إليك...

175 14 8
                                    

إننا وإن لم نكن نحيا حياةً "اجتماعية" تجمعنا دائما صلة خفية بالأرض التي نعيش فوقها -مهما ثقلت الظروف وصعبت- فإن غادرنها أبت الخروج ، المدنن تسكننا يا صاحبي ، تسكننا رغم الضجيج الذي لا نسمعه ، والرائحة التي لا نشتمها .

أن تأخذ بحجمك الصغير مساحة مدينة كاملة في قلبي ، ماذا أقول بعد الهجر ... كسرتني.

إليك ..أيها البعيد القريب
يا قاطني ، أن تستحوذ بعد مضيك على مساحة تتسع لمدينة أمرٌ فاجأني .
ظننت أنني سأتخطاك -كما فعلت- لكن وللأسف لي حديث مع النجوم كل ليلة مذ ذاك الحين.

صديقي العزيز ، صاحبك .. كائن الأرق يعشش في غرفتي الآن ، نتسامر سوياً كل ليلة ، صاحبك هذا لطيف جداً ،تشبث بي بعد أن تركتني أغرق في نفسي ظناً منك أني قرش يستطيع النجاة ، أخطأت .. أنا يا صديقي لست بكائنٍ برمائي ، ورميي من البر إلى البحر كان عملاً غبياً منك .

أتمنى أن كائن الأرق يجالسك الآن ، أتمنى أنك لا تزال في خمرةٍ تنسيك ما أنت فيه وترجعك للذكريات القديمة حيث كنا سوياً... حين كنتَ أنا وكنتُ أنت.

إننا في قراعٍ من نوعٍ آخر ... من يتخلى عن نصفه الثاني أولاً ، ولازلتُ-رغم عدم علمك- أتشبث بك .

حين نتقابل صدفةً المرة القادمة سأخبرك بأني أكرهك ، وأني وقعت في حب شخصٍ أنت تكرهه، وأنك كنت كأي عابرٍ ،ليس مرورك سوى لإلقاء التحية ، سأكذب ، ولن أنظر في عينيك حينها ، فالعاشق يكشف من عيونه .

أخاف أن أنظر فترى طائراً كسير الجناح فوق غصنٍ عالٍ ، أن تراني بلا ضفة أغرق في منتصف السحاب ، شاحبة اللون غائرة العينين ،

لا يوجد من أريد أن أقاسمه رغيف الحب سواك ، لايوجد من أريد أن أتوه به صبابة سواك، لا أريد أن يسكنني سواك يا حلمي الجميل ، بصحوه وعتمته.

صديقي العزيز ،صاحبك...كائن الأرق مخيف جداً ، لايزال ينبش الذاكرة من غياهب النسيان ، ويزرعها بذوراً تنبت أفكار سوداوية ، صديقي.. كنت أتمنى أن تناديني حين التفت، ما من مشكلة في الكون لا يحلها الزمان فياليتني انتظرت ، أنت غمامة أملي فكيف عبرتك نحو بؤس المجتمع ، كنت سديماً أحاطني ولهاً فكيف غامرت بهجرك . صوت واحد منك كان ليعيدني، صوت واحد ولست مضطراً أن تنطق أكثر من حرفين من اسمي حتى أبلغك فاحتضنك ، لكنك لم تفعل ...ذلك ما يجعلني مقتنعة بأنك من هجرت ..ذلك ما يجعلني حانقة .

فيَّ من الغل بقدر ما أحمله من شوق ، فيَّ من الشوق بقدر ما أحمله من حب ... أوتدري ما تسببه تلك المشاعر في جسد هزيل ؟!

الكبرياء يا صديقي أطفأ شعلتي وأمات مافي داخلي من حياة .
و طيف الكبرياء يا صديقي، عاث بي خراباً حتى بت لا أعرفني في حديثي ولا أعرف انعكاسي على المرآة إذا ما عبرت أمامها صدفةً .

فقدت صلتي بالمحيط ، وكم أتمنى أن أراك وحيداً -مثلي تماماً- فيرتد جزء مني إلي .
من منظوري -الضيق- ذلك دليلٌ أني نُقشت على جدران صمتك فنسيت نفسك تقرأ الرموز ، وهجرت العالم .. إلى سكينتك -التي ربما كانت أنا-
سمعت شكواك كثيراً، ولم أرد أن أغرقك في همومي أيضاً ، ألا يعني لك ذلك شيئاً.

إن كنت تعتقد بأن بعدك خيرٌ لي فأنت أحمق .
إن كنت تعتقد بأنك حذوت الطريق الصحيح فأنت أحمق .
وإن كنت تعتقد بأني لا أزال أنا فأنت أحمق.

فلتسبح في حماقتك ولأغرق في بؤسي .
لا تحاول أن تعود ، أن ترتق جرحاً بعد أن تلوث ،ستزيد ألمي ،إبقَ بعيداً.

كم أتمنى مواجهتك ...لكني لن أفعل .
رسالتي ستبقى في الصندوق، وأنت يا قاطني ستبقى القريب البعيد...الحبيب الغريب .

وداعاً يا صديقي ... إني أصلي لأجلك ، أول رجائي أن تكون كما أنت دائماً .. وآخره أن تبقى بخير .

وبين الرجائين حب عظيم فانتشله حين لا يؤنسك أحد ، سيكون وليفاً طيباً .

ألّا تَلِجْWhere stories live. Discover now