانت شاحبة والضياع مالي عينيه، نقص كتير من وزنه وباين عليه التعب والإرهاق وسوء التغذية، عينيه حمرا جدًا
" ماما ... إسمحيلي بالدخول "
همس بصوت مليان خوف من ورا الزجاج، مش عارفة هل هو فعلًا همس ولا أنا بتخيّل بصراحة
" إسمحيلي بالدخول ... ماما ... إسمحيلي بالدخول ... أنا جعان أوي "
قُلتله: " لا، لا، لا "
كُنت غاضبة جدًا، كُنت خايفة جدًا جدًا، مُستحيل حد طبيعي يقدر يبُص من شباك بيتنا، إحنا شقتنا في الدور الـ 14، رغم كدا هو كأنه واقف على حاجة صلبة، مش بيتهز، مش بيترعش، بيبصلي بثبات مُخيف
لو سمحت له بالدخول كُل حاجة هتبقي تمام ... صح؟
مش هكون غاضبة أو خايفة تاني ... صح؟
هحِس بالسعادة اللي فارقتني ... صح؟
هنكون مع بعض مرة تانية ... صح؟
كُل اللي هعمله إني هفتح الشباك بس
.
غمضت عينيا وتجاهلت كُل الأفكار دي، لازم أفضل من السرير، مش هقوم
دفت راسي تحت المخدة عشان صوته يختفي
" ماما ... أرجوكي ... إسمحيلي بالدخول ... ماما ... بُصيلي "
" لا يا حبيب ماما، لا، لا "
" بُصيلي يا ماما ... بُصيلي "
" مش هبُص، لا، مش هقدَر، متعملش فيّا كدا، مش هقدر "
" بُصيلي! "
.
ضعفت للحظة، فتحت عينيا، بصيت ناحيته، مش قادرة أقاوم، كان لازق وجهه في الزجاج، ابتسامته مليانة شر وغضب، عينيه كُلها حقد وشر، عينيه تحولت للون الأسود، كانت بتجبرني أطيعه، الموضوع مش سهل، مش سهل أبدًا، عينيه أقوى مني، مش قادرة أقاومهم
" إسمحيلي بالدخول ... ماما ... أنا جعان "
صرخت: " لا "
صرخت بجنون: " لاااااااااااا "
ملامحه بتتملى غضب، همس لي بأكتر صوت شرير مُمكن تتخيلوه: " ماما ... إفتحي ... إفتحي ... إفتحي ... إفتحي! "
.
أي شخص مكاني كان هيضعف ويفتح له، أنا نفسي كان مُمكِن أعمل كدا، بس أنا عارفة الحقيقة، عارفة اللي حصل، مش هبُص ناحيته تاني أبدًا، لو بصيت كمان، لو شُفته ولو لثانية واحدة بس، هضعف، مش هقدر أقاومه
غمضت عينيا بقوة وضغطت عليهم بإيديا
" ماما ... بُصيلي "
صوته كان بيتحول لصوت مُخيف، صوت جاي من الجحيم، بس أنا دلوقتي خلاص بقيت مُتأكدة، الخوف اللي جوايا أكد ليّا إني صح، إني مش لازم أستسلم
جريت ناحية الحمّام، قفلت الباب عليّا، قعدت على الأرض وأنا بترعش، في رُكن الحمّام، بعيّط، مغمضة عينيّا وبحاوِل أقاوم، سامعة صوت الخدش من شباك الغُرفة
ابني بقاله سنة غايب، بس طول السنة دي، كُل يوم ... كُل يوم بيظهر بعد حلول الظلام، بيخبّط على الشباك وبيحاوِل يقنعني أفتح له، بيحاول يسيطر عليّا ويخليني أضعف
أنا مبقيتش قادرة أقاوِم
أنا هضعف
.
طاقتي بتخلّص، مش قادرة أقاومه، وحشني ... أوي، بحبه ... جدًا، عشان كدا مش قادرة أقاوم، جُزء مني خايف من عودته، وجزء سعيد بعودته، فرحان إنه لسّه عايش، رغم إني عارفة الحقيقة، الحقيقة المُرّة
من سنة ... بقيته في سريره ... جسمه بارد ... مفيش نبض ... مات
عشان كدا أنا عارفة، عارفة إنه مش جعان، عارفة إنه مش محتاجني، عارفة إني مش هسمح له بالدخول
لسّه بيخبّط على الشباك وبيخدشه بضوافره، بيترجاني ... بيترجاني عشان أفتحله، الموضوع صعب، وحشني أوي، حاولت أقاوم بس بدأت أضعف
مش هبُص له ... لازم مبُصش له
مش هسمح له بالدخول
زي ما أخدوه مني
هياخدوني من الدنيا
.
(شرح)أم مهووسة، حسّت إن ابنها ممسوس وشافت إن أفضل طريقة للتخلص من المس دا إنها تقتله، وفعلًا تجردت من أمومتها وقتلته، زيفت الحادث كأنه موت طبيعي (مش عارف إزاي) وفعلًا قدرت تهرب بجريمتها
المُشكلة إن من يوم ما مات بيرجع لها كُل يوم، جنب شباك في الدور الـ 14 وبيخبّط عشان تدخله، أعتقد إنها لو سمحت له بالدخول هيلاقوها ميتة تاني يوم وهي كانت عارفة كدا فراحت للشُرطة واعترفت عشان يحبسوها وتهرب من عقابه
طبعًا في حاجة تانية وهو إحساسها بالذنب ناحيته واللي ضغط عليها نفسيًا وتلاعب بيها وقدر يهيأ لها باللي حَصَل دا
شوف الاحتمال الأقرب لقناعاتك واختاره
مساءكم جميل#حدث_بالفعل
#قصص_حقيقية_حول_العالم