الفصل السابع: «في غياهب الذاكرة».

116 16 21
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق):

**********

الصور تتلاحق، الدموع تخزُ في عينيه، المشاهد تتسابق وكأنها في ماراثون، والوجوه تبهت؛ تختفي وتومِضُ في نفس الدقيقة، والأصوات تطنُ في أذنيه، تقرع كقرع الطبول الصارخة، لا يبين منها إلا بضع عباراتٍ بالكاد تكهّن بأبجديتها الغاضبة، الحالمة، التي تشع سعادة من بين حروفها، تنهال علىٰ مسامعه الضائعة، كما العزف السينفوني قديم الأزل.

«لن يمكنك التعايش هكذا، تنسج من الحزن خيوطًا لتلتف حول عنقك فتزهق روحك!».

«عليك التحرر من كل هذا فارس، أنت لست بشيطانًا، ولا ملاكًا معصومًا من الخطأ، إن لم تقطع كل تلك الخيوط التي تخنقك، ستظل سجينها ولن تتحرر منها، احتمِ بي وبكل من يحبك لتنقذ نفسك من براثنها».

«تعلم أني ربما... ربما أخبرك بهذا الكلام لأول مرة، ولا أدري كيف أبدأ حديثي فارس، ولكن.. ولكن الأمر كان خارجًا عن إرادتي اعذرني».

«لن أتوقف عن الأمل بك، وأنت لن تخذلني أبدًا... عدني بذلك فارس رجاءًا!».

«كنتَ دائم الإصرار علىٰ كونك لن تخرج من هذه الدائرة، والأصح أنك يائس حتىٰ من المحاولة، وأبسط فيأسك انطلق بحبور حتىٰ تعثر فيّ، فأثبط من همتي وقوتي في أن أساعدك، أنت اخترت هذا، فهنيئًا لك اختيارك يا فارس».

***********

والآن دعيني أعرفك بصديقي الجديد والوحيد والأزلي.. فارس الذي في أول لقاءٍ لنا كدنا نأخذ بعضنا بالأحضان من كثرة القبول الذي كان بيننا حينها.. وهذه هي سِنين يا فارس.. صديقتي وابنة خالتي وأيضًا شقيقتي في الرضاعة.

أنهىٰ عرضه المسرحي وهو يشير ناحية «سِنين» التي نظرت لأسفل، قبل أن ترفع عينيها مجددًا، في لحظةٍ خاطفة كانت تلتقي عيناهما سويًا، في لحظة غريبة مرت علىٰ كليهما، ومريعة علىٰ «فارس» الذي ما إن التحمت نظراتهما سويًا، حتىٰ أصابه خدرٌ من نوعٍ مريب، لحظات مرت عليهما سويًا، والأخر كان يقاوم مشاعر مربكة تسيطر عليه، وهو يغمض عينيه علىٰ صورتها وهي تطالعه بخجلٍ فطري.

هز رأسه لها بتحية بسيطة، قبل أن يشيح بأنظاره بعيدًا، حتىٰ ينتهي «نائل» وشقيقتيه من الترحيب ببعضهم، ومشاكساتهم التي كانت أذانه رغمًا عنه تسترق السمع لهم، ولضحكاتهم التي تصفو في نقاء وراحة بالٍ كما يُهيئ له، حتىٰ انتبه لتلك التي وللغرابة، يشعر بقوة وجودها، وكيانها الفريد الذي يفرض وجوده علىٰ المكان، توجه حديثها بنبرة آسفة لـ «نائل»:

_ أعتذر نائل.. لن أستطيع العودة معكم فصديقتي مريضة وأود زيارتها، ولكن عليك بتعويض غيابك عني أمس.. فكما تعلم وأوشت لك الصغيرة.. أن هناك أمورًا غائبة عنك يا عزيزي.. سلام.

الــمَـنبُــوذ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن