الثاني

1.4K 73 12
                                    


الأحد, التاسع من أيلول, حي يونسيرو, جامعة يونسي الدّاخلية, الثامنة صباحاً:

بلا عَنت, لا تكابر مقلتاه رغبتها بالإمعان في محاسن الآخر, وراء بلور النافذة التي حصرت له مجال الرؤية في زاوية واحدة, يونغي كان مختالاً بلدانة جيمين في الخارج, بمعطفه الكستنائيّ و ما أكسبه من نجابةِ في الإقبال, يتأمله يونغي, بأدنى تفاصيله, و يعقد على قلبه جعبة سيوف مسمومة بالحب, يتعافى بتوسّم ملمحه الجذاب, طلّته الوديعة, مرتدياً الرغيد من الفن, متبرّجاً بالجمال الأسطوريّ, متسلّحاً بزخارف من النضارة الخام, النضارة الفطرية, الخُلقيّة, جميل دون مواد تجميليّة, ينهك فؤاد يونغي المحبّ بهيئته البدائيّة, أعينه لا تنحرف عن منظارها الموجّه إليه, ضمن المكتبة الجامعيّة, التي جمعته و جونغكوك المنغمس بقراءة هامش إحدى الكتب الثخينة, تراجع يونغي قليلاً عن النافذة, بعد أن أشاح عنه مرآه محط وقوف جيمين, و أصبح مبهماً له, و قرّب جسده مشياً نحو الطاولة الخشبيّة العريضة القابعة في وسط المكتبة الخاوية من أي وجه صباحيّ قد يأنس استقبال أحرف العلم في هذا الموقت المثاليّ, لم يكن سوى جونغكوك – شغوفاً – بمنازل العلم السخيّة, كان يأتي كل فراغ ليقرأ, و يحمل في حقيبته معاجماً من المعارف المخزونة في ذهنه المثقّف بالخبرة العمليّة, و قلبه المسقف بالحيرة العاطفيّة.

كان يبحث في - موسوعة الطبيب روث بأكاديمية طب نيويورك – كمرجع يفيده في بحثه الطبيّ حول الجهاز المناعيّ للإنسان, أمسى ينهل المعلومات من عدة قوائم أجنبيّة, فهو طالب طموح, يسعى لمجاراة الإنسانيّة في عمله, رداؤه الأبيض كان دلالة روحه المصفّاة من رجس النوايا, نزعة الأخلاق لديه كانت نخبة منتقاة من مآثر الملائكة, قلبه ولو أن شُرح أُهرقت منه شتلات زهور, كدحه للثورة الإنسانيّة تجلى في حلمه المشرق, كان مثالاً للعقل السويّ, كان فاتناً في كل تصببٍ.

يتشارك يونغي و جونغكوك الفرع العلميّ, لكن يونغي لم يكن يوماً – مُحبّاً – للطب, فكان يهمل الإرث الثقافيّ الذي تعربه كتبه العلميّة عليه, و يتواجد في الرواق الجامعيّ المشترك, لرصد جيمين, و لحاقه..

"جونغكوك, البارحة قمت بتحميض بعض صور جيمين في الكاميرا خاصتيّ" جلس يونغي على مقربة من صديقه الذي كرّس انتباهه لأقاويل الكتاب بين يديه, نفث يونغي حوامل صدره من بتململ إذ أن جونغكوك بالكاد يوهبه إنصاتاً.

"ولقد قبض انتباهي أنه يقوم بارتداء الأسود من الملابس أكثر من بقيّة الألوان, تماماً كما يروق لي, يحرس جسده الاسوداد في المطارف كما لو أنه مفتون به, يرشق على أسالة قوامه الأسود القاتم لتعزى أنفاسي, هو ينعيني ببطء" يقلّب يونغي صور جيمين في كاميرته, قاصّاً المديح الكريم على من لاق به اللون الكئيب, يعجبه الأمر بروعة, يبهجه ما جنى من مفاتن الآخر في عدسة مصوّرة.

الشّيطَان TK ✔Where stories live. Discover now