الفصل الحادي عشر:«لا وجود للصدفة في عالمنا».

102 10 31
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

********

ندور في فَلكٍ لا نهاية له، دائرة مفرغة نسير فيها، وكلما ظننا أننا وجدنا النهاية، نجدنا نعود للبداية من جديد، حيث الخطوة الأولىٰ، والفكرة التي أصبحت محاكة أكثر من مرة، ونرثي لحظة الوصول التي لا نصل لها أبدًا، ونظل هكذا دومًا ندور بلا توقف، ولا نهاية لطريقنا المقفر.

كان علىٰ جلوسه الذي كان قبل مكالمته لـ «نائل»، يحاول استنباط ما الذي حدث ليكون الأخير بمثل هذا الحزن الكئيب! وهل أصيب أحد أفراد عائلته بأي مكروه؟!
ليعود مستدركًا أنه كان معه بالأمس، وصباح اليوم كان يحادثه، ولم يخبره بأي شيء سيء، وحتىٰ لو كان أحدٌ منهم به علة، لم يكن ليتركه ويأتي ليجالسه الآن!

وتتكرر الأسئلة بداخله مرة أخرىٰ، عن أسوأ التوقعات، فيجيبه شقه الأخر بالنفي المطلق، ويعود مرة أخرىٰ، وتتكرر مراته مرارًا، وقبل أن يذهب بتفكيره لتلك الناحية التي حاول استقصائها عن تفكيره، نحوها هي من أن تكون مرضت مرة أخرىٰ، أو أصابها إنهيارٌ كأمس، ولكن ينقذه من مسارات تفكيره اللامتناهية، وطواحين عقله التي لا هداية لها أبدًا، ذاك الذي اهتز المقعد الجالس عليه، لسقوطه القوي والمرهق عليه، ولو أنهما في موضع تذكر، لذكره بأول مرة قابله فيها، وكيف كان مغيظًا ومستفزًا بشدة، ولكن من وجوم ملامحه، ارتكن للصمت المطبق بينهما، يعطي للأخر فرصة الهدوء، حتىٰ يعصف هو رياحه بنفسه دون أن يحثه عليها.

ران الصمت عليهما لدقائق عدة، قطعها الواجم بجواره، وهو ينبس بفتور وكمد، وكأنه يحادث نفسه لا يتحاور:
_ لا أدري هل كنتُ مصيبًا حين قررت مواجهتها، أم أن الخطأ أصبح خطأي حين اكتشفت تعقد الأمر أكثر من يُسره؟!

صمت هُنيهةً يشاور عقله، ثم أجاب نفسه بشرودٍ محير هذه المرة، والأخر تاركًا له فرصة الحديث مع نفسه، ولملمة شتات أفكاره المبعثرة، خافيًا غصةً في قلبه حين لمح أن الحديث عنها:
_ لوهلة وأنا أثور في وجهها أن تتجاوز ما حدث قديمًا، كنتُ أشعر بأنني أقف أمام نفسي أواجهها، وأرد لها صفعاتٍ سابقًا لم تنلها مني، حين كنت صارمًا معها وأنا أخبرها أن ما حدث لم يكن لها يدٍ ولا ذنب فيه، كنتُ أخبرني تباعًا أن أوجه هذا الكلام لنفسي أولىٰ!!

ازدادت تقطيبة حاجبيّ «فارس» أكثر من ذي قبل، وهو يشعر أن الذي أمامه يخفي غموضًا لم يفصح عنه بعد، هو بالأصل كان يشعر بأنه يلوذ علىٰ شيء بداخله، أو ربما يتخطى أمرًا في مكنون نفسه دون المرور بكل نتائجه، ولكنه لم يصل إلىٰ هذا الأمر، ولا يدري كنهه حتىٰ!

_أخبرني يا فارس... كيف تقف مشدود الظهر ناصحًا غيرك بما عجزت أنت عن فعله؟! كيف تخبره بحزمٍ أنه يسير في طريقٍ مقفر بهلاوسه، والهلاوس بداخله لم يتخلص منها بعد؟!

أخرجه من شروده بسؤله الذي وجهه له، بأعين حائرة، ونبرة صوتٍ تحمل خيبات سنين فوق عضده، ليجيب الأخر ببساطة لا يدري كيف انتابته، وهو يمد بصره أمامه للاشيء، في نقطةٍ فارغة شاردًا فيها:
_أخبرتك من قبل.. كلما لم تكن في الحفرة التي هو فيها.. فسيسهل عليك أن تشجعه أن يخرج منها بسهولة.. بل قد تستنكر أنه لا يقدر علىٰ المحاولة والخروج منها.. كلما كنت خارج الصورة.. ستتفنن في تحديد إطارها بعزيمة.. ولكن عندما تكون أنت المعني بالأمر، ستجد حينها كم هو صعب الأمر.

الــمَـنبُــوذ. Where stories live. Discover now