42-(1) مُدقق

2.4K 92 13
                                    

الفصل الثاني والأربعون

تحلو الحياة للبعض وتمر للآخرين

تحلو الحياة للبعض وتمر للآخرين

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.


التكايا: تعد من المؤسسات الخيرية التي كانت مأوى للفقراء والطلاب والدراويش، ومكاناً لممارسة الشعائر الدينية، وإقامة حلقات الذكر والوعظ وتأدية الصلوات الخمس، إضافة إلى دورها التعليمي.

ديار أبو بكر...

مرت عليها الأيام بسرعة لم تكن تتخيلها، وأن كانت سلمت نفسها لخواطرها وتفكيرها في حالها الآن وحالها قبل شهرين لكانت فقدت عقلها، فمن كان ليعي أن براء القاسمي تسكن حجرة ضيقة مع ثلاث نساء أخريات وتفترش الأرض بعد أن كان لها مخدع كبير مثل الصرح وفراش ملوكي؟... من كان يتخيل أن تتحول يديها من نعومة الدلال إلى التشقق بفعل عملها طوال اليوم؟

لها أن تعترف أن أولى أيامها هنا كانت شديدة الصعوبة، رغم براءة الناس وعطفهم وتسامحهم الغير محدود، إلا أنه كان عالم غريب تماماً عنها، دخلت فيه فجأة وكان مطالب منها أن تعتاد عليه بأسرع ما يمكن..

كانت التكية عالم خارج عالمها، غريب وبه هالة مخيفة، هنا رأت أعز القوم يخلعون عنهم عمامتهم ثم يندموجون في تلك الرقصات الغريبة، يدورون في حلقات لساعات وساعات وكأنهم فاقدي الإحساس ولا يتحركون بإرادتهم بل هناك شيء خفي يأتي بهم يساراً ثم يميناً، وفي منتصف الحلقة درويش يبدو أنه يقودهم، لكن من مراقبتها لتلك "الحضرة" كما يدعونها أدركت أن لا أحد يقود الآخر، بل جميعهم يذوبون في الذكر والابتهال كأنهم جسد واحد، ذات الحركة وذات الصوت، مجرد مراقبتها لهم من خلف ساتر النساء جعلتها تندمج في مشاعر روحية سامية، وشعرت وكأن روحها تعلو للسماء.

لم تكن تقضي اليوم في مراقبة الحضرة بالطبع، بل كانت تتلصص بين الحين والآخر وهي تساعد النساء في التكية، من كان ليصدق أنها اعتادت غسل الصحون وكنس الأرض وتنظيفها؟ بل وطهي الطعام، يا الله لكم ستشمت فيها أمها أن علمت إلى أي حال وصلت ابنتها.

فكرت بسخرية جعلت ابتسامة شجن تعلو شفتيها ودمع يتسلل لعيناها، وقد أخذت طول الأيام السابقة تراجع نفسها في قرارها، فتنام على رأي أنها ستعود لأهلها، ثم تنهض وتنخرط مع النساء فتنسى وتقرر ألا تغادر، ومرت الأيام التي كانت تنظنها لن تمر... فتظل ليلاً هنا في حضرة قراءة القرآن والابتهال وصباحاً تساعد في طبخ الطعام وتوزيعه على المحتاجين، وهو أكثر ما أحبته.

ما ذنبي؟.... عواصي الدمعWhere stories live. Discover now