الفصل التاسع:«فقدان أخر!».

99 11 8
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

********

وإن ظنوا أن السنين قد تمحوا الذكريات المؤلمة، والصراعات التي عانوها سابقًا، والموقف الذي يتكرر مرة أخرىٰ الآن، وحالة والدتها التي ظنتها قد تعافت وتخطت الأمر؛ فهي كاذبة، لم يتخطى أيٍ منهم أي شيء، لا شعور يعادل شعور مرارة الفقدان مرة أخرىٰ، بظروفٍ قد تختلف، ولكن المرارة هي بذاتها.

ساقيها اللتان لم تعد تحملانها، والذكريات التي عادت سوادها يطغي عليها، وحالة الهلع والاختناق التي أصبتها، شلت تفكيرها عن أي رد فعل، ولولا بقيةٍ من تعقل وتفكير، كانت ترغع هاتفها لأذنها برقمٍ تعرف أنه من سيساعدها، وهي تهرول للخارج بخطوات من شدة ترنحها، تكاد تنكفئ علىٰ وجهها، وحين أتاها صوته المختلط بالمرح، وهي يرحب بها بمشاكسة، كانت تصرخ في الهاتف بهيستيريا جعلته يوقف سيارته بسرعة شديدة، كادت أن تودي بحياة كلاهما، وهذيانها الغير مفهوم أصابه بالتشوش والصدمة وهي تصرخ به:
_ إنها تموت يا نائل.. تقىٰ تموت ولن أنقذها أيضًا هذه المرة.. ستموت ولن أكون بجوارها.. أنا لا أصلح لشيء نائل.. إنها تضيع مني كالسابق.. دمائها مازالت عالقة في يدي يا نائل.. سأخسرها من جديد.

وبسقوطها أرضًا، وصراخ الأخير فيها المصدوم أن تفهمه ما الذي حدث، وتجمع بعض العاملين حولها نتيجة صراخها وهيستيريتها الغير عادية، والجميع لا يفهم ما يدور، ولا سبب انهيارها الغريب لأول مرة.

أما «نائل» فعند توقف الاتصال، ووقوفه بالسيارة جانب الطريق، وحالة التساؤل التي كانت ترتسم علىٰ وجه «فارس» وذهوله، كان هو في معزلٍ عنها، وهو يعاود الاتصال مرة أخرىٰ، وتفكيره شلّ عن العمل، كيف ستموت «تقىٰ» شقيقتها وهي ميتة بالفعل! وكيف ستنقذها وهي ليس لها وجود بالأصل!!

ومع تكرار الاتصال وعدم الرد كان يصيبه الهلع أكثر، حتىٰ رحمته وهي تجيبه هذه المرة، مهرولة خارج المكان بسرعة لعلها تصل قبل فوات الأوان:
_ نائل أدركني أرجوك أنا في حالة لا تقوى علىٰ التفكير.. إنها.. إنها تضيع مني نائل...

وصرخة الأخير العالية جعلتها تتوقف مكانها صاغرة، وهو يهدر فيها صارمًا:
_ سِنيـــن توقفي عما تفعليه هذا.. وأخبريني ما الذي حدث.. هل هناك طفل في الدار يحتاج للمساعدة؟!

ومن بين شهقاتها العالية أجابت بنفي:
_ لاء يا نائل.. إنها... إنها أروى.. أمي أخبرتني أنها مريضة.. حرارتها مرتفعة جدًا.. أروى مناعتها ضعيفة ولا تحتمل يا نائل.. وتعرف كيف كنا سنخسرها حين مرضت بشدة سابقًا.. وأبي لا يرد علىٰ اتصالاتها.. وأنا أكاد أموت قلقًا.

حاول تهدئتها بأنها ستكون بخير، وهو يفور قلقًا هو الأخر، فابنة خالته ذات مناعة ضعيفة جدًا، وتمرض بسرعة وأخر مرة مرضت فيها كادت أن تلفظ أنفاسها من شدة هزالها وتعبها، والأدهى أن توأمها يمرض معها أيضًا؛ إن أصاب أحدهم مكروه، يصيب الأخر تباعًا، ومؤكد أن خالته الآن لا تقوى علىٰ التصرف الصحيح في حالتها، لهذا سألها وهو يتحرك من مكانه، ولا يجيب علىٰ تساؤلات الذي يجلس جواره بعد:
_ اهدئي سِنين صديقيني ستصبح بخير.. وسأتجه نحوهم فورًا فأنا قريب من البيت.. أخبريني أين أنتِ الآن؟!

الــمَـنبُــوذ. Where stories live. Discover now