37 مُدقق

3.4K 100 20
                                    

الفصل السابع والثلاثون

(يقولون الحب كثيرا عليك)

قمر يا أبو ليلة شو اتعشيت الليلة؟

خبز وجبن مالحة... من عند عمتي صالحة

قمر يا أبو ليلة شو اتعشيت الليلة؟

خبز وجبن وخيارة ... من عندي ستي الختيارة

خرجت براء من دار ما تتغنى بأغنيتها الطفولية وهي ترفع منديل أبيض مطرز على حافته وردة واحدة خضراء، ترفعه نحو الشمس بفرحة طفولية، لم تكن قد أتمت السادسة بعد وأمامها عام واحد فقط لتحتجب في الدار، خاصة وأنها كانت ذو طول فارع قياساً بعمرها الصغير، لذا دائما ظنها الناس أكبر عمراً، في الواقع أنها كانت تخرج من الدار بصعوبة بتهرب من أمها والتي كان عقابها دائما ما يكون قاسياً، لكنها لم تهتم، فيكفيها الساعات التي تقضيها خلسة عن أخيها و أمها ودار الزعيم، دار الزعيم التي كانت بالنسبة لها أسر يقيد حرية أي تصرف يصدر منها، لكن في ذات الوقت الانتماء له يمنحها هيبة أمام الجميع وتصريح لدخول أي دار ترغب فيه، مثل دار العمة همت الذي خرجت منه للتو وقد كانت المرأة تخبز وتبيع الخبز للإسترازق، فأخذت هي وابنتها يلعبان بالدقيق وبواقي العجين حتى أنتشر اللون الأبيض على كل ثوبها، وهذا له عقاب خاص إضافي، وهذا لا يهمها يكفي المنديل الذي أعطتها إياه العمة همت لأنها خبزت رغيف كامل بمفردها، لذا تابعت القفز على إحدى قدميها في كل مرة وهي تتابع غناءها:

-قمر يا أبو ليلى.. شو أتعشيت الليـــ...

لكن اثناء سيرها القافز بمرح شعرت بحصى قاسية تضرب يدها، وفي لحظة أنكبت على وجهها فوق الأرض الترابية وأسقطت المنديل في بركة طين قريبة:

-آآآي.

تأوهت من قوة السقطة خاصة أنها أخذتها على كلتا ركبتيها، عبوس تام غطى وجهها وهي تقرفص على الأرض بشكل لا يليق بفتاة وأخذت تتفحص جرح ركبتها المؤلم عندما وقعت عيناها على منديلها الغالي قد تلوث تماماً داخل الطين...

-منديلي!

صاحت وهي تزحف للمنديل وترفعه لتجده قد تلوث تماماً بشكل لن يُصلح بالغسيل، وفجأة تحول قهرها الطفولي لغضب حارق وهي ترفع وجهها تبحث عن هذا الذي رمى عليها الحصى القاسية، ووجدته يقترب منها بالفعل، فتى طويل بشكل غريب حتى أنها هي فارعة الطول لم تصل لأعلى صدره، كان نحيف البدن للغاية وبدأ يظهر له شارب خفيف، لكن عيناه كانت هي الملفتة للنظر بسبب شدة ضيقها وصغرها فكادت تختفي داخل محجريها، وكذلك ملابسه الغريبة عن أهل القرير، كل هذا لم يهمها حقاً وقد كان الغضب يغلي غلياً حارقاً في رأسها وهي تهب نحوه صارخة وهزت المنديل أمام وجهه:

ما ذنبي؟.... عواصي الدمعWhere stories live. Discover now