الفصل الثاني ـ «بلا خِلٍ يؤازره».

301 29 99
                                    

_قراءة ممتعة يا رِفاق").

******

انتفض مذعورًا إثر وهج الضوء العالي، المسلط علىٰ حدقتيه الباهتتين بقوة كبيرة، تزامنًا مع صيحة ذاك الغريبِ الذي كان يجاوره منذ ثوانٍ ضئيلة، جعلته يدرك أنها ربما تكون النهاية، وأن الخلاص قد يكون آن أوانه، ولوهلةٍ لا تتعدىٰ الثانية، شعر بأنه غير راغبًا في وأد حياته، وأنه غير مستعدًا الاستعداد التام لأن يُفارقها، هل هكذا تكونَ رغبة المرء في اقتناص أخر لحظاتٍ له في الحياة، وتمكسه الشديد بأنه لا يهوىٰ الضياع، وربما لو تمكن من العيش لوجد فرصًا لا تُعد لمثله البائس!!

هل هذه هي مقاومات الإنسان في ألا يموت؟! وأنه يريدُ انتهاز كل فرصةٍ له ليحيا من جديد!!
وأن كل إدعاءاتهِ في تمنيه لموتٍ قريب، ماهي إلاّ إدعاءاتٍ باطلة لا صحة لها!!
وأنه ود لو ودع عائلته قبل هذه الوهلة! عائلته؟!
الكلمة شديدة الثقل علىٰ عقله، هل كان يرغب مثلًا في عناقٍ من والديه؟! أو ربما كلمةٍ طيية قبل خروجه؟!
قضاء بضع لحظاتٍ مع شقيقه وشقيقته يتسامرون فيها، وربما يمرحون أيضًا!

هل هو كان بمثل هذا التمني قبل أن يلقىٰ حتفه؟! إنها لأمانيّ بسيطة لكل فردٍ علىٰ هذا الكوكب، ولكنها دربٌ من استحالة لشخصه وحده!

_«فـــارس، انتبــه».

الثانية التي تلت تفكيره العقيم هذا، لم تستطع مطلقًا أن تُغيثه، فقد غشي الضوء عينيه، قبل أن يشعر بجسده يسقط أرضًا إثر اصطدام حافة السيارة به، ولكنها لم تكن بالقوة الكبيرة لتؤذيه، بل كانت قريبة منه بإنشاتٍ لا كثيرة ولا قليلة، أسفرت عن كدماتٍ في أنحاء جسده منعته التحرك، ورأسه تأذىٰ ببضعة جروحٍ سالت منها دماءًا بسيطة.

كان يئنُ بصوتٍ مكتوم، غير قادرٍ علىٰ الصراخ من الألم الذي انتشر علىٰ طول قدميه وخاصرته، وبعض الحروق إثر جرحه من خشونة الشارع أسفله المحتكة به، ولزوجة الدماء التي تصلبت علىٰ مقدمة جبهته، ولم تمضي ثوانٍ إضافية، حتىٰ شعر بتجمهر الجميع حوله، يطمئنون عليه بقلقٍ بادٍ علىٰ وجوههم في مثل هذه المواقف، ولكنه شد علىٰ جفنيه بقوة يغمضهما، من شدة الألم، ومن توافد كل هذا الحشد حوله، حتىٰ سمع صوتًا قلقًا يجثو جواره، وهو يسأله بخوفٍ:
_"فارس هل أنت بخير؟! هل تأذىٰ جسدك بقوة؟! سيارة الإسعاف علىٰ وشك الإتيان، تحلىٰ بالصبر دقائق فقط، ألم أخبرك أن تنتبه أيها الشارد!!".

تحركت شفتاه متذمرة، بعدة شتائم لم تقوىٰ شخصيته الخجلة أن تصارحه بها، الغبي يسأله هل تأذىٰ جسده!! لا هو فقط شعر بإنهاكٍ فقرر التمدد أرضًا في الشارع!
بل ويُلقي اللوم عليه أيضًا، بالطبع فهو دائمًا المُلام، إن شُنت الحرب العالمية الثالثة الآن، فلن يتوانوا أبدًا في أن يُلقوا أسباب شنها عليه!!

_"وهل كنتُ أعلم أيها المتحاذق أن السيارة ستصدمني؟! أم تراني أعشق التمدد في منتصف الشارع وسط هؤلاء المتفرجين!".

الــمَـنبُــوذ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن