الفصل الرابع عشر:«حيلة هروب».

83 9 4
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

*******

كان والدها يجلس وهو يبتسم بحبور ومازالت الابتسامة عالقة علىٰ وجهه بعد أن قطعت حديثه بصوتها العالي، ووالدتها كانت في نفس اللحظة تضع فناجين القهوة علىٰ الطاولة أمامه، والذي كان يجلس يناظرها بغموضٍ قبل أن يسدل جفونه في احترام للمكان، وهو يرفع فنجان القهوة يرتشف منها رشفة، تزامنًا مع قول والدها الذي نزل كما السهم الحارق، يخترق قلبها، ويشعل الحرائق فيه، ويدمر أحلامها التي كانت تنسجها كما تريد من وهلة فقط، كانت من لحظة فقط لا أكثر!

_ تعالي هدى جيد أنكِ وصلتِ في الوقت المناسب.. هذا أحمد، مؤكد تذكرينه فقد كانوا جيراننا منذ زمن، وقد جاء اليوم خصيصًا بعد أن حصل علىٰ رقمي.. طالبًا يدكِ ابنتي علىٰ سنة الله ورسوله.

وإن بالغت في أن الأحلام قد تُنحر، فقد نُحر حلمها بسعادة والديها الشديدة، ونحر قلبها من ذلك الجاهل بمشاعرها، حين استحل غيره أن يحاول قبله.

ظلت فاغرة الفاه صادمة مما أُلقيَ علىٰ مسامعها من حديث، تريد النفي بأنه لا يحق له أن يطلب طلب كهذا! بل لا يحق له التواجد هنا وإدخال الفكرة في رأسه ورأس والديها! وكان عليه من السخط والنقمة ما يوازي سخطها علىٰ الأخر، ولم تجد صوتًا حتىٰ تخرجه لتعترض علىٰ هكذا طلب، ولم يرحمها سوىٰ صوت والدتها، وهي تستغرب وقوفها متخشبة هكذا:
_ هدى حبيبتي تعالي.. مابكِ تقفين هكذا؟!

خرج صوتها متحشرجًا مكسورًا، وهي تجيب أخيرًا محاولة الهروب وفورًا من هذا المكان الذي أصبح يضيق علىٰ أنفاسها ويخنقها:
_ أنا.. أنا متعبة جدًا، أعتذر منكم جدًا أريد أن أرتاح قليلًا.

قالت جملتها الأخيرة بسرعة مرتبكة، وهي تتنصل وتهرب من وقوفها أمامهم، والذي سيكشف خبيئة صدرها من لغة جسدها وعيونها، لذا لاذت بالفرار الأكيد، وهي تحتمي في غرفتها بعد أن أغلقتها بالمفتاح، وارتمت علىٰ فراشها تبكي قلبًا منحور، وعشقًا كانت هي كلا طرفيه، وحبًا لم يكتب له حتىٰ أن يُسطر أولىٰ سطوره!
انتحبت حتىٰ احمرت مآقيها، واختنق صوتها من شدة بكاءها، ترثي مامات قبل أن يُكتب له العيش حتىٰ.

وتركت خلفها والدين محرجين من موقفها الغريب عليهما، وأرجحا هذا لتفاجؤها بالأمر وعدم استعدادها، وفهم هذا طالب القرب رغم حرجه مما حدث، ومع هذا تحدث بعادية وهو يستأذن منهما، ويرخي عنهما حبال الحرج التي التفت علىٰ ثلاثتهما بقوله:
_ حسنًا عمي حسن، إن حدث نصيب بعد سؤال الآنسة أخبرني، وإن لم يحدث فهذا نصيب كلانا، ولا تحرج من أن تحدثني رجاءًا، وسعيد جدًا بأني جئتُ اليوم لكم ورأيتكما بعد هذه المدة، وربما مرة أخرىٰ تجتمع العائلتين من جديد، عن إذنكما.

شيعه كلاهما بابتساماتٍ ودودة وهما يودعانه، ويخبرانه بالرد الأكيد علىٰ مطلبه إن وجد القبول من ابنتهم، وزيارة أكيدة لوالديه حتىٰ يعيدا لم شملهما مرة أخرىٰ.

الــمَـنبُــوذ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن