الفصل العاشر «مواجهة الماضي».

108 8 25
                                    

_قراءة مُمتعة يا رِفاق").

********

بعض العهود حين قطعناها، ظننا أننا سنفي بها بكل جسارة، ولكن هناك عهود استعصى علينا الالتزام بها، وكأنها خلقت لكيلا نفي بها؛ وهكذا كان عهده معها، أنه لن يعترض طريقها مرة أخرىٰ، وسيبتعد لزامًا عنها، وجاء خبر تعب شقيقتها كحجة له لكي يراها، وكواجبٍ منه أن يكون جوارهم بحق جيرتهم.

_ ألف لا بأس علىٰ أروى عمي.. حين سمعت أنها مرضت ذهبتُ للبيت  ولكن أخبروني بقدومكم للمشفىٰ لهذا جئت لكم هنا.. ولكن نائل أخبرني أن سِنين أيضًا فقدت وعيها من الإنهاك والتوتر...(صمت قليلًا يلتقط أنفاسه وهو يغمض عينيه، قبل أن يواجهها بعينيه قائلًا) كيف حالك الآن سِنين؟!

_ بخير الحمدلله أحمد.. أتعبت نفسك بقدومك هنا.

قالتها «سِنين» بإعياء وهي تشعر برأسها يطن طنينًا، والرؤية مشوشة أمامها، ومع قدوم «أحمد» أيضًا والتي لا تعرف سببه الأساسي بدقة، فهي لم تقتنع بأسبابه التي قالها، خصوصًا بنظرات عينيه التي يحاول مداراتها ولكنها تفضحه، والسؤال الذي يحوم حولها، هل يحمل بداخله تجاهها شيئًا قويًا كما يظهر عليه، فلم يستطع تخطي رفضها، أم أنها هي فقط من تتوهم وتضخم الأمور؟!

انتشلها والدها من حالة الضياع والشرود هذه، وهو الأدرى بابنته وبأفكارها التي لا تتركها بمفردها، بل تنهش فيها حتىٰ تقضي عليها، خاصةً تجاه الأخرين وعقدة إرضائهم التي لا تستطيع التعافي منها، وهو يوجه حديثه لذلك الذي يقف حائرًا بينهم، ويشعر نفسه أنه في مكانٍ غير مرغوبٍ به فيه:
_ أنرت أحمد.. الحقيقة كل شيء حدث فجأة حتىٰ أنا لم أكن متواجد معهم.. ولولا نائل وصديقه لا أدري مالذي كان سيحدث، ولكن الله كان بنا رحيمًا، وسِنين انخفض ضغطها فقط من التوتر والخوف علىٰ شقيقتها، والحمدلله اطمئننا علىٰ كلاهما، وساعة بالكثير وسنعود جميعًا للبيت.

أماء له برأسه متفهمًا، وهو يغمغم حامدًا لله معه، قبل أن يجلي حلقه وهو يهم بالمغادرة، وقد شعر أنه تهور بسرعة حين ترك كل شيء وجاء لهم علىٰ وجه السرعة، وبالتأكيد يتساءلون الآن هل أتىٰ من أجل الاطمئنان عليهم، أم من  أجل حاجةً في نفسه، والحقيقة هو نفسه لا يدري ما به، والحيرة بداخله تزداد لا تقل.

نبس بصوتٍ متردد وهو يلقي نظرة عليها، ويحادث والدها:
_ حسنًا سأغادر أنا ياعمي فقد تركتُ العمل لاطمئن فقط، وإن احتجتم أي شيء مني أخبروني، وسلامتهم جميعًا.

قالها وهو يودع الصغار مربتًا علىٰ رؤسهم، وبابتسامة هادئة ودعهم وهو يغادر مع «نائل» الذي كان مستندًا علىٰ جانب الباب، وقد تركه «فارس» وذهب للكافيتريا وقد أصر أن يأتي للصغار بعصائر وبعض الطعام، واضطر لتركه حين أتىٰ «أحمد»، ولكنه غادر الآن بعد أن حقق حاجته التي في نفسه، ليشيعه الأخير بنظرات غامضة لم يراها، وهو يعلم أن الأمر لم ينتهي من ناحيته، ونظراته تشي بالكثير، واحتار فعلاً هل يحب شقيقته بقوة لهذه الدرجة ورفضها لم يكن رادعًا له ولقلبه، فلهفته هذه تفضحه وتخبره بالكثير، ولكن إن كان يحبها هكذا، لمَ استسلم من البداية!!

الــمَـنبُــوذ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن