الثالث

1K 59 12
                                    

التّاسع من أيلول, جامعة يونسي الدّاخلية, الثامنة و النّصف صباحاً, مكتب العميد:

"سيدي العميد, كيم تايهيونغ ظهر اليوم في الجامعة بعد اختفاءه, وهو يريد مقابلتك لتبرير تغيبه الطويل"

تتباين آرائهم حول ظهور تايهيونغ فجأة بعد فاجعة شكيّة حول أجله أو حياته. جونغكوك, عرف تايهيونغ رسمياً بلقاءات بسيطة تعدّها الجامعة, تحوم بينهما مسافة بُعد, لا تلتقي أعينهما إلا نادراً, لكن في باطنه, يدرك أنه اختزن إعجاباً سطحياً لذلك الفتى, و يوقن أن بدايات الحب هي الأكذب إطلاقاً, فلا يعني كل إعجاب حب, و لا يأتي الحب بالتمهيد, تلك المقولة تقود قناعاته, تنغرس فيها و تحيي له عقلاً احتياطياً في زلّاته الافتراضية, تايهيونغ لم يكن له زلّة ولا وقعاً, كان له وسطاً لم يشاور نفسه عنه من قبل..

أما جيمين, الذي كافح لانتشال برقة أمل تؤهل له طريقاً ينتهي بحقيقة تفشي له علّة تلاشي صديقه في ممرات الأيام, كان له الخبر سارّاً أكثر مما هو صادماً, فنزح بأفكاره نحو الاعتقاد أن حملة الملصقات التي قام بها لاذت بالنجاح فأسعفت إخبارية شخص حياة تايهيونغ و أرستها قبل أن تعوم في الضبابيّة, فرح جداً, لأنه أنجز مطمحاً عظيماً, ولأن كدحه لم يضل, و الظنون هي ما نبرع فيها كبشر, ففي أذهاننا نحكم الدنيا, و في الواقع نطيعها.

حاول نامجون التستر على حقيقة شعوره الغاضب, ففي هذه اللحظة ألمع عقله بأمرين, الأول هو أن تايهيونغ هرب من الضريح الذي أعده لاجتثاث حياته, و الآخر هو أنه, لو اختلق ضجيجاً في الجامعة و أعاد تايهيونغ إلى كنفه الآن, سيثبت تهمة اختفاء تايهيونغ عليه بأنه الخاطف, و نامجون أذكى من أن تنبشه أنياب التقاعس و الغفلة, هو أسمى و أنبل من خدع العقول التقليدية, و بدلاً من استعادة تايهيونغ في الوقت الآني, يمكنه جلب الفتى الهارب بإحدى المهمات التي سيوكلها فيما بعد لهؤلاء الطلبة, كجيمين مثلاً.

"حسناً, دعه يستريح في الخارج ريثما أختتم هذا اللقاء القصير" أخبر مين جون الرجل فأومئ و خرج بعد إذعانه, تلفّت نامجون نحو العميد الذي يبتلع سموم الأمر الجاري, كذبة وراء كذبة, نامجون يهيمن على المكان بأشخاصه بفطنة مخيفة, أفلا تؤهله بداهته ليسطو على العالم؟

"سيدي العميد, أشكرك لأنك وهبتني وقتاً سخيّاً لأقابلك و أقابل وجوه العلم المعطاءة, لقد أعطوني جرعة من التفاؤل حول مستقبل البشرية بأطواره القادمة, أنا لن أطيل وقوفي" قال نامجون بامتنان وهو يصافح مين جون و يكارم الطلاب بابتسامة تجلب شعور العار بدلاً من السلام.

"في المساء, ستأتي حافلة خاصة لتأخذكم من بوابة الجامعة, لقد زودت شخصياً بمعلوماتكم فلا داعي لإكرامي بأرقام الغرف, كونوا جاهزين للارتحال قبل التاسعة مساءً" ألقى نامجون آخر أوصال الكلام المقترن بلسانه ثم حمل عتاده من الجسد الممشوق و الهيبة الخاطفة ليفرّغ المكان من وجوده المأفون, و ما إن بانت قبالة عينيه غرفة الانتظار حيث يجلس فتى الاستقبال و تايهيونغ, ذابت اعتقادات تايهيونغ التي تبشره بالغد الموعود بعيداً عن نامجون و ما ارتكب به من فظائع دهورت دنياه بكل مناحيها الجميلة و التعيسة, نتشت من حصونه كل طاقاته الدفاعية, التقت أعينه بأعين نامجون فلم تنكوِ بسمته في جحوده, تلازم وجهه لغرض مهلك, سادت الحيرة في طاقة تايهيونغ الاستيعابية, و كان متأكداً أن نامجون لن يعفيه ليقابل حريته يوماً, و مع وجود فتى الاستقبال, كان الحال مدهماً و لايزال نامجون يتنكر بشخصيته المزيفة, قبل أن يترك المكان أبداً, نحا ببطء نحو تايهيونغ متزلزل الشعور, متضارب الأنفاس, متخبط الأفكار, و اقترب بانحناء من مسمعه ليضفي على قلقه وشائجاً من الهلع, و نوبات من الارتجاف المتوالي..

الشّيطَان TK ✔Where stories live. Discover now