لمَّا كُنت طفل صُغيَّر أهلي الحقيقيين اختفوا، رُحت بعدها لبيت رعاية ومن هناك رُحت أعيش مع أسرة بديلة طول الفترة الباقية من عُمري، أسرتي البديلة كانت أسرة لطيفة جدًا وكانوا بيهتموا بيَّا أوي، بيعاملوني زي ما بيعاملوا أولادهم بالظبط، بس لأن أنا مش ابنهم ولأنهم مش أهلي الحقيقيين زي باقي الأولاد، كُنت بحِس طول الوقت بوحدة غير طبيعية
واحدة من أول الذكريات اللي فاكرها كويس هي والدي البديل وهو بيعلّق بوسترات في الشارع عليها اسم والدي ووالدتي الحقيقيين ومكتوب عليها كلمة (مفقودين)، كُنت صُغيَّر جدًا لدرجة إني مكُنتش فاهم يعني إيه مفقودين، أسرتي البديلة كانوا بيحاولوا يفهموني: " والدك ووالدتك الحقيقيين ضايعين، تايهين، عشان كدا إنت عايش معانا دلوقتي "
مكُنتش مُدرِك لسَّه بس هُمَّا كانوا لُطاف وأنا كُنت مبسوط معاهم
مع الوقت كُنت بكبر وكُنت بفهَم أكتر، بدأت أزور المكتبة العامة الموجودة في المدينة، وبسُرعة جدًا الموضوع تحوَّل لعادة أسبوعية، كًنت بدوَّر في الأرشيف على أي حاجة لها علاقة بوالدي أو بوالدتي، أنا عارف إنهم كانوا عايشين هنا في المدينة قبل ما أنا أتولد، دخلت المكتبة وأمينة المكتبة العجوزة بدأت ترحّب بيَّا: " إزيك يا إيدين، بتدوَّر على إيه النهاردة؟ "
" لا مفيش حاجة مُعيّنة، ماري هو إنتي لسّه عندك الأرشيف القديم؟ "
سألتها وأنا بدوّر في واحد من رفوف الكُتب الطويلة، قالتلي وهي بتتحرّك: " أعتقد آه عندي، إستنى ... خليني أشوف، آه ... آه ... هناك أهو "
كانت بتتكلّم وهيبتتحرّك ناحية الشمال: " أهو، وإبقى قولي لو عايز حاجة تانية "
سابتني ورجعت مكانها على مكتب الاستقبال أدام الباب
بصيت وشُفتهم، مئات ملفات الأرشيف لمئات السنين، ومترتبين أبجدي حسب الأسماء، واو! أنا مكُنتش عارف إن العدد الكبير دا من الناس عشان هنا في البلدة، واضح إني هستمتع في البحث
حرف الباء، بادجر، باركلي، بيكويث، أيوه ... بيكويث دا كان اسم عيلتي، إيه دا؟ الموضوع طلع سهل جدًا! أخدت الملف اللي مكتوب عليه اسم عيلتي، قعدت على الأرض وسندت ضهري على المكتبة الخشبية، فتحت ملف والدي الأول، كُل اللي لقيته في الملف هو البوستر الخاص باختفائه بس، قريب الجُملة المكتوبة تحت صورته: (مايكل بيكويث، اختفى يوم 9 يونيو 1997، آخرة مرة حد شافه حي كان لابس ...)، البوستر اللي شُفته وبشوفه في كُل مكان لدرجة إني حفظته صَم، فتحت الملف الخاض بوالدتي، ولقيت جواه البوستر الخاص باختفائها، كُل اللي متغيّر هو اسمها وأوصافها
لقيت الملف الخاص بيّا أنا شخصيًا، فكرت إني مًمكِن ألاقي جواه حاجة تفيدني في رحلة البحث عن أهلي، لقيت في الملف بتاعي البوسترين بتوع أهلي وورقة صُغيّرة فيها عنوان غريب، قررت ساعتها وبدون تفكير إني لازم أزور العنوان الغامض دا عشان أشوف لو هلاقي هناك أي حاجة تساعدني في إني ألاقي أهلي المفقودين، طبعًا وقتها مكًنتش أعرف إن دا واحد من أغبى القرارات اللي خدتها في حياتي، خدت الورقة ومشيت ناحية البيت
تاني يوم الصُبح صحيت من النوم على عربيتي على طول، قريب العنوان تاني، دا في بلدة صُغيّرة جنبنا، أنا عارفها، بس هي بعيدة عننا شوية وهقضي كام ساعة في العربية لحَد ما أوصَل هناك
في النهاية وصلت البلدة، ركنت عربيتي ونزلت منها، أنا زرت البلدة دي قبل كدا كذا مرة فعارفها شوية
بسُرعة جدًا وصلت للعنوان ووقفت أدام المبنى، كان مبنى كبير وقديم على أطراف البلدة، شكله غريب وريحته أغرب بس أنا مهمنيش كُل دا، دخلته بدون تفكير
فتحت البوابة وإتفاجئت لمّا لقيتها مش مقفولة كويس، بدأت أطلع درجات السلم الصُغيرة، وصلت فوق السلم وساعتها عرفت الريحة الكريهة دي ريحة إيه، دي ريحة لحم عَفِن، ساعتها جسمي بدأ يترعش وبدأت أقلق وأتوتّر، وعلى الرغم من كُل دا، استجمعت شجاعتي وفتحت أول باب لقيته، ساعتها الريحة بقت لا تُطاق، لدرجة إني مكًنتش قادر أتحملها، بدأت أبُص حواليّا بسُرعة، واللي شُفته هيطاردني في كوابيس بشعة طول الباقي من عُمري!
حيطان الأوضة والأرضية كانت مليانة ببوسترات لعشرات الناس المفقودين وفي أركانها جبال من الملابس الغرقانة دم، على الحائط اليمين عشرات الجُثث اللي عفنت بالفعل، جُثث حيوانات وجُثث بشر، وقفت أبص حواليا بدهشة للحظات قبل ما أفوق وأجري أنزل السلم بأقصى سُرعة، جريت ناحية عربيتي، دحلتها وقفلت الباب بسُرعة
طبعًا عملت زي ما أي حد منكم هيعمل، اتصلت بالشُرطة، ولأني في بلدة بعيدة شوية وصلوا بعد حوالي ساعتين، البلدة هنا مفيهاش نقطة شُرطة وللأسف لو حصل حاجة بيضطروا يستنوا ساعتين لحَد ما الشُرطة توصل، نزلت من عربيتي ودليتهم على المبنى، استنيت برا أكتر من ساعة لحَد ما فتشوا ودوروا في البيت كُله، لمّا خرجوا قالولي إني شخص مجنون، المبنى فاضي تمامًا، صحيح الريحة الكريهة لسّه موجوة لكنها مُمكن تبقى ريحة حيوان ميت ومُتعفِن هنا أو هنا، كُنت في حالة صدمة وحاولت أتناقش معاهم، قالولي إني لو مروحتش البيت حالًا هيقبضوا عليّا بتُهمة إزعاج السُلطات، مكانش أدامي أي حاجة أعملها غير إني أروّح
ومن بعدها والأمور بقت أسوأ
جُثث حيوانات ميتة بدأت تظهر أدام باب البيت، كُنت بلاقي أزايز مُبيض مفتوحة حوالين البيت، وفيها مُركبات كيميائية سامة، حد بيحاول يبعتلي تهديدات واضحة وصريحة، كلمت الشُرطة أكتر من مرة، لكن بسبب اللي حصل قالولي إنهم ميقدروش يعملولي حاجة وحذروني من الاتصال بيهم مرة تانية
في حد بيهددني عشان أنا عارف معلومات أكتر من اللازم وأنا خايف
النهاردة التهديدات زادت عن كُل يوم، غالبًا النهاردة هو يوم وفاتي أو اختفائي
لو حصلي حاجة اعرفوا السبب الحقيقي إيه هو ...
ولو حد فيكم يعرف يساعدني
أرجوك ... ساعدني
.