الفصل السادس عشر:«نصلٍ حاد».

92 8 21
                                    

قراءة مُمتعة يا رِفاق")

********

وتظنُ أنك تتغاضى عن بعض الأفعال، تصغيرًا بها وتقليلًا بأهميتها، وعندما تتيقن عظم إهمالك لها، وكيف تكون بهذا الجرم الكبير!
بعض المواقف تبتسم ساخرًا لتفاهتها، ويصيبك سهم الندم حينما ترىٰ صاحبها مكلومٌ بسببك، يتظلى بنيران جهلك به، وأنت تراه وتصر علىٰ تجاهله، وأي ندمٍ يكون وقتها!

_ أجل ريتاج هو فارس شقيقكِ.. الذي كنتُ أحبه منذ ثلاثة أعوام.

شهقت «ريتاج» وهي تضع يدها علىٰ فمها، متسعة الأعين!

كما اتسعت عينيه وهو يقف علىٰ أعتاب الغرفة، يشعر بالصدمة ومصعوقًا مما سمعه لتوه، ولم يخطر يومًا علىٰ باله أن تكون مشاعرها بهذه الجدية أبدًا.

كان يظن أنها تكن له مجرد إعجابٍ عادي، ولهذا كان يصر علىٰ تجاهلها حتىٰ لا يتفاقم الأمر، ولكنه لم يدرك أنه حين اكتشافه لتلك المشاعر، كان الموضوع متافقم وأكبر من أن يستوعبه عقله.
هل تحبه منذ تلك المدة! هل كانت بتلك المهارة لتخفي مشاعرها العميقة هذه تجاهه، وتظهر فقط بعض الرتوش التي كان يتفاخر بها، وأن هناك من قد يُعجب به!

ظل متسمرًا مكانه وقد ألجمه حديثها بصدمةٍ شلت أطرافه، وقد شعر بمزيدٍ من السخط علىٰ نفسه، ومن الشفقة والندم تجاهها وهي تتحدث بكل تلك الحسرة!

_ متى أتيت؟ ولمَ بتّ تتجاهلني؟!

اجفل من صوت والدته، التي قطعت سيل أفكاره وجلده لذاته، التي لم يكف أبدًا عن جلدها بكل سياط الذنب، ولكنه ولأول مرة ينظر لها بأعين خاوية، أعين لائمة، تلومها علىٰ كل ما وصل له من خيبةٍ وفشل، وهي كانت تطالعه بتعجب من نظراته الساهمة هذه بها، لعلو صوتها قليلًا وقد ابتعدا عن الغرفة التي كان يقف جوارها، قائلة بسخرية وسخطٍ لا ينفصلان عن شخصها أبدًا:
_ ألا أتحدث معك أنا؟! أم لأنك بت تعمل فسترى نفسك علينا وكأنه لم يعمل أحدٌ سواك... ستظل دومًا كمـ...

قطعت حديثها بصدمةٍ ألمت بها، وهي تراه لا يوليها اهتمام، وحتىٰ لم يتأثر بحديثها، بل ناظرها بنظرة لن تنساها أبدًا، نظرة أشبه بنظرة الكره، وهو يتجاوزها ويخطو لداخل غرفته، صافقًا الباب خلفه بقوة أجفلتها، وبقيت واقفة مكانها تطالع أثره باستغرابٍ تام، فكيف عاملها بتلك الطريقة؟! كيف تجاهل حديثها هكذا ولم يتأثر به؟!
أشاحت بوجهها بعيدًا وكأنها لا تنسب هذا الفعل الوقح منه لها، ودلفت للمطبخ وهي تتمتم بسخطٍ علىٰ عدم تربيته، وكيف يعامل والدته هكذا!

أما بالداخل عند الفتيات، كانت «ريتاج» تحاول ابتلاع صدمتها مما تُلي علىٰ مسامعها للتو، فليست صدمتها فيما قالته صديقتها سوىٰ أنها لطيلة هذه السنين كانت تتعذب بحبها لشقيقها! وهو لم يكن يراها بالأصل، وهي لم تُظهر حتىٰ كل هذا من قبل!

الــمَـنبُــوذ. Where stories live. Discover now