الفصل الرابع- « من النهاية للبداية».

166 24 5
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

*******

«من ذاكرة ضبابية»:

صوت صراخ عالي كان يعرف طريقه جيدًا ليخترق ثنايا تفكيره، انفعال هادر، وعنف من صاحبة الصوت وهي تجهش في البكاء، هادرة بانفعالٍ عاصف اتضح أنه السبب فيه:
_" قُم.. لا يمكنك تركي الآن... لم تكن طرقنا متجاورة، ولا أيدينا متشابكة كل هذا، لتأتي أنت بالنهاية معلنًا استسلامك اللعين هذا!".

صمتت تلتقط أنفاسًا لم تعد تريدها وهو بعيدًا عنها، تعودُ له بنفس العنف المنفعل، والصراخ المتقطع:
_"عِدني فارس... عِدني أنك لن تستسلم هذه المرة أيضًا... لأجلي افعلها أتوسل إليك.. لم أمضي كل تلك الأيام معك؛ لتتركني وحدي في النهاية... حسنًا لن أجبرك علىٰ شيء... بل... بل لن أمنعك من فعل بعض التهورات.. سأكون معك دومًا.. أنا لستُ مغامرة بطبعي، ولكني أريدُ التهور والمغامرة معك، سنلعن القوانين، ونخترقها سويًا.. سنترك عملنا الممل الرتيب، وربما نتقاعد عنه مبكرين.. و... وسنسافر ونجولُ العالم سويًا، متشابكين الأيدي".

شهقت شهقة عالية، ودعت فيها دموعها الحبيسة التي انطلقت متحررة من قيودها، لتمسحها سريعًا حتىٰ لا يشعر بضعفها، ولا تستطيع السيطرة عليه والحزم معه، مكملة خطط أحلامهما، بل أحلامه هو، والتي شاركها إياها، مبتسمًا كما الطفل الذي حصل علىٰ لعبته المفضلة أخيرًا.

تتذكر ابتسامته التي لن تنساها ما دامت حية، تتنفس نفس الهواء معه، وهو يلوح بيده عاليًا، صارخًا لها بقائمة أحلامه المتهورة، والتي شهدت بعضها معه حقيقةً، كيف كان متلهفًا أن أحدهم تفهمه، وأنه أيضًا سيجاري أفعاله، كم كانت هذه الأشياء البسيطة تجعله فرحًا، لهوفًا، يكاد العالم لا يتسع لبهجة قلبه حتىٰ! كيف كل ذلك تبخر؟! كيف انحسر كل ذلك فجأةً ليغدو أمامها بلا حراك، لا يريد العودة لهذا العالم الذي لطالما نبذه!! لاء هو لم ييأس... هو فقط منهك قليلًا، هذه هدنة بالتأكيد وسيعود منها سريعًا، ومع هذه البادرة من أملٍ واهي، كفكفت دموعها، وهي تبتسم بصعوبة، وتخفت حدتها، ويهدأ انفعالها قليلًا، مكملة بتفاؤل طالما كان له دور إيجابي معه:
_"حسنًا لن أصرخ عليك مرةً ثانية... صدقني أنا لا أريد هذا، أنا أريدك معي، لا يمكنك منحي كل هذا، منحي سعادة عامرة لم تتكلف بها، وربما لم تكن قاصدًا كل هذه البهجة لقلبي، ولكنك وبمحاولاتك البسيطة استطعت فعلها، لدرجة انبهاري وانبهار عائلتي بما أقبلت عليه... مع إننا لو عدنا بالماضي قليلًا، لأول عهدي بك لكنت أنت أحقُ بهذه السعادة مني، وربما تحتاج أطنانًا منها، لتعوض جفاف ما لاقيته، ولكنك بكل بساطة وفخر، وأيضًا بكبرياءٍ زائف كنت تخبرني أنك سعيد معي، بل إنك لم ترىٰ بهجةً قط، كتلك التي أدخلتها لقلبك حينما عرفتني".

صمتت تتذكر اعترافه لها بصوته الرجولي الذي يحمل بحة تردد لم تعد تتواجد بصوته، كلماته القليلة التي أودعها كل فرحته، وكل طاقته حتىٰ تخرج بكل هذا التبعثر، وبكل ذلك التوتر الذي كسا محياه حينها، ولكنه لم يكن قلقًا أبدًا بتلعثمه الذي يصفه البعض بنقصٍ فيه، أو عدم فهمه، لأنه كان متيقنًا بأنها ستتفهمه، بل ستعيد صياغة عباراته الغير مرتبة، بطريقة سهلة، وسلسة لتفهمها!

الــمَـنبُــوذ. Where stories live. Discover now