التاسع عشر

332 28 3
                                    

السبت, الثالث عشر من أيلول, دير الكنيسة, الثانية بعد منتصف الليل:

نحن أنانيون في أطباعنا كبشر, فلا نمانع أن ندس الأذى على نهج الآخرين إن خُيرنا بفقدان مصالحنا, نعيش في دنيا يعتلي سقفها صائد, يغمس سنارته في سماء الكون ليصطاد وجباته, و بقربه يكمن شباك من الضحايا الجدد الذين جفوا من أنفاسهم, و تهيؤوا ليكونوا في نفس الطبق, لا يمانع الصائد أن يمضي دهراً من الزمن في انتظار لأنه يعلم كم يكتنز بحره من الأرواح الشهيّة, و لأجل مصلحة جوعه, لا يعفي أحد من الاصطياد, بل يغرس شوكته في عنق المذبوح, و يلتهمه, طازجاً في عمر الشباب, و حيّاً.

تمسح الرياح عن وجه جونغكوك إرهاق تفكيره المبالغ كما تمسح ذراع تايهيونغ عن ندبته أوجاعها, جميع الراكنين كانوا نيّاماً أسفل جناح من الأمان داخل الدير الفسيح عدا هو, الذي لا يستطيع بتر لسان دماغه عن الحديث, تستوطنه صفة الاهتمام الدقيق بالأشياء, مما يجعل الأمر مكلفاً لصحته أولاً, فكان اهتمامه زينة طغت على الشرور المحشو داخله, و أسكنته داخل سياج من الخوف, فبتلك الطيبة التي تحلى بها, دهسته مجارف السفالة و الفجور, و من يشقى في الدنيا سوى الصالحين؟ ومن يناصر الشياطين سوى الفاحشين؟..

يفشي جونغكوك للقهوة أمامه سر انشراحه العميق داخلها, فهي تشابه روحه في مرّها, و حياته في لونها, تحولت أنظاره نحو محبوبه الغافي عن ضجيج أفكاره في سبات من الراحة المنظّمة على وجهه النضر, لقد أراقت عليه الدنيا كل مساكب الضعف و الحلا, و لم يكن له أي نصيب من القوة, تايهيونغ بدا أكبر سناً في معاناته, فالحزن يكتب على وجهه جرائداً من المعارك السابقة, و المقاساة الشعورية التي دنت له سعادته إلى الحضيض..

هذا الرمق الجاد, الرمق الدائب بينهما, لم يغمض له جفن في التسامر عن شعورهما الناضج حباً, لكن ما قطع لهم هذا السيل الفياض من العواطف, هو سماع جونغكوك لضوضاء آتية من الغرفة العلوية, و التي أرغمته لتحويل أسماعه و أنظاره من على محبوبه إلى مصدرها, استقام جونغكوك في وقوفه و أقبل ليتفحص الجميع إن باتوا بخير, لاحظ كونهم حاضرين عامةً فأودته ألغاز الموقف لإغراق احتمال أن يكون سبب الضجيج هو استيقاظ أحدهم, و البحث عن رد آخر يسكت فيه هذا الاحتجاج الذي خيم على دماغه..

من قد يذهب إلى غرفة الأخ داي هيون سواه؟ و الحقيقة أن جونغكوك رآه مضطجعاً على الأريكة البيضاء في الغرفة القريبة.

حزم جونغكوك عتاده من الكلام و قرر أن يصعد متسلحاً بالنضال نحو مصدر الضجيج في غرفة الأخ داي هيون, وقف في مطرح يحجب عن الموجود رؤيته فلعله يقنص صورة وجه المعتدي على الدير, حمل أسلحة استعداده على أكتافه و حضر بوارج دفاعه إلى أن يحين موعد انبثاقها, في دخوله الغرفة العلوية, لمح انجلاء قامة فتاة من النافذة المفتوحة, هلع ليتمكن من رصد وجهها نحو النافذة التي خرجت منها, لكنه تكبّد بالخسارة إذ صُدت محاولاته و لم يستطع رصد سوى سيارة سوداء تغادر, شعر جونغكوك بالذعر فما حدث تواَ كان صعب التخطي فلن يتمكن من إقصاءه عن رشده بنفحة من اليسر..

الشّيطَان TK ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن