آلم ثم جبر

1.8K 149 31
                                    

كان يقف يراقبها وهي تجلس علي فراش المشفي الابيض تضم ساقيها الي صدرها وتحيط بهم ذراعيها وتستند بذقنها علي ساقيها وتنظر امامها كأنها لا تری شيئا شعرها الأسود الطويل يحيط بها كشلال من حرير اخرجه من شردوه بها صوت الممرضة وهي تقول بشفقه : بقالها علي الحال دا يجي سنتين من ساعه ما جوزها وابنها ماتوا وهي مش حاسه بالدنيا ولا اللي فيها
وجه حديثه اليها دون ان يحيد بنظره عن تلك الشارده في دنيا آخری : وجوزها وابنها ماتوا ازاي
ردت وهي تنظر لها بحزن : في حادثه كانت سايقه العربيه وجوزها وابنها معاها وحصلت الحادثه وماتوا وهي اللي نجيت منها كانت حالتها صعبه بردو وفضلت في العنايه فتره وبعد ما فاقت عرفت باللي حصل جالها صدمه وبقت زي ما انت شايف كدا
هز رأسه بتفهم لتقول الممرضه وهي تهم بتركه لتذهب الي عملها : لو عوزت تعرف اي حاجه عنها يا دكتور ابقي اسألني انا هنا من ساعه ما هي جت
ابتسم الطبيب لها بشكر وتوجه الي الغرفه القاطنه بها
تلك التي كانت مسار احديثهم وقف بجانب الباب المفتوح وطرق ثلاث طرقات بنغمه معينه كاستئذان للدخول
دخل وجلس علي كرسي بجانب الفراش ابتسم وقال : صباح الخير
يعلم انها لن ترد عليه ولكن يأمل ان تسمعه وتشعر بوجوده اكمل وهو ينظر إليها : اعرفك بنفسي انا الدكتور فرحات سعيد ابو السعد ثم ضحك وهو يقول اسمي كله فرح وسرور ما شاء الله  عليا ربنا يحفظني
عارفه كل واحد سألني ع اسمي وقلتله كان بيفصل من الضحك تقريبا انتي اول واحده ما تضحكش علي اسمي
نظر إليها برجاء وقال : انتي سمعاني اتمنی بجد انك تكوني سمعاني ..انا عارف اللي مريتي بيه مش سهل علي اي حد انو يتقبلوا فكره الفقد نفسها فكره صعبه جدا ما بالك إنك تفقدي اغلی الناس علي قلبك
وتكوني بشكل او بأخر ليكي يد في اللي حصل الإحساس بالذنب ممكن يقتل الإنسان بس الرضا بالقضاء والقدر بيهون كتير انك تبقی عارفه ان دا نصيبهم وقدرهم ودا معاد موتهم ومحدش كان هيغيره سواء كنتي سبب او لا عارف ان مش صدمة موتهم هي بس اللي مأثره عليكي إحساسك بالذنب بردو وانك انتي اللي كنتي سايقه العربيه وإن لو معملتيش كدا حاجات كتير كانت هتتغير بس لا مفيش حاجه كانت هتتغير لا يمنع الحذر القدر
أمر ربنا نافذ ومحدش بيقدر يغيره ولا نقدر نعترض لأن احنا في حضره قضاء الله وقدره
كان لا يعلم انه بكلامه هذا يصل الي أعمق شعورها واحساسها المميت بالذنب تجاه طفلها الحبيب وزوجها كانت لا تصدق انها قد تسببت في موتهم ونجت هي تمنت إن تموت هي وينجو طفلها او زوجها او كانت تموت معهم لماذا تركوها ورحلوا لماذا
تنهد وهو يری عدم وجود استجابه تدل علي إدراكها لما يحدث حولها لذا قرر ان يكتفي بهذا اليوم ويذهب ليمر علي باقي المرضی ودعها وهو يقول : عارف اني رغاي وصدعتك بس دي شغلتي اعمل اي عن إذنك بقا اروح شغلي واشوف المرضی بتوعي ..السلام عليكم
وانصرف ليذهب الي مرضاه
مر اسبوعان كان يوميا يأتي إليها يتحدث معاها ويحكي لها عن اشياءا كثيره تخص المشفی والمرضی بل وصل به الحال ان يحكي لها عن حياته الخاصه وعن ذكرياته وذكريات الطفوله
بجانب متابعته بحالتها هو ايضا كان يحتاج لأحد في حياته يحتاج ان يتحدث وهناك من ينصت له ولم يجد أفضل منها فهو كان يتحدث دون ان يقاطعه احد فكان يحب ان يجلس معها فقد أحس بالونس والرفقه في حضرتها
دخل الي غرفتها بالمشفی طرق الثلاث طرقات كالمعتاد ولكن دخوله كان فاقدا للمرح للبهجه التي يصنعها والطاقه الايجابيه التي ينشرها جلس علي الكرسي بصمت لفتره ثم بدأ التحدث دون مقدمات : عارفه إني زي النهارده من كل سنه مبخرجش من البيت نهائي بقضی اليوم كله لوحدي مبحبش اشارك حد حزني ولا اكتئابي دول الحاجتين اللي بخليهم لنفسي وبس بس النهارده لأول مره أخرج واقرر ان أجي اقضی اليوم في الفضفضه معاكي
اخذ نفس عميق يخرج به بعض مكنونات صدره :
زي النهارده من سبع سنين والدتي اتوفت كنت لسه مكتشف قبلها بفتره انها مريضه كانسر في المرحله الاخيره سنين فضلت تعاني من مرض بياكل في جسمها وانا مش حاسس بأي حاجه مشغول في كليتي ودراستي وهي بتتوجع ومبتبينش مابتدختش علاج عشان توفرلي مصاريف دراستي اول لما اكتشفت حسيت ان الدنيا بتدور بيا مبقتش عارف اعمل ايه كانت محتاجه عمليه وانا مش معايا فلوس عشان تنقذها كانت بموت قدامي وانا مش عارف اعملها حاجه احساس بالعجز مميت لما تشوف حد بيعاني وانت لا حول ليك ولا قوه ماتت وانا حالتي النفسيه بقت تحت الصفر كان ممكن حياتي تدمر واسيب كُليتي ومستقبلي بس هي عملت كل حاجه تقدر عليها عشان ابقا دكتور وتفتخر بيا عشان كدا قررت ان مفيش حاجه تهزمني خرجت من حالتي وكملت دراستي وبقيت دكتور زي ما انتي شايفه كدا
نهی حديثه بضحكه مُرة وقام وخرج دون ان يلقي السلام ولم يدري بتلك التي انحدرت دموعها علي خدها كإستجابة فعلية لسماعة
تغيب لمده أسبوع انتظرته بصبر حتي يأتي ولكن لا جديد هو من أخرجها من حالتها فصوته كان يصل إليها تسمعه وتستأنس بحديثه وتضحك داخلها علي نوادره ولكن أين هو لما لم يأتي حتي الآن تنهدت بملل حتي سمعت دقات علي الباب ودخل هو جلس علي الكرسي المعتاد وتكلم : آسف علي غياب الاسبوع دا بس انا عملت حادثه
عند هذه الكلمه أدارت وجهها له ونظرت له بدهشه
تفاجأ بها وبإستجاباتها وهو يقترب يقف امامها وهو يقول بذهول : انتي سمعاني...طب شيفاني قولي اي حاجه
ضحكت وهي تهز رأسها وتكلمت بصوت خارج من بئر سحيق : ايوا شيفاك وسمعاك
ابتسم بأتساع وهو يقول : الحمد لله... حمدلله ع السلامه
ردت بأبتسامه وقع صريعا لها : الله يسلمك
وأكملت عملت حادثه ايه
أجاب بهدوء : لا دي حاجه بسيطه رجلي حصلها التواء في الكاحل
هزت رأسها بتفهم لتنخطر معه في حديث طويل ليعاين حالتها وما وصلت إليه
مر شهر كانت قد استعاده صحتها وأصبحت أفضل بكثير وتوجب عليها العوده الي حياتها الطبيعيه فهي رضت بقضاء الله وقدره وإن كل ما يأتي من الله فهو خير لنا ففي الابتلاء يكمن العوض وفي المحنة تكمن المنحة
لملمت اشياءها لتذهب الي بيتها بعد طول غياب وترجع الي عملها الذي تحب
وقف ليودعها بكلمات مقتضبه لا تشي بشئ لتتركه وترحل تحركت خطوتين وفي الثلاثة سمعت صوته ينادي عليها وهو يقول : بسمة
توقفت واستدارت له ليتجاوز هو الخطوات التي تفصلهم سريعا وهو يقول : تتجوزيني
نظرت له بتفاجئ ودهشة ليكمل حديثه : عارف انك متفاجأه ومكنتش متوقعه الطلب دا انا مش هقول اني حبيتك من اول نظره ولا الكلام الشاعري دا انا هقول اني محتاجك جدا في حياتي وعاوز اكملها معاكي
اديني فرصه وادي لنفسك فرصه تبدأي حياتك من جديد ربنا اداكي فرصه وحياه جديده امسكي فيها وعوضي كل اللي فاتك
هزت رأسها بحيره لا تعرف ماذا تقول له هل عليها ان تتجاوز وتبدأ حياه جديده هل بإستطاعتها العيش من جديد ربما تحتاج لشخص مثله لتبدأ فعلا من جديد لذا قالت : ممكن تديني فرصه أفكر وارد عليك
هز رأسه بتفهم وهو يقول : معاكي كل الوقت اللي تحتاجيه انا مش مستجعل خالص
ابتسمت وشعرت بالإطمئنان ربما عليها ان تفكر جديا للعيش من جديد
بعد مرور عام
تجلس علي سرير الكشف وهو يقف بجانبها يبتسم لها بحب شديد فهو قد أتاح لها فرصتها لتأخذ وقتها كما تريد ومن ثم تزوجها بعد ان عادت لطبيعتها ولشخصيتها الجميله وحبها للحياه بعدما رضت بقضاء الله وعادت للحياه من جديد
ابتسمت وهي تنظر له بفرحه شديده ومن ثم تنظر للشاشه التي تظهر جنينها حتي قالت الطبيبه بإبتسامة : مبروك يا مدام بسمة تؤام ولدين
ابتسمت بفرحه طاغيه ودموعها تنهمر علي خدها تردد بالحمد لله علي عوضه وجبره فقدت ابنها وزوجها ليعوضها الله بزوج آخر محب ومراعي ويرزقها عوض عن الطفل الذي فقدته بإثنين غيره فما أجمل عوض الله فهو اذا أعطى أدهش بعطائه فله الحمد دائماً وأبدا 💛

رأيكوا

#أمنية_أشرف

اسكريبتات بقلمي امنيه اشرفWhere stories live. Discover now