5 (مُدقق)

2.8K 86 7
                                    

الفصل الخامس

(رَأتْ نجمًا أسُودًا يَهوِي ويَحرقُ الأروَاَح)

لمن يراه كل يوم لم يكن هناك تغير في هيئته الجسمانية، لكنه حدث، فقد وضعت البلد الجديدة مسحتها عليه، العمل الشاق هو ذاته الذي كان يمارسه في مصر، لكن الطعام تحسن وزاد فزاد معه عرض جسده وتصلبه، ولم يضع الشهر الذي قضاه في حارة القرير أثره على جسده فقط ...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

لمن يراه كل يوم لم يكن هناك تغير في هيئته الجسمانية، لكنه حدث، فقد وضعت البلد الجديدة مسحتها عليه، العمل الشاق هو ذاته الذي كان يمارسه في مصر، لكن الطعام تحسن وزاد فزاد معه عرض جسده وتصلبه، ولم يضع الشهر الذي قضاه في حارة القرير أثره على جسده فقط بل أثر أيضا _وبصورة أكبر_ على نفسيته، فيكاد كل من يسكن الحارة يعرفه الآن وله معه أواصر من المودة، فأصبح رجال الحارة وأصحاب الحوانيت يعرفونه ويألفون جلسته بما لديه من خفة ظل ونوادر تسلب لبهم وتحمس فكرهم.

مازال بردائه البالي الذي أتى به منذ شهر فلم يشتري غيره ليس لقلة المال، بل أن أجرته تبرق لها الأعين، لكنه يرسل ثلاثة أربعها لأهله في مصر والمتبقي أما يذهب للطعام أو ماعون آخر يكتشف أنه بحاجة إليه، كان يسير في الطرقات المرصوفة بتباطؤ، وعلى عكس المرة الأولى التي دخل فيها الحارة كان الآن غير متسع العين ولا مشرئب العنق لينظر لما حوله بذهول، فقد اعتاد منظر الديار والحوانيت وحفظها مثل خطوط كفيه، لذا كان يسير متململا وهو يحيّ من يعرفه ببعض الفتور.

سيكون منافقا إذا أنكر أن حياته الجديدة أكثر راحة وسعة، وأن تشتت الغربة قد تقلص وانكمش حتى يكاد يختفي لولا شوقه لبلده الأم، لكن... وآه من تلك الحروف الثلاث التي تقلب الراحة عذابا، تكويه تلك الـ "لكن" من الداخل وهو يصبح ويمسي وحتى يقوم ويجلس مفكرا في شيء واحد فقط.... تلك العين القاتلة لنياط قلبه... فبعدما افاقت روحه من نشوتها أدرك بتوجع أن الوصول لتلك العينين مستحيل... فلا يدري اسما لها، ولا يدري صفتها، أتكون أخت الزعيم؟.. أم قريبته؟... أم زوجته أو زوجة أخوه؟ ... وهذا الظن الأخير يحرق روحه من الجانبين.. جانب أنها ضاعت منه ولا يوجد أي بصيص أمل يذكر في أن تطالها يده.. وجانب أنه قد يكون يفكر في امرأة متزوجة!.... ورغم كل هذا مازال يبحث عن أي فتات يعلم منه اسمها أو شيء عنها..

بسبب شروده لم يلاحظ جميل الذي أطل من داخل القهوة وبدأ يصيح مناديا إياه، وفقط بعدما زاد من صوت عقيرته مرة وأخرى أفاق هائم وألتف له فأخبره جميل بذهول:

ما ذنبي؟.... عواصي الدمعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن