الحادي عشر

529 33 3
                                    

الخميس, الثاني عشر من أيلول, مستشفى سانت ماري, الواحدة بعد منتصف الليل:

التكيف مع هدايا القدر لنا بالبلاء كان فن لا يقبضه جونغكوك ولا تايهيونغ, إن اليفع هو السن الأقوى لاحتمال المهالك ولكنه الأقسى في إغراق أفراده بالمآزق الكبرى, قد نخمّن قوتنا أعمق من حقيقتها, و يأتينا صد في المواقف الأليمة, فمن قال أن اليافع و الأحزان لا يلتقيان أبداً؟ يعشق الحزن عمر الصغر, فهو مفتون بالجسد الحصين, و تايهيونغ مهدفه الذي لا يلقاه صدفةً, و مهما اعتاد على نشاط البراكين في دواخله, هو لن يصمد إلا إن وُعد بها هامدة ولو طال الانتظار, وفي برق ضوامره ينشد براكينه اضطراماً أحدّ مما ظن, و مرسال قلبه لا يطمئنه بالاستكانة, فلا بد من الاستقالة, بدلاً من افتراش الحياة بلا عليل من الأمل..

ضمن غرفته البيضاء التي تلفحه بالسلام, غرف المستشفى دامت في نصوع القمر لمن يمكث بين جدرانها لتبعث أمناً لدى فاقديه, تخبو السكينة من تايهيونغ بطيش غير موزون, يرافقها الضياع عند كل طلوع, فكر وسط تآكل أحاسيسه بالبهتان, لما عليه أن يساور القدر بما يشاء؟ لما عليه أن يطمر صوته بالبكامة؟ تعلو أصواته تناجده بأن يحرر من نفسه رهين الأحاسيس, أن يعافي كيانه بشيء من صالحه ترجياً, ما أراده لم يكن من عمل الحياة, مشيئته ليست من ضفائر الأرض, روحه كانت تتعطش لتربتها, كانت تناجيه أن يلغي أسرها, و يطلقها إلى خالقها فما هي إلا نفحة ملائكيّة لا يستحقها بني البشر فيلوثوها بخبائثهم و انحطاطهم, فهذا الاكتظاظ المريب من الاختناق, أطبق عن تايهيونغ كل سبل التمهل, فالفتى الذي حسب اليوم يميت أشجان غداً, و التناسي يخمد بواطنه المحترقة, صدته الحياة بحصّادتها, أسندته إلى أكتاف باهتة, أضعفت مطامحه بالعيش و افتكت كل أوتار آماله..

لا تحسبوا الكلام يقال برحب و اتساق, كلما ضل المتكلم تعثرت حكاياه للاختناق, تخشى كلمات تايهيونغ أن تحيا في مسمع المحاور, فوراء ثغره تطمر حياتها, إزاء تلك المصاعب التي عاشها تصدعت روحه, كلما نهض ليكافح دفعته براثن النحوس, لم يكن قوياً, لكي لا يذرف الدموع, لم يكن محالاً من الكآبة, وما صدقّته أقداره بأنه تخم من اليأس, لقد حاول, أن يكون متيناً, و أن يحارب الدهر بالابتسام, لكن سلاحه بات ضعيفاً, و العجز أوصد مساعيه, فعذراً لكل لسان لامه, و كل قلب دشّن بسمته, لكنه معدم من الحياة بعد, هو فقير من الإحساس, هو مفلس من حب الحياة, هو يقدم على الموت...

تايهيونغ ينوي الانتحار ..

ترجل عن سرير المستشفى ليقفل باب غرفته, و مشى شاعراً بفراغ رهيب في مكنوناته, إقدامه على اتخاذ هذا القرار بغي بحق غيره, لكنه رحمةً بحق نفسه التي بذلت طاقاتها, يمسك بين كفيه شفرتين حادتين, يجلس بينما يتمعن بشرايين معصميه, دقائق فقط تفصله عن إدراك اللامرئيات, يتساءل, هل المنتحرون يمتلكون أرواحاً ملّحة تحن إلى موطنها فتطلب الرحيل قبل أوانه؟..

الشّيطَان TK ✔Where stories live. Discover now