-24-(2) مُدقق

2.6K 78 26
                                    

......

دار ميمونة الغجرية...

بالخبث الأنثوي الأصيل، استطاعت تماضر أن تلف عقل عمار العلي حول أصغر اصابعها، سلمته جسدها، أجل سلمته كل شيء، ولم تتردد في ذلك، فما تخطط له أمر كبير، وكل أمر كبير يحتاج لتضحية كبيرة، أغوته حتى أنه ولثلاث أيام لم تخطُ قدمه خارج عتبة مخدعها، وبكؤوس من الخمر، وفي جوف الليل كانت تخرج منه الكلام لتعرف منه كل شيء، منشأة كصبي نحيف معدم عمل عند تاجر كبير هناك في الشام، يحمل الأشولة على ظهره وينقلها مع العمال، ولفطتنه وسرعة حركته تقرب شيئا فشيئا من التاجر حتى حظي بمكانة كبيرة عنده، وفي نهاية الأمر جعله يتزوج ابنته الوحيدة، وجعله يمسك زمام الأمور في العديد من حوانيته، وأصبح تاجرا ذو شأن كبير، فقط كان هناك شيء واحد يغض تلك العيشة الهنية، الإنجاب، لعشر سنوات كاملة، لم يحمل رحم امرأته ولدا يخلفه من بعده، ومهما كان عدد المحاولات فشلت كلها، وهذا كان المدخل الذي تدلف منه تماضر كأفعى ملساء.

بخبث احتست تماضر شراب ما يساعد على القيء، وعندما جلست تتناول معه الطعام، أدعت غثيان النفس وأسرعت تقيء ما تناولته، ثم شحب وجهها وأُرهقت ملامحها، فأسرع يرفعها على الفراش مرتبكا وخائفا أن يكون بها أذى كبير، أنحنى نحو وجهها الباهت بشكل يعكس مدى مرضها، وهمس بينما يمسح على شعرها:

-كيف حالك الأن؟

أخرجت حشرجة صغيرة وتأكدت أن تعكس الوهن والمرض وهي ترد عليه بنبرة ضعيفة:

-الغثيان لا يتركني، وأشعر بالضعف.

جز على ضروسه وألتف للمرأة خلفه يسألها بغضب بالغ:

-لمَ تأخرت تلك المرأة؟

أسرعت الأخرى تخبره بتلبك:

-أعذرني يا شيخ، أنها امرأة عجوز وتسير الهوينة.

نقل عينه ما بين وجه تماضر المريض والمرأة ثم جز على ضروسه وخرج ليجد حلا في أمر تلك المرأة المتأخرة، وبمجرد أن أغلق الباب رمت تماضر عنها رداء التعب وظهر وجهها الحقيقي وهي تنظر للأخرى وسألتها بحدة:

-أواثقة أنتِ في تلك السحارة؟

فردت كفها على صدرها وأكدت لها:

-كثقتي في نفسي، فقط أنتِ أثقلي يديها بالذهب وهي ستغلق فمها.

وأشارت على فمها بعلامة الكتمان، وهنا أتت لهم عدة أصوات من الخارج فأسرعت تخبرها:

-يبدو أنها أتت.

رقدت تماضر مجددا ودثرت نفسها راسمة ملامح التعب، ومرت لحظتين أو ثلاث ثم عادت تلك المرأة _التي أصبحت مساعدة تماضر الرسمية في الفترة السابقة_ ومعها عجوز منحنية الظهر، عيناها غائصة داخل تجاعيد وجهها، وتضحك ببلاها بفمها عديم الأسنان، اشمئزت منها تماضر ومن مظهرها العفن، وبمجرد أن أغلقت الأخرى الباب، استقامت تماضر ونظرت للعجوز قائلة بحدة وبأنف متجعد قرفا:

ما ذنبي؟.... عواصي الدمعWhere stories live. Discover now