السادس

729 42 6
                                    

الثلاثاء, العاشر من أيلول, حي يونسيرو, تراس جامعة يونسي الداخلية, العاشرة صباحاً:

لا وجود لقِمة يرفدها أحد البشر, لطالما كان مفهوم الاعتلاء غامضاً و مجازياً, أخيلة الإنسان تصنع له عالماً مستقلاً عن المعقول, حيث يجد ما يساوم مبتغاه, فعالمنا لن يكون منصفاً لأحد, لأن كل منا له أهواءه, فرحلة البحث عن يوم بهي, تفشل, لأن أمواج الدنيا تسيّر سفننا حسبما تشاء, ولا لسان لنا في المجادلة, ولا وساطة للدفاع..

لطالما, أحبّ هوسوك أن يكون أخّاذاً للعيون, أن يكون موضع اهتمام جليّ, أعينه مثبتة على صغر الأشياء أسفله بينما ينظر من أعلى تراس الجامعة إلى الأسفل حيث يبدو الأشخاص و الأمتعة بحجم مزيّف بعيد عن حقيقتهم التي ندركها, يقف في جحر يصوّر له المغشوش من الحقائق, فيتساءل, ضاغطاً على كوب النسكافيه خاصته, أقامت الدنيا على قوام الكذب في كل شيء؟ أيحق لنا أن نعطي الكذب مبرراته؟

حواسنا تخطئ, فهي كاذبة, عقولنا تكرر الأخطاء, فهي كاذبة, و بهذه المعادلة الشائكة, يستخلص هوسوك أن بنيان الحياة كذب, و لكن, هل كذب قلبه عليه حين وشوش له أنه معجبٌ بتايهيونغ؟ هذا السؤال المعارض لما يفكر به أساساً, شغل كافة طاقاته الصباحية, للتأمل و التفكّر بنفسه, و حياته, و من هو.

كان يتحلى بشخصية منصاعة الطباع, كان منصاعاً لنفسه, و لنزعة الفردية التي تشكّل الإطار الأسمى به, بالكاد يستمع لما يتقدم له من نصائح, إذا ما لاقت النصيحة بتدبره, فيلقيها, و يصمّ آذانه عنها كأنما ما انطرحت عليه قط.

هاتفه, يحمل الكثير من الاتصالات لتايهيونغ, بهدف الاطمئنان على حاله الذي أرهقه أرقاً و جوعاً و قلقاً طوال الأربعة أشهر التي انحجب بها عن المرأى, لقد كان صعباً, عليه أن يجاري غياباً دام لأمد غير مؤجل, كان صعباً إذ ذرف كل سعته, سافر به دماغه إلى أكوان أخرى وهو يلزم سريره, حول مكان تايهيونغ, و ما يفعله, و لأجل من.. اختار الرحيل؟

سحب رشفة أخرى, من كوب النسكافيه خاصته, تتكسر أشعة الشمس في زرقاويه, تحوم في دماغه عرائس من الذكريات الأولى و النادرة, التي خطّت على مسير عيشه لحظة تجمعه بتايهيونغ, قابل العديد من المعسرات في هذا الصراع الذي تجلى, دون ترحّم بشعوره, بين نسيان أمر حبّه الدفين, و ارتداءه علناً.. ففاق الهيام حدوده, نادى بالعطش من غير ارتواءه, فكان على هوسوك, أن يسقيه إذناً بدلاً من حجزه.

يدرس هوسوك, في قسم التكنولوجيا الحاسوبية, و يبرع العيش في العالم الجديد, و في عصر العولمة, هو من أعلام البارعين, مزوّد بالقسط الثري من معلومات عالم الحواسيب, إلى جانب أباه, الذي كان أول من حفّزه, على الاجتهاد في براعته.

الشّيطَان TK ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن